النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين الجزء ١

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين13%

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 427

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 427 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96108 / تحميل: 4759
الحجم الحجم الحجم
النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

القتال ، والاستجابة لنداء عدوه الذي قضى فيه على ما أحرزوه مِن الفتح والنصر.

يقول (عليه السّلام) : «الحمد لله ، وإنْ أتى الدهر بالخطب الفادح والحدث الجليل ، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله. أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ ، الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ ، وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي ، وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ ، وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ ، وََنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ ، فَكُنْتُ أَنَا وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ :

أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى

فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلاّ ضُحَى الْغَدِ

ألا إنّ الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم الكتاب وراء ظهورهما ، وارتأيا الرأي مِن قِبَلِ أنفسهما ، فأماتا ما أحيا القرآن ، وأحييا ما أمات القرآن.

ثمّ اختانا في حكمهما ، فكلاهما لا يرشد ولا يسدّد ، فبرئ الله منها ورسوله وصالح المؤمنين ، فاستعدوا للجهاد ، وتأهبوا للمسير ، وأصبحوا في معسكركم يوم الاثنين إنْ شاء الله»(1) .

وتهيّأت قواته المسلّحة إلى السفر في الموعد الذي ضربه لها ، وكتب إلى أهل البصرة يدعوهم إلى نصرته ، فالتحقت به كتائب مِن الجيش.

تمرّدُ المارقين :

وسافر الإمام (عليه السّلام) بأصحابه يريد الشام ، ولكنّه لمْ يلبث حتّى وافته الأنباء بتمرّد الخوارج وفسادهم ، وأنّهم عادوا إلى فكرتهم.

ويقول المؤرّخون : إنّ جماعة منهم خرجوا مِن الكوفة ، والتحق بهم إخوانهم مِن أهل البصرة ، وساروا جميعاً إلى النهروان فأقاموا فيها ، وأخذوا يعيثون في الأرض فساداً ،

__________________

(1) أنساب الأشراف 1 / ق 1.

٨١

فاستحلّوا دماء المسلمين وقالوا بكفرهم. واجتاز عليهم الصحابي عبد الله بن خباب بن الأرت ، فتصدّوا له فسألوه عن اسمه فأخبرهم به ، ثم سألوه عن انطباعاته الخاصة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأثنى عليه ، فاستشاطوا غضباً ، فانبروا إليه فأوثقوه كتافاً ، وأقبلوا به وبامرأته ـ وكانت حبلى قد أشرفت على الولادة ـ فجاؤوا بهما تحت نخلة ، فسقطت رطبة منها فبادر بعضهم إليها فوضعها في فيه ، فأنكروا عليه فالقاها من فمه.

واخترط بعضهم سيفاً فضرب به خنزيراً لأهل الذمّة فقتله ، فصاح به بعضهم : إنّ هذا من الفساد في الأرض! فبادر الرجل إلى الذمّي فأرضاه ، فلمّا نظر عبد الله إلى احتياطهم في الأموال قال لهم : لئن كنتم صادقين فيما أرى ما عليّ منكم بأس. والله ، ما أحدثت حدثاً في الإسلام ، وإنّي لمؤمن ، وقد آمنتموني وقلتم لا روع عليك.

فلمْ يعنوا به ، وعمدوا إليه فأقبلوا به إلى الخنزير الذي قتلوه فوضعوه عليه وذبحوه ، وأقبلوا على امرأته ـ وهي ترتعد من الخوف ـ فقالت لهم مسترحمة : إنّما إنا امرأة ، أما تتّقون الله؟! ولمْ تلن قلوبهم التي طبع عليها الزيغ ، فذبحوها وبقروا بطنها ، وعمدوا إلى ثلاثة نسوة فقتلوهن(1) ، وفيهن أُمّ سنان الصيداويّة ، وكانت قد صحبت النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، وجعلوا يذيعون الذعر وينشرون الفساد في الأرض.

وأوفد لهم الإمام (عليه السّلام) الحرث بن مرّة العبدي يسألهم عن هذا الفساد الذي أحدثوه ، ويطلب منهم أن يسلّموا إليه الذين استحلوا قتل الأنفس التي حرّم الله إزهاقها بغير حقّ ، ولمْ يكد الرسول يدنو منهم حتّى قتلوه ، ولمْ يدعوه يدلي بما جاء به.

__________________

(1) أنساب الأشراف.

٨٢

قتالُ المارقين :

وكره أصحاب الإمام (عليه السّلام) أنْ يسيروا إلى الشام ، ويتركوا مِن ورائهم الخوارج يستبيحون أموالهم وأعراضهم مِن بعدهم ، فطلبوا مِن الإمام (عليه السّلام) أنْ ينهض بهم لمناجزتهم ، فإذا فرغوا منهم تحولوا إلى حرب معاوية ، فأجابهم الإمام (عليه السّلام) إلى ذلك وسار بهم حتّى أتى النهروان ، فلما صار بإزاء الخوارج ، أرسل إليهم يطلب منهم قَتَلة عبد الله بن خباب ومَنْ كان معه مِن النسوة ، كما طلب منهم قتلة رسوله الحرث بن مرّة ، ليكفّ عنهم ويمضي إلى حرب معاوية ، ثمّ ينظر في أمورهم ، فأجابوه : ليس بيننا وبينك إلاّ السيف ، إلاّ أنْ تقرّ بالكفر وتتوب كما تبنا.

فالتاع الإمام (عليه السّلام) منهم ، وانطلق يقول : «أبعد جهادي مع رسول الله وإيماني أشهد على نفسي بالكفر؟! قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ»(1) . وجعل الإمام (عليه السّلام) يعظهم تارة ويراسلهم اُخرى ، فجعل كثير منهم يتسللون ويعودون إلى الكوفة ، وقسم منهم التحق بالإمام (عليه السّلام) ، وفريق ثالث اعتزل الحرب ، ولمْ يبقَ إلاّ ذو الثفنات عبد الله بن وهب الراسبي زعيم الخوارج ، ومعه ثلاث آلاف.

ولمّا يئس الإمام (عليه السّلام) مِن إرشادهم عبّأ جيشه ، وأمر بأنْ لا يبدؤوهم بقتال حتّى يُقاتلوهم. ولمّا نظر الخوارج إلى تهيئة الإمام (عليه السّلام) تهيّؤوا للحرب ، وكانت قلوبهم تتحرّق شوقاً إلى القتال تحرّق الظمآن إلى الماء ، وهتف بعضهم : هل مِن رائح إلى الجنّة! فتصايحوا جميعا : الرواح إلى الجنّة.

ثمّ حملوا حملة منكرة على جيش الإمام (عليه السّلام) وهم يهتفون بشعارهم : (لا حكم إلاّ لله). فانفرجت

__________________

(1) أنساب الأشراف.

٨٣

لهم خيل الإمام (عليه السّلام) فرقين ؛ فرق يمضي إلى الميمنة ، وفرق يمضي إلى الميسرة ، والخوارج يندفعون بين الفرقين ، ولمْ تمضِ إلاّ ساعة حتّى قتلوا عن آخرهم ، ولمْ يفلت منهم إلاّ تسعة(1) .

ولمّا وضعت الحرب أوزارها طلب الإمام (عليه السّلام) مِن أصحابه أنْ يلتمسوا له ذا الثدية في القتلى ، ففتّشوا عنه فلمْ يظفروا به ، فعادوا إليه يخبرونه بعدم ظفرهم به ، فأمرهم ثانياً أنْ يبحثوا عنه ، قائلاً : «والله ما كذبتُ ولا كُذّبت ، ويحكم! التمسوا الرجل فإنّه في القتلى». فانطلقوا يبحثون عنه ، فظفر به رجل من أصحابه ـ وكان قد سقط قتيلاً في ساقية ـ فمضى يهرول فأخبر الإمام (عليه السّلام) به ، فلما سمع النبأ خرّ ساجداً هو ومَنْ معه مِن أصحابه ، ثمّ رفع رأسه وهو يقول : «ما كذبتُ ولا كُذّبت ، ولقد قتلتم شرّ الناس». وأخذ الإمام (عليه السّلام) يحدّث أصحابه بما سمعه مِن النّبي (صلّى الله عليه وآله) فيه ، أنّه قال : «سيخرج قوم يتكلّمون بكلام الحقّ لا يجاوز حلوقهم ، يخرجون مِن الحقّ خروج السّهم ـ أو مروق السّهم ـ إنّ فيهم رجلاً مُخدج اليد ، في يده شعرات سود ، فإنْ كان فيهم فقد قتلتم شرّ الناس».

وأمر الإمام (عليه السّلام) بإحضار جثّته فأُحضرت له ، فكشف عن يده فإذا على منكبه ثدي كثدي المرأة ، وعليها شعرات سود تمتد حتّى تحاذي بطن يده الاُخرى ، فإذا تركت عادت إلى منكبه ، فلمّا رأى ذلك خرّ لله ساجداً. ثمّ عمد الإمام (عليه السّلام) إلى القتلى من الفريقين فدفنهم ، وقسّم بين أصحابه سلاح الخوارج ودوابهم ، وردّ الأمتعة والعبيد إلى أهليهم كما فعل ذلك بأصحاب الجمل.

وانتهت بذلك حرب النهروان التي تفرّعت مِن واقعة صفّين ، وقد

__________________

(1) الملل والنحل 1 / 159.

٨٤

أسفرت عن تشكيل حزب ثوري عنيف ظهر في الإسلام ، وهو حزب الحرورية الذي أخذ على نفسه التمرّد على الحكومات القائمة في البلاد الإسلامية ، ومحاربتها بشكل سافر ، ممّا أدى إلى إراقة الدماء وإشاعة الفتنة والخلاف في كثير مِن تلك العصور.

لقد كان البارز في الأنظمة الدينية للخوارج هو الحكم بكفر كلّ مَنْ لا يدين بفكرتهم مِن المسلمين ، واستباحة دمائهم وأموالهم. وفيما أحسب أنّ أكثر الجرائم المريعة التي صدرت في معركة كربلاء تستند إلى هؤلاء الممسوخين الذين سُلِبَتْ عنهم كلّ نزعة إنسانية ؛ فقد تأثّر الكثير مِن ذلك الجيش بأخلاقهم ، فاندفعوا إلى الجريمة بأبشع صورها وألوانها.

