النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين الجزء ١

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين13%

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 427

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥
  • البداية
  • السابق
  • 427 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 96147 / تحميل: 4763
الحجم الحجم الحجم
النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

٩ - ورود في الحديث ٩٣ من شواهد التنزيل: ج ١ ص ٩٣ قوله: حدّثني أبو بكر النجّار عنه (أي عن أبي القاسم) قال: حدّثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمّد بن عبد الرحمن الحسني قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدّثني الحسين بن سعيد قال: حدّثنا عبد الرحمن بن سراج قال: حدّثنا يحيى بن مساور، عن إسماعيل بن زياد، عن سلام بن المستنير الجعفي قال: دخلت على أبي جعفر الباقر فقلت: جعلني الله فداك إنّي اكره أن أشقَّ عليك، فإن أذنت لي أسالك؟ فقال: [سلْني عمّا شئت فقلت: أسالك عن القرآن؟ قال:نعم ، قلت قول الله تعالى في كتابه: (هذا صراط علي مستقيم). قالصراط عليّ بن أبي طالب . فقلت: صراط عليّ بن أبي طالب؟ فقال:صراط عليّ بن أبي طالب ].

وقريبا منه رواه محمّد بن مؤمن الشيرازي في تفسيره بسنده عن قتادة، عن الحسن البصري. كما رواه عنه السيد ابن طاووس في الحديث المرقم (١٣٥) من كتاب الطرائف: ج ١ ص ٩٦.

وورد في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي في: ج ١ ص ٤١ ما يلي: قال: وفي المعاني عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، قال: [هي الطريق إلى معرفة الله، وهما صراطان، صراط في الدنيا، وصراط في الاخرة، فأمّا الصراط في الدنيا، فهو الإمام المفترض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه، مرَّ على الصراط الّذي هو جسر جهنّم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلَّت قدمه في الاخرة فَترَدى في نار جهنَّم ].

وفي المعاني أيضاً عن السجّادعليه‌السلام قال: [ليس بين الله وبين حجتَّه حجاب، ولا لله دون حجّته سترٌ، ونحن أبواب الله ونحن الصراط المستقيم، ونحن عيبة علمه، ونحن ترجمة وحيه ونحن اركان توحيده، ونحن موضع سرّه ].

١٠ - وورد في الحديث ٩٤ من شواهد التنزيل: ج ١ ص ٩٣ ط ٣ قوله: حدّثني علي بن موسى بن إسحاق عن محمّد بن مسعود بن محمّد قال: حدّثنا علي بن محمّد قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليٍّ بن الحكم، عن ربيع المسلي، عن عبد الله بن سليمان قال: قلت لأبي عبد الله:( قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) (١) قال: [البرهان محمّد، والنّور عليّ، والصراط المستقيم عليّ ].

____________________

(١) سورة النساء: الآية ١٧٤.

٦١

١١ - وورد من شواهد التنزيل للحسكاني(١) قوله: حدّثني أبو عثمان الزعفراني قال: أخبرنا أبو عمرو السناني قال: أخبرنا أبو الحسن المخلدي قال: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب (قال): قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه في قوله الله تعالى( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) قال:النبيّ ومن معه وعليّ بن أبي طالب وشيعته .

١٢ - وأورد الحاكم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل: ج ١ ص ٩٨ ط ٣، في الحديث ١٠٢ قوله: حدّثنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ - قراءه عليه في أماليه- قال: أخبرنا أبو بكر ابن أبي دارم الحافظ قال: أخبرنا الحسن بن علوية، قال: حدّثنا أبو الصلت الهروي قال: حدّثنا عبد الله بن نمير، عن سفيان الثوري عن شريك، عن أبي إسحاق عن زيد بن يتبع، عن حذيفة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): [وإن تولّوا عليّاً تجدوه هادياً مهدياً يسلك بكم الطريق المستقيم ].

وورد في شواهد التنزيل: ج ١ ص ٩٨ ط ٣ للحاكم الحسكاني الحديث ١٠٣ قوله: أخبرنا أبو سعيد المعاذي قال: أخبرنا أبو الحسين الكهيلي قال: أخبرنا أبو جعفر الحضرمي قال: حدّثنا أبو بكر؛ وعثمان ابن أبي شيبه، ويحيى بن عبد الحميد، قالوا حدّثنا شريك عن أبي اليقضان، عن أبي وائل عن حذيفة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): [إن تُوَلُّوا علياً، -ولن تفعلوا- تجدوه هاديّاً مهديّاً يسلك بكم الطريق المستقيم ].

وفي ترجمة الإمام عليعليه‌السلام من كتاب حلية الاولياء: ج ١ ص ٦٤، للحافظ أبو نعيم، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن أبي عمرو، حدّثنا أبو حصين الوادعي، حدّثنا يحيى بن عبد الحميد، حدّثنا شريك، عن أبي اليقظان، عن أبي وائل، عن حذيفة بن اليمان قال: قالوا يا رسول الله ألا تستخلف عليّا؟ قال: [إن تُولّوا عليّاً تجدوه هاديا مهديّا يسلك بكم الطريق المستقيم ].

(قال أبو نعيم: و) رواه النعمان بن أبي شيبة الجندي، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يتبع، عن حذيفة نحوه. حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا عبد الله بن وهب الغزي، حدّثنا ابن أبي السدي، حدّثنا عبد الرزّاق، حدّثنا النعمان بن أبي شيبة الجندي عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يتبع، عن حذيفة، قال: قال رسول الله: [إنْ تستخلفوا عليّاً - وما أراكم فاعلين - تجدوه هاديا مهديّا يحملكم على المحجّة البيضاء ].

____________________

(١) شواهد التنزيل ج ١ ص ١٠١ ط ٣ في الحديث ١٠٦.

٦٢

ورواه إبراهيم بن هراسه، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يتبع، عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه. حدّثنا نذير بن جناح القاضي، حدّثنا إسحاق بن محمّد بن مروان، حدّثنا أبي، حدّثنا إبراهيم بن هراسه (عن الثوري، عن أبي إسحاق) عن زيد بن يتبع، عن عليٍّ عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

وقد أورد الحديث الكنجي في الباب (٣٥) من كتاب كفاية الطالب ص ١٦٢.

ورواه في هامشه عن الهيثمي في مجمع الزوائد: ج ٨ ص ٣١٤، مروياً عن عبد الله بن مسعود.

وورد في الحديث ١٠٥ من شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج ١ ص ١٠٠ ط ٣ قال: أخبرناه أبو سعد عبد الرحمان بن الحسن قال: أخبرنا محمّد بن إبراهيم - بالكوفة- قال أخبرنا محمّد بن عبد الله بن سليمات قال: حدّثنا محمّد بن سهل بن عسكر قال: حدّثنا عبد الرزّاق قال: ذكر الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يتبع عن حذيفة قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): [إن ولّيتموها عليّاً فهاد مهتد يقيمكم على صراط مستقيم ].

قيل لعبد الرزّاق: سمعت هذا من الثوري؟ فقال: حدّثني يحيى بن العلاء وغيره عن الثوري. ثمّ سألوه مرّة ثانية، فقال: حدّثنا النعمان بن أبي شيبه، ويحيى بن العلاء عن سفيان بن سعيد الثوري. وأورد الحاكم الحسكاني في الحديث ١٠٦ من شواهد التنزيل: ج ١ ص ١٠١ ط ٣ قال: حدّثني أبو عثمان الزعفراني قال: أخبرنا أبو عمرو السناني قال أخبرنا أبو الحسن المخلدي قال: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب (قال): قال عبد الرحمان بن زيد بن اسلم، عن أبيه في قول الله تعالى( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) قالالنبيّ ومن معه وعليّ بن أبي طالب وشيعته .

أخرج إبراهيم بن محمّد الحمويني الشافعي في كتابه (فرائد السمطين) فقد روى بإسناده عن خيثمة الجعفي، عن أبي جعفر محمّد الباقر بن الإمام علي بن الحسين قال: سمعته يقول: [نحن خيرة الله، ونحن الطريق الواضح، والصراط إلى الله ] غاية المرام ص ٢٤٦.

وممن ذكر هذا المعنى أبو بكر الشافعي في رشفة الصادي ص ٢٥ وكذلك أبو الحسن علي بن يوسف بن إبراهيم الشيباني القفطي من كتابه، أبناء الرواة: ج ١ ص ١١٩.

وأخرج عيدروس الأندونيسي المعروف بابن رويش من شواهد التنزيل: ص ٣٩٥ قال: منها ما ذكره الحافظ الشهير محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني في مناقبه (٣: ٧٣ ط. دار الأضواء): ومن تفسير وكيع ابن الجراح عن سفيان الثوري، عن السدي، عن أسباط ومجاهد، عن عبد الله بن عباس في قوله تعالى:( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قال: قولوا معاشر العباد: أرشدنا إلى حبِّ النبيّ وأهل بيته.

٦٣

وفيه عن تفسير الثعلبي وكتاب ابن شاهين عن رجاله، عن مسلم بن حيّان، عن بريده، في قول الله:( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قال: صراط محمّد وآله.

وأخرج عن الباقرينعليهما‌السلام في قوله تعالى:( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قالا: [دين الله الذي نزل به جبريل على محمّد: ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) ، فهديتهم بالإسلام وبولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ولم تغضب عليهم ولم يضلّوا، ( الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) اليهود والنصارى والشكّاك الذين لا يعرفون إمامة أمير المؤمنين. ( الضَّالِّينَ ) عن إمامة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ].

وأورد ابن رويش من شواهد التنزيل ص ٣٩٦ قال: عن عليٍّ بن عبد الله بن عباس عن أبيه، وزيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام في قوله تعالى( وَاللهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ ) (١) [يعني به الجنّة (يهدي من يشاء إلى صراط المستقيم) يعني به ولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ].

وعن جابر بن عبد الله: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله هيّأ أصحابه عنده، إذ قال وأشار بيده إلى عليّ: [هذا صراطٌ مستقيم فاتّبعوه ].

قال ابن عباس: كان رسول الله يحكم وعليّ بين يديه ومقابلته، ورجل عن يمينه ورجل عن شماله فقال: [اليمين والشمال مضلّة، والطريق المستوي الجادّه ، ثمّ أشار بيده (إلى علي)وأنَّ هذا صراطٌ مستقيم فاتّبعوه ].

____________________

(١) سورة يونس: الآية ٢٥.

٦٤

جاء في الصواعق المحرقه لابن حجر: ص ١١١ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: [أثبتُكُم على الصراط، أشدُكُم حبّا لأهل بيتي ولأصحابي ].

وجاء في كتاب الغدير: ج ٢ ص ٣٦١ مؤسسة الأعلمي، بيروت -للشيخ الأميني- قال: أخرج الثعلبي في (الكشف والبيان) في قوله تعالى( اهْدِنَا الصِـّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، قال مسلم بن حيان: سمعت أبا بريدة يقول: صراطُ محمّد وآله.

