النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين الجزء ٣

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين0%

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين مؤلف:
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 329

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد فخر الدين
تصنيف: الصفحات: 329
المشاهدات: 30711
تحميل: 4569


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 329 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30711 / تحميل: 4569
الحجم الحجم الحجم
النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين

النّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ألنّور المبين

فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين

ألجزء الثالث

المؤلّف

محمّد فخر الدّين

١

قول الحقّ وفصل الخطاب للمرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشيخ بشير النجفي دام ظله فيما جاء: {ألنّور المبين: في مانزل من القرآن في إمام المتّقين}

٢

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين..

وبعد التوفيق منه تعالى والسعي والجهد والعزم، نقدِّم الجزء الثالث من(ألنّور المبين فيما نزل من القرآن في إمام المتّقين) للقارئ الكريم بما وُفقّنا له من إيراد ماسبرته أيادي كبار العلماء ممّا ورد من روايات لأحاديث شريفة تظهر مناقب وفضائل الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام وبما احتوته من آيات قرآنيّة كريمة بالرغم من كثرة النواصب والمعادين للإمام عليٍّ عليه السّلام سواء الحكّام أو السائرين بركابهم الّذين باعوا آخرتهم لدنيا غيرهم(١) .

ونرجو من الله التوفيق والسّداد بتكملة ما سعينا له وإتمامه بحوله وقوّته والسّلام.

الراجي عفو ربّه

محمّد فخر الدّين

____________________

(١) قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:[شرُّ الناس من باع آخرته بدنياه، وأشرُّ من ذلك من باع آخرته لدنيا غيره!].

٣

تنبيه ضروري يتعلّق بسند الأحاديث الواردة في كتاب النّور المبين، والحكم عليها.

لا يخفى علينا وعلى جميع أهل الاختصاص، وجود نزعةٍ عند النواصب تقتضيهم رفض كل فضائل عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، حتّى لو كانت من المعلوم بالضرورة، وهي نزعة نفسيّةٌ راسخة، وقد يتسرّب الشكّ من هذا الرافض، إلى من قلبه سليم من النصب، معتقداً بأنَّ التشكيك في صحّة صدور الأحاديث والآيات في حقّ عليّ بن أبي طالب ناتج عن العلم والتحقيق في علم الحديث. وأنّه بمقتضى المعارف المتينة، غير ملتفت إطلاقا إلى أنّ التشكيك إنّما هو نتيجة كُره عليٍّ وأهل بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وليس ناتجا عن العلم مطلقا، ولكن للأسف فإنّ هذه هي الحقيقة المرّة الّتي سار عليها النواصب مختفين بين المسلمين. وقد انخدع الكثير من البسطاء والمقلّدة بفعل هؤلاء حيث يرونهم يضعّفون ويضعّفون كما يصحّحون ويصحّحون وكأنّهم يملكون العلم اللَّدُنيّ في صحّة صدور الأحاديث عن أربابها. ولو رجعنا إلى فعلهم لوجدناه خال من العلم الحقيقي ومبنيّ على المشتهيات والأهواء، والعلم الحقيقي يأبى عن أحكامهم.

وأما مسلكنا في التصحيح فهو كما يلي في النقاط التالية:

١- إنَّ المهم من أحكام علم الحديث هو أن يكون الحديث أو الأثر حجّة بنفسه بحيث أنَّ من يقابل الله يستطيع أن يدلي بحجّته في قبوله. وهذا هو مبدأ جميع العقلاء المعتدلين، فكم من صحيح لا يمكن أن يقابل به الله، وكم من حديث ضعّفوا إسناده فأخذوا به معتقدين بمضمونه- حقّا كان أو باطلا- كلّ حسب حجّته أمام ربّه. فالأصل هو الحجّة وليس الأحكام المشهورة الّتي لا تقدّم ولا تؤخّر. بل غاية ما يقال عنها أنّها تساعد على تحديد نسبة الخبر، حتّى إنّ النواصب أنفسهم وهم من المجسّمة يرون التجسيم ويثبتون صفة العلوّ وغير ذلك لله، وليس لديهم حديث واحد صحيح مطلقا، لا سندا ولا دلالة. وهكذا نراهم يعتمدون الضعاف والمتكلّم فيها، والمرفوضة من جميع المسلمين، وهذا يدلّ على انتقائيّة زائفة، لا يمكن أن يقابل العبد ربّه بها. وقد كان مسلكنا أنّنا لم ندخل في التصحيح والتضعيف حتّى نقع في الإنتقاء. بل إنّنا أوردنا الأحاديث كما هي، وبتزايد عددها ترسخ فيها مفهوم التواتر أو الإستفاضة على أقلّ تقدير، حسبما يأتي في الفقرة التالية.

٤

٢- إذا تكاثرت الطرق إلى حديث وبعضها صحيح أو حسن، وكانت متوافقة في اللفظ أو المعنى، فإنّها تورث علما يقينيّا بالصدور، بخلاف الحديث الصحيح فانّ حكمه حكم (خبر الواحد) وهو ما دون التواتر، وهو حكم ظنيّ وليس يقينيّا، فكل ما يقال إنَّه صحيح يعني أنّه مظنون الصدور عن قائله، بموجب علم الحديث، والظن لا يقابل العلم ولايدفعه. وقد جزم كلّ أرباب الصناعة بأنّ أحكام علم الحديث هي لأخبار الآحاد، وأمّا المتواترات فلا يشملها الحكم مطلقا، بل هي خارج علم الحديث لأنّها من اليقينيّات. كما قد أخرج علماء الحديث الضعاف المتعاضدة بالكثرة والشهرة من حكم الظن إلى القطع واليقين للكثرة العاضدة، حيث يتبيّن أنَّ لتلك الأحاديث أصل، لم نقع على شروط الوصول إليه بما يتعين من الضوابط، فانتقلت إلى حكم المتواتر حتّى لو كانت جميعها ضعيفة بنفسها، لشروط يخترعها المخترعون، فكيف إذا كان بعضها صحيحا أو حسنا؟ فذلك من اليقيني الخارج عن حدّ علم الحديث أصلا، ويكون البحث فيه من مهنة العاجز أو المخادع المغرض. وهذا الحكم في كل طريق يقيني، ولهذا ألحقوا المستفيض بالمتواتر لأنّ حكمه اليقين أيضا. وسنبيّن ذلك بعد الحديث عن التنبيه بنصوص استقصيناها من أهل الحديث أنفسهم بما فيهم النواصب الّذين يشكّكون في فضائل عليٍّ المتواترة.