مخلّفات الحرب :

وأعقبت تلك الحروب أعظم المحن وأشدّها هولاً ، ولمْ يُمتحن الإمام (عليه السّلام) بها وحده وإنّما امتحن بها العالم الإسلامي ؛ فقد أخلدت له الفتن ، وجرّت له الكثير مِن الويلات والخطوب ، ولعلّ أعظم ما عاناه منها ما يلي :

1 ـ انتصار معاوية :

وأتاحت الفرص لمعاوية بعد تلك الأحداث أنْ يعلن نفسه لأوّل مرّة بأنّه المرشّح للخلافة ، بعد أنْ كان حاكماً على إقليم الشام ، وراح يعلن انتصاره على الإمام (عليه السّلام) وتغلبه عليه ، بقوله : لقد حاربت عليّاً بعد صفّين بغير جيش ولا عناء ، أو لا عتاداً(1) .

وأمّا الإمام (عليه السّلام) فقد أصبح بمعزل عن السلطات السياسية

__________________

(1) أنساب الأشراف 1 ق 1 / 200.

٨٥

والعسكرية ، فكان يدعو فلا يُسمع لدعوته ، ويقول فلا يُلتفت إلى قوله.

لقد أدّت تلك الحروب إلى تحوّل الخلافة الإسلامية إلى حكم قيصري لا ظلّ فيه لحكم الإسلام ومنطق القرآن ؛ فقد آل الأمر إلى معاوية ، فاتّخذ مال الله دولاً ، وعباد الله خولاً ، وأرغم المسلمين على ما يكرهون.

2 ـ تفلّل جيش الإمام (عليه السّلام) :

وتفلّلت جميع القوات العسكرية في جيش الإمام (عليه السّلام) ، وشاعت الفرقة والاختلاف فيما بينها خصوصاً بعد واقعة النهروان ، فقد انحطّت معنويات الجيش.

يقول البلاذري : إنّ معاوية أرسل عمارة بن عقبة إلى الكوفة ليتجسس له عن حالة جيش الإمام (عليه السّلام) ، فكتب له : خرج على علي أصحابُه ونسّاكهم ، فسار إليهم فقتلهم ، فقد فسد عليه جنده وأهل مصره ، ووقعت بينهم العداوة ، وتفرّقوا أشدّ الفرقة.

فقال معاوية للوليد بن عقبة : أترضى أخوك بأنْ يكون لنا عيناً؟ ـ وهو يضحك ـ فضحك الوليد وقال : إنّ لك في ذلك حظّاً ونفعاً. وقال الوليد لأخيه عمارة :

فَإِن يَكُ ظَنّي يا اِبنَ أمِّيَ صادِقي

عُمارَةُ لا يُدرَكُ بِذَحلٍ وَلا وِترِ

تُضاحِكُ أَقتالَ اِبنِ عَفّانَ لاهِياً

كَأَنَّكَ لَم تَسمَع بِمَوتِ أَبي عَمرِو

يَظَلُّ وَأَوتارُ اِبنِ عَفّانَ عَندَهُ

مُخَيِّمَةٌ بَينَ الحَوَرنَقِ وَالجِسرِ(1)

لقد مُنِيَ جيش الإمام (عليه السّلام) بالفتنة والخلاف ، ولمْ يكن باستطاعة الإمام (عليه السّلام) ـ بما يملك مِن طاقات خطابية هائلة ـ أنْ يرجع إليهم حوازب أحلامهم ، ويقضي على عناصر الشغب والتمرّد التي أصبحت مِن أبرز ذاتيّاتهم.

وممّا زاد في تمرّد الجيش أنّ معاوية راسل جماعة مِن زعماء العراق

__________________

(1) أنساب الأشراف.

٨٦

البارزين كالأشعث بن قيس ، فمنّاهم بالأموال ، ووعدهم بالهبات والمناصب إذا قاموا بعمليات التخريب في جيش الإمام (عليه السّلام) وشعبه ، فاستجابوا إليه ، فقاموا بدورهم في إشاعة الأراجيف وتضليل الرأي العام ، وبثّ روح التفرقة والخلاف بين الناس(1) ، وقد أثّرت دعايتهم تأثيراً هائلاً في أوساط ذلك الجيش ، فقد خلعوا طاعة الإمام (عليه السّلام) وعمدوا إلى عصيانه.

لقد كانت الأكثرية الساحقة في معسكر الإمام (عليه السّلام) لهم رغباتهم الخاصة التي تتنافى مع مصلحة الدولة وغايات رئيسها ، في حين أنّ شعب الشام كان على العكس مِن ذلك.

يقول الحجّاج بن خزيمة لمعاوية : إنّك تقوى بدون ما يقوى به علي ؛ لأنّ معك قوماً لا يقولون إذا سكتّ ، ويسكتون إذا نطقت ، ولا يسألون إذا أمرت ، ومع علي قوم يقولون إذا قال ، ويسألون إذا سكت(2) .

3 ـ احتلال مصر :

ولمْ تقف محنة الإمام (عليه السّلام) وبلاؤه عند حدّ ، وإنّما أخذت تتابع عليه المحن ، وهي كأشدّ ما تكون هولاً ، فإنّه لمْ يكد ينتهي مِن مُناجزة المارقين حتّى ابتلى في أمر دولته ؛ فقد أخذ معاوية يحتلّ أطرافها ، ويغير على بعضها ، ويشيع فيها الخوف والإرهاب ، فقد أيقن بتخاذل جيش الإمام (عليه السّلام) وما مُنِيَ به من الفرقة والاختلاف ، وقد أجمع رأيه على احتلال مصر التي هي قلب البلاد العربية ، وقد جعلها طعمة إلى وزيره وباني دولته عمرو بن العاص ؛ ليتمتع وحده بخيراتها.

وكان الإمام (عليه السّلام) قد ولّى على مصر الزعيم الكبير قيس بن سعد الأنصاري ،

__________________

(1) أنساب الأشراف.

(2) الأخبار الطوال / 156.

٨٧

الذي كان من ألمع الشخصيات الإسلامية في حسن سياسته وعمق تفكيره وبُعْدِ نظره ، وقد ساس المصريين أيّام المحنة سياسةَ عدلٍ وحقٍّ ، وقضى على الاضطرابات الداخلية ، ونشر المحبّة والألفة فيها. وقد عزله الإمام (عليه السّلام) عنها وولّى مكانه الطيب محمّد بن أبي بكر ، فاضطرب أمر مصر ، وظهرت الدعوة العثمانية فيها ، فعزل الإمام (عليه السّلام) محمّداً عنها وولّى مكانه مالك الأشتر النخعي الذي هو من أنصح الناس للإمام (عليه السّلام) وأكثرهم إخلاصاً له ، إلاّ أنّه لمْ يكد ينتهي إلى (القلزم) حتّى مات.

وأجمع المؤرّخون على أنّ معاوية قد أغوى صاحب الخراج في (القلزم) فدسّ إليه سمّاً في شربة مِن عسل فمات بها ، وكان معاوية وصاحبه ابن العاص يتحدّثان بعد ذلك ويقولان : إنّ لله جنوداً مِن عسل.

وجهّز معاوية جيشاً لاحتلال مصر وأمر عليه ابن العاص ، ولمّا علم الإمام (عليه السّلام) ذلك أقرّ محمّداً على مصر ، ووعده بأنْ يمدّه بالجيش والمال ، وأخذ يدعو أهل الكوفة لنجدة إخوانهم في مصر فلمْ يستجيبوا له ، وجعل الإمام (عليه السّلام) يلحّ عليهم ويطلب منهم النجدة ، فاستجاب له جند ضئيل كأنّما يساقون إلى الموت ، فأرسلهم إلى مصر ، ولكنّه لمْ يلبث أن وافته الأنباء بأنّ ابن العاص قد احتل مصر ، وأنّ عامله محمّداً قد قُتِلَ وأُحرِقَت جثته في النار ، فردّ جنده وخطب أهل الكوفة خطاباً مثيراً ندّد بهم ، ونعى عليهم تخاذلهم وخور عزائمهم.

وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ احتلال مصر قد قوى شوكة معاوية ، ودفعه إلى أنْ يغزو أهل العراق في عقر دارهم.

٨٨

الغارات :

ولمْ يقنع معاوية بما أحرزه مِن النصر في احتلاله لمصر ، وإنّما راح يشيع الذعر والهلع في البلاد الخاضعة لحكم الإمام (عليه السّلام) ؛ ليشعر أهلها بأنّ عليّاً قد ضَعُفَ سلطانه ، وأنّه لا يتمكّن مِن حمايتهم وردّ الاعتداء عنهم ، وقد شكّل قِطَعاً مِن جيوشه وعهد إليها أنْ تتوغّل في البلاد ، وتشيع فيها الفساد والقتل ، وقد ولّى عليها جماعة مِن السفّاكين الذين تمرّسوا في الجرائم ، وتجرّدوا مِنْ كلّ نزعة إنسانية ، وعهد لكلّ واحد منهم أنْ يقتل كلّ مَنْ كان شيعة للإمام (عليه السّلام) ، ويغير على جهة خاصة بسرعة خاطفة.

ونعرض بإيجاز إلى بعض تلك الغارات :

الغارة على العراق :

وشكّل معاوية أربع قِطَع للغارة على أطراف العراق وداخله ؛ ليملأ قلوب العراقيين فزعاً وخوفاً حتّى لا يستجيبوا للجهاد إذا دعاهم الإمام (عليه السّلام) إليه ، وهذه بعض المناطق العراقية التي غار عليها.

1 ـ عين التّمر :

وأرسل معاوية النعمان بن بشير الأنصاري في ألف رجل إلى عين التّمر ، وكان فيها مالك بن كعب ، ومعه كتيبة مِن الجيش تبلغ ألف رجل ، إلاّ أنّه لمْ يعلم بغزو أهل الشام له ، فأذن لجنده بإتيان أهلهم في الكوفة ، وبقي في مئة رجل ، ولمّا دهمه جيش معاوية قاومه مقاومة باسلة ، وتوجّهت

٨٩

له نجدة تبلغ خمسين رجلاً ، فلمّا رآهم النعمان فزع وولّى هارباً ، فقد ظنّ أنّ لهم مدداً ، ولمّا بلغت الإمام (عليه السّلام) أنباء هذه الغارة قام خطيباً في جيشه يدعوهم إلى نجدة عامله ، فقال (عليه السّلام) : «يا أهل الكوفة ، كلّما أطلّت عليكم سرية ، وأتاكم مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ ، وَانْجَحَرَ انْجِحَارَ الضَّبَّةِ فِي جُحْرِهَا ، وَالضَّبُعِ فِي وِجَارِهَا. الذَّلِيلُ وَاللَّهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ ، وَمَنْ رُمِيَ بِكُمْ فَقَدْ رُمِيَ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ ، فقبحاً لكم وترحاً! وقد ناديتكم وناجيتكم ، فلا أحرار عند اللقاء ، ولا إخوان(1) عند النجا ، قد مُنيتُ منكم بصُمٍّ لا يسمعون ، وبُكمٍ لا يعقلون ، وكمّه لا يبصرون»(2) .

