أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)0%

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 243

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف: السيد علي الحسيني الصدر
تصنيف:

الصفحات: 243
المشاهدات: 49547
تحميل: 6180

توضيحات:

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 243 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 49547 / تحميل: 6180
الحجم الحجم الحجم
أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

الرضا عليه السلام مع بعض الخوارج الذي تقدّم ذكره (1) .

وكذلك مقابلته عليه السلام الإساءة بالإحسان في حديث قضيّة الجلودي المفضّلة المذكورة في السفينة (2) .

وحاصلها: أنّ الجلودي كان قد أمره الرشيد أن يُغير على دور آل أبي طالب، وأن يسلب نسائهم، ولا يدَع على واحدةٍ منهنَ إلّا ثوباً واحداً.

فجاء الجلودي مع خيله إلى دار الإمام الرضا عليه السلام للهجوم على الدار، وقال للإمام عليه السلام: لابدّ أن أدخل الدار وأسلب النساء كما أمر الرشيد..

فقال له الإمام الرضا عليه السلام: أنا آتي لكَ بجميع مالهنّ، وحلفَ له، وجاء إلى النساء وطلب منهنّ أن يعطين جميع ما عليهنّ حتّى أقراطهنّ وخلاليهنّ وأزارهنّ، وجميع ما كان في الدار من قليلٍ وكثير، حتّى يسلمَن النساء من دخول الأجانب عليهنّ.

ومضى الزمان حتّى مات الرشيد، وخلَفَهُ المأمون، وصادف أن غاض المأمون على الجلودي وحبسه.

فلمّا كان يوم اُدخل الجلودي على المأمون، قال الرضا عليه السلام للمأمون ترحّماً على الجلودي: هَبْ لي هذا الشيخ.

فنظر الجلودي إلى الرضا عليه السلام هو يُكلِّم المأمون ويسأله أن يعفو عنه، فظنَّ أنّه يُشير عليه بقتله، فقال: يا أمير المؤمنين، أسألك بالله وبخدمتي للرشيد أن لا تقبل قو هذا فيَّ.

قفقال المأمون: يا أبا الحسن، هذا سألنا بالله ونحنُ نبرّ قسمه، وقال للجلودي: لا والله، لا أقبل فيك قوله، يا حرسي قدِّمهُ واضرِب عُنقه.

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 49 / ص 55.

(2) سفينة البحار / ج 1 / ص 613.

١٤١

١٤٢

(5)

وإصلاح ذات البَين

ذاتُ البين: هي الأحوال والعلاقات التي تكون بين القوم.

وإصلاحها: هو تعهّدها، وتفقّدها، وطلب الصلاح لها.

فمعنى إصلاح ذات البين هو إصلاح الفساد الذي يحدث بين القوم، أو بين العائلة، أو بين المؤمنين.

وهو من معالي الأخلاق، ومكارم الأعمال.

وقد أمر به ونصّ عليه في القرآن الكريم والسنّة الشريفة.

قال الله تعالى: ـ ( فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) (1) .

وقال عزّ اسمه: ـ ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (2) .

وفي الحديث في وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام للإمامين الحسنين عليهما السلام: ـ

(أُوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله، ونظم أمركم،

__________________

(1) سورة الأنفال: الآية 1.

(2) سورة الحجرات: الآية 10.

١٤٣

وصلاح ذات بينكم.

فإنّي سمعت جدّ كما صلى الله عليه وآله يقول: ـ

صلاح ذات البيت أفضل من عامّة الصلاة والصيام) (1) .

وفي حديث سابق الحاج قال:

مرَّ بنا المفضّل، وأنا وخَتَني (2) نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة، ثمّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل.

فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم، فدفعها إلينا من عنده، حتّى إذا استوثق كلّ واحد منّا من صاحبه قال: ـ

أما إنّها ليست من مالي، ولكن أبو عبد الله عليه السلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن اُصلح بينهما وأفتديها من ماله، فهذا مال أبي عبد الله عليه السلام (3) .

وفي حديثٍ آخر عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال:

(صدقةٌ يحبّها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقاربٌ بينهم إذا تباعدوا) (4) .

وعنه عليه السلام: ـ

(من أصلح بين اثنين فهو صديق الله في الأرض، وإنّ الله لا يُعذّبُ من هو صديقه) (5) .