وفي تفسير وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري عن السُدّي عن أسباط ومجاهد عن عبد الله بن عباس في قوله تعالى:( اهْدِنَا الصِـّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، قال: قولوا - معاشر العباد - أرشدنا إلى حبِّ محمّد وأهل بيته.

وأخرج الحمويني من الفرائد (فرائد السمطين)، بإسناده عن أصبغ بن نباته عن عليٍّعليه‌السلام في قوله تعالى:( وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَ‌ةِ عَنِ الصِـّرَ‌اطِ لَنَاكِبُونَ ) ، قال: [الصراط ولايتنا أهل البيت ].

وأخرج الخوارزمي من (المناقب): الصراط، صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الاخره. فأمَّا صراط الدنيا فهو عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام . وأمَّا صراط الآخرة فهو جسر جهنّم. من عرف صراط الدنيا جاز على صراط الآخرة. ويوضح معنى هذا الحديث ما أخرجه ابن عدي والديلمي كما في الصواعق: ص ١١١ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: [أثبتُكُم على الصراط أشدُّكُم حبّا لأهل بيتي ولأصحابي ].

وأخرج شيخ الإسلام الحمويني بإسناده في فرائد السمطين في حديث الإمام جعفر الصادق قوله: [نحن خيرة الله ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى الله ].

فهم الصراط إلى الله فمن تمسَّك بهم فقد اتخذ إلى ربّه سبيلا كما ورد فيما أخرجه أبو سعيد في شرف النبوّة بإسناده عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: [أنا وأهل بيتي شجرة في الجنّة وأغصانها في الدنيا، فمن تمسَّك بنا اتخذ إلى ربّه سبيلا ]. ذخائر العقبى: ص ١٦.

وجاء في كتاب مناقب أهل البيتعليه‌السلام للمولى حيدر علي بن محمّد الشرواني ص ٧٤ قال: قال عزّ وجلّ:( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) . ذكر البغوي في تفسيره أنّهم الأنبياء، ثمّ قال: وقال أبو العالية: هم آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله). روى الحافظ محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي في كتاب كفاية الطالب الباب الخامس والثلاثون ص ١٦٢، قال: أخبرنا أبو طالب عبد اللطيف بن محمّد وغيره ببغداد،

٦٥

قالوا: أخبرنا محمّد بن عبد الباقي، أخبرنا حمد بن أحمد المقرئ، حدّثنا الحافظ أحمد بن عبد الله، حدّثنا جعفر بن محمّد بن أبي عمرو، حدّثنا أبو حصين الوادعي (محمّد بن الحسين بن حبيب الوادعي القاضي)، حدّثنا يحيى بن عبد الحميد، حدّثنا شريك عن أبي اليقظان، عن أبي وائل، عن حذيفة بن اليمان، قال: قالوا يا رسول الله ألا تستخلف عليّا؟ قال: [إن تُوَلُّوا عليّاً تَجِدوه هاديا مهديّا، يسلك بكم الطريق المستقيم ].

وأورد هذا الحديث من مجمع الزوائد: ج ٨ ص ٣١٤، وفيه عن عبد الله بن مسعود، ورواه الطبراني من حلية الأولياء: ج ١ ص ٩٤.

وجاء في كتاب الدرّ الثمين، للحافظ رضي الدين رجب بن محمّد بن رجب البرسي: ص ٢٨ قال: ثمّ أمر (الله) نبيّه والعباد أن يسلموا الهدايه إلى الصراط المستقيم، لأنَّ الله قد بيّن أنّ الصراط هو الكتاب والعترة فقال: (وحبلان متصلان) نعمتان ظاهرة وباطنة، فالنّعمة الظاهرة الإسلام والباطنه الذريّة، فالنعمة الظاهرة الإسلام وعليّ (عليه‌السلام ) هو السابق فيه، والعلم وهو الأعلم، والقرابة وهو النفس من الرسول وطيب الزوجات وهو بعل سيّدة النساء وقرين بضعة سيّدي شباب أهل الجنّة. وقد روى عمّار عن ابن طلحه عن أنس بن مالك عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: [نحن ولد عبد المطّلب سادات أهل الجنّة، أنا وعليّ وحمزة وجعفر والحسن والحسين والمهديّ ](١) .

فعُلِمَ أنَّ أمير المؤمنينعليه‌السلام هو الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة، فمن اهتدى إلى ولايته حازه الصراط ثابت الأقدام.

____________________

(١) ورد في تفسير الثعلبي (محطوط) ص ٢٠٩ ومطالب السؤول: ج ٢ ص ١٥٥.

٦٦

ثمَّ جعل الصراط أهم، أي دينهم هو الصراط الحقّ فقال:( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) ، يعني آل محمّدعليه‌السلام (١) .

ثمَّ جعل من عاداه مغضوبا عليهم فقال:( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ) ، ولهذا القول الحكيم معنيان: ظاهر وباطن، فالظاهر: أن المغضوب عليهم اليهود والضالين: النصارى(٢) ، وأما الباطن فمن سلك من هذه الآية سلوك اليهود والنصارى في بغض آل محمّدعليهم‌السلام فهو كذلك. وأما السنة فقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم [لتتبعنَّ سنن الّذين من قبلكم حذو القذّة بالقذّة ](٣) .

وعن أبي سعيد: [حتّى لو سلكوا حجر ضبّ لسلكتموه ](٤) . وقال لعليّ (عليه‌السلام ): [أنت المفْتَتَنُ فيه، وإنّ فيك من عيسى مثلا أَبغَضَهُ اليهود حتّى بهتوا أمّه وأحبّوه النصارى حتّى دعوه ربّاً، وسيحبّك قوم يدخلون الجنّة بحبّك، وسيبغضك قوم حتّى يدخلون النار ببغضك، فلا ذنب لك ](٥) .

فقد شبّه مبغضه باليهود ومن أفرط في حبّه بالنصارى، فالمعرضون عن حبّه هم (المغضوب عليهم)، وهم مسوخ هذه الأمّة و(الضّالين) هم المفرطون، فلعنة الله على المفرط المعاند والجاحد الحاسد.

____________________

(١) معاني الأخبار: ص ٣٦ الحديث ٧، تفسير أبو حمزة الثمالي: ص ١٦٧ الحديث ٢٥ وتفسير فرات بن ابراهيم الكوفي: ص ٥١ حديث ١٠.

(٢) تفسير العيّاشي: ج ١ ص ٢٢، الحديث ١٧، مجمع البيان للطبرسي: ج ١ ص ٧٢.

(٣) تفسير القرطبي: ج ٧ ص ٢٧٣، تفسير ابن كثير: ج ٢ ص ٣٦٤، مسند الشاميين: ج ٢ ص ١٠٠ الحديث ٩٨٧.

(٤) صحيح البخاري: ج ٤ ص ١٤٤، صحيح ابن حيان: ج ١٥ ص ٩٥، كنز العمّال: ج ١١ ص ١٣٣ الحديث ٣٠٩٢٣.

(٥) الغارات للثقفي: ج ٢ ص ٥٨٩، البحار: ج ٤٠ ص ٧٩، مجمع الزوائد: ج ٩ ص ١٣٣.

٦٧

وأورد الطبرسي في تفسيره مجمع البيان(١) : قال:( اهْدِنَا الصِـّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) صراط الأنبياء وهم الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم اليهود، ولا الضّالين النصارى، وروى محمّد الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام ) أنّه كان يقرأ ملك يوم الدّين ويقرأ أهدنا الصّراط المستقيم، وفي رواية أخرى يعني أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وروى جميل عن أبي عبد الله (عليه‌السلام ) قال: [إذا كنت خلف إمام ففرغ من قراءة الفاتحة، فقل أنت: مِنْ خلفِهِ الحمد لله ربّ العالمين ]، وروى فضيل بن يسار عنه (عليه‌السلام )، قال: [إذا قرأت الفاتحة ففرغت من قراءتها، فقل: الحمد لله رب العالمين ] وفي المجمع أيضاً ص ٢٨ قال: إنّه (الصراط) النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، والائمّة القائمون مقامه. وفي ص ٢٧:

أمير المؤمنين على صراط

إذا اعوَجَ المواردُ مستقيمٌ

وأخرج الشيخ الطبرسي في تفسيره مجمع البيان: المجلد الأوّل ص ١٨ قال: وروي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: [قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنَّ الله تعالى قال لي: يا محمّد ولقد أتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم، فأفرد الامتنان عليّ بفاتحة الكتاب، وجعلها بإزاء القرآن، وإنّ فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش، وإنّ الله خصّ محمّداً وشرّفه بها ولم يشرك فيها أحدا من أنبيائه ماخلا سليمان، فإنه أعطاه منها بسم الله الرحمن الرحيم، ألا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت: ( إنّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِ‌يمٌ ﴿٢٩﴾ إنَّه مِن سُلَيْمَانَ وَانه بِسْمِ اللَّـهِ الرَّ‌حْمَـٰنِ الرَّ‌حِيمِ ) ، ألا فمن قرأها معتقدا لموالاة محمّد وآله منقادا لأمرها مؤمناً بظاهرها وباطنها، أعطاه الله بكلّ حرف منها حسنة كل واحدة منها أفضل له من الدنيا بما فيها من أصناف أموالها وخيراتها، ومن استمع إلى قارئ يقرأها، كان له قدر ثلث ما للقارئ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعّرض له فانه غنيمة. لا يذهبنّ أوانه فتبقى في قلوبكم الحسرة ].

____________________

(١) مجمع البيان: ص ٣١ ط دار إحياء التراث العربي ص ٣١.

٦٨

سورة البقرة

سورة البقرة الآية ٢

( ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) .

وأورد الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: ج ١ ص ١٠٢ ط ٣ الآية الثانية من سورة البقرة في الحديث ١٠٧، قوله: أخبرنا عقيل بن الحسين بقراءتي عليه من أصله، قال: حدّثنا علي بن الحسين، قال: حدّثنا محمّد بن عبيد الله، قال: حدّثنا عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق- ببغداد -، قال: حدّثنا عبد الله بن ثابت المقرئ، قال: حدّثني أبي عن الهذيل بن حبيب أبي صالح عن مقاتل عن الضحاك، عن عبد الله بن عباس في قول الله عزّ وجلّ( ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ) يعني لا شكّ فيه أنّه من عند الله نزل( هُدًى ) يعني بيانا ونوراً( لِّلْمُتَّقِينَ ) عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام الذي لم يشرك بالله طرفة عين، اتّقى الشرك وعبادة الأوثان وأخلص لله العبادة، يبعث إلى الجنّة بغير حساب هو وشيعته.

وأورد الحافظ رضي الدين رجب بن محمّد بن رجب البرسي في الدر الثمين(١) : ص ٣٢ قال: وقال:( الم ﴿١﴾ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ) ، و( الْكِتَابُ ) عليّ ظاهراً وباطناً،( لَا رَيْبَ فِيهِ ) لا شكّ فيه، هدى للمتّقين أهل الولاية والتّقوى على الحقيقة، حبّ عليّعليه‌السلام لا من التقوى مجازاً(٢) .