2 ـ هيت :

ووجّه معاوية للغارة على هيت سفيان بن عوف وضم إليه ستة آلاف ، وأمره أن يأتي بعد الغارة عليها إلى الأنبار والمدائن فيوقِع بأهلها ، وسار بجيشه إلى هيت فلمْ يجد بها أحداً ، فانعطف نحو الأنبار ، فوجد بها مسلحة للإمام (عليه السّلام) تتكون مِن مئتي رجل فقاتلهم ، وقُتِلَ أشرس بن حسّان البكري مع ثلاثين رجلاً مِن أصحابه ، ثمّ نهبوا ما في الأنبار مِن أموال ، وتوجّهوا إلى معاوية وهم مسرورون بما أحرزوه مِن النصر ، وبما نهبوه مِن الأموال(3) .

وبلغت أنباء الأنبار عليّاً فأثارته إلى حدّ بعيد ، وبلغ به الغيظ أقصاه ، وكان عليلاً لا يمكنه الخطاب ، فكتب كتاباً قُرِأ على الناس ، وقد أُدْنِيَ مِن السّدرة ليسمع القراءة(4) ، وهذا نصه :

__________________

(1) في الطبري : ولا إخوان ثقة.

(2) أنساب الأشراف.

(3) تاريخ ابن الأثير 3 / 189.

(4) أنساب الأشراف.

٩٠

«أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ ، وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى وَدِرْعُ اللَّهِ الْحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ ، فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ ، وَشَمِلَهُ الْبَلاءُ ، وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ ، وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالإِسْهَابِ ، وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ وَسِيمَ الْخَسْفَ وَمُنِعَ النَّصَفَ. أَلا وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً ، وَسِرّاً وَإِعْلاناً ، وَقُلْتُ لَكُمُ : اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ ؛ فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلاّ ذَلُّوا ، فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ ، وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الأَوْطَانُ. وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الأَنْبَارَ ، وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا ، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ ، فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا ، وَقَلائِدَهَا وَرُعُثَهَا ، مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاّ بِالاسْتِرْجَاعِ وَاِاسْتِرْحَامِ ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ ، وَلا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً ، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً. فَيَا عَجَباً! عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ! فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى ، يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلا تُغِيرُونَ ، وَتُغْزَوْنَ وَلا تَغْزُونَ ، وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ! فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ : هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ. وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ : هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ. كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ ، فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ ، فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ.

يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلا رِجَالَ! حُلُومُ الأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ ، لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَاللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً ؛ قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلأتُمْ قَلْبِي قَيْحاً ، وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً ، وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً ، وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذلانِ حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ : إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَلَكِنْ لا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ. لِلَّهِ أَبُوهُمْ! وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً ، وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي؟! لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ(1) وَهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ ، وَلَكِنْ لا رَأْيَ لِمَنْ لا يُطَاعُ»(2) .

__________________

(1) في رواية «وما بلغت العشرين».

(2) انسب الاشراف.

٩١

وقد صوّر هذا الخطاب ما في نفس الإمام (عليه السّلام) مِن غيظ ممضٍ ، ويأسٍ شديدٍ مِن أصحابه الذين امتلأت قلوبهم خوفاً وذلاً مِن أهل الشام ، فتخاذلوا وقبعوا في بيوتهم يطاردهم الفزع ، حتّى فسد على الإمام (عليه السّلام) أمره.

3 ـ واقصة :

ووجّه معاوية الضحّاك بن قيس الفهري إلى واقصة ليغير على كلّ مَنْ كان فيها مِن شيعة الإمام (عليه السّلام) ، وضمّ إليه ثلاثة آلاف رجل ، فسار الضحّاك فنهب أموال الناس ، وقتل كلّ مَنْ ظنّ أنّه على طاعة الإمام (عليه السّلام) ، وسار حتّى انتهى إلى القطقطانة وهو يشيع القتل والإرهاب ، ثمّ سار إلى السماوة ، وبعدها ولّى إلى الشام.

ولمّا وافت الأنباء الإمام (عليه السّلام) قام خطيباً في جيشه ، وقد دعاهم إلى صدّ هذا الاعتداء فلمْ يستجب له أحد ، فقال (عليه السّلام) : «وددت والله أنّ لي بكلّ عشرة منكم رجلاً مِن أهل الشام ، وإنّي صرفتكم كما يصرف الذهب ، ولوددت أنّي لقيتهم على بصيرتي فأراحني الله مِنْ مقاساتكم ومداراتكم». وسار الإمام (عليه السّلام) وحده نحو الغريّين لصدّ هذا الاعتداء ، فلحقه عبد الله بن جعفر بدابة فركبها ، ولمّا رأى الناس ذلك خفّ إليه بعضهم ، فسرح (عليه السّلام) لطلب الضحاك حِجْر بن عدي في أربعة آلاف ، وسار في طلبه فلمْ يدركه فرجع(1) .

لقد أخذت غارات معاوية تتوالى على العراق مِنْ دون أنْ تتعرّض لأيّ مقاومة تذكر ، وقد أيقن معاوية بالنصر والظفر لِما مُنِيَ به أصحاب الإمام (عليه السّلام) مِن التخاذل.

__________________

(1) أنساب الأشراف.

٩٢

الغارة على الحجاز واليمن :

وبعث معاوية بسر بن أرطاة في ثلاثة آلاف للغارة على الحجاز واليمن ، فاتّجه نحو يثرب فلمْ يجد مِنْ أهلها أيّة مقاومة ، فصعد المنبر ورفع عقيرته يندب عثمان ، وينشر الرعب والإرهاب بين الناس.

وأخذ البيعة مِنْ أهلها لمعاوية ، ثمّ سار إلى اليمن وكان عليها عبيد الله بن عباس عاملاً للإمام (عليه السّلام) ، فهرب منه حتّى أتى الكوفة ، فاستخلف الإمام (عليه السّلام) عليها عبد الله الحارثي فقتله بسر وقتل ابنه ، وعمد إلى طفلين لعبيد الله فقتلهما ، ولمّا انتهى خبرهما إلى اُمّهما فقدت وعيها ، وراحت ترثيهما بذوب روحها ، بأبياتها المشهورة(1) .

لقد قام سلطان معاوية على قتل الأبرياء ، وذبح الأطفال ، وأشاع الرعب والفزع في البلاد.

ولمّا انتهت الأنباء الأليمة إلى الإمام (عليه السّلام) خارت قواه ، ومزّق الأسى قلبه ، وراح يخطب في جيشه ، يذكر ما عاناه مِن الخطوب والكوارث منهم ، قائلاً : «اُنبئتُ بسراً قد أطلع اليمن(2) ، وإنّي والله لأظنّ أنّ هؤلاء القوم سيدالون(3) منكم باجتماعهم على باطلهم وتفرّقكم عن حقّكم ، وبمعصيتكم إمامكم في الحقّ وطاعتهم إمامهم في الباطل ، وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم وخيانتكم ، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم ، فلو ائتمنت أحدكم على

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 / 193.

(2) أطلع اليمن : بلغها واحتلتها قواته.

(3) سيدالون : أي ستكون لهم الدولة بسبب اجتماع كلمتهم ، واختلاف رأي العراقيّين.

٩٣

قُعب(1) لخشيت أنْ يذهب بعلاقته(2) . اللهمّ إنّي قد مللتهم وملّوني ، وسئمتهم وسئموني ، فأبدلني بهم خيراً منهم ، وأبدلهم بي شرّاً منّي. اللهمّ مِث في قلوبهم كما يُماث الملح في الماء ، أما والله لوددت أنّ لي ألف فارس مِنْ بني فرس ابن غنم(3) :

هنالك لو دعوتَ أتاكَ منهُمْ

فوارسُ مثلُ أرميةِ الحميمِ

ثمّ نزل عن المنبر(4) وهو غارق بالهموم والأحزان ، قد استولى اليأس على نفسه مِن أصحابه الذين أصبحوا أعصاباً رخوةً خاليةً مِن الشعور والإحساس.

هذه بعض الغارات التي شنّها معاوية على العراق وخارجه من الأقاليم الإسلامية الخاضعة لحكم الإمام (عليه السّلام) ، وكان المقصود منها زعزعة هذه المناطق مِن إيمانها بمقدرة الإمام (عليه السّلام) على حمايتها مِن الاعتداء ، وإذاعة مقدرة معاوية وقوته العسكرية ، وتقوية الروح المعنوية في جيشه ، وحزبه المنتشر في تلك البلاد.

وعلى أيّ حالٍ ، فقد صوّرت هذه الغارات جانباً كبيراً مِن الضعف والتمرّد في جيش الإمام (عليه السّلام) ، حتّى طمع معاوية في شنّ هجومٍ عامٍ على العراق لاحتلاله ، والقضاء على حكومة الإمام (عليه السّلام) ، ومِن المؤكد ، أنّه لو فعل ذلك لوجد الطريق سهلاً ، ولمْ يجد أيّة صعوبة أو مقاومة تذكر ، فقد خلُد القوم إلى الراحة ، وسئموا مِن الجهاد.

__________________

(1) القُعب بالضم : القدح الكبير.

(2) عِلاقته بكسر العين : ما يعلق به القعب من ليف ونحوه.

(3) بنو فرس : قبيلة عربية مشهورة بالشجاعة والإقدام.

(4) نهج البلاغة محمّد عبده 1 / 60.

