أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)0%

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 243

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف: السيد علي الحسيني الصدر
تصنيف:

الصفحات: 243
المشاهدات: 49521
تحميل: 6180

توضيحات:

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 243 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49521 / تحميل: 6180
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

5 / مدرسة أهل البيت عليهم السلام الأخلاقيّة

هي المدرسة التربويّة الكبرى، والجامعة الأخلاقيّة العظمى للخلق الكريم، وكريم الأخلاق، لكلّ من أراد الاتّصاف بالصفات الحسنة، والسجايا الطيّبة التي يحبّها الله تعالى، ويندب إليها الإسلام، ويحكم بحسنها العقل. ممّا تؤدي إلى طيب الحياة، والفوز بالنجاة، وتثمر شرف النفس، والضمير النفيس، وتوفّر خير الدُّنيا وسعادة الآخرة.

ونحن نتشرّف في هذه المدرسة الربّانيّة، بدراسات نموذجيّة، من أخلاق أهل البيت عليهم السلام، التي بيّنها لسان العصمة بصيغة الدّعاء، من خلال حديث واحد من أحاديثهم الشريفة.

وهو حديث دعاء مكارم الأخلاق، الذي هو الدعاء العشرون من أدعية الصحيفة الكاملة المباركة السجّاديّة، الملقّبة بإنجيل أهل البيت، وزبور آل محمّد صلى الله عليه وآله.

لسيّد الساجدين، وزين العابدين، وفخر المتهجّدين، الإمام علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام.

ولولاها ولولا أدعية أهل البيت عليهم السلام لم نعرف كيف نخاطب ربّنا، وكيف نناجي خالقنا، وكيف نطلب منه حوائجنا، وهو ملك الملوك، وربّ السلاطين.

١٠١

نعم، إنّها كتابٌ رائع ومنشورٌ بارع، لمعرفة التوحيد والنبوّة والإمامة وسائر المعارف العامّة.

والصحيفة المباركة السجّاديّة من الكتب الشريفة المعتبرة المشتملة على 54 دعاءً من أدعية الإمام السجّاد عليه السلام، بسندٍ شريف ينتهي إلى الإمام الباقر عليه السلام، وزيد الشهيد رضوان الله عليه.

وشهد بصحّتها الإمام الصادق عليه السلام كما تلاحظه في مقدّمتها.

وهي من المتواترات عند الأصحاب كما أفاده المحقّق الطهراني قدس سره (1) .

وأضاف الدكتور محفوظ أنّه قد حظى ـ السند ـ بالتواتر حتّى زاد على ستّة وخمسين ألفاً، وما زال العلماء يتلقّونها موصولة الأسناد بالاسناد (2) .

وأفاد السيّد الأمين أنّه قد تعدّد أسانيدها المتّصلة إلى منشئها صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين، فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعدّدة المتّصلة إلى الإمام زين العابدين عليه السلام (3) .

فالسند قطعي علمي لا يقبل الشكّ والترديد.

هذا، مضافاً إلى أنّ علوّ متنها، وفصاحة ألفاظها، وسموّ مضامينها دالّة على صدورها من بحر العصمة ومعدن الإمامة وأهل بيت النبوّة سلام الله عليهم أجمعين.

لذلك علّق الدكتور محفوظ عليها بقوله: ـ

(نثرٌ رائع، واُسلوبٌ ناصع من أجناس المنثور، ونمطٌ بديع من أفانين التعبير، وطرف بارعة من أنواع البيان، ومسلك مُعجب من بلاغات النبيّ صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام التي لم يَرْقَ إليها غير طيرهم، ولم تَسْمُ إليها سوى أقلامهم.

__________________

(1) الذريعة / ج 15 / ص 18.

(2) مجلّة البلاغ / العدد 7 من السنة الاُولى / ص 54.

(3) حياة الإمام زين العابدين عليه السلام / ج 2 / ص 117.