سورة البقرة الآية ٣

( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )

أورد العلامة المير محمّد صالح الترمذي الكشفي في كتاب - المناقب - عن طراز المحدّثين الحافظ أحمد بن موسى بن مردويه، قال في هذه الآية: أنّها نزلت في أمير المؤمنين (كرّم الله وجهه) المناقب للكشفي أواخر الباب الأوّل.

____________________

(١) انظر تفسير العيّاشي: ج ١ ص ٢٦ الحديث ١، وتفسير القمي: ج ١ ص ٣٠، مناقب آل أبي طالب: ج ٢ ص ١٤١.

(٢) تفسير العيّاشي: ج ١ ص ٢٦ ح ١، كمال الدين ١٨، ٣٤، في الحديث ٢٠، مناقب آل أبي طالب: ج ٢ س ٢٧٩، تفسير نور الثقلين: ج ١ ص ٢٦ ح ٥.

٦٩

وجاء في كتاب الدرّ الثمين للحافظ رضي الدين البرسي: ص ٣٣ قال: ثمّ قال:( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) والغيب ثلاثة يوم القائم، ويوم القيامة، ويوم الرجعة. والثلاثة لهم(١) .

ثمَّ قال:( وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ) والصّلاة على الحقيقة حبّهم والباقي مجاز، لأنّ الصّلاة بغير حبّهم وذكرهم لا تكتب ولا تقبل فالصّلاة حبّهم(٢) .

ثمَّ قال:( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) ، الإنفاق الحقيقي هو تعليم المؤمن فضائل آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) واظهار مناقبهم.

ثمَّ قال:( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْكَ ) يعني في عليٍّ (عليه‌السلام( وَمَا أنزل مِن قَبْلِكَ ) معناه في عليٍّعليه‌السلام أنّه أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين.

سورة البقرة الآية ٥

( أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )

١- أورد الحاكم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل: ج ١ ص ١٠٤ ط ٣. الحديث ١٠٨ قوله: أخبرنا محمّد بن علي بن محمّد المقرئ، قال: أخبرنا أبي، قال: حدّثني أبو محمّد بندار بن إبراهيم الفقيه الجرجاني -بفراوة-، قال: حدّثنا أبو حاتم سهل بن السري بن الخضر الحافظ، قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن الوضاح، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى بن ضريس -بفيد-، قال: حدّثني عيسى بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب (عليه‌السلام )، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن جدّه، عن عليٍّ بن أبي طالب (عليه‌السلام )، قال: قال لي سلمان الفارسي: قلمّا طلعتُ على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): - يا أبا الحسن - وأنا معه، الاّ ضرب بين كتِفَيَّ وقال: [يا سلمان هذا وحزبه هم المفلحون ].

____________________

(١) تاويل الآيات: ج ١ ص ٣٢ الحديث ١، بحار الانوار: ج ٢٤ ص ٣٥٢ الحديث ٦٩.

(٢) وهذا بقول رسول صلّى الله عليه وآله وسلّم كما نقلها الخزار القمي عن أبي هريرة قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن قول الله عزّ وجلّ:( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) قال:[جعل الإمامة في عقب الحسين، يخرج من صلبه تسعة من الائمّة، ومنهم مهديّ هذه الأمّة، ممن قال: لو أنّ رجلاً صفن بين الركن والمقام ثمّ لقي الله مبغضاً لأهل بيتي دخل النار] ، للمراجعة: كفاية الاثر ص ٨٧. وما رواه الخطيب البغدادي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:[لو أنّ عابداً عبد الله بين الركن والمقام ألف عام وألف عام حتّى يكون كالشّن البالي، ولقي الله مبغضاً لآل محمد أكبّه الله على منخره في نار جهنّم] تاريخ بغداد: ج ١٣ ص ١٢٢ الحديث ٧١٠٦ وقول الإمام الشافعي:

كفاكم من عظم الشأن أنّكم

من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له

٧٠

٢ - وهذا الحديث قد رواه السيد المرشد بالله الشجري في أماليه، كما في الحديث ٥٤ من فضائل الإمام أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) المذكورة في عنوان (الحديث السادس) من ترتيب أماليه: ج ١ ص ١٤٣ قال: أخبرنا أبو أحمد بن محمّد بن علي المكفوف، قال: أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن جعفر بن حيّان، قال: حدّثني سعيد بن سلمه الثوري وعليّ بن الحسين بن حيّان قالا: حدّثنا محمّد بن يحيى الفيدي، قال: حدّثني عيسى، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليٍّ (عليه‌السلام )، قال: قال لي سلمان: قلمّا اطلعت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنا عنده إلاّ ضرب بين كَتِفَيَّ فقال: [يا سلمان: هذا وحزبه هم المفلحون ].

٣ - وفي الحديث ١٠٩ من شواهد التنزيل: ج ١ ص ١٠٥ ط ٣، قال: أخبرنا أبو بكر المعمري -بقرائتي عليه-، قال: حدّثنا أبو جعفر الفقيه إملاءً، قال: حدّثنا علي بن أحمد بن موسى الدقاق، قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدّثنا عمر بن عبد الله، قال: حدّثنا الحسن بن الحسين بن عاصم، قال: حدّثنا عيسى بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن علي، عن أبيه عن جدّه عن عليّ، قال: حدّثني سلمان الخير فقال: يا أبا الحسن، قلمّا أقبلت أنت وأنا عند رسول الله إلّا قال: [يا سلمان: هذا وحزبه هم المفلحون يوم القيامة ]. ورواه عن الحسن (بن الحسين) حسين بن الحكم الحبري (كما رواه) بإسناده (عنه الحسن بن علي) الجوهري البغدادي.

وفي ما يلي لفظ الحديث على ما جاء في الحديث الأول من كتاب ما نزل من القرآن في عليٍّعليه‌السلام للحسين بن الحكم الحبري، قال: حدّثنا أبو عبيد الله محمّد بن عمران المرزباني، قال: حدّثنا أبو الحسن علي بن محمّد بن عبيد الحافظ - قراءة عليه في باب منزله -، في قطيعة جعفر يوم الأحد لليليتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثمان وعشرون وثلاثمئة- قال: حدّثنا الحسين بن الحكم الحبري الكوفي، قال: حدّثنا حسن بن حسين، قال: حدّثنا عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جدّه، قال: كان سلمان يقول: يا معشر المؤمنين، تعاهدوا ما في قلوبكم لعليّ- صلوات الله عليه- فانّي ما كنت عند رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قطّ فطلع عليٌّ، إلاّ ضرب النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بين كتفيّ، ثمّ قال: [يا سلمان: هذا وحزبه هم المفلحون ].

وقد ذكر هذا الحديث أيضاً ابن عساكر في كتاب تاريخ دمشق، في الحديث ٨٥٤ وتواليه، في المجلد الثاني: ص ٣٤٦ ط ٢، وللرجوع إليه تجد فيه فوائد جمّة.

٧١

٤ - وورد الحديث المرقم ١١٠ المجلد: ١ ص ١٠٦ ط ٣ من شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ما يلي قوله: وأخبرنا أبو القاسم سهل بن محمّد بن عبد الله الاصبهاني بقرائتي عليه من أصله العتيق قال: حدّثنا (السيد) أبو الحسن محمّد بن علي بن الحسين (بن الحسن بن القاسم بن محمّد القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي) الحسني، قال: حدّثنا أبو علي محمّد بن عبد الرحمن الكسائي، قال: حدّثنا عبد الله بن صالح البزّار، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى - بفيد -، قال: حدّثنا عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن عليّ بن أبي طالب (عليه‌السلام )، (قال: أخبرنا) أبي عن أبيه عن جدّه عن عليٍّ، قال (قال): لي سلمان: قلمّا طلعت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنا معه إلا ضرب بين كتفي فقال: [يا سلمان: هذا وحزبه (هم) المفلحون ]. قال السيد أبوالحسن: (هذا السند) قد وَهَم فيه، وعيسى (هو) ابن محمّد بن عبد الله بن عمر بن محمّد (بن علي و) هو ابن الحنفيّة الفقيه فيما أظنّ، والله أعلم.

وقد أورد هذا الحديث ابن عساكر في كتاب تاريخ دمشق: في المجلد: ٢ ص ٣٤٦، في الحديث المرقم (٨٥٤) من ترجمة أمير المؤمنين، قال: أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر، أنبأنا أبو سعد محمّد بن عبد الرحمان، أنبأنا السيد أبو الحسن محمّد بن علي بن الحسين، أنبأنا محمّد بن عبد الرحمان أبو علي الكسائي.....

وكذلك أورد هذا الحديث الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه ما نزل من القرآن في عليٍّ، في الحديث المرقم ٧٠ عند ذكره للآية الأخيرة من سورة المجادلة المرقمة ٥٨.

٥ - وجاء في الحديث المرقم: ١١١ من المجلد الأوّل ص ١٠٨ من شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ط ٣ ما يلي قوله: حدّثنا أبو بكر الحافظ -بقراءته علينا من أصله - قال: أخبرنا أبو القاسم جعفر بن عبد الله بن يعقوب بن فناكي - بالري - أن محمّد بن هارون الروياني أخبرهم قال: حدّثنا محمّد بن يحيى بن ضريس الفيدي، قال: حدّثنا عيسى بن عبد الله قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليٍّ بن أبي طالب (عليه‌السلام ) قال: قال لي سلمان: قلمّا اطلعت على رسول الله يا (أبا) حسن وأنا معه إلّا ضرب بين كتفي وقال: [يا سلمان: هذا وحزبه المفلحون ].

٧٢

وروى هذا الحديث المرشد بالله يحيى بن الموفّق بالله في الحديث المرقم (٤٣) من عنوان: الحديث السادس في فضائل أمير المؤمنين من ترتيب أماليه: ص ١٤٣، قال: أخبرنا أبو أحمد محمّد بن علي المكفوف، قال: أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن جعفر بن حيان قال: حدّثني سعيد بن سلمه الثوري وعلي بن الحسين بن حيان، قالا: حدّثنا محمّد بن يحيى الفيدي قال: حدّثنا عيسى قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليٍّ (عليه‌السلام ) قال: قال لي سلمان: قلمّا اطلعت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعنده عليّ (عليه‌السلام ) إلّا ضرب بين كتفيه، فقال: [ياسلمان: هذا وحزبه هم المفلحون ].

وقد أورد أيضاً الحافظ أبو نعيم الاصبهاني هذا الحديث برقم ٧٠ في كتابه: ما نزل من القرآن في عليٍّ، عند ذكر الآية ٥٤ من سورة المجادلة.

وجاء في الدرّ الثمين للحافظ رضي الدين البرسي ص ٣٣ قال: ثمّ قال:( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْكَ ) (١) ، يعني في عليٍّعليه‌السلام ،( وَمَا أنزل مِن قَبْلِكَ ) (٢) معناه في عليٍّعليه‌السلام ، أنّه أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين، ثمّ قال:( وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) (٣) يعني يصدّقون أنّ حكم الآخرة أمره إلى آل محمّدعليه‌السلام . ثمّ قال( ... وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) يعني بهذا الدين(٤) .