٩٤

عبثُ الخوارج :

وتواكبت المحن الشاقّة على الإمام (عليه السّلام) يقفو بعضاً ، فغارات معاوية متصلة على العراق وخارجه ، وهي تنشر الرعب والهلع في قلوب المواطنين ، والإمام (عليه السّلام) لا يتمكن على حماية الأمن وصيانة الناس مِن الاعتداء ؛ فقد خلع جيشه يد الطاعة وأعلن العصيان والتمرّد ، ولمْ يعُدْ له أي نفوذ أو سلطان عليه ، ومِن تلك المحن الشاقّة التي ابتلي بها الإمام (عليه السّلام) هي فتنة الخوارج ؛ فإنّه لمْ يقضِ عليهم في النهروان ، وإنّما قضى على جماعة منهم ، وبقي أكثرهم يعيشون معه ، وهم يكيدون له ويتربّصون به الدوائر ، ويحوّلون قلوب الناس عنه. قد أمِنوا مِن بطشه ، واستيقنوا أنّه لن يبسط عليهم يداً ، ولا ينزل بهم عقوبة ، وقد أطمعهم عدله وأغراهم لينه ، فراحوا يجاهرون بالردّ والإنكار عليه ، فقد قطع بعضهم عليه خطبته تالياً قوله تعالى :( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) . فأجابه الإمام (عليه السّلام) بآية اُخرى :( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ ) .

وجاءه الخريت بن راشد السامي في ثلاثين من أصحابه فقال له : يا علي ، والله لا أطيع أمرك ، ولا اُصلّي خلفك ، وإنّي غداً مفارق لك. فلطف به الإمام (عليه السّلام) وحاججه ، وخلّى بينه وبين حرّيته فلمْ يسجنه ، وإنّما ترك له الطريق مفتوحاً. وولّى الرجل إلى قومه مِن بني ناجية فأخبرهم بما كان بينه وبين الإمام (عليه السّلام) ، ثمّ خرج في الليل يريد الحرب ، وجرت أحداث كثيرة في خروج الخريت وتمرّده ذكرها المؤرّخون بالتفصيل.

وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ المسؤولية الكبرى في كثير مِن الأحداث المفزعة التي مُنِيَ بها العالم الإسلامي تقع على الخوارج ، فهم الذين قضوا على مصير

٩٥

الأُمّة في أهم الفترات الحاسمة مِن تاريخها حينما كُتِبَ النصر للإمام (عليه السّلام) ، وباء معاوية بالهزيمة والفشل ، بحيث لمْ يبقَ مِن حياته إلاّ فترةٍ يسيرةٍ مِن الزمن ، قدّرها قائد القوات العسكرية في جيش الإمام (عليه السّلام) مالك الأشتر بحلبة شاة أو بعدوة فرس ، فأضاعوا ذلك النصر الكبير ، وأرغموا الإمام (عليه السّلام) على قبول التحكيم.

دعاءُ الإمام (عليه السّلام) على نفسه :

وطاقت بالإمام (عليه السّلام) موجات رهيبة ومذهلة مِن الأحداث والأزمات ، فهو يرى باطل معاوية قد استحكم ، وأمره قد تمّ ، ويرى نفسه في أرباض الكوفة ، قد احتوشته ذئاب العرب الذين كرهوا عدله ، ونقموا عليه مساواته ، وعملوا جاهدين على الحيلولة بينه وبين تحقيق آماله من القضاء على الإثرة والاستعلاء والطغيان.

والشيء الوحيد الذي أقضّ مضجع الإمام (عليه السّلام) هو تمزّق جيشه ، وتفلّل جميع وحداته ، فقد أصبح بمعزل عن جميع السلطات ، وقد نظر (عليه السّلام) إلى المصير المؤلم الذي سيلاقونه مِن بعده ، فقال : «أما إنّكم ستلقون بعدي ذلاً شاملاً ، وسيفاً قاطعاً ، وإثرة يتّخذها الظالمون فيكم سُنّة ؛ فيفرّق جماعتكم ، ويبكي عيونكم ، ويدخل الفقر بيوتكم ، وتتمنون عن قليل أنّكم رأيتموني فنصرتموني ، فستعلمون حقّ ما أقول لكم ، ولا يبعُد الله إلاّ مَنْ ظلم وأثم»(1) .

ولمْ يجد نصح الإمام (عليه السّلام) معهم شيئاً ، فقد تمادوا في الغي ، وعادت لهم جاهليتهم الرعناء. وقد سئم الإمام (عليه السّلام) منهم وراح يتمنّي مفارقة حياته ، فكان كثيراً ما يقول

__________________

(1) أنساب الأشراف 1 ق 1 / 200.

٩٦

في خطبة : «متى يُبْعَثُ أشقاها؟». وأخذ يلحّ بالدعاء ، ويتوسّل إلى الله بقلب منيب أنْ يريحه منهم.

فقد روى البلاذري ، عن أبي صالح ، قال : شهدت عليّاً وقد وضع المصحف على رأسه ، حتّى سمعت تقعقع الورق وهو يقول : «اللّهم ، إنّي سألتهم ما فيه فمنعوني ذلك. اللهمّ إنّي قد مللتهم وملّوني ، وأبغضتهم وأبغضوني ، وحملوني على غير خُلُقي ، وعلى أخلاقٍ لمْ تكن تُعرف لي ، فأبدلني خيراً لي منهم ، وأبدلهم بي شرّاً ، ومِث قلوبهم ميث الملح»(1) .

واستجاب الله دعاء وليّه العظيم ، فنقله بعد قليل إلى حضيرة القدس مع النبيّين والصدّيقين ، وأراحه مِن ذلك المجتمع الذي كره الحقّ ونقم على العدل ، وقد سلّط الله عليهم أرجاس البشرية ، فأخذوا يمعنون في ظلمهم وإذلالهم ، فيأخذون البريء بالسقيم ، والمقبل بالمدبر ، ويقتلون على الظنّة والتهمة ، فاستيقظوا عند ذلك ، وأخذوا يندمون أشدّ الندم على ما اقترفوه مِن الإثم تجاه الإمام (عليه السّلام) ، وما فرّطوا به مِن عصيانه وخذلانه.

هذه بعض مخلّفات تلك الحروب التي امتُحن بها الإمام (عليه السّلام) كأشد ما يكون الامتحان قسوة وإرهاقاً ، ولمْ يُمتحن بها وحده ، وإنّما امتُحن بها العالم الإسلامي بأسره ؛ فقد أخلدت للمسلمين المشاكل والخطوب ، وألقتهم في شرٍّ عظيم.

لقد واكب الإمام الحسين (عليه السّلام) هذه الأحداث المفزعة التي جرت على أبيه ، ووقف على واقعها ، وقد استبان له كراهية القوم لأبيه ؛ لأنّه لمْ يداهن في دينه ، وأراد أنْ يحمل الناس على الحقّ المحض ، والعدل الخالص ، ولا يدع محروماً ولا مظلوماً في البلاد.

وعلى أيّ حالٍ ، فإنّ هذه الحروب قد ساهمت مساهمة إيجابية في خلق كارثة كربلاء التي لمْ تأت إلاّ بعد انهيار الأخلاق ، وإماتة الوعي الديني والاجتماعي ، وإشاعة الانتهازية والتحلل بين أفراد المجتمع ، فقد سيطرت

__________________

(1) أنساب الأشراف 1 / ق 1.

٩٧

الرأسمالية القرشية على الشؤون الاجتماعية ، فأخذت تعيث فساداً في الأرض ، وتنقض جميع ما أقامه الإسلام مِن صروحٍ للفضيلة والأخلاق. وكان مِن أسوء ما قامت به أنّها عملت جاهدة على إشاعة العداء والكراهية لأهل البيت (عليهم السّلام) ، الذين هم مصدر الوعي والإحساس في هذه الأُمّة.

فقد عمدت بشكل سافر إلى تقطيع أوصالهم على صعيد كربلاء ، وإبادتهم إبادةً جماعيةً بصورةٍ رهيبةٍ لمْ يحدث لها نظير في تاريخ الإنسانية.

٩٨

اُفول دولة الحق

٩٩
١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

سورة النساء الآية ١٢٢

( وَالَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأنْهارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا )

روي السيد هاشم البحراني في كتابه غاية المرام ص ٣٢٧، عن إبراهيم الإصفهاني في: ما نزل من القرآن في عليّ، بإلاسناده عن شريك بن عبد الله، عن أبي إسحاق، عن الحارث، قال عليٌّ:

[نحن أهل بيت لا نقاس بالناس]

فقام رجل فأتى ابن عباس فأخبره بذلك. فقال (ابن عباس)، صدق عليّ، النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّملا يقاس بالناس، وقد نزل في عليٍّ( وَالَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) .

سورة النساء الآية ١٤٥

( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ )

حسبما أورده الباحثون ورواة الحديث، أنهم المبغضون للإمام عليعليه‌السلام :

أخرج الحافظ ابن عساكر -الشافعي، في كتابه: تاريخ دمشق(١) قال:

أخبرنا أبو الحسن علي بن مسلم -بسنده المذكور- عن أحمد بن حنبل -في حديث- أنّه قال:

ولكن الحديث الذي ليس عليه لبس قول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم:[يا عليُّ لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق ].

وقال الله عزّ وجلّ:

( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) .

وأخرج الحافظ أبو الحسن المغازلي في -المناقب- ص ٦٦ عن أبي إسحاق إبراهيم بن غسان البصري إجازة -بسنده المذكور- عن عليٍّ (كرّم الله وجهه) قال:[قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: الويل لظالمي أهل بيتي، عذابهم مع المنافقين. في الدرك الأسفل من النار].

وأخرج الترمذي بسنده عن أبي سعيد الخدري أنّه قال: إنّا كنّا نعرف المنافقين ببغضهم عليّ بن أبي طالب، سنن الترمذي: ج ٥ ص ٦٣٥ تحقيق إبراهيم عطوة عوض.

____________________

(١) تاريخ دمشق: ج ٢ ص ٢٥٣.

٣٠١

وأيضاً أخرج الترمذي عن المساور الحميري عن أمّه قالت: دخلت على أم سلمة فسمعتها تقول: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول:[لا يحب عليّاً منافق، ولا يبغضه مؤمن] المصدر نفسه: ج ٥ ص ٦٣٥.

روى المتّقى الهندي في كنز العمّال، عن النبي، في الحديث: ٣٢٩٠١ ج ١١ ص ٦٠١.

قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم:[من آذى عليّاً فقد آذاني ].

وقوله صلّى الله عليه وآله:

[يا أيّها الناس، أوصيكم بحبّ ذي قرنيها أخي و ابن عمّي عليّ بن أبي طالب، فانّه لا يحبّه إلّا مؤمن، ولا يبغضه إلّا منافق ] نقلاً من كتاب المقتطفات: ج ١ ص ٢٩١ لابن رويش الأندونيسي.