١٠٢

فالدّعاء أدبٌ جميل، وحديثٌ مبارك، ولغةٌ غنيّة، ودينٌ قيّم، وبلاغةٌ عبقريّة، إلهيّة المسحة، نبويّة العبقة) (1) .

وأضاف العلّامة القرشي أنّ الصحيفة المباركة احتوت على حقائق علميّة لم تكن معروفة في عصر الإمام عليه السلام، ممّا تشهد بصدورها من أهل بيت وحي السماء عليهم السلام.

نظير قوله عليه السلام في الدّعاء على أعداء المسلمين بقوله:

«اللَّهُمَّ وامزج مياههم وأطعمتهم بالوباء» (2) .

فهي تشير إلى الحقيقة العلميّة التي اكتشفت في العصور الأخيرة بأنّ جراثيم الوباء المعروفة بالكوليرا تأتي عن طريق الماء، وتنتقل عن طريق الغذاء (3) .

فالصحيفة المباركة من حيث التقييم السندي في أعلى مراتب الصحّة والاعتبار.

وأمّا من حيث المتن فهو نورٌ إلهي، وعلمٌ نبويّ، وكلامٌ معسوميّ، ككلام جدّه أمير المؤمنين عليه السلام.. دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوق.. والوجدان شاهدٌ بالعيان.

والدّعاء العشرون من هذه الصحيفة الشريفة هو دعاء مكارم الأخلاق، الذي هو قمّة في الأخلاق الكريمة التي تربّي الجيل الصالح، وتصنع الإنسان المتّقي المخلوق، وتسمو بالإنسان إلى الفضائل النفسيّة، والمكارم الروحيّة، والمعالي الأخلاقيّة.

وترى هذا الدّعاء الشريف قد جمع بين الركيزتين الأساسيّتين في حُسن الأخلاق..

جمع بين صفات تهذيب النفس، إلهاماً من قوله تعالى: ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) (4) ، وبين

__________________

(1) مجلّة البلاغ / العدد 6 من السنة الاُولى / ص 56.

(2) الصحيفة المباركة السجّاديّة / الدعاء الأوّل.

(3) حياة الإمام زين العابدين عليه السلام / ج 2 / ص 125.

(4) سورة الشمس / الآيات 7 ـ 10.

١٠٣

صفات حُسن المعاشرة مع الغير، إقتباساً من قوله عزّ اسمه: ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) (1) .

فتلاحظ على صعيد تهذيب النفس بدأ بقوله عليه السلام: ـ

(اللَّهُمَّ صّلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،

وَبَلِّغْ بِإِيمَانِي أَكْمَلَ الْإِيمَانِ،

وَاجْعَلْ يَقِينِي أَفْضَلَ الْيَقِينِ،

وَانْتَهِ بِنِيَّتِي إِلَى أَحْسَنِ النِّيَّاتِ...

وَلا تَبْتَلِيَنِّي بِالْكِبْرِ،

وَعَبِّدْنِي لَكَ وَلا تُفْسِدْ عِبادَتِي بِالْعُجْبِ،

وَأَجْرِ لِلنَّاسِ عَلَى يَدِيَ الْخَيْرِ وَلا تَمْحَقْهُ بِالْمَنِّ،

وَهَبْ لِي مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَاعْصِمْنِي مِنَ الْفَخْرِ...).

وتلاحظ على صعيد حُسن المعاشرة يستمرّ الدّعاء إلى قوله عليه السلام: ـ

(اللَّهُمَّ صّلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،وَ

سَدِّدْنِي لِأَنْ أُعَارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْحِ،

وَأَجْزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرِّ،

وَأُثِيبَ مِنْ حَرَمَنِي بِالْبَذْلِ،

وّ أُكَافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ،

وَأُخَالِفَ مَنِ اغْتَابَنِي إِلَى حُسْنِ الذِّكْرِ، وَأَنْ أَشْكُرَ الْحَسَنَةَ،

وَأُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَةِ...).