سورة البقرة الآية ١٣

( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمنوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ )

أورد الحاكم الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل: ج ١ ص ١٠٩ ط ٣ في الحديث المرقم ١١٢ ما يلي، قوله: حدّثنا محمّد بن الحسين بن موسى إملاء، قال: أخبرنا علي بن محمّد القزويني، قال: حدّثنا محمّد بن مخلد العطار، قال: حدّثنا أحمد بن إسحاق بن يوسف الرقي، قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر عن محمّد بن مروان، عن الكلبي عن أبي صالح: عن ابن عباس في قوله تعالى:( آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ ) قال: عليّ بن أبي طالب وجعفر الطيّار، وحمزة وسلمان وأبوذر، وعمّار، ومقداد، وحذيفة (بن) اليمان، وغيرهم.

____________________

(١) الآية: ٤ من سورة البقرة.

(٢) الآية: ٤ من سورة البقرة.

(٣) الآية: ٤ من سورة البقرة.

(٤) لمراجعة تفسير الصافي: ج ٤، ص ١٣٩.

٧٣

سورة البقرة الآية ١٤

( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمنوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ )

١ - جاء في كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني(١) ما يلي قوله: أخبرنا أبو العباس العلوي، قال: أخبرنا الحسن الفسوي، قال: حدّثنا أبو بكر الشيرازي، قال: حدّثنا أبو عمرو بن السمّاك - ببغداد في درب الضفادع-، قال: حدّثنا عبد الله بن ثابت المقرئ، قال: حدّثني أبي، عن الهذيل، عن مقاتل، عن محمّد بن الحنفية قال: بينما أمير المؤمنين علي ابن أبي طالبعليه‌السلام قد أقبل من خارج المدينة ومعه سلمان الفارسي وعمّار وصهيب والمقداد وأبو ذر، إذ بصر بهم عبد الله بن أبي بن سلول المنافق ومعه أصحابه، فلمّا دنا أمير المؤمنين قال عبد الله بن أبي: مرحبا بسيد بني هاشم وصي رسول الله وأخيه وختنه وأبي السبطين الباذل له ماله ونفسه. فقال (عليّ): [ويلك يا ابن أُبيّ: أنت منافق، أشهد عليك بنفاقك ]، فقال ابن أبيّ: وتقول مثل هذا لي؟ ووالله إنّي لمؤمن مثلك ومثل أصحابك. فقال عليّ: [ثكلتك أمّك. ما أنت إلّامنافق ]. ثمّ اقبل إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره بما جرى، فأنزل الله تعالى:( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا ) ، يعني وإذا لقي ابن سلول أمير المؤمنين المصدّق بالتنزيل( قَالُوا آمَنَّا ) يعني صدقنا بمحمّد والقرآن،( وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ ) من المنافقين( قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ) في الكفر والشرك( إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) بعليّ بن أبي طالب وأصحابه، يقول الله تعالى (تبكيتا لهم):( اللَّـهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) يعني يجازيهم في الآخرة جزاء استهزائهم بعليّ وأصحابهرضي‌الله‌عنهم .

وإنّ الحديث هذا قد ذكره باختصار ومرسلا الموفّق بن أحمد الخوارزمي في أواخر الفصل ١٧ من مناقب الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام : ص ١٩٦، ط طبعة الغري.

وكذلك رواه الاربلي مرسلا عن أبي صالح عن ابن عباس كما في أواسط عنوان: (مانزل من القرآن في عليّ) من كتاب كشف الغمّة(٢) .

____________________

(١) شواهد التنزيل: ج ١ ص ١١١ في الحديث المرقم ١١٣.

(٢) كشف الغمّة: ج ١ ص ٣٠٧ طبعة بيروت.

٧٤

وروى الحافظ محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي من كتاب كفاية الطالب: ص ٢٤٨، قال: وروى الخوارزمي في كتابه، عن أبي صالح عن ابن عباس، أنّ عبد الله ابن أُبَيّ وأصحابه خرجوا فاستقبلهم عليعليه‌السلام فقال عليّ: [يا عبد الله: اتّق الله ولا تنافق فإن المنافق شرّ خلق الله ]، فقال: مهلا يا أبا الحسن والله إنّ إيماننا كإيمانكم ثمّ تفرّقوا، فقال عبد الله بن أبيّ لأصحابه: كيف رأيتم ما فعلت؟ فأثنوا عليه خيرا، فنزل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمنوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) ، قلت: فدلّت الآية على إيمان عليٍّعليه‌السلام .

وأورد السيد هاشم البحراني في كتاب غاية المرام ص ٤٢٣، قال وبنقله عن تفسير الهذلي:( اللَّـهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) يعني: يجازيهم في الآخرة جزاء استهزائهم بأمير المؤمنينعليه‌السلام .

قال ابن عباس: وذلك أنّه إذا كان يوم القيامة أمر الله الخلق بالجواز على الصراط فيجوز المؤمنون إلى الجنّة، ويسقط المنافقون في جهنّم. فيقول الله: يا مالك استهزئ بالمنافقين في جهنّم، فيفتح مالك بابا من جهنّم إلى الجنّة، ويناديهم معاشر المنافقين هيهنا هيهنا فاصعدوا من جهنّم إلى الجنّة، فيسبح المنافقون في بحار جهنّم سبعين طريقا، حتّى إذا بلغوا إلى ذلك الباب وهمّوا الخروج أغلقه دونهم، وفتح لهم بابا إلى الجنّة من موضع أخر، فيناديهم من هذا الباب فأخرجوا إلى الجنّة، فيسبحون مثل الأوّل فإذا وصلوا اليها أغلق دونهم، ويفتح من موضع أخر، وهكذا أبد الآبدين.

سورة البقرة الآية ٢٥

( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأنْهارُ ) .

أورد العلّامة السيد هاشم البحراني في كتابه (غاية المرام) عن الحسين بن الحكم الحبري الكوفي، عن ابن عباس قال: فيما نزل من القرآن من خاصّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعليّ وأهل بيته دون الناس من سورة البقرة( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) الآية نزلت في عليٍّ وحمزة وجعفر وعبيد بن الحرث بن عبد المطّلب. (غاية المرام: ص ٤٤٢). وجاء في الدرّ الثمين، للحافظ رضي الدين البرسي، ص ٤٦ قال: ثمّ أمر نبيّه أن يبشّر التابعين لعليّ المؤمنين (به) بأنهم هم أهل الصالحات، وأنّ لهم الجنّة فقال:( وَبَشِـّرِ الَّذِينَ آمَنُوا ) يعني بالانزع البطين عليّ أمير المؤمنين (عليه‌السلام )( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) ، بعد الإيمان( أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأنْهارُ ) .

٧٥

وجاء في تفسير الإمام الحسن العسكريعليه‌السلام ص ٢٠٢ قال الإمام العسكريعليه‌السلام : [قال تعالى: ( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا ) بالله وحده وصدّقوك بنبوّتك فاتّخذوك إماما، وصدّقوك في أقوالك وصوّبوك في أفعالك واتّخذوا أخاك عليّاً بعدك إماما ولك وصيّا مرضيا، وانقادوا لما يأمرهم به وصاروا إلى ما صاروا هم إليه، ورأوا له ما يرون لك إلّا النبوّة التي أفردت بها، وأنّ الجنان لا تصير لهم إلّا بموالاته وموالاة من ينصّ عليه من ذريّته وموالاة سائر أهل ولايته ومعاداة أهل مخالفته وعداوته، وأنّ النيران لا تهدأ عنهم ولا يعدل بهم عن عذابها إلّا بتنكبهم عن موالاة مخالفيهم وموازرة شانيئيهم ]. وللمراجعة: بحار الأنوار: ج ٦٥ ص ٣٤، وللمراجعة: تأويل الآيات: ج ١ ص ٣٥٧.

وروى الحافظ الحسين بن الحكم الحبري في كتاب ما نزل من القرآن في أهل البيتعليه‌السلام ص ٤٥: قال: حدّثنا علي بن محمّد، قال: حدّثنا الحبري، قال: حدّثنا حسن بن حسين، قال: حدّثنا حبان بن علي العنزي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: فيما نزل من القرآن في خاصة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعلى أهل بيته دون الناس، من سورة البقرة( وَبَشِـّرِ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) ، الآية انّها نزلت في عليٍّ وحمزة وجعفر وعبيده بن الحارث بن عبد المطّلب.

وروى الحافظ الحاكم الحسكاني: ج ١ ص ١١٣ ط ٣ في الحديث ١١٤، قال: حدثونا عن القاضي أبي الحسين محمّد بن عثمان بن الحسن بن عبد الله النصيبي - ببغداد - قال: أبو بكر محمّد بن الحسين بن صالح السبيعي - بحلب -، قال: حدّثنا أبو الطيّب علي بن محمّد بن مخلد الدهان - ببغداد - وأبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن الحسن الجصاص - بالكوفة - قالا: حدّثنا الحسين بن الحكم بن مسلم الحبري أبو عبد الله قال: حدّثنا حسن بن حسين الانصاري العابد. أبو علي العرني قال: حدّثنا حبان بن علي العنزي، عن الكلبي، عن أبي صالح: عن ابن عباس، قال: ممّا نزل من القرآن خاصة في رسول الله وعلي وأهل بيته (صلوات الله عليهم) من سورة البقرة:( وَبَشِـّرِ الَّذِينَ آمَنُوا ) الآية، نزلت في عليٍّ وحمزة وجعفر وعبيده بن الحارث بن المطّلب.

وقال الحسكاني في الشواهد: ص ١١٤، وأخرجه الحبري من تفسيره (بـ) رواية أبي بكر محمّد بن صفوان الواسطي عنه، رايته بمرو نسخه عتيقه.

٧٦

ومن تفسير الحبري الورق ٣ - ٤، وفي ط ١، ص ٤٥: قال: عن ابن عباس، قال: فيما نزل من القرآن من خاصّة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعليّ وأهل بيته دون الناس من سورة البقرة.

وكذلك رواه بسنده عن الحبري السيد المرشد بالله كما أورد في الحديث ٨ من عنوان (الحديث الأوّل) من ترتيب أماليه: ص ١٠ قال: أخبرنا القاضي أبو الحسن أحمد بن علي بن الحسين ابن التوزي والحسن بن علي بن محمّد الجوهري بقرائتي على كل واحد منهما: قالا: أخبرنا أبو عبيد الله محمّد بن عمران بن موسى المرزباني - قال الجوهري: قراءة عليه، وقال ابن التوزي أجازة – قال: حدّثنا أبو الحسن علي بن محمّد بن عبيد، قال: حدّثني الحسين بن الحكم الحبري الكوفي وأورد الحديث، وكذلك رواه عنه حميد المحلي في شرح البيت ٢٤ من محاسن الازهار ص ١٢٥ وفي الطبعة الأولى، ص ٣٣١.