٣- الأحاديث الواردة في هذا الكتاب تتمحور حول مواضيع معيّنه وهي في كل موضوع بالعشرات إذا لم تكن بالمئات، وإنّ أغلبها صحيح حسب علم الحديث، حتّى أنّ المدّعى فيه الضعف قد تمّ ردّه بالعلم والدليل في أغلب المدّعيات. فما من حديث في فضائل أهل البيت ضُعِّف أو وصف بالوضع، إلّا وثبت بالتحقيق خلافه، ممّا يعني أنّ تَقَصّد الموظفين لتضعيف فضائل أهل البيت عليهم السّلام وعلى رأسهم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام لم يُحْبَك بشكل جيّد بحيث لا يدع مجالا للنقاش، بل هو مبني على أوهام ومغالطات تفتح الأبواب مشرعة للكلام فيها والتحقيق في إثبات كذب الحكم على تلك الأحاديث بالضعف أو الوضع. نعم إذا كان الضعف من جهة زيادة مرفوضة بالدليل، أو إخلال بالأصل أو الأدّلة المساندة فإنّ تلك الزيادة ترفض، ولا يمكن رفضها بحجّة التّفرد أو رفض المعنى المخالف لهوى الحاكم، بل بالدليل العلميّ الحجّة. ونحن سلكنا هنا إثبات الجامع المشترك من كل تلك الأحاديث غير مبالين بالزيادات المرفوضة فإنّها توكل إلى قائليها. لأنّها لا تشكّل عائقا في قبول أصل الموضوع حيث يصل الأمر فيه إلى حدّ التواتر المعنوي أو اللفظي أو تواتر الطبقات.

٥

٤- تلخّص من النقاط السابقة بأنّ نفس سردنا لهذه الأحاديث الكثيرة من طرقها، المتّحدة في معناها، يدلّ على حصول التواتر القطعي. فكيف وقد نصَّ الكثير من نقّاد الحديث على صحة بعضها المتّفق في المعنى، فنحن لم نبحث موضوعا يحتاج إلى إسناد أصلا، لأنّنا أثبتنا التواتر عمليّا من خلال السرد للنصوص الكثيرة إلى حدّ مدهش. وكلّ من يدّعي بأنَّ مثل هذا العدد من النصوص لا يكشف عن وجود أصل لهذه الأحاديث فهو لم يذق طعم العلم، ولا يدري أيّ طرفيه أطول. وعند ذلك يكون شك المشكّكين في هذه النصوص كلّ على الإنفراد، إنّما هو من عمل أصحاب الأغراض الّذين يمكنهم أن يخدعوا البسطاء، وأمّا العلماء فليس بالمقدور خداعهم مع وجود هذه الكثرة التي تدلّ على أنّ الأحاديث في فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام مقطوعة الصدور ولا تقبل أيّ نقاش، ومن يناقش فيها مطعون في علمه، بل مطعون في تديّنه.

٥- إنّ ضبطنا للنصوص الواردة يعتمد على الكتب المحقّقة في الغالب ولم نعتمد على المخطوطات (الأصليّة أو غيرها) وذلك لكثرة التحقيقات في الألفاظ ممّا أغنانا عن التعب فيها، فنحيل على تلك الطبعات والتحقيقات المنسوبة إلى منتجيها. وقد قد قيل: السعيد من اكتفى بغيره، ولكن من دون تقليد. وإنّما ترك العهدة على المحقّق وعدم تبنّ اللفظ أو الحرف الواحد من قبلنا إجتهادا وإنّما نضعه في رقبة من حقّق النص ومسئوليّته وهو أولى به. وعلى هذا يكون النص معتمدا ما لم يثبت خلافه بالتحقيق. وقد كان من سعد الطالع أن توافقت الألفاظ في الغالب بل تطابقت، ممّا وفَّر تواترا لفظيّا في غالب المواضيع رغم تعدد مشارب المحقّقين وتفاوت قدرتهم على ضبط النصوص. وهذا يورث الاطمئنان والركون إلى هذه الشهرة للألفاظ بما يرفعها إلى مصاف التواتر أو المشهورات المقبولة عقلا.

٦

٦- لقد أخذنا على أنفسنا أن نقدّم نقل من خالفنا على نقل من وافقنا في موضوع يخالفنا فيه المخالف، وذلك لكونه أبلغ في الحجّة، فإنّ المخالف حين يروي خلاف ما يعتقد ويصحّحه، فهو حجّة لنا عليه بالقطع واليقين، وليس له أن يقول بأنّ عدم أخذه به يدل على عدم صحّته، لأنّه بعد التصحيح الّذي ذكره لا يمكن له مثل هذا القول. وبعد إثبات الكثرة المفضية إلى التواتر لا يمكن التنازل عن حكمه، إلّا إذا كان يدعي أنّه لا يعمل بمتيقّن الصدور من المعصوم صلّى الله عليه وآله وسلّم وإنّما يعمل بما هو متيقّن في مذهبه من الشبهات والكره لأهل بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فعند ذلك لا كلام لنا معه. فليس لنا أن نكلّم أهل الأهواء الخارجين عن حدود الإسلام علناً بدون شبهة يلجئون إليها. وأمّا المعيار في النقل عن المؤآلف فهو بحسب معايير أتباع أهل البيت عليهم السّلام من الحجّة عند الله في صحّة الصدور. وقد أغنانا البحث حيث تبين أنّها من المتواترات عندهم غالبا. وهي لا تحتاج إلى معايير الصنعة الدقيقة، لكونها خارجة عن حدّ "الظن الخاص" الّذي يراد له دليلٌ أن يكون حجّة، لا الظن الّذي لا يغني عن الحقّ شيئا.

ولسنا قاصرين عن إجراء التحقيق في سند الأحاديث، ولكنّها ستكون مطوّلة ومكرّرة في الغالب ويكفي فيها إثبات أنّها بمجملها متواترة المعنى، وكان ممّا يمنعنا الدخول في هذه الحلبة بالإضافة إلى الاختصار هو مؤاخذات العلماء على أهل الجرح والتعديل وفعلهم بروايات فضائل عليّ عليه السّلام وأهل بيته.