أورد الحافظ محمّد يوسف الكنجي من كتاب كفاية الطالب ص ١١٥ الباب العشرون - من توعد النبيّ صلّى الله عليه وآله لمبغضي عليّعليه‌السلام بالنار- قال:

وبإسناده عن الصحابي جابر، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي:[يا عليّ لو أنّ أمتي أبغضوك لأكبّهم الله عزّ وجلّ في النار. ]

قلت: هذا حديث رواته ثقات، وابن لهيعة قاضي مصر، وان كان قد احترقت كتبه لأجل انّه حدث من حفظه لكن احتج به مسلم وانما يشدد معه من الحدود.

ولايستريب اللبيب أن مبغض عليعليه‌السلام في النار، وذلك من وجوه، منها أن مبغضه مخالف لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأنّه صح الحديث في عليٍّعليه‌السلام ، أنّه يحبّه الله ويحبّه رسوله، فمن خالف الله ورسوله وجبت له النار، ومن أبغض ما أحبَّ الله ورسوله وجبت له النار، ومن أبغض من شنأ أهل الشرك والنفاق لأجل ذلك كان من المشركين والمنافقين، وقد توعدهم الله بأشد العذاب في قوله تعالى:( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) .

سورة النساء الآية ١٧٤

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ )

ورد في الحديث المرقم ٩٤ من شواهد التنزيل للحسكاني: ج ١ ص ٩٣ ط ٣ قوله:

وحدّثني علي بن موسى بن إسحاق عن محمّد بن مسعود بن محمّد قال: حدّثنا علي بن محمّد قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليٍّ بن الحكم عن ربيع المسلي، عن عبد الله بن سليمان قال:

٣٠٢

قلت لأبي عبد الله:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ ) قال:[البرهان محمّد، والنّور عليٌّ والصراط المستقيم عليٌّ ].

وورد مضمون هذا الحديث في تفسير العيّاشي: ج ١/٤٥٧: ١١٥٣.

وجاء في كتاب الدر الثمين، للحافظ رضي الدين البرسي ص ٧٤ قال: ثمّ جعله السبيل فقال:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ ) (١)

قال ابن عباس: السبيل عليّعليه‌السلام والحق ولاية عليّعليه‌السلام .

ثم جعل حبّه البرهان والنّور فقال:( قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) قال ابن عباس: البرهان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والنّور أمير المؤمنينعليه‌السلام .

ثمّ جعل حبّه الثواب فقال:( ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللهِ وَاللهُ ) (٢) قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:[ أنت الثواب وشيعتك الأبرار ].

ثمّ جعل حبّه الأمانة، قال ابن عباس: الأمانات حبّ فاطمة وعترتها يؤدّيها العبد يوم القيامة إلى الله والنبي إذا أورد الحوض وقيل له: ما فعلت بعترة محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وأورد الشيخ الطبرسي في تفسيره مجمع البيان: المجلد الثاني ص ١٤٧ ط دارإحياء التراث العربي -بيروت-.

ما فيه النجاة لكم من عذابه وأليم عقابه وذلك النور هو القرآن، عن مجاهد والسدّي وقيل النور: ولاية عليعليه‌السلام .

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :[ ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمنوا بِاللَّـهِ ) أي صدّقوا بوحدانيّة الله واعترفوا ببعث محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ( وَاعْتَصَمُوا بِهِ ) أي تمسكوا بالنور الّذي أنزله على نبيّه ( فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ ) أي نعمة منه هي الجنّة، عن ابن عباس (وفضل) يعني ما يبسط لهم من الكرامة وتضعيف الحسنات وما يزاد لهم من النعم على ما يستحقّونه ( وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) أي يوفّقهم لإصابة فضله الذي يتفضَّل به على أوليائه ويسدّدهم لسلوك منهج من أنعم عليه من أهل طاعته واقتفاء آثارهم والاهتداء بهديهم والاستنان بسنتهم واتباع دينهم وهو الصراط المستقيم الذي ارتضاء الله منهجاً لعباده .

____________________

(١) سورة النساء: الآية ١٦٧.

(٢) آل عمران: الآية ١٩٥.

٣٠٣

سورة المائدة

سورة المائدة الآية ٣

( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )

نورد فيما يلي ما جاء به الحفّاظ والرواة وأصحاب السير فيما أثبتوه في كتبهم أو تفاسيرهم:

أبو نعيم:

الحافظ أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق المعروف بأبي نُعيم الاصبهاني المولود عام ٣٣٤ والمتوفّى ٤٣٠، صاحب كتاب: ما نزل من القرآن في عليٍّعليه‌السلام قال في الحديث ٤: حدّثنا محمّد بن أحمد بن علي بن مخلّد، قال: حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: حدّثني يحيى الحمّاني قال: حدّثنا قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبدي: عن أبي سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم دعا الناس إلى عليّعليه‌السلام في غدير خمّ، وأمر بما تحت الشجر من الشوك فقمّ وذلك يوم الخميس فدعا عليّاً فأخذ بضبعيه فرفعهما حتّى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثمّ لم يتفرَّقوا حتّى نزلت هذه الآية:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) .

فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:[الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرّب برسالتي وبالولاية لعليّ (عليه‌السلام )من بعدي. ثمّ قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه أللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله]. فقال حسّان بن ثابت: إئذن لي يا رسول الله أن أقول في عليٍّ أبياتاً تسمعهنّ. فقال: قل على بركة الله. فقام حسان فقال يا معشر مشيخة قريش أتبعوا قولي بشهادة من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الولاية ماضية، ثمّ قال:

يُناديهمُ يوم الغدير نبيُّهم

بخمّ وأسمع بالرّسول مناديا

فقال: فمن مولاكمُ ونبيّكم؟

فقالوا: ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبيّنا

ولم تلق منّا في الولاية عاصياً

فقال له: قم يا عليٌّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاهُ فهذا وليّه

فكونوا له أتباع صدقٍ مواليا

هناك دعا اللّهم وال وليَّه

وكن لِلّذي عادى عليّاً معاديا

٣٠٤

وورد في الخصائص عن أبي بكر بن خلّاد عن محمّد بن عثمان بن أبي شيبة عن إبراهيم بن محمّد بن ميمون عن عليٍّ بن عابس عن أبي الجحاف والأعمش عن عطَّية قال: نزلت الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في عليٍّ يوم غدير خم. (الخصائص ٢٩).

الحسكاني:

هو الحافظ عبيد الله بن عبد الله بن أحمد بن محمّد ابن حسكان المتوفّى بعد العام ٤٩٠ للهجرة. روى هذا الحديث في الرقم (٢١٤) من كتاب شواهد التنزيل(١) قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي، أخبرنا أبو بكر الجرجرائي، أخبرنا أبو أحمد البصري، عن أحمد بن عمّار بن خالد، عن يحيى بن عبد الحميد الحمّاني، عن قيس بن الربيع، عن أبي هارون، عن أبي سعيد الخدري: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما نزلت هذه الآية( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) قال:[ألله أكبر [على] إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وولاية عليّ بن أبي طالب من بعدي. ثمّ قال: من كنت مولاه فعلي مولاه أللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره واخذل من خذله] ، وبإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وجابر الأنصاري قالا: أمر الله تعالى محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم أن ينصب عليّاً للناس فيخبرهم بولايته.

الطبري:

الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ المتوفّى سنة ٣١٠ هـ.

روى في كتابه (الولاية) بإسناده عن زيد بن أرقم في نزول الآية الكريمة يوم غدير خمّ، قال: لما نزل النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بغدير خمّ في رجوعه من حجّة الوداع، وكان وقت الضحى وحرّ شديد، أمر بالدوحات فقّمت ونادى الصلاة جامعة فاجتمعنا فخطب خطبةً بالغة، ثمّ قال:

____________________

(١) شواهد التنزيل: ج ١، ص ٢٣٨ ط ٣.

٣٠٥

[إنّ الله تعالى أنزل إليّ :( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنزل إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .وقد أمرني جبرئيل عن ربّي أن أقوم في هذا المشهد، وأعلم كلّ أبيض وأسود: أنّ عليّ بن أبي طالب أخي ووصيّ وخليفتي. والإمام بعدي، فسألت جبرئيل أن يستعفي لي ربيّ لعلمي بقلّة المتّقين وكثرة المؤذين لي، واللائمين لكثرة ملازمتي لعليّ وشدّة إقبالي عليه. حتّى سموّني أذناً فقال تعالى: ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ ) ولو شئت أن أسمّيهم وأدلّ عليهم لفعلت ولكنّي بسترهم قد تكّرمت، فلم يرض الله إلّا بتبليغي فيه فاعلموا معاشر الناس ذلك، فإنّ الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً، وفرض طاعته على كل أحد، ماض حكمه، جائز قوله، ملعونٌ من خالفه، مرحومٌ من صدّقه، إسمعوا وأطيعوا، فإنّ الله مولاكم وعليّ عليه‌السلام إمامكم، ثمّ الإمامة في ولدي من صلبه إلى يوم القيامة، لا حلال إلّا ما أحله الله ورسوله ولا حرام إلّا ما حرّم الله ورسوله وهم، فما من علمٍ إلّا وقد أحصاه الله فيّ ونقلته إليه، فلا تضلّوا عنه ولا تستنكفوا منه، فهو الذي يهدي الي الحقّ ويعمل به، لن يتوب الله على أحد أنكره ولن يغفر له، حتماً على الله من يفعل ذلك أن يعذّبه عذاباً نكراً أبد الآبدين، فهو أفضل الناس بعدي ما نزل الرزق وبقي الخلق، ملعونٌ من خالفه، قولي عن جبريل عن الله، فلتنظر نفسٌ ما قدّمت لغد.

إفهموا محكم القرآن ولا تتبعوا متشابهه، ولن يفسّر ذلك إلّا من أنا آخذٌ بيده، وشايل بعضده، ومعلمكم: أنَّ من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، وموالاته من الله عزَّ وجلَّ أنزلها عليّ. ألا وقد أدّيت ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت، لا تحلَّ إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره. ثمّ رفعه إلى السماء حتّى صارت رجله مع ركبة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال: معاشر الناس، هذا أخي ووصييّ وداعي علمي وخليفتي على على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربِّي.