سورة البقرة الآية ٣٠

( إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً )

١- أورد الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: ج ١ ص ١١٥ ط ٣ الحديث ١١٥، قوله: أخبرنا عقيل بن الحسين، قال: أخبرنا علي الحسين، قال: حدّثنا محمّد بن عبيد الله، قال: حدّثنا المنتصر بن نصر بن تميم الواسطي بواسط، قال: حدّثنا سفيان، عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علقمه، عن عبد الله بن مسعود، قال: وقعت الخلافة من الله عزّ وجلّ في القرآن لثلاثة نفر: لآدمعليه‌السلام ، لقول الله عزّ وجلّ:( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) يعني آدم،( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا يعني أتخلق فيها( مَن يُفْسِدُ فِيهَا ) ، يعني يعمل بالمعاصي بعدما صلحت بالطاعة، نظيرها( وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا ) (١) ، يعني ليعمل فيها بالمعاصي.( وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ) (٢) ، يعني لا تعملوا بالمعاصي بعدما صلحت بالطاعة، نظيرها:( وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ يعني نذكرك،( وَنُقَدِّسُ لَكَ ) ، يعني ونطهر لك الأرض،( قَالَ إنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) ، يعني سبق في علمي أنّ آدم وذريّته سكان الأرض وأنتم سكان السماء.

____________________

(١) الآية: ٢٠٥ سورة البقرة.

(٢) وردت في آيتين هما: ٥٦، ٨٥ من سورة الاعراف.

٧٧

والخليفة الثاني داوود صلوات الله عليه، لقوله تعالى:( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ) يعني بيت المقدس. والخليفة الثالث علي ابن أبي طالبعليه‌السلام لقول الله تعالى( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْ‌ضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) يعني آدم وداوود.

٢ - وروى هذا الحديث بن طاووس في كتاب الطرائف برقم الحديث: ١٣٤ ص ٩٥ ط ٢ وروى هذا الحديث.

٣ - وأورد الحاكم الحسكاني: ج ١ ص ١١٦ ط ٣، الحديث المرقم ١١٦، ما يلي قال: وبه حدّثنا محمّد بن عبيد الله، قال: حدّثنا محمّد بن حماد الأكرم - بالبصرة -، قال: حدّثنا علي بن داوود القنطري، قال: حدّثنا سفيان الثوري عن منصور، عن مجاهد، عن سلمان الفارسي، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم يقول: [إنّ وصيّي وخليفتي وخير من أترك بعدي ينجز موعدي ويقضي ديني علي ابن أبي طالب ]. وقد وردت روايات كثيرة لهذا الحديث وبمصادر عده نذكر منها:

أ - لقد روى هذا الحديث الطبراني بالعنوان (أبو سعيد عن سلمان) من مسند سلمان الفارسي في الرقم (٦٠٦٣) من المعجم الكبير في الجزء السادس ص ٢٧١ الطبعة الأولى، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي، حدّثنا إبراهيم بن الحسن التغلبي، حدّثنا يحيى بن يعلي، عن ناصح بن عبد الله، عن سماك بن حرب، عن أبي سعيد الخدري، عن سلمانرضي‌الله‌عنه قال: قلت يا رسول الله: لكل نبيٍّ وصيّ، فمن وصيّك؟ فسكت عنّي فلمّا كان بعد رآني قال: يا سلمان: فأسرعت اليه فقلت: لبيك، قال: [تعلم من وصيّ موسى ؟ قلت: نعم، يوشع بن نون، قال: لِمَ قلت: لانّه كان أعلمهم يومئذ، قال:فإنّ وصييّ وموضع سرّي وخير من أترك بعدي ينجز عدتي ويقضي ديني علي ابن أبي طالب ].

ب - ورواه عنه الكنجي في الباب (٧٤) من كفاية الطالب ص ٢٩٢، ثمّ قال: ورواه الميانجى في الفوائد مختصرا من حديث أنس بن مالك، عن سلمان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، [صاحب سرّي عليّ بن أبي طالب ].

٧٨

ورواه في هامشه عن مجمع الزوائد: ج ٩ ص ١١٣، وتهذيب التهذيب: ج ٣ ص ١٠٦، وكنز العمّال: ج ٦ ص ١٥٤، والرياض النضره: ج ٢ ص ١٧٨، وأيضا رواه عن الطبراني السيوطي في جمع الجوامع: ج ١ ص ٢٨٢، والمتّقى الهندي في فضائل عليّ من كنز العمّال: ج ١١ ص ٦١٠.

جـ - وروى هذا الحديث وبأسانيد الحافظ ابن عساكر في كتابه تاريخ دمشق: ج ١ ص ١٣٠ ط ٢، ج ٣ ص ٥ ومابعدها في الحديث ١٥٤ ومابعده وكذلك في الحديث ١٠٣١ في ترجمة الإمام أمير المؤمنين.

د - ورواه الإمام أحمد بن حنبل في الحديث ١٧٤ من باب مناقب أمير المؤمنين من كتاب الفضائل ص ١١٨ ط ١، قال: حدّثنا هيثم بن خلف، حدّثنا محمّد بن أبي عمر الدوري، حدّثنا شاذان، حدّثنا جعفر بن زياد، عن مطر، عن أنس قال: قلنا لسلمان: سل النبيّ من وصيّه، فقال له سلمان: يا رسول الله من وصيّك؟ قال: [يا سلمان: من كان وصيّ موسى؟ فقال: يوشع بن نون قال:فانّ وصيي و وارثي يقضي ديني وينجّز موعدي علي ابن أبي طالب ]. ورواه محقّقه في هامشه عن مصادر، ثمّ قال: ورواه الحافظ عبد الغني بن سعيد في كتاب المؤتلف والمختلف ص ١٠٣، بإسناد ثالث عن سلمان وفيه: [وصييّ وموضع سرّي وخليفتي في أهلي وخير من أخلف بعدي عليّ بن أبي طالب. ] وللرجوع فيما يأتي من الحديث المرقم ٥١٥ من شواهد التنزيل، الذي يروى عن أنس، ويصب بنفس المعنى، من: ج ١ ص ٥٦٩ ط ٣. وكذا رواه العاصمي في تهذيب زين الفتى، ص ٦٨٤. وفي الطبعة الأولى: ج ٢ ص ٣٩٧، لقد أورده في الحديث ٥١٨

وجاء في الدر الثمين للحافظ رضي الدين البرسي ص ٥٧ قال: ثمّ مدحه الله (يعني علياً) بالانفاق فقال:( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانيةً ) (١) عن مجاهد، عن ابن عبّاس قال: كان عند أمير المؤمنينعليه‌السلام أربعة دراهم فأنفق درهما ليلا ودرهما نهارا ودرهما سرا ودرهما علانية. ثمّ سمّاه خليفة فقال:( إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) قال ابن عباس: الخلفاء ثلاثه آدم وداود وأمير المؤمنين الّذي هو من آدم ابن صورته وأبو معناه(٢) .

لملاحظة: ماورد في الحديث ١١٥ من شواهد التنزيل للحسكاني المذكور في بداية البحث للآية الكريمة هذه ٣٠ من سورة البقرة.

____________________

(١) سورة البقرة: الآية ٢٧٤.

(٢) وفي البحار: ١٠٨ ص ٣٨٦، ورد: نعم الخليفة عليٌّ.

٧٩

سورة البقرة الآية ٣١

( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثمّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )

أورد الحافظ الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: ج ١ ص ١١٨ ط ٣، في الحديث ١١٧ قال: أخبرنا الشيخ جدي أبو نصر بقراءتي عليه من أصل سماعه، غير مرّة - حدّثنا أبو عمرو محمّد بن جعفر المزكى - إملاء، قال: حدّثني محمّد بن حمدون بن عيسى الهاشمي قال: حدّثني جدّي، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى قال: حدّثنا أبو عثمان الأزدي، عن أبي راشد، عن أبي الحمراء قال: كنا عند النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فأقبل عليّ فقال رسول الله: [من سرّه أن ينظر إلى آدم في علمه، ونوح في فهمه، وإبراهيم في حلمه، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب ].

رواه جماعه عن عبيد الله بن موسى العبسي وهو ثقة من أهل الكوفة. وأورد الحافظ محمّد بن يوسف الكنجي في كتاب - كفاية الطالب - الباب الثالث والعشرون قال: أخبرنا أبو الحسن بن المقير البغدادي بدمشق سنة أربع وثلاثون وستمائة عن المبارك بن الحسن الشهروزي، أخبرنا أبو القاسم بن البسري، أخبرنا أبو عبد الله العكبري، أخبرنا أبو ذر أحمد بن محمّد الباغندي، حدّثنا أبي عن مسعد بن يحيى النهدي، حدّثنا شريك عن أبي إسحاق، عن أبيه عن ابن عباس قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جالس في جماعه من أصحابه أقبل علي فلمّا بصربه رسول صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: [من أراد منكم أن ينظر إلى آدم في علمه، والى نوح في حكمته، فلينظر إلى علي ابن أبي طالب ].

قلت: تشبيهه لعليّعليه‌السلام بآدم في علمه لأن الله علَّم آدم صفة كل شيٍ كما قال عزّ وجلّ:( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ) فما من شي ولا حادثة ولا واقعه إلّا وعند عليعليه‌السلام فيها علم، وله في إستنباط معناها فهمٌ، وشبّهه بنوح في حكمته، أو في رواية في حكمه، وكانه أصح، لأن عليّاًعليه‌السلام كان شديدا على الكافرين رؤفا بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله:( وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) (١) .

وأخبر الله عزّ وجلّ عن شدّة نوحعليه‌السلام على الكافرين بقوله( وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ) (٢) .

____________________

(١) سورة الفتح: الآية ٢٩.

(٢) سورة نوح: الآية ٢٦.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

حكومةُ يزيد

٢٤١
٢٤٢

وتسلّم يزيد بعد هلاك أبيه قيادة الدولة الإسلاميّة وهو في غضارة العمر ، لمْ تهذّبه الأيام ولمْ تصقله التجارب ، وإنّما كان ـ فيما أجمع عليه المؤرّخون ـ موفور الرغبة في اللّهو والقنص ، والخمر والنساء وكلاب الصيد ، ومُمْعناً كلّ الإمعان في اقتراف المنكر والفحشاء ، ولم يكن حين هلاك أبيه في دمشق ، وإنّما كان في رحلات الصيد في حوارين الثنية(1) ، فأرسل إليه الضحّاك بن قيس رسالة يعزّيه فيها بوفاة معاوية ويهنئه بالخلافة ، ويطلب منه الإسراع إلى دمشق ليتولّى أزمّة الحكم ، وحينما قرأ الرسالة اتّجه فوراً نحو عاصمته في ركب مِنْ أخواله ، وكان ضخماً كثير الشعر ، وقد شعث في الطريق وليس عليه عمامة ولا متقلّداً بسيف ، فأقبل الناس يسلّمون عليه ويعزّونه ، وقد عابوا عليه ما هو فيه وراحوا يقولون : هذا الأعرابي الذي ولاّه معاوية أمر الناس ، والله سائله عنه(2) .