فأدّبوا عليهم السلام أصحابهم وشيعتهم، وأرشدوا جميع الناس إلى كلا الأدبين: أدب

__________________

(1) سورة فصّلت: الآية 34.

١٠٤

التزكية، وأدب المعاشرة.

وهذا الدّعاء المبارك يشتمل على عشرين فقرة.

وفقراتها تبتدأ بالصلوات على محمّد وآله الطاهرين التي هي وسيلة لاستجابة الدّعاء، وبركة العطاء، والفوز بأكمل الفضل والفضيلة، ممّا توجب اقتران هذا الدّعاء للداعي بالاستجابة، وحصول الآثار الطيّبة (1) .

ونحن نقتطف أزاهير عَطِرة من هذه الروضة الزاهرة، ونستلهم منها دروساً أخلاقيّة، ومعالم روحيّة.

فنستعرض كلّ جملةِ كريمة، من الفقرة الثامنة التي جمعت بين الركيزتين تهذيب النفس، وحُسن المعاشرة، واشتملت على عشرين جملة كَمَلا.

سائلين المولى العليّ القدير توفيق الاهتداء بهُداهم، والاستنارة بسيرتهم، والاتّصاف بأخلاقهم، والله تعالى وليّ التوفيق.

__________________

(1) لاحظ فضل الصلوات في كتاب وصايا الرسول لزوج البتول عليهم السلام / ص 124.

١٠٥

١٠٦

اللَهُمَّ صّلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَحَلَّنِي بِحِلْيَةِ

الصَّالِحِينَ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ الْمُتَّقِينَ

هذه إحدى الدروس الأخلاقيّة الرفيعة، في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، التي هي مدرسة السماء في الأرض، وكتابها زبور آل محمّد: الصحيفة السجّاديّة، ومعلّمها حجّة الله وزين العباد الإمام السجّاد عليه السلام الذي هو مثال الأخلاق الطيّبة، والصِّفات الكريمة، ومكارم الأخلاق، يعلّمنا عليه السلام بالدّعاء والعمل أن نتحلّى بحلية الصالحين، ونتزيّن بزينة المتّقين.

والحلية هي: ما يتزيّن به الإنسان كالخاتم، والسيف، والمجوهرات، والذهب والفضّة.

والصالحون هم: القائمون بما يلزمهم من الحقوق الإلهيّة، وحقوق الناس، ويتركون المعاصي والمحرّمات.

إذ العمل الصالح هو أداء الفرائض وحقوق الناس، ترك المناهي والمحرّمات.

فالصالح هو من يعمل هذه الأعمال الصالحة.

وقد بشّرهم الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: ـ

( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ

١٠٧

أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (1) .

والصلاح هذا من أجلّ الصفات الحميدة التي وُصف بها أولياء الله المقرّبون، كما تلاحظه في زيارة سيّدنا أبي الفضل العبّاس عليه السلام المرويّ عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام جاء فيها: ـ

(السلامُ عليك أيّها العبد الصالح...).

وفُسّر الذين يعملون الصالحات في تعبير القرآن الكريم بأمير المؤمنين والأئمّة المعصومين عليهم السلام، وخواصّ شيعتهم كحمزة، وجعفر، وعبيدة، وسلمان رضوان الله عليهم.

وقد بشَّر الله تعالى المؤمنين العاملين عمل الصالحات بأزهى البشائر، وأعظم الفضائل في الدُّنيا والآخرة، كما تلاحظها في آيات القرآن الباهرة (2) حتّى عرّفهم بأنّهم هم الذين يرثون الأرض، ونسبهم إلى نفسه، وشرّفهم بأنّهم عباده في قوله تعالى: ـ

( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (3) .