وفي رواية:اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، والعن من أنكره، وأغضب على من جحد حقه، اللّهم إنّك أنزلت عن تبيين ذلك في عليّ: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) بإمامته، فمن لم يأتم به وبمن كان من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة فاولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون، إنّ ابليس أخرج آدم عليه‌السلام من الجنّة مع كونه صفوة الله بالحسد، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم وتزلّ أقدامكم، في عليٍّ نزلت سورة: ( وَالْعَصْرِ ﴿١﴾ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) .

٣٠٦

معاشر الناس آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه من قبل أن نطمس وجوهاً فنردّها على أدبارها ونلعنهم كما لعناّ أصحاب السبت. النّور من الله فيّ، ثمّ في عليّ، ثمّ من النسل منه إلى القائم المهدي. معاشر الناس، سيكون من بعدي أئمّةً يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون، وإنّ الله وأنا بريئان منهم، إنّهم وأنصارهم وأتباعهم في الدّرك الأسفل من النار، وسيجعلونا ملكاً إغتصاباً، فعندها يفرغ لكم أيّها الثقلان يرسل عليكم شواظٌ من نار ونحاس فلا تنتصران].

للحديث راجع (إحقاق الحق)(١) عن ضياء العالمين (من كتاب شواهد التنزيل لابن رويش ص ٨ – ١٠).

الخطيب البغدادي:

هو الحافظ بن أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر الخطيب البغدادي المتوفّى ٤٦٣ هـ.

روى في تاريخه: ج ٨ ص ٢٩٠ عن عبد الله بن علي بن محمّد بن بشران عن الحافظ علي بن عمر الدار قطني، عن حبشون الخلّال، عن عليٍّ بن سعيد الرملي عن ضمرة عن أبي شوذب عن مطر الورّاق عن ابن حوشب عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وعن أحمد بن عبد الله النيري عن عليٍّ بن سعيد عن ضمرة عن ابن شوذب عن مطر عن ابن حوشب عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم انّه قال:

[من صام يوم ثامن عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً. وهو يوم غدير خمّ لما أخذ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بيد عليّ بن أبي طالب فقال: ألست أولى بالمؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال من كنت مولاه فعليّ مولاه]. فقال عمر بن الخطّاب: بخٍ بخٍ يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلِّ مسلم. فأنزل الله:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) . الآية. ثمّ قال[ومن صام سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً وهو أوّل يوم نزل جبريل ( عليه‌السلام ) على محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم بالرسالة].

____________________

(١) إحقاق الحق: ج ٢ ص ٤١٩ - ٤٢٠.

٣٠٧

الخوارزمي:

موفّق بن أحمد أبو المؤيّد أخطب الخطباء الخوارزمي المتوفّى ٥٦٨ هـ أحد شعراء الغدير.

والحديث رواه الخوارزمي في الفصل (٤) من مقتله: ج ١ ص ٤٧ وكذا في الفصل ٤١ من مناقب أمير المؤمنين ص ٨٠ قال: وأخبرني سيّد الحافظ أبو منصور شهر دار بن شيرويه بن شهردار الديلمي الهمداني فيما كتب إليّ من همدان، أخبرني أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابه، حدّثني عبد الله بن إسحاق البغوي حدّثني الحسن بن عليل الغنوي حدّثني محمّد بن عبد الرحمان الذارع حدّثني قيس بن حفص، حدّثني علي بن الحسين، حدّثنا أبو الحسن العبدي عن أبي هريرة العبدي: عن أبي سعيد الخدري أنّه قال: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم دعا الناس إلى غدير خم وأمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقُمّ - وذلك يوم الخميس - ثمّ دعا الناس إلى عليّعليه‌السلام فأخذ بضبعيه فرفعهما حتّى نظر الناس إلى بياض إبطيه، ثمّ لم يتفرّقا حتّى نزلت هذه الآية( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) . فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:[الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضي الرّب برسالتي والولاية لعليّ. ثمّ قال: أللّهم والي من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله]. فقال حسّان بن ثابت: يا رسول الله أتاذن لي أن أقول أبياتا: فقال: قل ببركة الله تعالى: فقال حسان بن ثابت: يا معشر مشيخة قريش اسمعوا شهادة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثمّ قال:

يُناديهمُ يوم الغدير نبيّهم

بخمّ وأسمع بالرّسول منادياً

ألست أنا مولاكمُ ووليّكم؟

فقالوا - ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولاتجدن في الخلق للامر عاصياً

فقال له: قم يا عليٌّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدقٍ مواليا

هناك دعا اللّهم وال وليَّه

وكن لِلّذي عادى عليّاً معاديا

٣٠٨

وفي فرائد السمطين نقلاً عن الخوارزمي: ثمّ لم يتفرَّقا حتّى نزلت (الآية) وفي لفظه الآخر ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزلت (الآية)( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ... ) .

الحمويني:

شيخ الإسلام أبو إسحاق إبراهيم بن سعد الدين محمّد بن المؤيّد الحمويه.

ورواه بسنده عنه الحمّوئي بنقص شطرين من الأبيات من الباب (١٢) من كتاب (فرائد السمطين) للحموئي ومايلي الحمّوئي عن الخوارزمي: قال: أنبأني الشيخ تاج الدين أبو طالب علي بن الحب بن عثمان بن عبد الله الخازن، قال: أنبأ الإمام برهان الدين ناصر بن أبي المكارم المطرزي إجازة قال: أنبأ الإمام أخطب خوارزم أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي، قال: أخبرني سيد الحافظ فيما كتب إليَّ من همدان إلى آخر ما مرّ عن أخطب الخطباء الخوارزمي سنداً ومتناً - المذكور آنفاً-.

وروى عن سيد الحفّاظ أبي منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسن الحدّاد المعرّي الحافظ قال: نبأ أحمد بن عبد الله بن أحمد قال: نبأ محمّد بن أحمد قال: نبأ محمّد بن عثمان بن أبي شيبة قال: نبأ يحيى الحمّاني قال: نبأ قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دعا الناس إلى عليّ. إلى آخر الحديث بلفظ مرّ بطريق أبي نعيم المذكور آنفاً ممن روى الحديث في نزول( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) . ثمّ قال: حديث له طرق كثيرة إلى أبي سعيد سعد بن مالك الخدري الأنصاري. وأخرج في فرائد السمطين عن مشايخه الثلاث، برهان الدين الحسيني المدني والشيخ مجد الدين الموصلي وبدر الدين محمّد بن محمّد بن أسعد البخاري باسنادهم عن أبي هريرة: أنّ الآية نزلت في عليٍّ

محمّد بن علي بن الحسين الفقيه:

أورد الحديث في آخر المجلس: ٨٤ من أماليه ص ٥٤١ قال: حدّثنا محمّد بن عمر الحافظ البغدادي قال: حدّثني محمّد بن الحسين بن حفص، قال: حدّثني محمّد بن هارون أبو إسحاق الهاشمي المنصوري قال: حدّثنا قاسم بن الحسن الزبيدي قال: حدّثنا يحيى بن عبد الحميد، قال: حدّثنا قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي: عن أبي سعيد (الخدري) قال: لماّ كان يوم غدير خم أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله منادياً فنادى الصلاة جامعة، فأخذ بيد عليّعليه‌السلام وقال:[أللّهم من كنت مولاه فعليٌّ مولاه أللّهم وال من والاه وعاد من عاداه].

٣٠٩

فقال حسّان بن ثابت: يا رسول الله أقول في عليٍّ شعراً: فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إفعل. فقال:

يُناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ وأسمع بالنبيّ منادياً

يقول فمن مولاكم ووليّكم؟

فقالوا: ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولن تجدن منّا لك اليوم عاصياً

فقال له: قم يا عليُّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

ابن مردويه:

الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الاصبهاني المتوفّى ٤١٦ صاحب كتاب (كشف الغمّة).

أخرج بإسناده عن أبي سعيد الخدري، انّها نزلت يوم غدير خمّ في عليٍّ بن أبي طالب. وبإسناد آخر عن ابن مسعود انّه قال: كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنزل إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ - أنّ عليّاً مولى المؤمنين -وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

وروى بإسناده عن ابن عباس قال: لمّا أمر الله رسوله صلّى الله عليه وآله أن يقوم بعلّي فيقول له ما قال، فقال:[يا ربّ إنّ قومي حديثي عهد بجاهليّة ثمّ مضى بحجّه فلمّا أقبل راجعاً نزل بغدير خمّ فأنزل الله عليه:

( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنزل إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) . الآية.فأخذ بعضد عليّ ثمّ خرج إلى الناس فقال: أيّها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: أللّهم من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأعن من أعانه، واخذل من خذله، وانصر من نصره، وأحبْ مَن أحبَّه وابغض من أبغضه] قال ابن عباس: فوجبت والله في رقاب القوم. وقال حسّان بن ثابت:

يُناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ وأسمع بالرسول منادياً

يقول فمن مولاكمُ ووليّكم؟

فقالوا: ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولم تر منّا في الولاية عاصياً

فقال له: قم يا عليُّ! فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

ومرويٌّ عن زيد بن عليّ، انّه قال:[لمّا جاء جبرئيل بأمر الولاية ضاق النبيّ صلّى الله عليه وآله بذلك ذرعاً وقال: قومي حديثوا عهد بالجاهليّة]، فنزلت الآية (كشف الغمّة) ص ٩٤.

٣١٠

وقال السيوطي في الدرّ المنثور(١) أخرج ابن مردويه وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري قال: لما نصب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً يوم غدير خمّ فنادى له بالولاية، هبط جبرئيل عليه بهذه الآية:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: لما كان غدير خمّ وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم:[من كنت مولاه فعليٌّ مولاه]. فأنزل الله:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) .

أقول: إنَّ طعن السيوطي في الحديث بكون السند ضعيف، تحكّم بعصبيّة واندفاع غير مبرر حيث أنّ الحديث واضح ورجال اسناده كلّهم ثقات.

وبالخصوص فإنّ كلاً من ابن مردويه والخطيب البغدادي وابن عساكر من الحفّاظ المتثبتين ولا يعرف عنهم التشيع فضلاً عن أنّ أهل الجرح والتعديل لا يذكرونهم إلّا بخير. وللرجوع لجلال الدين السيوطي في كتابه الدرّ المنثور(٢) . وأخرج عن أبي الشيخ عن الحسن أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال:[إنّ الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً، وعرفت أنّ الناس مكذّبي فوعدني لأبلّغنَّ أو ليعذِّبني فأنزل: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنزل إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ] .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن مجاهد قال: لما نزلت:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنزل إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) قال: يا ربّ إنّما أنا واحد كيف أصنع يجتمع عليَّ الناس؟ فنزلت (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته).