واتّجه نحو قبر أبيه فجلس عنده وهو باك العين ، وأنشأ يقول :

جاءَ البريدُ بقرطاسٍ يخبُّ بهِ

فأوجسَ القلبُ مِنْ قرطاسهِ فزعا

قلنا لكَ الويلُ ماذا في كتابكُمُ

قالَ الخليفة أمسى مدنفاً وجعا(3)

ثمّ سار متّجها نحو القبّة الخضراء في موكب رسمي تحفّ به علوج أهل الشام وأخواله وسائر بني أُميّة.

__________________

(1) الفتوح 4 / 265.

(2) تاريخ الإسلام ـ الذهبي 1 / 267.

(3) تاريخ ابن الأثير 3 / 261.

٢٤٣

خطاب العرش :

واتّجه يزيد نحو منصّة الخطابة ليعلن للناس سياسته ومخطّطات حكومته ، فلمّا استوى عليها ارتجّ عليه ولمْ يطق الكلام ، فقام إليه الضحّاك بن قيس فصاح به يزيد ما جاء بك؟ قال له الضحّاك : كلّم الناس وخذ عليهم ، فأمره بالجلوس(1) ، وانبرى خطيباً فقال : الحمد لله الذي ما شاء صنع ومَنْ شاء منع ، ومَنْ شاء خفض ومَنْ شاء رفع ، إنّ أمير المؤمنين ـ يعني معاوية ـ كان حبلاً مِنْ حبال الله مدّه ما شاء أنْ يمدّه ، ثمّ قطعه حين أراد أنْ يقطعه ، وكان دون مَنْ قبله وخيراً ممّا يأتي بعده ، ولا اُزكّيه عند ربّه وقد صار إليه ؛ فإنْ يعفُ عنه فبرحمته ، وإنْ يعاقبه فبذنبه. وقد وُلّيت بعده الأمر ولست اعتذر مِنْ جهل ولا آتي على طلب علم ، وعلى رسلكم : إذا كره الله شيئاً غيّره ، وإذا أحبّ شيئاً يسّره(2) .

ولم يعرض يزيد في هذا الخطاب لسياسة دولته ، ولمْ يدلِِ بأيّ شيء ممّا تحتاج إليه الأُمّة في مجالاتهم الاقتصادية والاجتماعية ، ومن المقطوع به أنّ ذلك ممّا لمْ يفكّر به ، وإنّما عرض لطيشه وجبروته واستهانته بالأُمّة ، فهو لا يعتذر إليها مِنْ أيّ جهل يرتكبه ولا مِنْ سيئة يقترفها ، وإنّما على الأُمّة الإذعان والرضا لظلمه وبطشه.

__________________

(1) تاريخ الخلفاء ، نشر أكاديمية العلوم للاتحاد السوفيتي.

(2) العقد الفريد 4 / 153 ، عيون الأخبار 2 / 239.

٢٤٤

خطابُهُ في أهل الشام :

وخطب في أهل الشام خطاباً أعلن فيه عن عزمه وتصميمه على الخوض في حرب مدمّرة مع أهل العراق ، وهذا نصه : يا أهل الشام ، فإنّ الخير لمْ يزل فيكم وسيكون بيني وبين أهل العراق حرب شديد ، وقد رأيت في منامي كأنّ نهراً يجري بيني وبينهم دماً عبيطاً ، وجعلت أجهد في منامي أنْ أجوز ذلك النهر فلمْ أقدر على ذلك حتى جاءني عبيد الله بن زياد فجازه بين يدي وأنا أنظر إليه.

وانبرى أهل الشام فأعلنوا تأييدهم ودعمهم الكامل له ، قائلين : يا أمير المؤمنين ، امضِ بنا حيث شئت واقدم بنا على مَنْ أحببت ، فنحن بين يديك وسيوفنا تعرفها أهل العراق في يوم صفين.

فشكرهم يزيد وأثنى على إخلاصهم وولائهم له(1) ، وقد بات من المقطوع به عند أوساط الشام أنّ يزيد سيعلن الحرب على أهل العراق لكراهتهم لبيعته وتجاوبهم مع الإمام الحُسين.

مع المعارضة في يثرب :

ولم يرق ليزيد أنْ يرى جبهة معارضة لا تخضع لسلطانه ولا تدين بالولاء لحكومته ، وقد عزم على التنكيل بها بغير هوادة ، فقد استتبت له الأمور وخضعت له الرقاب وصارت أجهزة الدولة كلّها بيده ، فما الذي يمنعه من إرغام أعدائه ومناوئيه؟

وأهم ما كان يفكّر به من المعارضين الإمام الحُسين (عليه السّلام) ؛ لأنّه يتمتّع

__________________

(1) الفتوح 5 / 6.

٢٤٥

بنفوذ واسع النّطاق ومكانة مرموقة بين المسلمين ، فهو حفيد صاحب الرسالة وسيد شباب أهل الجنّة ، أمّا ابن الزّبير فلمْ تكن له تلك الأهميّة البالغة في نفسه.

الأوامرُ المشدّدة إلى الوليد :

وأصدر يزيد أوامره المشدّدة إلى عامله على يثرب الوليد بن عتبة بإرغام المعارضين له على البيعة ، وقد كتب إليه رسالتين :

الأولى : وقد رويت بصورتين وهما :

1 ـ رواها الخوارزمي وهذا نصها : أمّا بعد ، فإنّ معاوية كان عبداً مِنْ عباد الله أكرمه واستخلصه ومكّن له ، ثمّ قبضه إلى روحه وريحانه ورحمته.

عاش بقدر ومات بأجل ، وقد كان عهد إليّ وأوصاني أنّ الله تبارك وتعالى منتقم للمظلوم عثمان بآل أبي سفيان ؛ لأنّهم أنصار الحقّ وطلاّب العدل ، فإذا ورد عليك كتابي هذا فخذ البيعة على أهل المدينة(1) .

وقد احتوت هذه الرسالة على ما يلي :

1 ـ نعي معاوية إلى الوليد.

2 ـ تخوّف يزيد مِن الأُسرة النبوية ؛ لأنّه قد عهد إليه أبوه بالحذر منها ، وهذا يتنافى مع تلك الوصية المزعومة لمعاوية التي جاء فيها اهتمامه بشأن الحُسين (عليه السّلام) ، وإلزام ولده بتكريمه ورعاية مقامه.

3 ـ الإسراع في أخذ البيعة من أهل المدينة.

2 ـ رواها البلاذري ، وهذا نصها : أمّا بعد ، فإنّ معاوية بن أبي سفيان كان عبداً من عباد الله أكرمه الله واستخلفه وخوّله

__________________

(1) مقتل الحسين (عليه السّلام) للخوازمي 1 / 178.

٢٤٦

ومكّن له ، فعاش بقدر ومات بأجل فرحمة الله عليه ، فقد عاش محموداً ومات برّاً تقيّاً ، والسّلام(1) .

وأكبر الظنّ أنّ هذه الرواية هي الصحيحة ؛ لأنّها قد اقتصرت على نعي معاوية إلى الوليد من دون أنْ تعرض إلى أخذ البيعة من الحُسين وغيره مِن المعارضين ، أمّا على الرواية الأولى فإنّه يصبح ذكر الرسالة التالية ـ التي بعثها يزيد إلى الوليد لإرغام الحُسين على البيعة ـ لغواً.

الثانية : رسالة صغيرة وصِفَت كأنّها أُذن فأرة ، وقد رويت بثلاث صور :

1 ـ رواها الطبري والبلاذري ، وهذا نصها : أمّا بعد ، فخذ حُسيناً وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزّبير أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتّى يبايعوا ، والسّلام(2) .

2 ـ رواها اليعقوبي ، وهذا نصها : إذا أتاك كتابي فاحضر الحُسين بن علي وعبد الله بن الزّبير فخُذهما بالبيعة ، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما وابعث إليّ برأسيهما ، وخُذ الناس بالبيعة فمَنْ امتنع فانفذ فيه الحكم ، وفي الحُسين بن علي وعبد الله بن الزّبير ، والسّلام(3) .

وليس في الرواية الثانية ذكرٌ لعبد الله بن عمر ، وأكبر الظن أنّه أُضيف اسمه إلى الحُسين وابن الزّبير لإلحاقه بالجبهة المعارضة وتبريره من التأييد السافر لبيعة يزيد.

3 ـ رواها الحافظ ابن عساكر ، وهذا نصها : أن ادعُ الناس

__________________

(1) أنساب الأشراف 1 ق 1 / 124.

(2) تاريخ الطبري 6 / 84 ، أنساب الأشراف 1 ق 1 / 124.

(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 215.

٢٤٧

فبايعهم وابدأ بوجوه قريش ، وليكن أوّل مَنْ تبدأ به الحُسين بن علي ؛ فإنّ أمير المؤمنين ـ يعني معاوية ـ عهد إليّ في أمره الرفق واستصلاحه(1) .

وليس في هذه الرواية ذكر لابن الزّبير وابن عمر ، إذ لمْ تكن لهما أيّة أهميّة في نظر يزيد ، إلاّ إنّا نشك فيما جاء في آخر هذه الرسالة مِنْ أنّ معاوية قد عهد إلى يزيد الرفق بالحُسين واستصلاحه ؛ فإنّ معاوية قد وقف موقفاً [سلبياً] يتّسم بالعداء والكراهية لعموم أهل البيت (عليهم السّلام) ، واتّخذ ضدّهم جميع الإجراءات القاسية كما ألمعنا إلى ذلك في البحوث السابقة ، وأكبر الظنّ أنّ هذه الجملة قد أُضيفت إليها لتبرير معاوية ونفي المسؤولية عنه فيما ارتكبه ولده مِن الجرائم ضدّ العترة الطاهرة.

بقي هنا شيء وهو أنّ هذه الرسالة قد وصفها المؤرّخون كأنّها أُذن فأرة لصغرها ، ولعلّ السبب في إرسالها بهذا الحجم هو أنّ يزيد قد حسِبَ أنّ الوليد سينفّذ ما عهد إليه مِنْ قتل الحُسين وابن الزّبير.

ومِن الطبيعي أنّ لذاك كثيراً مِن المضاعفات السيئة ، ومِنْ أهمها ما يلحقه مِن التذمّر والسّخط الشامل بين المسلمين ، فأراد أنْ يجعل التبعة على الوليد وأنّه لمْ يعهد إليه بقتلهما ، وأنّه لو أمره بذلك لأصدر مرسوماً خاصاً مطوّلاً به.

وحمل الرسالتين زُريق مولاه ، فأخذ يجذ في السير لا يلوي على شيء حتى انتهى إلى يثرب(2) ، وكان معه عبد الله بن سعد بن أبي سرح متلثّماً لا يبدو منه إلاّ عيناه ، فصادفه عبد الله بن الزّبير فأخذ بيده وجعل

__________________

(1) تاريخ ابن عساكر 13 / 68.

(2) تاريخ الإسلام ـ الذهبي 1 / 269 ، تاريخ خليفة بن خيّاط 1 / 222 ، وجاء في تاريخ ابن عساكر 13 / 68 وكتب يزيد مع عبد الله بن عمر ، وابن إدريس العامري عامر بن لؤي هذه الرسالة.