فيُسأل في هذا الدّعاء الشريف أن يحلينا الله تعالى بحلية الصالحين وزينتهم، ويلبسنا ملبسهم الجميل الذي يسترهم عن العيوب، حتّى تحصل لنا الأهليّة الكاملة، ويتولّانا الله بولايته العظمى التي وعدها بقوله عزّ اسمه: ـ

( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّـهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) (4) .

والزينة: أعمّ من الحلية، فهي تعمّ الحلية وتشمل حتّى اللّباس.

__________________

(1) سورة النحل: الآية 97.

(2) راجع هذه الآيات المباركة وبشائرها الزاهرة في كتاب شيعة أهل البيت عليهم السلام / الفصل الخامس.

(3) سورة الأنبياء: الآية 105.

(4) سورة الأعراف: الآية 196.

١٠٨

فتُطلق الزينة على ما يُتزيّن به من حُليّ ولباس غيرهما.

والمتّقون: هم المتّصفون بالتقوى،

وهي في اللّغة بمعنى: الصيانة، وفي العرف بمعنى فعل الواجبات، وترك المحرّمات.

وأحسن تعريف له هو ما في الحديث الصادقي الشريف: ـ

(أن لا يفقدك حيث أمَرَك، ولا يجدك حيث نهاك) (1) .

ولباس المتّقين هو الذي يزيّنهم، وهو أحسن لباس ساتر للإنسان، يستر العيوب والعورات، ويصون عن القبائح والمحرّمات.

قال تعالى:

( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ) (2) .

والتقوى هي تلك الصفة الفُضلى، والمزيّة الكبرى التي بها النجاة، في هذه الحياة وبعد الممات.

وقد أكّدت وحثّت عليها آيات الكتاب، وبيّنت فضلها وأهميّتها أحاديث أهل البيت عليهم السلام (3) .

فيُسأل في هذا الدّعاء الشريف أيضاً أن يزيّننا الله تعالى ويُلبسنا زينة المتّقين، بعد سؤال حلية الصالحين.

وركيزة البحث في هذا الفصل هو أنّه: ـ

ما هي حليةُ الصالحين وزينةُ المتّقين؟

الجواب: هي هذه الصفات العشرون التي ذكرها الإمام عليه السلام تلواً يعني: ـ بسط

__________________

(1) سفينة البجار / ج 8 / ص 558.

(2) سورة الأعراف: الآية 26.

(3) راجع لمعرفتها كتاب ينابيع الحكمة / ج 5 / ص 273.

١٠٩

العدل، وكظم الغيظ، وإطفاء النائرة.. إلخ ممّا يأتي ذكرها آتياً.

فهي الصفات الحسنة، والقيم المتقنة التي هي ملاكات حلية أهل الصلاح، وزينة أهل التقوى.

بل هي مقوّمات الصلاح والتقوى.

فإذا أردنا أن نكون من الصالحين والمتّقين..

وأردنا أن نتّصف بحليتهم وزينتهم..

يلزم علينا أن نتّصف بهذه الصفات، ونلتزم بهذه المكرمات.

فهذه الصفات تجعل الإنسان تقيّاً صالحاً، ومتحليّاً بزينة المتّقين والصالحين، وأخلاقهم الطيّبة، ومكارم صفاتهم الحسنة.

فلنعدّدها ونبيّنها، آملين توفيق امتثالها بعون الله تعالى.

وهي في الدعاء الشريف كما يلي: ـ

١١٠

(1)

هي بَسطِ العَدل

البسط هو: النشر، واستُعير للشمول المطلق، وبَثّ العدل في الخلق.

والعدل هو: الاعتدال، والتوسّط بين الإفراط والتفريط، ووضع الشيء في موضعه.

قال في مجمع البحرين (1) : ـ العدل خلاف الجور، ولغةً هو: التسوية بين الشيئين، والعدل: القصد في الاُمور.

وهو صفة جليلة، توجب مناعة النفس، والردع عن الظلم، والتحفيز على أداء الحقوق والواجبات.