فأمّا مؤاخذات العلماء على أهل الجرح والتعديل فكثيرة جدّا. ونحن نذكر ما كان بخصوص تصرّفاتهم تجاه فضائل العترة وإنتقائيّة التصحيح والتضعيف عندهم. وقد كتب في ذلك كتب كثيرة منها كتاب (العَتْب الجميل على أهل الجرح والتعديل) لابن عقيل الشافعي اليماني. وهذه أهمّ إعتراضاتهم:

٧

١- ثبوت إختلالهم أو عدم مبالاتهم حين يواجهون أيّ منقبة لعليّ وأهل بيت الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وخير شاهد على ذلك ما كتبه العلّامة على مذهب الإمام مالك الشيخ أحمد بن الصدّيق الغماري المغربي في كتابه (فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم عليّ): ص ١٥٣: (الأصل الثاني: من أفعال المشكّكين): إبطال كلّ ما ورد في فضل عليّ عليه السّلام أو أكثره والحكم على من روى شيئا منه بالتشيّع والضعف والنكارة ولو بلغ الحديث مبلغ التواتر بحيث من تتبع صنيعهم في ذلك رأى العجب العجاب، والسبب فيه:ما ذكره ابن قتيبة في كتابه في الرد على الجهميّة (١) فقال:

(وقد رأيت هؤلاء أيضا حين رأوا غلو الرافضة في حقّ عليّ وتقديمه وإدعائهم له شركة النبيّ صلّى الله عليه وآله في نبوّته وعلم الغيب للائمّة من ولده، وتلك الأقاويل والأمور السريّة التي جمعت إلى الكذب والكفر إفراط الجهل والغباوة ورأوا شتمهم خيار السلف وبغضهم وتبرّؤهم منهم قابلوا ذلك أيضا بالغلو في تأخير عليّ كرم الله وجهه وبخسه حقّه ولحنوا في القول، وإن لم يصرّحوا، إلى ظلمه واعتدوا عليه بسفك الدماء بغير حقّ ونسبوه إلى الممالاة على قتل عثمان وأخرجوه بجهلهم من أئمَّة الهدى إلى جملة أئمَّة الفتن، ولم يوجبوا له إسم الخلافة لاختلاف الناس عليه وأوجبوها ليزيد بن معاوية لإجماع الناس عليه، واتّهموا من ذكره بغير خير، وتحامى كثير من المحدّثين أن يحدّثوا بفضائله كرم الله وجهه أو يظهروا ما يجب له وكلّ تلك الأحاديث لها مخارج صحاح وجعلوا إبنه الحسين عليه السّلام خارجيّا شاقّا لعصا المسلمين حلال الدم، وسوّوا بينه وبين أهل الشورى، لأنّ عمر لو تبين له فضله

____________________

(١) الاختلاف في اللفظ والرد على الجهميّة والمشبّهة لأبي محمّد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة المتوفّى ٢٧٦ ط مطبعة السعادة بمصر سنة ١٣٤٩. أقول: السبب الّذي ذكره ابن قتيبة فيه تبرير غير مقبول وفيه معلومات مغلوطة، يتبيّن خطأها بمراجعة دقيقة لحديث الطرفين، فلا الشيعة يقولون بشركة عليّ للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقولهم بالعلم الإلهامي لا يخرجهم عن حدّ الاعتدال، وهو شبيه بقضيّة يا سارية الجبل والجواب هو الجواب، وبمراجعة شروطهم في الحديث فإنّ شيعة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يشترطون الصدق في الراوي، وهذا شرط لا يشترط في شروط الصحاح وهو ليس من شرط الوثاقة عندهم كما يتبيّن من فعلهم في تصحيح من نصّ الله على كذبه بمحكم كتابه فإنّهم يروون عنه ويوثقونه وقد نزلت فيه( يَا أَيُّهَا الّذين آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (الحجرات/٦)، فكيف يقال لمن يشترط الصدق أنّه يكذب على عليّ عليه السّلام؟ بينما من لا يشترط الصدق ويقوم بتزوير كلام رسول الله علناً ويدّعي أنّه حُسْبة لله، فيقال عنه صادق!! وابن قتيبة اعترف بأنّ جماعته يقومون بالكذب على رسول الله إغاظة لشيعة عليّ عليه السّلام، وهذا يكفي في هذا المقام.

٨

لقدّمه عليهم ولم يجعل الأمر شورى بينهم، وأهملوا من ذكره أو رواية حديث في فضله حتى تحامى كثير من المحدّثين أن يتحدَّثوا بها وعنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص ومعاوية يعني الموضوعة، كأنّهم لا يريدونها بذلك وإنّما يريدونه. فإن قال قائل: أخو رسول الله صلّى الله عليه وآله عليٌّ وأبو سبطيه الحسن والحسين، وأصحاب الكساء، عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين، تمعّرت الوجوه وتنكّرت العيون وطرت حسايك الصدور، وإن ذكر ذاكر قول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم:من كنت مولاه فعليّ مولاه (١) ،وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى (٢) ، وأشباه هذا التمسوا لتلك الأحاديث المخارج لينتقصوه ويبخسوه حقّه بغضا منهم للرافضة وإلزاما لعليّ عليه السّلام بسببهم ما لايلزمه وهذا هو الجهل بعينه... اه‍)(٣) ). فهذا أهمّ الأسباب الحاملة للمتقدّمين الّذين كانوا في عصر ابن قتيبة وقبله على الطعن في فضائل عليّ عليه السّلام، وقد أشار الإمام أحمد إلى نحو هذا إذ سأله ابنه عبد الله عن عليّ ومعاوية فقال: إعلم أنَّ عليّا كان كثير الأعداء ففتّش له أعداؤه شيئا فلم يجدوه فجاؤا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه، كيدا منهم له. رواه السلفيّ في (الطيوريّات)، فمن كان بهذه الصفة كيف يقبل فضائل عليّ أو يصحّحها وقد انطوت بواطن كثير من الحفّاظ خصوصا البصريّين والشاميّين على البغض لعليّ وذويه، وأشار ابن القيم في (أعلام الموقعين) إلى قريب من هذا أيضا لماّ تكلّم على المفتين من الصحابة فقال: وأمّا عليّ بن أبى طالب عليه السّلام فانتشرت أحكامه وفتاويه ولكن قاتل الله الشيعة فإنّهم أفسدوا كثيرا من علمه بالكذب عليه، ولهذا تجد أصحاب الحديث من أهل الصحيح لا يعتمدون من حديثه وفتواه، إلّا ما كان من طريق أهل بيته وأصحاب عبد الله بن مسعود، وكان رضي الله عنه وكرّم الله وجهه يشكو عدم حملة العلم الّذي أودعه كما قال: إنّ هاهنا علما لو أصبت له حملة اه‍...(٤) .