٢٤٨

يسأله عن معاوية وهو لا يجيبه ، فقال له : أمات معاوية؟ فلمْ يكلّمه بشيء فاعتقد بموت معاوية ، وقفل مسرعاً إلى الحُسين وأخبره الخبر(1) ، فقال له الحُسين : «إنّي أظنّ أنّ معاوية قد مات ، فقد رأيت البارحة في منامي كأن منبر معاوية منكوساً ، ورأيت داره تشتعل ناراً ، فأوّلت ذلك في نفسي بموته»(2) .

وأقبل زُريق إلى دار الوليد فقال للحاجب : استاذن لي ، فقال : قد دخل ولا سبيل إليه ، فصاح به زُريق : إنّي جئته بأمر ، فدخل الحاجب وأخبره بالأمر فأذن له ، وكان جالساً على سرير فلمّا قرأ كتاب يزيد بوفاة معاوية جزع جزعاً شديداً ، وجعل يقوم على رجليه ويرمي بنفسه على فراشه(3) .

فزع الوليد :

وفزع الوليد ممّا عهد إليه يزيد مِن التنكيل بالمعارضين ؛ فقد كان على يقين من أنّ أخذ البيعة من هؤلاء النفر ليس بالأمر السّهل حتّى يقابلهم بالعنف ، أو يضرب أعناقهم كما أمره يزيد.

إنّ هؤلاء النفر لمْ يستطع معاوية مع ما يتمتّع به مِن القابليات الدبلوماسية أنْ يُخضعهم لبيعة يزيد ، فكيف يصنع الوليد أمراً عجز عنه معاوية؟

__________________

(1) شرح نهج البلاغة 2 / 115.

(2) الفتوح 5 / 14.

(3) تاريخ خليفة بن خيّاط 1 / 222.

٢٤٩

استشارته لمروان :

وحار الوليد في أمره فرأى أنّه في حاجة إلى مشورة مروان عميد الأُسرة الاُمويّة فبعث خلفه ، فأقبل مروان وعليه قميص أبيض وملأة مورّدة(1) فنعى إليه معاوية فجزع مروان وعرض عليه ما أمره يزيد مِنْ إرغام المعارضين على البيعة له وإذا أصرّوا على الامتناع فيضرب أعناقهم ، وطلب مِنْ مروان أنْ يمنحه النّصيحة ويخلص له في الرأي.

رأي مروان :

وأشار مروان على الوليد فقال له : ابعث إليهم في هذه الساعة فتدعوهم إلى البيعة والدخول في طاعة يزيد ، فإنْ فعلوا قبلت ذلك منهم وإنْ أبَوا قدّمهم واضرب أعناقهم قبل أنْ يدروا بموت معاوية ؛ فإنّهم إنْ علموا ذلك وثب كلّ رجل منهم فأظهر الخلاف ودعا إلى نفسه ، فعند ذلك أخاف أنْ يأتيك مِنْ قِبَلِهم ما لا قِبَلَ لك به ، إلاّ عبد الله بن عمر فإنّه لا ينازع في هذا الأمر أحداً مع إنّي أعلم أنّ الحُسين بن علي لا يجيبك إلى بيعة يزيد ولا يرى له عليه طاعة ، ووالله ، لو كنت في وضعك لمْ اُراجع الحُسين بكلمة واحدة حتى أضرب رقبته كان في ذلك ما كان.

وعظُمَ ذلك على الوليد وهو أحنك بني أُميّة وأملكهم لعقله ورشده ، فقال لمروان : يا ليت الوليد لمْ يولد ولمْ يك شيئاً مذكوراً.

__________________

(1) تاريخ الإسلام ـ الذهبي 1 / 269.

٢٥٠

فسخر منه مروان وراح يندّد به قائلاً : لا تجزع ممّا قلت لك! فإنّ آل أبي تراب هم الأعداء مِنْ قديم الدهر ولم يزالوا ، وهم الدين قتلوا الخليفة عثمان بن عفان ثمّ ساروا إلى أمير المؤمنين ـ يعني معاوية ـ فحاربوه.

ونهره الوليد فقال له : ويحك يا مروان عن كلامك هذا! وأحسِن القول في ابن فاطمة ، فإنّه بقيّة النّبوة(1) . واتّفق رأيهم على استدعاء القوم وعرض الأمر عليهم ؛ للوقوف على مدى تجاوبهم مع السلطة في هذا الأمر.

أضواءُ على موقف مروان :

لقد حرّض مروان الوليد على التنكيل بالمعارضين ، واستهدف بالذات الإمام الحُسين ، فألحّ بالفتك به إنْ امتنع من البيعة ، وفيما أحسب أنّه إنّما دعاه لذلك ما يلي :

1 ـ أنّ مروان كان يحقد على الوليد ، وكانت بينهما عداوة متأصّلة وهو على يقين أنّ الوليد يحبّ العافية ولا ينفّذ ما عهد إليه في شأن الإمام الحُسين ، فاستغلّ الموقف وراح يشدّد عليه في اتّخاذ الإجراءات الصارمة ضدّ الإمام ؛ ليسبتين لطاغية الشام موقفه فيسلب ثقته عنه ويقصيه عن ولاية يثرب ، وفعلاً قد تحقّق ذلك ، فإنّ يزيد حينما علم بموقف الوليد مع الحُسين (عليه السّلام) غضب عليه وأقصاه عن منصبه.

__________________

(1) الفتوح 5 / 12 ـ 13.

٢٥١

2 ـ أنّ مروان كان ناقماً على معاوية حينما عهد بالخلافة لولده ولمْ يرشحّه لها ؛ لأنّه شيخ الاُمويِّين وأكبرهم سناً ، فأراد أنْ يورّط يزيد في قتل الإمام ؛ ليكون به زوال ملكه.

3 ـ كان مروان من الحاقدين على الحُسين ؛ لأنّه سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي حصد رؤوس بني أُميّة ونفى أباه الحكم عن يثرب ، وقد لعنه ولعن مَنْ تناسل منه ، وقد بلغ الحقد بمروان للأُسرة النّبوية أنّه منع مِنْ دفن جنازة الحسن (عليه السّلام) مع جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

ويقول المؤرّخون : إنّه كان يبغض أبا هريرة ؛ لأنّه يروي ما سمعه مِنْ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في فضل سبطيه وريحانتيه ، وقد دخل على أبي هريرة عائداً له فقال له : يا أبا هريرة ، ما وجدت عليك في شيء منذ اصطحبنا إلاّ في حبّك الحسن والحُسين.

فأجابه أبو هريرة : أشهد لقد خرجنا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فسمع الحسن والحُسين يبكيان ، فقال : «ما شأن ابني؟» فقالت فاطمة : «العطش» ، يا مروان كيف لا أحبّ هذين وقد رأيت مِنْ رسول الله ما رأيت؟!(1)

لقد دفع مروان الوليد إلى الفتك بالحُسين لعله يستجيب له فيروي بذلك نفسه المترعة بالحقد والكراهية لعترة النّبي (صلّى الله عليه وآله).

4 ـ كان مروان على يقين أنّه سيلي الخلافة ، فقد أخبره الإمام أمير المؤمنين وصي النّبي (صلّى الله عليه وآله) وباب مدينة علمه حينما تشفّع الحسنان به بعد واقعة الجمل ، فقال : «إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه» ، وقد اعتقد بذلك مروان ، وقد حرّض الوليد على الفتك بالحُسين ؛ ليكون

__________________

(1) تاريخ ابن عساكر 4 / 208.

٢٥٢

ذلك سبباً لزوال مُلْكِ بني سفيان ورجوع الخلافة إليه.

هذه بعض الأسباب التي حفّزت مروان إلى الإشارة على الوليد بقتل الإمام الحُسين ، وإنّه لمْ يكن بذلك مشفوعاً بالولاء والإخلاص إلى يزيد.

استدعاءُ الحُسين (عليه السّلام) :

وأرسل الوليد في منتصف الليل(1) عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو غلام حدث خلف الحُسين وابن الزّبير ، وإنّما بعثه في هذا الوقت لعلّه يحصل على الوفاق من الحُسين ولو سرّاً على البيعة ليزيد ، وهو يعلم أنّه إذا أعطاه ذلك فلن يخيس بعهده ولن يتخلّف عن قوله.

ومضى الفتى يدعو الحُسين وابن الزّبير للحضور عند الوليد فوجدهما في مسجد النّبي (صلّى الله عليه وآله) فدعاهما إلى ذلك فاستجابا له وأمراه بالانصراف ، وذعر ابن الزّبير ، فقال للإمام :

ـ ما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها؟

ـ «أظنّ أنّ طاغيتهم ـ يعني معاوية ـ قد هلك ، فبعث إلينا بالبيعة قبل أنْ يفشو بالناس الخبر».

ـ وأنا ما أظن غيره ، فما تريد أنْ تصنع؟

ـ «أجمع فتياني السّاعة ثم أسير إليه ، وأجلسهم على الباب».

ـ إنّي أخاف عليك إذا دخلت.

ـ «لا آتيه إلاّ وأنا قادر على الامتناع»(2) .

__________________

(1) البداية والنهاية 8 / 160.

(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 264.

٢٥٣

وانصرف أبيّ الضيم إلى منزله فاغتسل وصلّى ودعا الله(1) ، وأمر أهل بيته بلبس السّلاح والخروج معه ، فخفّوا محدقين به ، فأمرهم بالجلوس على باب الدار ، وقال لهم : «إنّي داخل فإذا دعوتكم ، أو سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليّ بأجمعكم». ودخل الإمام على الوليد فرأى مروان عنده وكانت بينهما قطيعة ، فأمرهما الإمام بالتقارب والإصلاح وترك الأحقاد ، وكانت سجية الإمام (عليه السّلام) التي طُبِعَ عليها الإصلاح حتّى مع أعدائه وخصومه.

فقال (عليه السّلام) لهما : «الصلة خير من القطيعة ، والصلح خير مِن الفساد ، وقد آن لكما أنْ تجتمعا ، أصلح الله ذات بينكما»(2) .

ولمْ يجيباه بشيء فقد علاهما صمت رهيب ، والتفت الإمام إلى الوليد فقال له : «هل أتاك مِنْ معاوية خبر ، فإنّه كان عليلاً وقد طالت علّته ، فكيف حاله الآن؟».

فقال الوليد بصوت خافت ، حزين النّبرات : آجرك الله في معاوية ، فقد كان لك عمّ صدوق ، وقد ذاق الموت ، وهذا كناب أمير المؤمنين يزيد.

فاسترجع الحُسين (عليه السّلام) ، وقال له : «لماذا دعوتني؟».

دعوتك للبيعة(3) .

فقال (عليه السّلام) : «إنّ مثلي لا يبايع سرّاً ولا يُجتزئ بها منّي سرّاً ، فإذا خرجت إلى الناس ودعوتهم للبيعة دعوتنا معهم ، وكان الأمر واحداً».

__________________

(1) الدر النظيم / 162.

(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 264.

(3) الفتوح 5 / 17.