والعدل مدار كلّ خير، وبه قامت السماوات والأرض، وهو الموجود في كلّ شيءٍ من المخلوقات من العالَم العُلوي إلى العالَم السُفلي.

فمن مجرّات السماء إلى طبقات الأرض كلّها وُضعت على العدل..

تلاحظ أنّ عين الشمس التي هي في حجمها ملايين الكيلومترات المكعّبة من السماء خُلقت على العدل.

__________________

(1) مجمع البحرين / ص 483.

١١١

والسائل النفطي التي هي في مقدارها ملايين الكيلوغرامات تحت الأرض خُلقت على العدل.

وحتّى المكروبات إنّما تضرّ بميزان، وعلى حساب عدم الإفراط والتفريط، وبمقدار الاحتماء عنها وعدم الاحتماء.

وبسط العدل هو نشره وإعماله في جميع المجالات، وفي جميع الأقوال والأفعال في الحياة.

ومن حلية الصالحين وزينة المتّقين عدلهم المبسوط المنتشر، الموجود في جميع اُمورهم وفي كلّ حياتهم.

وبحقّ هو زينة وجمال، ورداء محبوبٌ وجميل، وقد فُطرت النفوس على حبّ العدل والإنصاف، وبغض الظلم والجور، في جميع الشرائع والاُمم، وفي مختلف الفئات والطبقات.

وقد نُدب إليه ورغّب فيه بل اُمر به في دين الإسلام، في كتابه وسنّته.

ففي القرآن الكريم: ـ

قال تعالى: ( إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (1) .

وفي الأحاديث المباركة:

عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (إنّ العدل ميزان الله سبحانه الذي وضعه في الخلق، ونصبه لإقامة الحقّ، فلا تخالفه في ميزانه، ولا تعارضه في سلطانه) (2) .

وفي وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله: ـ

يا عليّ، ما كرهته لنفسك فاكرهه لغيرك، وما أحببته لنفسِكَ فاحببه لأحيك

__________________

(1) سورة النحل: الآية 90.

(2) غرر الحكم / ص 222 / ح 88.

١١٢

تكُن عادلاً في حكمك، مقسِطاً في عدلك، محبوباً في أهل السماء، مودوداً في صدور أهل الأرض) (1) .

عن الإمام الصادق عليه السلام: ـ

أنَه سُئِلَ عن صفة العدل في الرجل؟

فقال: إذا غضَّ طرفَه عن المحارم، ولسانه عن المآثم، وكفّه عن المظالم (2) .

عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال:

عدلُ ساعة خيرٌ من عبادة ستّين سنة، قيام ليلها وصيام نهارها،

وجور ساعة في حكم أشدّ وأعظم عند الله من معاصي ستّين سنة (3) .

وجاء أعرابيّ إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وهو يريد بعض غزواته، فأخذ بغَرزِ راحلته ـ أي ركابها ـ فقال: يا رسول الله علّمني عملاً أدخل به الجنّة؟

فقال: ـ ما أحببت أن يأتيه الناس إليك فأتهِ إليهم، وما كرهت أن يأتيه الناس إليك فلا تأته إليهم، خلّ سبيل الراحلة (4) .

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ـ

العدل أحلى من الماء يصيبه الظمآن، وما أوسع العدل إذا عُدل فيه ـ أي في الأمر ـ وإن قلّ (5) .

وعن الصادق عليه السلام أنّه قال: ـ

العدل أحلى من الشهد، وألين من الزَبَد، وأطيب ريحاً من المسك (6) .

__________________

(1) تحف العقول / ص 19.

(2) مستدرك الوسائل / ج 11 / ص 317 / ح 3.

(3) جامع الأخبار / ص 154 / ح 116.

(4) اُصول الكافي / ج 2 / ص 146 / ح 10.

(5) اُصول الكافي / ج 2 / ص 146 / ح 11.