____________________

(١) الغدير: ١: ٢٩٤.

(٢) الغدير: ٣: ١٩٩

(٣) الاختلاف في اللفظ ص ٤٧ - ٤٨.

(٤) اعلام الموقعين: ج١ ص٢١.

٩

فهذا يشير إلى أنهم تركوا من علمه كما تركوا من فضله معارضةً للشيعة وإخمادا لهم والله المستعان. إنتهى

أقول: هذا الكلام فيه اعتراف صريح بترك مذهب الحقّ، مع اعترافهم بأحقيّته، وتركهم لفضائل أهل البيت تعمّدا، وتبريرهم ذلك بوهمهم أنّ الشيعة كذبوا على عليّ وأهل بيته، بينما كلّ النصوص التي اعتمدها الشيعة عن أهل البيت عليهم السّلام، ونقم منها أتباع السلاطين، موجودة في كتب أهل السّنة مقرّرة أنّها قول العترة ولكنّهم يأبون إتّباعها، وهذا من قلّة التحقيق وإرسال التهم جزافا وتصديقها لمجرد أنّها صدرت في حقّ من يكرهونه، عليّ وأهل بيت النبوّة وأتباعهم. وقد ثبت أنّ غالب من طعن، طعن في أحاديث النص والفضائل في عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فإنّهم لا يطيقون ذكر عليّ ويكرهونه بشكل عجيب. وعلى سبيل المثال إليك ما قاله الغماري المالكي المذهب في نفس الكتاب معلّقا على صنيع الذهبي في كتبه. فتح الملك العلي: ص: ١٦٠. وأمّا الذهبي: فلا ينبغي أن يقبل قوله في الأحاديث الواردة بفضل عليّ عليه السّلام فإنّه -سامحه الله- كان إذا وقع نظره عليها إعترته حدّةٌ أتلفت شعوره، وغضبٌ أذهب وجدانه، حتّى لا يدري ما يقول. وربّما سبَّ ولعن من روى فضائل عليّ عليه السّلام، كما وقع منه في غير موضع من الميزان وطبقات الحفّاظ تحت ستارة أنّ الحديث موضوع، ولكنّه لا يفعل ذلك فيمن يروي الأحاديث الموضوعة في مناقب أعدائه، ولو بسطت المقام في هذا لذكرت لك ما تقضي منه بالعجب من الذهبي رحمه الله تعالى وسترنا عنه آمين. ويكفي في ردّ كلامه أنّه قال في الميزان: عبد السلام بن صالح أبو الصلّت الهروي الرجل الصالح إلّا أنّه شيعي جلد... اه‍ )(١) . فما وصفه بضعف ولا رماه بكذب، ثمّ عند ذكر الحديث(٢) في المستدرك: أقسم بالله أنّ عبد السلام بن صالح ما هو ثقة ولا هو مأمون، فكيف الجمع بين هذا وذاك. وقد تعقّبه الحافظ في حكمه على هذا الحديث بالوضع في ترجمة جعفر بن محمّد الفقيه،

____________________

(١) ميزان الاعتدال: ٢: ١٢٩.

(٢) حديث:[أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها].

١٠

فإنّه أورد له هذا الحديث وقال: موضوع(١) ، فتعقّبه الحافظ في اللسان بقوله: وهذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم أقلّ أحوالها أن يكون للحديث أصل، فلا ينبغي أن يطلق عليه القول بالوضع(٢) اه‍. وصرّح الذهبي ببطلان حديث الطير في نحو عشرين موضعا من الميزان، وضعّف به خلائق ليس له على ضعفهم دليل سوى روايته. ثمّ لم يجد بُدّاً من إعترافه به، لكثرة طرقه الّتي تغلّبت على نصبه -سامحه الله- فصرّح بثبوته في تذكرة الحفّاظ.) إنتهى قول الغماري.

٢- الإنتقائيّة في إختيار الرجال وإختيار الأحاديث: فقد ثبت أنَّ الصحاح قبل غيرها منتقاة بشكل عجيب. فإنّ البخاري ينقل عن النواصب، مثل عمران بن حطان ومثل حريز بن عثمان(٣) وخلف بن عثمان البزّار(٤) ، وغيرهم ممّن لا يقوم بهم حديث مطلقا. فهم أهل معاصٍ وكراهيّة لآل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم. فهذا حريز بن عثمان(٥) كان يقع في عليّ ويلعنه، وكان خلف بن عثمان البزّار يشرب الخمر، وهو جبريّ ناصب، وقد اعتبرت هذه الصفات قوة عالية في السّنة. فانظر ما قاله أحمد بن حنبل بأنّ " خلفاً " ثقةٌ وإن شرب كما تقدّم في الهامش.

____________________

(١) ميزان الاعتدال: ج١ ص٤١٥.

(٢) لسان الميزان: ج٢ ص١٢٢.

(٣) ففي تاريخ أسماء الثقات (ج ١ ص ٧٣): حريز بن عثمان وهو الرحبيّ ثقة وثّقه أحمد ويحيى. ثمّ انظر يرحمك الله في الرواة الثقات المتكلّم فيهم بما لا يوجب ردّهم (ج ١ ص ٧): حريز بن عثمان: قلَّ من يوجد في الشامييّن في إتقانه، وثقّه غيرواحد لكنّه ناصبيّ نسأل الله السلامة.

(٤) انظر لهذه الكارثة في تهذيب الكمال (ج ٨ ص ٣٠١): (قال الحافظ أبو القاسم هبة الله بن الحسن الطبري: وجدت فيما حدّث به أبو القاسم الحسين بن أحمد بن إبراهيم الفرائضي، قال: سمعت عباسا الدوري وسئل عن حكاية عن أحمد بن حنبل في خلف بن هشام فقال: لم أسمعها من أحمد، ولكن حدّثني أصحابنا أنهم ذكروا خلفا البزار عند أحمد، فقيل: يا أبا عبد الله: إنّه يشرب!! فقال: قد انتهى إلينا علم هذا عنه، ولكن هو والله عندنا الثقة الأمين شرب أو لم يشرب. ( أخرجه الخطيب في تاريخه، عن هبة الله الطبري (٨ / ٣٢٦). وعباس الدوري من أهمّ رواتهم ومعتمديهم.