٢٥٤

لقد طلب الإمام تأجيل الأمر إلى الصباح ؛ حتّى يعقد اجتماعاً جماهيرياً فيدلي برأيه في شجب البيعة ليزيد ، ويستنهض همم المسلمين على الثورة والإطاحة بحكمه ، وكان الوليد ـ فيما يقول المؤرّخون ـ يحبّ العافية ويكره الفتنة ، فشكر الإمام على مقالته وسمح له بالانصراف إلى داره.

وانبرى الوغد الخبيث مروان بن الحكم وهو مغيظ محنق فصاح بالوليد : لئن فارقك السّاعة ولمْ يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه ، احبسه فإنْ بايع وإلاّ ضربت عنقه.

ووثب أبيّ الضيم إلى الوزغ بن الوزغ ، فقال له : «يابن الزرقاء ، أأنت تقتلني أمْ هو؟ كذبت والله ولؤمت»(1) .

وأقبل على الوليد فأخبره عن عزمه وتصميمه على رفض البيعة ليزيد قائلاً : «أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النّبوة ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ومحل الرّحمة ، بنا فتح الله وبنا يختم. ويزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، قاتل النفس المحرّمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون ، وننظر وتنظرون أينا أحقّ بالخلافة والبيعة؟»(2) .

وكان هذا أوّل إعلان له على الصعيد الرسمي بعد هلاك معاوية في رفض البيعة ليزيد ، وقد أعلن ذلك في بيت الإمارة ورواق السلطة بدون مبالاة ولا خوف ولا ذعر.

لقد جاء تصريحه بالرفض لبيعة يزيد معبّراً عن تصميمه ، وتوطين نفسه حتّى النّهاية على التضحية عن سموّ مبدئه وشرف عقيدته ، فهو بحكم مواريثه الروحية ، وبحكم بيئته التي كانت ملتقى لجميع الكمالات الإنسانية

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير 3 / 264.

(2) الفتوح 5 / 18.

٢٥٥

كيف يبايع يزيد الذي هو مِنْ عناصر الفسق والفجور؟ ولو أقرّه إماماً على المسلمين لساق الحياة الإسلاميّة إلى الانهيار والدمار ، وعصف بالعقيدة الدينية في متاهات سحيقة مِن مجاهل هذه الحياة.

وكانت كلمة الحقّ الصارخة التي أعلنها أبو الأحرار قد أحدثت استياءً في نفس مروان ، فاندفع يعنّف الوليد ويلومه على إطلاق سراحه قائلاً : عصيتني! لا والله ، لا يمكّنك مثلها من نفسه أبداً.

وتأثّر الوليد مِنْ منطق الإمام وتيقّظ ضميره ، فاندفع يردّ أباطيل مروان قائلاً : ويحك! إنّك أشرت عليّ بذهاب ديني ودنياي. والله ، ما أحبّ أنْ أملك الدنيا بأسرها ، وإنّي قتلت حُسيناً. سُبحان الله! أأقتل حُسيناً إنْ قال لا أُبايع؟! والله ، ما أظنّ أحداً يلقى الله بدم الحُسين إلاّ وهو خفيف الميزان ، لا ينظر الله إليه يوم القيامة ، ولا يزكّيه وله عذاب أليم.

وسخر منه مروان وطفق يقول : إذا كان هذا رأيك فقد أصبت(1) .

وعزم الحُسين على مغادرة يثرب والتوجّه إلى مكّة ؛ ليلوذ بالبيت الحرام ويكون بمأمن مِنْ شرور الاُمويِّين واعتدائهم.

الحسينُ (عليه السّلام) مع مروان :

والتقى أبيّ الضيم في أثناء الطريق بمروان بن الحكم في صبيحة تلك الليلة التي أعلن فيها رفضه لبيعة يزيد ، فبادره مروان قائلاً :

__________________

(1) الطبري.

٢٥٦

«إنّي ناصح ، فأطعني ترشد وتسدّد ..».

«وما ذاك يا مروان؟».

«إنّي آمرك ببيعة أمير المؤمنين يزيد ؛ فإنّه خير لك في دينك ودنياك».

والتاع كأشدّ ما تكون اللوعة واسترجع ، وأخذ يردّ على مقالة مروان ببليغ منطقه قائلاً : «على الإسلام السّلام ، إذ قد بُليت الأُمّة براعٍ مثل يزيد. ويحك يا مروان! أتأمرني ببيعة يزيد وهو رجل فاسق؟! لقد قلت شططاً من القول. لا ألومك على قولك ؛ لأنّك اللعين الذي لعنك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأنت في صلب أبيك الحكم بن أبي العاص».

وأضاف الإمام يقول : «إليك عنّي يا عدو الله! فإنّا أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والحقّ فينا ، وبالحقّ تنطق ألسنتنا ، وقد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : الخلافة محرّمة على آل أبي سفيان ، وعلى الطلقاء وأبناء الطلقاء. وقال : إذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه. فوالله ، لقد رآه أهل المدينة على منبر جدّي فلم يفعلوا ما أُمروا به».

وتميّز الخبيث الدنس مروان غيظاً وغضباً ، واندفع يصيح : والله ، لا تفارقني أو تبايع ليزيد صاغراً ؛ فإنّكم آل أبي تراب قد أُشربتم بغض آل أبي سفيان ، وحقّ عليكم أن تبغضوهم وحقّ عليهم أن يبغضوكم.

وصاح به الإمام : «إليك عنّي فإنّك رجس ، وأنا مِنْ أهل بيت الطهارة الذين أنزل الله فيهم على نبيه (صلّى الله عليه وآله) : إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً».

ولمْ يطق مروان الكلام وقد تحرّق ألماً وحزناً ، فقال له الإمام : «أبشرْ يابن الزرقاء بكلّ ما تكره من الرسول (صلّى الله عليه وآله) يوم تقْدِم

٢٥٧

على ربّك فيسألك جدّي عن حقّي وحقّ يزيد».

وانصرف مروان مسرعاً إلى الوليد فأخبره بمقالة الحُسين له(1) .

اتصالُ الوليد بدمشق :

وأحاط الوليدُ يزيدَ علماً بالأوضاع الراهنة في يثرب ، وعرّفه بامتناع الحُسين (عليه السّلام) من البيعة ، وأنّه لا يرى له طاعة عليه ، ولمّا فهم يزيد بذلك تميّز غيظاً وغضباً.

الأوامر المشدّدة مِن دمشق :

وأصدر يزيد أوامره المشدّدة إلى الوليد بأخذ البيعة مِنْ أهل المدينة ثانياً ، وقتل الحُسين (عليه السّلام) وإرسال رأسه إليه.

وهذا نص كتابه : من عبد الله يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة ، أمّا بعد ، فإذا ورد عليك كتابنا هذا فخذ البيعة ثانياً على أهل المدينة بتوكيد منك عليهم وذر عبد الله بن الزّبير ؛ فإنّه لن يفوت أبداً مادام حيّاً ، وليكن مع جوابك إليّ برأس الحُسين بن علي ، فإنْ فعلت ذلك فقد جعلت لك أعنّة الخيل ولك عندي الجائزة والحظّ الأوفر والنّعمة ، والسّلام.

رفض الوليد :

ورفض الوليد رسميّاً ما عهد إليه يزيد من قتل الحُسين ، وقال : لا والله ، لا يراني الله قاتلَ الحُسين بن علي. لا أقتل ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)

__________________

(1) الفتوح 5 / 24.

٢٥٨

ولو أعطاني يزيد الدنيا بحذافيرها(1) ، وقد جاءته هذه الرسالة بعد مغادرة الإمام يثرب إلى مكّة.

وداع الحُسين (عليه السّلام) لقبر جدّه (صلّى الله عليه وآله) :

وخفّ الحُسين (عليه السّلام) في الليلة الثانية إلى قبر جدّه (صلّى الله عليه وآله) وهو حزين كئيب ؛ ليشكو إليه ظلم الظالمين له ، ووقف أمام القبر الشريف بعد أنْ صلّى ركعتين وقد ثارت مشاعره وعواطفه ، فاندفع يشكو إلى الله ما ألمّ به من المحن والخطوب قائلاً : «اللّهم ، إنّ هذا قبرَ نبيّك محمّدٌ وأنا ابن بنت محمّد ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت. اللّهم ، إنّي اُحبّ المعروف واُنكر المُنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحقّ هذا القبر ومَنْ فيه إلاّ ما اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضى».

رؤيا الحُسين (عليه السّلام) لجدّه (صلّى الله عليه وآله) :

وأخذ الحُسين يطيل النظر إلى قبر جدّه وقد وثقت نفسه أنّه لا يتمتّع برؤيته وانفجر بالبكاء ، وقبل أنْ يندلعَ نور الفجر غلبه النوم فرأى جدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله) قد أقبلَ في كتيبة مِن الملائكة ، فضمّ الحُسين إلى صدره وقبّل ما بين عينيه ، وهو يقول له : «يا بُني ، كأنّي عن قريب أراك مقتولاً مذبوحاً بأرض كربٍ وبلاء ، بين عصابة مِنْ أُمّتي ، وأنت مع ذلك عطشان لا تُسقى ، وظمآن

__________________

(1) الفتوح 5 / 26 ـ 27.

٢٥٩

لا تُروى ، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي يوم القيامة! فما لهم عند الله مِنْ خلاق.

حبيبي يا حُسين ، إنّ أباك وأُمّك وأخاك قد قدموا عليّ وهم إليك مشتاقون. إنّ لك في الجنّة درجات لن تنالها إلاّ بالشهادة».

وجعل الحُسين يطيل النظر إلى جدّه (صلّى الله عليه وآله) ويذكر عطفه وحنانه عليه فازداد وجيبه. وتمثّلت أمامه المحن الكبرى التي يعانيها من الحكم الاُموي. فهو إمّا أنْ يُبايع فاجرَ بني أُميّة أو يُقتل ، وأخذ يتوسّل إلى جدّه ويتضرّع إليه قائلاً : «يا جدّاه ، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا ، فخذني إليك وأدخلني معك إلى منزلك».

والتاع النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، فقال له : «لا بدّ لك مِن الرجوع إلى الدنيا حتّى تُرزق الشهادة ، وما كتب الله لك فيها من الثواب العظيم ؛ فإنّك وأباك وأخاك وعمّك وعمّ أبيك تُحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتّى تدخلوا الجنّة»(1) .

واستيقظ الحُسين فزعاً مرعوباً ، قد ألمّت به تياراتٌ من الأسى والأحزان ، وصار على يقين لا يخامره أدنى شك أنّه لا بد أنْ يُرزق الشهادة ، وجمع أهل بيته فقصّ عليهم رؤياه الحزينة ، فطافت بهم الآلام وأيقنوا بنزول الرزء القاصم.

ووصف المؤرّخون شدّة حزنهم بأنّه لمْ يكن في ذلك اليوم لا في شرق الأرض ولا في غربها أشدّ غمّاً مِنْ أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولا أكثر باكية وباك منهم(2) .

__________________

(1) الفتوح 5 / 28 ـ 29.

(2) مقتل العوالم / 54.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427