(6) اُصول الكافي / ج 2 / ص 147 / ح 15.

١١٣

هذا ما يستفاد منه منتهى فضيلة العدل، ومفخرة الاعتدال، وسموّ هذه الصفة الشريفة.

واعلم أنّ للعدل هذا صدورٌ عديدة أفادها العلماء تتلخّص فيما يلي: ـ

1) عدل الإنسان مع الله تعالى..

وذلك بالإيمان به، وتوحيده وعدم الشرك به، والإخلاص له، وتصديقه، وأطاعته، وتصديق أنبيائه، وأوصياء أنبيائه الحجج على خلقه (1) .

2) عدل الإنسان مع والديه..

بأن يطيعهم ويحسن إليهم، ولا يقول لهم أفٍّ ولا ينهرهما، ولا يكلّفهما أن يسألاه شيئاً ممّا يحتاجان إليه، ولا يسمّيهما باسمهما، ولا يمشي أمامهما، ولا يجلس قبلهما، ولا يستسبّ لهما، ويصوم ويصلّي ويحجّ عنهما، ويقضي دينهما، ويستغفر لهما، ويبرّهما حيّين وميّتين (2) .

3) عدل الإنسان مع ولده..

وذلك بأن يُحسن اسمه وتربيته، ويرى نفسه مسؤولاً عن حُسن أدبه، والدلالة على ربّه، والمعونة له على الطاعة، ويعمل معه عمل من يعلم أنّه مُثاب على الإحسان إليه، ومعاقب على الإساءة إليه (3) .

4) عدل الإنسان مع زوجته..

بأن يعلم أنّ الله عزّوجلّ جعلها له سَكَناً واُنساً ونعمةُ، فيكرمها، ويُرفق بها، ويُنفق عليها، ويطعمها، ويكسوها، ويعاشرها بالمعروف (4) .

__________________

(1) لاحظ حديث الحقوق من البحار / ج 74 / ص 3.

(2) لاحظ سفينة البحار / ج 8 / ص 585.

(3) لاحظ حديث الحقوق من البحار / ج 74 / ص 15.

(4) لاحظ أمالي الشيخ الصدوق / المجلس 95 / ص 370.

١١٤

5) عدل الإنسان مع نفسه..

ويكون ذلك بتهيئة الفوز والنجاة لنفسه، وسوقها إلى الكمالات، وهدايتها إلى الطاعات، وصونها عن الذنوب والمعاصي، وتزكيتها بالعمل الإلهي.

وطريق ذلك الفوز والنجاة الالتزام بالاُمور التالية: ـ

الأوّل: معرفة اُصول الدِّين وفروعه، والعلم بالتكاليف: الحلال والحرام (1) .

الثاني: العمل بالواجبات وترك المحرّمات ليحصل على التقوى (3) .

الثالث: الاتّصاف بصفات المؤمنين المبشّرين في كتاب الله تعالى في سورة المؤمنين بالفلاح (3) .

فإذا عمل الإنسان مع نفسه بهذه المفاصل كان عادلاً مع نفسه، هادياً لها إلى سعادته، متحليّاً بحلية الصالحين وزينة المتّقين، وممّن بشّره الله تعالى بالفوز والفلاح بقوله عزّ اسمه في القرآن الكريم (4) : ـ

( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَـٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )

6) عدل الإنسان مع المجتمع والآخرين..

ويكون ذلك برعاية حقوقهم، وكفّ الأذى عنهم، وحسن الأخلاق معهم،

__________________

(1) ينابيع الحكمة / ج 4 / ص 191.

(2) بحار الأنوار / ج 69 / ص 277 / ح 12.

(3) كنز الدقائق / ج 9 / ص 157.

(4) سورة المؤمنون / الآيات 1 ـ 11.