(٥) المجروحين (ج ١ / ص ٢٦٩): ( حدّثنا محمّد بن إبراهيم الشافعي، ثنا ربيعة بن الحارث الجبلاني بحمص، ثنا عبد الله عبد الجبار الخبايري، ثنا إسماعيل بن عياش، قال: خرجت مع حريز بن عثمان وكنت زميله فسمعته يقع في عليّ فقلت: مهلا يا أبا عثمان! ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه و سلم وزوج إبنته. فقال: أسكت يا رأس الحمار لأضرب صدرك فألقيك من الحمل.) وهو الّذي قال عنه أحمد بن حنبل: إنّه ثقة ثقة ثقة. ففي كتاب بحر الدم - (ج ١ / ص ٣٩): (حريز بن عثمان بن جبر بن أبي أحمر الرحبي المشرقي: قال أبو داود: سألت أحمد عن حريز، فقال: ثقة، ثقة، ثقة، ولم يكن يرى القدر. (أي كان يقول بالجبر )

١١

٣- تعمّدهم وجود قولين في كل رجل له روايات مختلفة المذاق تقريبا، فإذا كان يروي ما لايرغبون يأخذون بالجرح ويتركون الحديث، وإذا روى ما يريدون ويحبّون فيأخذون بالتعديل ويفرحون بحديثه، كما فعلوا مع ابن إسحق والحسن البصري وابن شهاب، ومئات من الرواة الّذين يفلت منهم رواية فضائل لأهل البيت عليهم السّلام. وقد حصل بالفعل أمر محيّر وهو كون يحيى بن معين أو أحمد بن حنبل لهما قولان في الرجل الواحد، ويعتذرون لهما بأنّه تغيير حكم واجتهادٌ جديد وما هو كذلك بحسب ممارستهم في التضعيف والتصحيح. وكذا حال أغلب من تبرَّع بالجرح والتعديل ونصب نفسه إماما فيه. فإنهم يقولون في الرجل الواحد أقوالا متعدده.

٤- عدم التزامهم بشروطهم وإنتقائيّتها. فهم يشترطون في الراوي الإيمان، بينما نجدهم يروون عن الفسقة والجائرين والقتلة، أمثال عمر بن سعد قاتل سيِّد شباب أهل الجنّة الحسين بن بنت رسول الله، وأبي الغادية قاتل عمّار بن ياسر وغيرهم من عتاة المجرمين، بل نجدهم يروون عمّن لم يثبت إسلامهم بما فيهم القريبين من عصر الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم. فمن هؤلاء كعب الأحبار وعبد الله بن سلام و وهب بن منبه لم يثبت إسلامهم قطّ وهم من الرواة. حتّى أنّ راوياً أدرك الرسول وصاحبه - ولو قليلا - يروي عن هؤلاء الّذين لم يدركوا الرسول ولم يسْلموا أصلا. فهذا أبو هريرة يروي عن كعب وابن سلام وغيره ممن لم يثبت إسلامهم. وقد قيل: إنَّ جميع روايات عبد الله بن عمرو بن العاص هي لقياتٌ من أهل الكتاب من مكتبة عثر عليها وسرقها، ولا يمكن تفريق -ما يروي- ممّا كان عن أهل الإسلام عن غيرهم. كما أنّ من لوازم شرطهم أن لا يروون عن صاحب بدعة أو مرتد، وهم حكموا بردة وبدعة الخوارج والروافض. وقد رووا عنهم بكثرة وهم بالمئات، كما حكموا بردة وبدعة المعتزلة والقدريّة ورووا عنهم وهم بالمئات. وقد اشترطوا اللقاء بين الراويين ولكنّه شرط لم يلتزموا به، فرووا عمّن لا لقاء بينهما، بل ينكرون تقارب زمانهما. واشترطوا الوثاقة، ولكنّهم رووا فضائل مكذوبة عن كذّابين مشهورين وفسقة وخمّارين وبيّاعة خمور وزناة. وقد وصف الإمام عليّ عليه السّلام أحد الرواة بأنّه أكذب خلق الله على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، بينما نجدهم أشدّ حرصا

١٢

على رواية المئات والآلاف عنه. واشترطوا في الصحيح عدم الجهالة وعدم الإرسال، فرووا عن أشخاص مجهولين في صحاحهم كما أقرّوا بوجود "الإرسال" نتيجة عدم اللقاء. وقد إشترطوا الضبط والحفظ، ولكنّهم يروون كتاب الله عن الوضّاع، عمّن لا يحفظ، عن مدّع للقاء بلا لقاء. والعجب يقولون: إنّهم يقبلون قراءتهم، ولا يقبلون روايتهم، بينما هم يروون عنهم فضائل مزعومة كذبا وزورا، ويقبلونها قبول المسلّمات. وهكذا نجد أنّه ما من شرط إلّا ونجده مخروما، ويكاد لا يكون ذا قيمة في إشتراطه أصلا. وأهمّ من ذلك هو كتمانهم لما كان على شرطهم لمجرد أنّه لا يوافقهم. فهذا الحاكم النيسابوري إستدرك -عن طِيِب قلبٍ- ما أدهش الباحثين، حيث أنّ هذه الكميّة من النصوص المهمّة التي أغفلت، تشكّل وثيقة إدانة حقيقيّة بتضييع تراث كبير ومهم جداً. وهي تكشف نوع المستور من الأحاديث، حيث كانت خلاف هواهم، ولهذا قاموا باتهام الحاكم بالتشيع بينما هو من أصلب أهل السّنة في تسنّنه.