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري: نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنزل إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ - أنَّ عليّاً مولى المؤمنين -وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) .

وللملاحظة: ما أخرج الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخه: ج ٨ ص ٢٩٠.

____________________

(١) الدرّ المنثور: ج ٢ ص ٢٥٩.

(٢) الدرّ المنثور: ج ٢ ص ٢٩٨.

٣١١

عن عبد الله بن علي بن محمّد بن بشران، عن الحافظ علي بن عمر الدار قطني، عن أبي نصر حبشون الخلّال، عن عليٍّ بن سعيد الرملي، عن ضمرة بن ربيعة، عن عبد الله بن شوذب، عن مطر الوراّق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال قال: من صام يوم ثمان عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً وهو يوم غدير خمّ لما أخذ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بيد عليّ بن أبي طالب فقال:[ألست ولي المؤمنين قالوا: بلى يا رسول الله قال:من كنت مولاه فعليٌّ مولاه]. فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يابن أبي طالب! أصبحت مولاي ومولى كل مسلم فأنزل الله:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) . ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب، كتب له صيام ستين شهراً وهو أوّل يوم نزل جبرئيلعليه‌السلام على محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم بالرسالة.

روى من طريق أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري: أنّها نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم غدير خمّ حين قال لعليّ:[من كنت مولاه فعليٌّ مولاه]، ثمّ رواه عن أبي هريرة وفيه: إنّه اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، يعني مرجعه صلّى الله عليه وآله وسلّم من حجّة الوداع. ثمّ قال (ابن مردويه) لا يصحّ هذا ولا هذا.... حيث أنّه يرى الصحيح بنزولها في يوم عرفة.

السجستاني:

هو الحافظ مسعود بن ناصر بن عبد الله بن أحمد أبو سعيد السجستاني المتوفّى ٤٧٧ هـ، صاحب كتاب (الولاية) الذي أفرده في حديث الغدير بإسناده عن ابن عباس قال: لما خرج النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى حجة الوداع نزل بالجحفة فأتاه جبريلعليه‌السلام فأمره أن يقوم بعليّ فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم:[أيّها الناس ألستم تزعمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال:من كنت مولاه فعلي مولاه، أللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبْ من أحبّه، وابغض من أبغضه، وانصر من نصره، وأعزّ من أعزّه، وأعن من أعانه]. قال ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم.

وبكتابه (الولاية) وبإسناده عن يحيى بن عبد الحميد الحمَّانيّ الكوفي عن قيس بن الربيع عن أبي هارون عن أبي سعيد الخدري: إنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما دعا الناس بغدير خم أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقُمَّ وذلك يوم الخميس..... إلى آخر اللفظ المذكور بطريق أبي نعيم الوارد آنفاً.

٣١٢

ابن المغازلي:

أبو الحسن علي بن محمّد الجلابي الشافعي المعروف بابن المغازلي المتوفى ٤٨٣هـ صاحب كتاب(المناقب).

روى في مناقبه عن أبي بكر أحمد بن محمّد بن طاوان قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن الحسين بن السمّاك قال: حدّثني أبو محمّد جعفر بن محمّد بن نصير الخلدي، حدّثني علي بن سعيد بن قتيبة الرملي قال: حدّثني ضمرة بن ربيعة القرشي عن ابن شوذب عن مطر الورّاق عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة. إلى آخر اللفظ المذكور بطريق الخطيب البغدادي وورد من(المناقب) ص ١٩.

ابن عساكر:

هو الحافظ علي بن الحسن بن هبة الله، أبو القاسم الدمشقي الشافعي الملقب بـ (ثقة الدين) والشهير بابن عساكر المتوفى ٥٧١ صاحب كتاب التاريخ، الذي صنَّفه في تاريخ الشام وقيل في ثمانين مجلداً - وذكر ابن كثير في تاريخه: أنّ ثلاث مجلدات منها في ترجمة عليّ ومناقبه.

روى الحديث المذكور بطريق ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة.

سورة المائدة الآية ٣

( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )

وأورد ابن عساكر في تاريخه في الحديث ٥٨٠ في ص ٧٧ط، في ج ٢، قال: وأخبرنا أبو القاسم السمرقندي، أنبا أبو الحسين بن النقور، أنبأنا محمّد بن عبد الله بن الحسين الدقّاق، أنبانا أحمد بن عبد الله بن أحمد بن العباس بن سالم بن مهران - المعروف بابن النيري البزّاز إملاءً لثلاث بقين من جمادي الاخرة. سنة ثمان عشرة وثلاثمئة- أنبانا على بن سعيد الشامي، أنبانا ضمرة بن ربيعة، عن أبي شوذب، عن مطر الورّاق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال:[من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لماّ أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بيد عليّ بن أبي طالب فقال: (ألست مولى المؤمنين؟). قالوا: نعم يا رسول الله، فأخذ بيد عليّ بن أبي طالب فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه]. فقال له عمر بن الخطاب: بخٍ بخٍ يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله تبارك وتعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) .

٣١٣

وأورد الحافظ ابن عساكر رواية أخرى للحديث، تحت الرقم ٥٧٧ في كتابه تاريخ دمشق(١) ، قال: أخبرناه عالياً أبو بكر ابن المرزقي، أنبانا أبو الحسين بن المهتدي، أنبانا عمر بن أحمد، أنبانا أحمد بن عبد الله بن أحمد، أنبانا علي بن سعيد الرقّي، أنبانا ضمرة (بن ربيعة القرشي) عن ابن شوذب، عن مطر الوراّق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: لما أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بيد عليّ بن أبي طالب فقال:[من كنت مولاه فعلي مولاه]. فقال له عمر بن الخطاب: بخٍ بخٍ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، قال: فأنزل الله عزّ وجلّ:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) . قال: أبو هريرة: وهو يوم غدير خمّ من صام (فيه) - يعني ثمانية عشر من ذي الحجة - كتب الله له صيام ستّين شهراً.

كما في الدرّ المنثور(٢) ، وحديث الغدير رواه بأسانيد كثيرة فهو قد ذكر الحديث من المرقم ٥٧٧ وما بعده من أحاديث في ترجمته للإمام عليّعليه‌السلام

أبو الفتح النطنزي:

هو أبو الفتح محمّد بن علي بن إبراهيم النطنزي المولود عام ٤٨٠هـ روى في كتابه، الخصائص العلويّة:

____________________

(١) تاريخ دمشق: ج ٢ ص ٧٥ ط ٢.

(٢) الدرّ المنثور: ج ٢ ص ٢٥٩.

٣١٤

عن الحسن بن أحمد المهري، عن أحمد بن عبد الله بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن علي، قال: حدّثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: حدّثنا يحيى الحِمّاني، قال: حدّثنا قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دعا الناس إلى عليرضي‌الله‌عنه في غدير خم وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فَقُمّ وذلك يوم الخميس فدعا عليّاً فأخذ بضبيعيه فرفعهما حتّى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ثمّ لم يتفرَّقوا حتّى نزلت هذه الآية:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) الآية. فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:[الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة ورضي الرب برسالتي والولاية لعليّ من بعدي، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه أللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه. وانصر من نصره، واخذل من خذله]. فقال حسّان بن ثابت: إئذن لي يا رسول الله فأقول في عليٍّ أبياتاً لتسمعها، فقال: قل على بركة الله، فقام حسّان فقال: يا معشر قريش اسمعوا قولي بشهادة من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الولاية الثابتة:

يُناديهم يوم الغدير نبيّهم

إلى آخر الأبيات الوارد ذكرها في ما أوردها أبو نعيم الاصبهاني وكذلك يروي الحديث عن أبي سعيد الخدري وجابر الأنصاري فيقول: انّهما قالا: لما نزلت: (اليوم اكملت لكم دينكم) الآية.

قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم.[الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضي الربِّ برسالتي، وولاية عليّ بن أبي طالب بعدي].

وروى في الخصائص بإسناده عن الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام قالا: نزلت هذه الآية يعني أية التبليغ - يوم الغدير. وفيه نزلت( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) . قال: وقال الصادقعليه‌السلام :أي: [اليوم أكملت لكم دينكم باقامة حافظ، وأتممت عليكم نعمتي أي: بولايتنا، ورضيت لكم الإسلام ديناً أي بتسليم النفس لأمرنا]. وبإسناده في خصائصه أيضاً عن أبي هريرة حديث صوم الغدير بلفظ مرَّ بطريق الخطيب البغدادي وفيه نزول الآية في عليٍّ يوم الغدير.

٣١٥

سعد الدين أبو حامد محمود بن محمّد بن حسين بن يحيى الصالحاني: قال شهاب الدين أحمد في كتابه (توضيح الدلائل على ترجيح الفضائل) وبالاسناد المذكور عن مجاهد قال: نزلت هذه الآية:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ ) بغدير خمّ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:[الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرَّبَّ برسالتي، والولاية لعليّ]. رواه الصالحاني، الذي ذكره في كتابه توضيح الدلائل، واصفاً إيَّاه قائلاً: الإمام العالم الاديب الاريب، المحلّى بسجايا المكارم الملّقب بين الاجلّة الأئمّة بمحيي السنّة وناصر الحديث ومجد الإسلام العالم الربّاني والعارف السبحاني سعد الدين أبو حامد محمود بن محمّد بن حسين بن يحيى الصالحاني في عباراته الفائقة وإشاراته الرائقة من كتابه شكر الله تعالى مسعاه وأكرم بفضله مثواه.

سبط بن الجوزي:

هو أبو المظفّر يوسف الأمير حسام الدين قواوغلي ابن عبد الله البغدادي الحنفي، وهو سبط الحافظ ابن الجوزي الحنبلي من كريمته (رابعة).

ذكر في كتابه: تذكرة خواص الأمّة، في الصفحة ١٨ ما أخرجه الخطيب البغدادي، والوارد ذكره آنفاً.

ابن كثير:

هو الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير الشافعي القيسيّ الدمشقي المتوفّى ٧٧٤هـ.