١١٥

ومداراتهم، والعطف عليهم، وسائر الحقوق الاُخرى التي تلاحظها في رسالة الحقوق الجامعة لسيّد الساجدين الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام (1) .

7) عدل الحكّام في أحكامهم..

وذلك برعاية الحدود التي عيّنها الله تعالى، ورسوله، وخلفاؤه.. ممّا قرّره الشارع المقدّس في الحكومة والقضاء.

والنموذج المثالي منه هو ما عيّنه وطبّقه أقضى الاُمّة وأعدلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وأمر به في عهده الشريف الجامع إلى الأشتر النخعي رضوان الله تعالى عليه حين ولّاه مصر (2) الذي هو أرقى دستور سامي، وأوفى منشورٍ عالمي في الحكومة والقضاء، والضامن للحياة العادلة والمدنيّة الفاضلة، لجميع الشعوب وكلّ الطبقات.

هذه أنواع العدل التي برعاياتها تسعد الحياة، ويحصل الفوز بعد الممات، ويسود السلام، ويشيع الرخاء في الأنام.

هذا.. والمثل الأعلى الأوفى لبسط العدل هم أهل البيت عليهم السلام، حيث كان ملأ حياتهم، وفي جميع اُمورهم على أقصى العدل، وأوفى القسط.

ومن ذلك ما في حديث المناقب عن عدل أمير المؤمنين عليه السلام أنّه: ـ

قَدِمَ عليه عقيل فقال للحسن: ـ اكسُ عمّك، فكساه قميصاً من قميصه ورداءً من أرديته.

فلمّا حضر العشاء فإذا هو خبزٌ وملح، فقال عقيل: ليس إلّا ما أرى؟

فقال: أوليسَ هذا من نعمة الله، وله الحمد كثيراً.

فقال: أعطني ما أقضي به ديني، وعجّل سراحي، حتّى أرحل عنك.

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 74 / 2 ـ 21.

(2) نهج البلاغة / الكتاب رقم 53 / الطبعة المصريّة.

١١٦

قال: فكم دَينُك يا أبا يزيد؟

قال: مائة ألف درهم.

فقال: لا والله ما هي عندي ولا أملكها، ولكن اصبر حتّى يخرج عطائي فأواسيكه، ولولا أنّه لابدّ للعيال من شيء لأعطيتُك كلّه.

فقال عقيل: بيت المال في يدك، وأنت تسوّفني إلى عطاءك؟

فقال: وما أنا وأنت فيه إلّا بمنزلة رجلٍ من المسلمين، وكانا يتكلّمان فوق قصر الإمارة، مشرفين على صناديق أهل السوق، فقال له عليّ عليه السلام: إن أبيت يا أبا يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله وخُذ ما فيه.

فقال: وما في هذه الصناديق؟

قال: فيما أموال التجّار.

قال: أتأمرني أن أكسر صناديق قوم قد توكّلوا على الله وجعلوا فيها أموالهم؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين، وأعطيك أموالهم...؟

وزاد في حديث الصواعق المحرقة أنّه ثمّ قال عقيل: آتينّ معاوية.

فقال عليّ عليه السلام: أنت وذاك.

فأتى عقيل معاوية فسأله فأعطاه مائة ألف، ثمّ قال له: إصعد المنبر فاذكر ما أولاك به ع ليّ وما أوليتك.

فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: ـ

أيّها الناس إنّي اُخبركم عليّاً عليه على دينه فاختار دينه، وإنّي أردتُ معاوية على دينه فاختارني على دينه (1) .

وعدل أمير المؤمنين عليه السلام في جميع حياته ومجالاته ممّا لا يختلف فيه إثنان.

وهو القائل: (وَاللَهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلَالِ

__________________

(1) فضائل الخمسة من الصحاح الستّة / ج 3 / ص 22.

١١٧

مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ...) (1) .

وهو القائل أيضاً: (وَاللَهَ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَهَ فِي نَمْلَةٍ جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ).