٥- ولعلّ أهم ملاحظة هي أنّ كلّ أو جلّ أهل الجرح والتعديل يحكمون على الأشخاص بالظن والاجتهاد، وليس عن حسّ ومتابعة حقيقيّة وسَبْر لحالهم، بل يكفي في الجرح عندهم أن يتّهم بالتشيّع، حتّى لو كان سنيّا للنخاع، فهم يحكمون على الرواة عن طريق الدعايات والاجتهادات الظنيّة، وغالبها اعتماد الحكم بناء على الإنتماء المذهبي، أو الظن من خلال روايته لفضائل عليّ وأهل بيته، فصادقُ المذهب الآخر ضعيفٌ، وفاسق مذهبه قوي أمين، شرب الخمر أو لم يشرب، كما يقول أحمد بن حنبل. فالافتقار للدليل الحسي للجرح والتعديل، كالافتقار للمعايير الحقيقيّة، مثل الصدق والأمانة والديانة والتقوى وطاعة الله ورسوله والضبط والحفظ، فإنها كلّها يمكن خرمها لسبب حزبيّ مذهبي. ولعلّ ظاهرة ترك الحكم الحسي، إلى الحكم الحدسي لسبب حزبي أو مذهبي وارد جدا، فهذا يحيى بن معين عاشر أبي الصلت الهروي وعرفه عن حس، ونصَّ على صدقه وعدم كذبه عن حسّ ومعاشرة، بينما رفضوا حكمه وقالوا: بأنَّ توثيقه كان لهوى في نفس يحيى بن معين، لأنّ أبا الصلت قد أحسن إليه فمال إليه ووثّقه، ومالوا إلى جرحه حدسا وإجتهادا، لكونه يروي فضائل أهل البيت عليهم السّلام. على أنّ أصل قبول الرواية هو الصدق وأمّا الديانة والتقوى فهي ممّا يلازم الصدق، إذا كانت ديانته توجب عليه الصدق وتصفه بالحسن الذاتي، بخلاف ديانة من يستمرء الكذب على الله حُسْبةً وتقرّبا إليه، أو يقول بعدم قبح الكذب وعدم حسن الصدق ذاتا، وإنّما هي لمصلحة القائل. فهنا مشكلة حقيقيّة تجعل كل علم الجرح والتعديل في دائرة الإستفهام والتشكيك في مصداقيّته وجدواه الدينيّة!.

١٣

٦- لقد دأب بعض المتأخرين من النواصب على وصف كل خبر فيه فضيلة أو نصّ في عليّ عليه السّلام، بوصف إسناده بالمظلم أو الهالك أو التالف وما شابه ذلك من ألفاظ كان يستعملها شرطة بني أميّة في كلّ حديث حدّث به أنصار أبي تراب، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، مهما تكاثرت هذه الأحاديث، وتعددت طرقها وألفاظها ومعانيها الجارية بمجرى واحد. بل رد التواتر برد لا يقول به أهل العلم قطعا، فانّ بعض النواصب يقول: بأنّ فضائل عليّ بن أبي طالب كلّها مطعون فيها فلا يتكوّن منها علم، لأنّه إضافة صفر إلى صفر، فلا يمكن أن يكون له قيمة أصلا. وهذا خلاف مقررات علم الحديث وخلاف المعقول الارتكازي عند البشر الأسوياء. وإنّما هو رشحة نصب وعداء تنكر كل حقيقة مهما كانت واضحة، فانّ مثل هذا القائل ينكر حتى ما نصّ النقاد على أنّه متواتر، وقد وجد في التاريخ الكثير من هؤلاء ممن يدّعون العلم والمعرفة، وهم أبعد ما يكون منه، فانّ الضعيف لا يعني أنّه مكذوب حتّى يقول القائل إنّ قيمته صفر. وإنّما الضعيف هو على موازين الرجالي معلول لعلّة يراها في بعض رجاله بحكم الاجتهادي. وهذا لا يعني الكذب أو الوضع مطلقا، رغم إعترافهم بوجود كذب على رسول الله ولكن لا يمكن خلط التضعيف الرجالي بالموضوع. فانّه من الدجل والكذب في العلم ولن يقبل أي صاحب صنعة في الحديث، خلط الموضوع بالضعيف. وبهذا يتبيّن أنّه ليس كما يقال بأنّه إضافة صفر لصفر، بل هو إضافة قيمة متزايدة ترتقي بنفسها إلى حد العلم اليقيني. ألا تراهم حين يبحثون شروط التواتر يقولون: (أن يخبر به عدد كثير يحصل العلم الضروري بصدق خبرهم من غير حصر على الصحيح). فأين هذا من إدعاءاتهم بأنّه إضافة صفر لصفر؟ بل المتواتر غالبا هو جمع كبير من الروايات غير الموضوعة، يتكوّن من مجموعها العلم الّذي هو حجّة. وهذا يدحض كل تصرفاتهم وأفعالهم، التي لا يريدون بها وجه الله، وإنّما هدفهم كراهية آل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعليّ بن أبي طالب عليه السّلام على وجه مخصوص، كما بيّن ابن قتيبة والسيّد الغماري، وغيرهم ممن يعرفون طريقة أصحابهم في اختزان الكراهية وبثّها ضد عليّ وأهل بيته.

١٤

إنّ هذه الملاحظات الّتي لاحظها العلماء على علم الجرح والتعديل، لا تشجّع على اعتماد معطياته في تضعيف روايات فضائل أهل البيت عليهم السّلام. ولهذا فإنّه حتّى لو سلّمنا بترك حكم التواتر، وأردنا أن نبحث في كل رواية فليس لنا متكئ في علمهم لأنّه مطعون به عند علماء الحديث، كما بيّنا في الفقرات السابقة.

وهنا ينبغي لنا أن نثبت قول علماء المصطلح، ورواد علم الحديث، بانّ التواتر بأقسامه المذكورة، لا يحتاج إلى معايير هذا العلم من الأساس، وإنّما نتائجه يقينيّة، ولا يبحث عن حال رواته أصلا. فمن فعل ذلك في فضائل أمير المؤمنين الثابتة بالتواتر اللفظي والمعنوي، إنّما يخالف نفس العلم الّذي يستند إليه، ويخادع القرّاء بادّعائه العلم، بينما هو يسير بعكس الاتّجاه العلمي، لمجرد أن ينفي فضائل أهل البيت عليهم السّلام، وخصوصا سيّدهم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

ما قاله علماء الحديث من كون المتواتر يقينيّ، خارج عن موضوع علم الحديث.

وهذا ما قاله علماء المصطلح في حكم العلم اليقيني ومنه التواتر وأنّه لا يحتاج إلى سند:

كتاب توجيه النظر إلى أصول الأثر (ج ١ / ص ١٧١) طاهر الجزائري الدمشقي

تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الفصل السادس: في أقسام الحديث (قبل الخوض في ذلك ينبغي الوقوف على مسألتين:

المسألة الأولى: إنّ المحدّثين لا يبحثون عن المتواتر لاستغنائه بالتواتر عن أن يراد سند له حتى إنّه إذا اتّفق له سند لم يبحث عن أحوال رواته لما سبق بيانه في المسألة السابعة من الفصل الخامس.