روى في تفسيره: ج ٢ ص ١٤ من طريق ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة أنهما قالا: إنّ الآية نزلت يوم غدير خم في عليٍّ وروى في تاريخه: البداية والنهاية،(١) حديث أبي هريرة المذكور بطريق الخطيب البغدادي وجاء في البداية والنهاية(٢) ما قال: رواه حبشون الخلّال وأحمد بن عبد الله بن أحمد النيرّي - وهما صدوقان- عن عليٍّ بن سعيد الرملي عن ضمرة.

ميرزا محمّد بن معتمد خان البدخشي صاحب كتاب: مفتاح النجا في مناقب آل العبا، وكتاب: نزل الأبرار بما صحَّ من مناقب أهل البيت الأطهار، كتابان في علم الحديث وفنونه والتضلّع في مسانيده.

ذكر في مفتاح النجا في مناقب أهل العبا ما أخرجه ابن مردويه، كما ورد آنفاً.

____________________

(١) البداية والنهاية: ج ٥ ص ٢١٠.

(٢) البداية والنهاية: ج ٧ ص ٣٤٩.

٣١٦

الطبرسي:

روى الحديث في تفسيره: مجمع البيان(١) عن الإمامين محمّد الباقر وجعفر بن محمّد الصادقعليهما‌السلام : قالا:

[انّه إنّما أنزل بعد أن نصب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً عليه‌السلام علماً للأنام يوم غدير خم، منصرفه عن حجّة الوداع، قالا: وهو آخر فريضةٍ أنزلها الله تعالى، ثمّ لم ينزل بعدها فريضة].

ثمَّ روى أيضاً من طريق السيد العالم أبي الحمد مهدي بن نزار الحسيني مسنداً عن أبي سعيد الخدري: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لماّ نزلت هذه الآية قال:[الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة. ورضا الرب برسالتي وولاية عليّ بن أبي طالب من بعدي].

إبن شهر آشوب:

روى ابن شهر آشوب في مناقبه: ج ٣ ص ٢٣. عن أبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، قالا: لما نزلت:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم:[الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، وولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام بعدي] رواه النطنزي في الخصائص.

وروى العيّاشي عن الصادقعليه‌السلام :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) باقامة حافظه( وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) بولايتنا( وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) أي تسليم النفس لأمرنا.

وقال الباقر والصادقعليهما‌السلام :[نزلت هذه الآية يوم الغدير] وقال يهوديّ لعمر: لو كان هذا اليوم فينا لاتّخذناه عيداً، فقال ابن عباس: وأيّ يوم أكمل من هذا العيد. وقال ابن عباس: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم توفّي بعد هذه الآية بواحد وثمانين يوماً.

قال السدّي: لم ينزل الله بعد هذه الآية حلالاً ولا حراماً وحجّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في ذي الحجة ومحّرم، وقبض.

وروي أنّه لما نزل:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ ) أمره الله تعالى أن ينادي بولاية عليّ فضاق النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بذلك ذرعاً لمعرفته بفساد قلوبهم فأنزل:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنزل إِلَيْكَ ) ثمّ أنزل:( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ ) ثمّ أنزل:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) وفي هذه الآية خمس بشارات: إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرحمن، وإهانة الشيطان، ويأس الجاحدين.

____________________

(١) تفسير مجمع البيان: ج ٢ ص ٢٠٠ والمجلد الثاني ص ١٥٩ ط دار إحياء التراث العربي -بيروت.

٣١٧

قوله تعالى:( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ ) وعيد المؤمنين في الخبر:يوم الغدير عيد الله الاكبر. وعن ابن عباس: اجتمعت في ذلك اليوم خمسة أعياد: الجمعة، والغدير، وعيد اليهود، والنصارى والمجوس. ولم يجتمع فيما سمع قبله. وفي رواية (أبو سعيد) الخدري انّه كان يوم الخميس.

وقال العودي:

أما قال أن اليوم أكملت دينكم

وأتممت بالنّعماء منّي عليكم

وقال أيضاً

وقال أطيعوا الله ثمّ رسوله

تفوزوا ولا تعصوا أولي الأمر منكم

ورواه صاحب كتاب أرجح المطالب- في ص ٧٥٠ على ما رواه عنه أية الله السيد المرعشي في ذيل كتاب إحقاق الحقّ(١) . ثمّ قال: أخرجه ابن مردويه وأبو نعيم في كتابه: مانزل من القرآن في عليّ، والخوارزمي في المناقب وسبط ابن الجوزي في كتاب تذكرة الخواص، والسيوطي في كتاب: الأزهار فيما عقد الشعراء من الأشعار.

العلّامة السيد محمّد حسين الطباطبائي في تفسيره: الميزان ج ١ ص ١٧٦. إنّ تمام يأس الكفار إنّما يتحقّق عند الاعتبار الصحيح بأن ينصب الله لهذا الدين من يقوم مقام النبيّ صلّى الله عليه وآله في حفظه وتدبير أمره، وإرشاد الأمّة القائمة به فيتعقّب ذلك يأس الذين كفروا من دين المسلمين لماّ شاهدوا خروج الدين عن مرحلة القيام بالحامل الشخصي إلى مرحلة القيام بالحامل النوعي، ويكون ذلك إكمالاً للدين بتحويله من صفة الحدوث إلى صفة البقاء وإتماماً لهذه النعمة، وليس يبعد أن يكون قوله تعالى:( وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة الآية ١٠٩، باشتماله على قوله:( حَتَّىٰ يَأْتِيَ ) إلى آخره، إشارة إلى هذا المعنى.

وهذا يؤيّد ما ورد من الروايات أنّ الآية نزلت يوم غدير خم وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة سنة عشر من الهجرة في أمر ولاية عليّعليه‌السلام ، وعلى هذا فترتبط الفقرتان أوضح الارتباط ولا يرد عليه شيء من الاشكالات المتقدّمة.

____________________

(١) إحقاق الحقّ: ج ٦ ص ٢٧٥.

٣١٨

وأخرج السيد محمّد حسين الطباطبائي في تفسيره الميزان: ج ٥ ص ١٩٢ قال: في غاية المرام (السيد هاشم البحراني): عن أبي المؤيّد موفّق بن أحمد في كتاب فضائل عليّ، قال: أخبرني سيّد الحفّاظ شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلميّ فيما كتب إليَّ من همدان، أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمدانيّ كتابة، حدّثنا عبد الله بن إسحاق البغويّ، حدّثنا الحسين بن علي الغنويّ، حدّثنا محمّد بن عبد الرحمن الزرّاع، حدَّثنا قيس بن حفص، حدَّثنا علي بن الحسين، حدّثنا أبو هريرة عن أبي سعيد الخدريّ: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم دعا الناس إلى غدير خمّ، أمر بما تحت الشجرة من شوك فقم، وذلك يوم الخميس يوم دعا الناس إلى عليّ وأخذ بضبعه ثمّ رفعها حتّى نظر الناس إلى بياض إبطيه، ثمّض لم يفترقا حتّى نزلت هذه الآية:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) ، فقال الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم:[الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ، ثمّ قال: أللّهمَّ والِ من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله].

فقال حسّان بن ثابت: أتاذن لي يا رسول الله أن أقول أبياتاً؟ قال: قل ينزله الله تعالى، فقال حسّان بن ثابت:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم

بخمّ وأسمع بالنبيّ منادياً

بأنّي مولاكم نعم و وليّكم؟

فقالوا: ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت وليّنا

ولا تجدن في الخلق للأمر عاصياً

فقال له: قم يا عليّ فإنّني

رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

وعن كتاب نزول القرآن في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب للحافظ أبي نعيم رفعة إلى قيس بن الربيع، عن أبي هارون العبديّ، عن أبي سعيد الخدريّ مثله، وقال في آخر الأبيات:

فمن كنت مولاه فهذا وليّه

فكونوا له أنصار صدق موالياً

هناك دعا أللّهمَّ وال وليّه

وكن للّذي عادى عليّاً معادياً

وعن نزول القرآن أيضاً يرفعه إلى عليّ بن عامر عن أبي الحجّاف عن الأعمش عن عضّة قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في عليٍّ بن أبي طالب:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنزل إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) وقد قال تعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) .

٣١٩

وقال الطباطبائي: وعن المناقب الفاخرة للسيِّد الرضيّ -رحمه الله- عن محمّد بن إسحاق، عن أبي جعفر، عن أبيه عن جدّه قال:[لماّ انصرف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من حجّة الوداع نزل أرضاً يقال له: ضوجان، فنزلت هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أنزل إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) فلمّا نزلت عصمته من الناس نادى: الصلاة جامعة فاجتمع الناس إليه، وقال: من أولى منكم بأنفسكم؟ فضجّوا بأجمعهم فقالوا: الله ورسوله فأخذ بيد عليّ بن أبي طالب، وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، أللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله لأنّه منّي وأنا منه، وهو منِّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيَّ بعدي. وكانت آخر فريضة فرضها الله تعالى على اُمّة محمّد ثمّ أنزل الله تعالى على نبيّه: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) .

قال أبو جعفر:فقبلوا من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كلّ ما أمرهم الله من الفرائض في الصّلاة والصوم والزكاة والحجّ، وصدّقوه على ذلك].

وجاء في ج ٥ ص ١٩٧ قال السيد الطباطبائي: وربّما استفيد هذا الذي ذكرناه ممّا رواه العيّاشي في تفسيره عن جعفر بن محمّد بن محمّد الخزاعيّ عن أبيه قال: سمعت أباعبد اللهعليه‌السلام يقول:[لمّا نزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عرفات يوم الجمعة أتاه جبرئيل فقال له: إنَّ الله يقرئك السلام، ويقول لك: قل لاُمّتك: أليوم أكملت دينكم بولاية عليّ بن أبي طالب وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ولست أُنزل عليكم بعد هذا، قد أنزلت عليكم الصلاة والزكاة والصوم والحجّ، وهي الخامسة (الولاية)، ولست أقبل عليكم بعد هذه الأربعة إلّا بها].

جلال الدين السيوطي الشافعي المتوفى ٩١١:

روى في الدرِّ المنثور: ج ٢ ص ٢٥٩ من طريق ابن مردويه والخطيب البغدادي وابن عساكر بلفظ مرَّ في روايه ابن مردويه.

قال السيوطي: وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر، عن أبي هريرة: لما كان يوم غدير خم وهو يوم ثامن عشر من ذي الحجة قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم:[من كنت مولاه فعليّ مولاه، فأنزل الله: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) .

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427