هذه هي الصفة الإلهيّة، والخُلق الربّاني العدل الذي هو من أشرف الفضائل.

وهؤلاء أهل البيت عليهم السلام الذي هم المَثَل الأعلى لهذه المزيّة، والصفة السنيّة.

وعلينا أن نسير في هداههم في جميع أفعالنا وأقوالنا، وفي جميع اُمور حياتنا.

أقول: وما أبعد ما بين عدل عليّ عليه السلام هذا وبين جشع عثمان واستئثاره بأموال المسلمين لنفسه ولقومه يخضم مال الله خضم الإبل نبتة الربيع، ويتصرّف فيه كيف شاء ولمَن شاء بلا رادعٍ ولا مانع حتّى اعترض عليه الناس.

فقال في جوابهم بلا حياء ولا إباء: ـ (هذا مال الله أعطيته من شئت وأمنعه من شئت) (2) .

وتلاحظ صورة وافية من قطايعه وما أعطاه من بيت مال المسلمين لمن يهواهم من قومه وأتباعه مجموعةً وأتباعه مجموعةً في كتاب الغدير الشريف (3) ، ممّا أثبته نفس العامّة في كتبهم.

وهذه جملةً منها نذكر نصّاً في الجدول التالي، ليُعرف ماذا حدث في ميزان العدل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ويُعرف شيءٌ من عدل عليّ عليه السلام وظلم غيره: ـ

العطايا والمبالغ بدينار ذهب

الشخص

000 / 500

مروان بن الحكم (صهره)

000 / 100

عبد الله بن أبي سرح (أخوه الرضاعي)

__________________

(1) نهج البلاغة / الخطبة 224.

(2) أنساب الأشراف / ج 5 / ص 88.

(3) الغدير / ج 8 / ص 286.

١١٨

000 / 200

طلحة

000 / 560 / 2

عبد الرحمن بن عوف

000 / 500

يعلى بن اُميّة

000 / 100

زيد بن ثابت (مدافعه)

000 / 150

عطيّة لنفسه

000 / 200

عطيّة اُخرى لنفسه

000 / 310 / 4 دينار

المجموع

العطايا والمبلغ بدرهم فضّة

الشخص

000 / 300

الحكم بن أبي العاص (عمّه)

000 / 020 / 2

آل الحكم

000 / 300

الحارث بن الحكم (ابن عمّه وصهره)

000 / 100

سعيد بن العاص

000 / 100

الوليد بن عُقبة (أخوه لاُمّه)

000 / 300

عبد الله بن خالد (صهره)

000 / 600

عبد الله بن خالد (صهره)

000 / 200

أبو سفيان

000 / 100

مروان بن الحكم (صهره)

000 / 200 / 2

طلحة

000 / 000 / 30

طلحة أيضاً

000 / 800 / 59

الزبير

١١٩

000 / 250

سعد بن أبي وقّاص

000 / 500 / 30

عطيّة لنفسه

000 / 770 / 126 درهم

المجموع

أموال عثمان حين موته

عين المال

000 / 150

دينار ذهب

000 / 500 / 30

درهم فضّة

000 / 1

بعير في الربذة

000 / 200

دينار صدقات ببراويس وخيبر ووادي القرى

000 / 1

عبيد

عدداً كثيراً من الحدائق، والعيون، والخيل في المدينة، وداراً فخمة، وضياعاً في حُنين تقدّر بمائة ألف دينار كما ذكره المؤرّخ المسعودي في مروج الذهب / ج 1 / ص 433.

000 / 350

المجموع من الدنانير

000 / 500 / 30 درهم

المجموع من الدراهم

وعلى طبق هذه الجداول يكون ما فرّط فيه عثمان من بيت مال المسلمين يساوي: (000 / 660 / 4) دينار ذهب، و (000 / 270 / 157) درهم فضّة.

فَمَن المسؤول؟ وأين العدل؟

١٢٠