فقول المحدّثين إنّ الحديث ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف،يريدون به الحديث المرويّ من طريق الآحاد وأمّا الحديث المتواتر فهو خارج عن مورد القسمة . وقد ألحق بعضهم المستفيض بالمتواتر فجعله أيضا خارجا عن مورد القسمة) قفو الأثر: (ج ١ / ص ٤٦).

فصل في الحديث المتواتر:

١٥

(ثمَّ هو بقسميهمفيد للعلم الضروري لا النظري وغير محصور في عدد معيّن لا محصور فيه وموجود وجود كثرة لا معدوم، ولا موجود وجود قلّة، خلافا لزاعمي ذلك، ومتى استوفيت شروطه وتخلّفت إفادة العلم عنه فلمانع لا بمجرّده، ومن شأنه أن لا يشترط عدالة رجاله بخلاف غيره).

تحقيق الرغبة في توضيح النخبة - عبد الكريم بن عبد الله الخضير - (ج١/ ص ٣٧):

(فالأوَّلُ: المـُتَواتِرُ):

تعريفه: لغة: مشتق من التواتر بمعنى التتابع، يقال: تواترت الإبل والقطا إذا جاءت في إثر بعض ولم تجئ دفعة واحدة.

واصطلاحاً: عرّفه ابن الصلاح وتبعه النووي في التقريببأنّه الخبر الّذي ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة عن مثلهم من أوّله إلى آخره. وعرّفه النووي في شرح مسلم: بأنّه ما نقله عدد لا يمكن مواطأتهم على الكذب عن مثلهم ويستوي طرفاه والوسط، ويخبرون عن حسي لا مظنون. وقريب منه تعريف الحافظ في النخبة وشرحها.

شروطه:

تؤخذ من التعريف:

١- أن يخبر به عدد كثير يحصل العلم الضروري بصدق خبرهم من غير حصر على الصحيح كما تقدّم.

٢- أن يخبروا عن علم لا عن ظن، فلو أخبر أهل بلد عظيم عن طائر ظنّوا أنّه حمَام، أو عن شخص ظنّوه زيداً، لم يحصل العلم بكونه حماماً أو زيداً.

٣- أن يكون خبرهم مستنداً إلى الحس، إذ لو أخبروا عن معقول لم يحصل لنا العلم، فلا بد أن يستند ناقلوه إلى الحواس كالسمع والبصر لا لمجرد إدراك العقل.

٤- أن توجد هذه الشروط في جميع طبقات السند لأن كل عصر يستقل بنفسه.

أقسامه:

١٦

ينقسم المتواتر إلى أربعة أقسام:

١- المتواتر اللفظي: وهو ما تواتر لفظه ومعناه. ومثاله: حديث: (من كذَّب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار). وقد سمّى الشيخ محمّد أنور الكشميري هذا القسم (تواتر الإسناد)

٢- المتواتر المعنوي: وهو ما تواتر معناه دون لفظه، وذلك كأحاديث رفع اليدين في الدعاء، والحوض، والرؤية وغيرها. وسمّاه الكشميري: تواتر القدر المشترك.

٣- تواتر الطبقة: كتواتر القرآن الكريم، فقد تواتر على البسيطة شرقاً وغرباً درساً وتلاوةً وحفظاً وقراءةً، وتلقَّاه الكافة عن الكافة طبقة عن طبقة إلى حضرة الرسالة.

٤- تواتر العمل والتوارث: وهو أن يعمل به في كل قرن من عهد صاحب الشريعة إلى يومنا هذا جمّ غفير من العاملين، بحيث يستحيل عادة تواطؤهم على كذب كأعداد الصلوات الخمس.

وجوده:

زعم ابن حبّان والحازمي أنّ الحديث المتواتر غير موجود أصلاً. وزعم ابن صلاح والنووي أنّه قليل نادر. لكن الحافظ ردّ هذين القولين في شرح النخبة فقال: ما ادّعاه - يعني ابن الصلاح - من العزّة ممنوع، وكذا ما ادّعاه غيره من العدم؛ لأن ذلك نشأ عن قلة الاطلاع على كثرة الطرق وأحوال الرجال وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطؤوا على كذب أو يحصل منهم اتفاقاً.

ومن أحسن ما يقرّر به كون المتواتر موجوداً وجود كثرة في الأحاديث، أنّ الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقاً وغرباً المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج حديث وتعدّدت طرقه تعدداً تحيل العادة تواطؤهم على الكتاب إلى آخر الشروط، أفاد العلم اليقيني إلى قائله، ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير.

حكمه:

(الخبر المتواتر يجب تصديقه ضرورة؛ لأنّه مفيد للعلم القطعي الضروري فلا حاجة إلى البحث عن أحوال رواته.)

موسوعة: هل يستوي الّذين يعلمون والذين لا يعلمون - مصطلح الحديث - (ج ١ / ص ١٠):

١٧

(س١٠- ما حكم الحديث المتواتر؟

ج- الحديث المتواتريفيد العلم الضروري الّذي يضطر الإنسان إلى التصديق به تصديقاً جازماً، كمن يشاهد الأمر بنفسه، وعلى هذا يكون المتواتر كلّه مقبولولا حاجه إلى البحث عن أحوال الرواة .)

النكت على ابن الصلاح

(ج ١ / ص ٣٧٩):

(هذه الأشياء تفيد العلم القطعي كما يفيده الخبر المتواتر لأنّ المتواتر يفيد العلم الضروري الّذي لا يقبل التشكيك، وما عداه ممّا ذكر يفيد العلم النظري الّذي يقبل التشكيك، ولهذا تخلّفت إفادة العلم عن الأحاديث التي عللت في الصحيحين - والله أعلم -).

قفو الأثر: (ج ١ / ص ٤٦):

(فصل في الحديث المتواتر: هو ما رواه عن استناد إلى الحس دون العقل الصرف عدد أحالت العادة تواطؤهم على الكذب فقط أو رووه عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء ومستند رواية منتهاهم الحس أيضا فالنوع الأوّل ما لاطباق له والثاني ما له طبقتان فأكثر. ثمّ هو بقسميه مفيد للعلم الضروري لا النظري وغير محصور في عدد معين لا محصور فيه وموجود وجود كثرة لا معدوم، ولا موجود وجود قلة خلافا لزاعمي ذلك، ومتى استوفيت شروطه وتخلّفت إفادة العلم عنه فلمانع لا بمجرّده ومن شأنه أن لا يشترط عدالة رجاله بخلاف غيره.)

منظومة مصباح الراوي في علم الحديث (ج ١ / ص ٢٨):

(وَاْلمـُتَوَاتِرُ الّذي رَوَاهُ

مَنْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِمَا أَتَاهُ

ضَرُورَةً إِذْ هُوَ جَمْعٌ اسْتَنَدْ

لِلْحِسِّ كِذْبُهُمْ لَدَى الْعُرْفِ يُرَدّ

لَدَى الطِّباَقِ الْكُلِّ إِنْ كَانَتْ وَلاَ

عَدَّ لَهُمْ مُعَيَّناً فِيمَا اعْتَلاَ

.........وبهذه المناسبة أودُّ تنبيه القارئ إلى أنّ تواتر الحديث لا يعني صحة جميع طرقه فقد نقل البيهقي عن الحاكم أنّ هذا الحديث جاء من رواية العشرة المبشّرين بالجنّة وأنّه ليس في الدنيا حديث أجمع العشرة على روايته غيره، فحقّق العلّامة الألباني أنّ روايته عن عليّ بن أبي طالب وعن الزبير صحيحة وعن طلحة وسعد وسعيد وأبي عبيدة حسنة وعن عثمان ضعيفة وعن الصديق والفاروق وعبد الرحمن بن عوف ساقطة.

١٨

…أحاديث ذكر الحوض حوض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أوردها السيوطي في الأزهار المتناثرة عن تسعة وأربعين من الصحابة وزاد الزبيدي عبد الله بن عمرو فتمَّ رواته خمسين).

تحقيق الرغبة في توضيح النخبة (ج ١ / ص ٣٩):

(قال الحافظ: المعتمد أنَّ الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري، وهو الّذي يضطر إليه الإنسان بحيث لا يمكنه دفعه. وقيل: لا يفيد العلم إلّا نظرياً وليس بشيء، لأنّ العلم حاصل به لمن ليس له أهليّة النظر كالعامّي، والنظري يفيد العلم لكن بعد النظر والاستدلال.

وخالف في إفادة الخبر المتواتر العلم فرقة من عبدة الأصنام يقال لهم: السُّمَنيَّة الّذين حصروا العلم في الحواس. وهذا مذهب باطل؛ لأنه لا يختلف اثنان في بلدة تسمى مكّة وأخرى تسمّى بغداد وإن لم يدخلاهما.

وقد نبّه الله سبحانه وتعالى في مواضع من كتابه على إفادة المتواتر العلم اليقيني، حيث جعله بمنزلة الرؤية البصريّة، فخاطب الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين وغيرهم بأمثال قوله تعالى:( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) الفيل: ١، وقوله:( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ) الفجر: ٦، وقوله:( أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ ) الأنعام: ٦.

فإن هذه الوقائع معلومة عندهم بالتواتر، فعبَّر عن علمها برؤيتها، وفيه إشارة إلى أنّه جعل العلم الحاصل من المتواتر بمنزلة المشاهد في القطعيّة.

إشكال:

عرفنا في شروط المتواتر أنّه لا بد أن يخبر به عدد يحصل بهم العلم من غير حصر. فهل معنى هذا أنّنا لا نعرف اكتمال العدد حتى يحصل العلم، ولا يحصل العلم إلّا إذا كان اكتمل العدد فيلزم عليه الدور؟

جوابه:

ما جاء في جامع الأصول لابن الأثير، والمستصفى للغزالي، عدد المخبرين ينقسم إلى ناقص فلا يفيد العلم، وإلى كامل فيفيد العلم، وإلى زائد يحصل العلم ببعضه، والكامل وهو أقل عدد يورث العلم ليس معلوماً لنا، لكنا بحصول العلم الضروري نتبين كمال العدد، لا أنّا بكمال العدد نستدل على حصول العلم.

١٩

وفي لوامع الأنوار البهيّة: إعلم أنّ خبر المتواتر لا يوَلِّد العلم بل يقع العلم عنده بفعل الله تعالى عند الفقهاء وغيرهم من أهل الحق.

وكلامه جار على قاعدة الأشاعرة في نفي تأثير الأسباب، فعندهم أنّ الشبع يحصل عند الأكل لا به، والريّ يحصل عند الشرب لا به، ولذا يجوز عندهم أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس، كما صرح بذلك الكرماني شارح البخاري وغيره، والسفاريني رحمه الله قد أدخل الأشاعرة والماتريديّة في أهل السنّة، وجاء في مختصر التحرير وشرحه لابن النجار.

ولا ينحصر التواتر في عدد عند أصحابنا والمحققين ويعلم حصول العدد إذا حصل العلم (ولا دور) إذ حصول العلم معلول الأخبار، ودليله كالشبع والري المشبع والمروي، ودليلهما وإن لم يعلم ابتداء القدر الكافي منهما.

نعم؛ لو أمكن الوقوف على حقيقة اللحظة التي يحصل لنا العلم بالمخبر عنه فيها أمكن معرفة أقل عدد يحصل العلم بخبره لكن ذلك متعذر، إذ الظن يتزايد المخبرين تزايداً خفيّاً تدريجياً، كتزايد النبات وعقل الصبي ونموّ بدنه ونور الصبح وحركة الفيء فلا يدرك اهـ).

ليس المتواتر فقط بل ما تلقّاه العلماء بالقبول

قال علماء الحديث من أهل السّنة أنّ تلقي العلماء لحديث يجعله برتبة الصحيح، أي أنّه ظني مقبول شرعا.

و قال الحافظ ابن حجر:

(من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا أن يتّفق العلماء على العمل بمدلول حديث، فإنّه يقبل حتى يجب العمل به. و قد صرح بذلك جماعة من أئمَّة الأصول. و من أمثلته قول الشافعي رضي الله عنه. و ما قلت: من أنّه اذا غيّر طعم الماء و ريحه و لونه، يروى عن النبيّ صلّى الله عليه و سلم من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله، و لكنّه قول العامة لا أعلم بينهم خلافا.و قال في حديث:

(لا وصيّة لوارث) لا يثبته أهل العلم بالحديث و لكن العامة تلقّته بالقبول و عملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية.

٢٠