وعنه عليه السلام: ـ

(أكرم الخلق على الله بعد الأنبياء؛ العلماء الناصحون، والمتعلِّمون

__________________

(1) نهج البلاغة / الرسالة 47. واعلم أنّه فُسّرت الصلاة والصيام في الحديث الشريف بصلاة التطوّع والصوم المستحبّ، كما وأنّ الفرق بين الصلاح لعلّه هو أنّ الإصلاح يكون في صورة وجود الفساد في البين، بينما الصلاح يكون بإيجاده حتّى لو لم يكن فسادٌ في البين، فيسعى في عدم وقوعه، ولعلّه لذلك عُبّر في هذا الحديث الشريف بصلاح ذات البَيْن.

(2) الخَتَن: زوج البنت أو زوج الاُخت يعني النسيب.

(3) و (4) اُصول الكافي / ج 2 / ص 209.

(5) جامع الأخبار / ص 185 / ح 141.

١٤٤

الخاشعون، والمصلح بين الناس في الله) (1) .

وعنه عليه السلام: ـ

(من أصلح بين الناس أصلح الله بينه وبين العباد في الآخرة، والإصلاح بين الناس من الإحسان...) (2) .

وعنه عليه السلام: ـ

(ملعونٌ ملعون رجلٌ يبدؤه أخوه بالصلح فلم يصالحه) (3) .

وقمّة المصلحين بين ذات البيت هم أهل بيت النبيّ وعترته صلوات الله عليهم أجمعين كما تدلّ عليه سيرتهم المباركة.

فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله أصلح بين القبيلتين العربيّتين المعروفتين في المدينة الأوس والخزرج.

وكانت الحرب قد دامت بينهما في الجااهليّة مائة وعشرين سنة، إلى أن جاء دين الإسلام، وهاجر الرسول صلى الله عليه وآله إلى المدينة فآخى بينهما فصاروا إخوة متحابّين.

وعلى سيرة الرسول ولده الإمام الحسين عليه السلام الذي كانت نهضته المقدّسة لطلب الإصلاح في اُمّة جدّه وشيعة أبيه.

وعلى سيرته أيضاً ولده الإمام الصادق عليه السلام، الذي اعتنى بالإصلاح بين المؤمنين حتّى بدفع المال من نفسه.

وتلاحظ نصحه وإصلاحه أيضاً في حديث إبراهيم بن مهزم قال: ـ

خرجت من عند أبي عبد الله عليه السلام ليلةً ممسياً، فأتيت منزلي بالمدينة، وكانت اُمّي ـ خالدة ـ معي، فوقع بيني وبينها كلامٌ، فأغلظتُ لها.

__________________

(1) جامع الأخبار / ص 185 / ح 142.

(2) جامع الأخبار / ص 185 / ح 143.

(3) بحار الأنوار / ج 74 / ص 236.

١٤٥

فلمّا كان من الغد، صلّيت الغداة، وأتيت أبا عبد الله عليه السلام، فلمّا دخلت عليه قال لي مبتدئاً: يا ابن مهزم ما لكَ ولخالدة؟ أغلظتَ في كلامها البارحة، أما علمتَ أنّ بطنها منزلٌ قد سكنته، وأنّ حِجرَها مهدٌ قد غمزته، وثديها وعاءٌ قد شربته؟!

قال: قلتُ بلى.

قال عليه السلام: فلا تغلظ لها (1) .

فما أحسن هذه الصفة الممدوحة، إصلاح ذات البيت بين المؤمنين، يفعلها الإنسان تقرّباً إلى الله تعالى، وتحصيلاً لسرور أهل البيت عليهم السلام بصلاح شيعتهم ومواليهم.

فإنّهم يعرفون ذلك ويعلمونه بإذن الله تعالى ويطّلعون عليه كما لاحظته في حديث إبراهيم بن مهزم الآنف الذِّكر، وتعرف مفصّل بيانه في أحاديث علم الإمام عليه السلام (2) .

__________________

(1) بحار الأنوار / ج 74 / ص 76 / ب 2 / ح 69.

(2) لاحظ كتاب في رحاب الزيارة الجامعة / ص 50.

١٤٦

(6)

وإفشاء العارفة وسترِ العائبة

الإفشاء: هو النشر والإظهار، يُقال: فشا الأمر إذا ظهر وانتشر.

والعارفة: هو المعروف، والأمر الحَسَن، أي الخصلة العارفة الحسنة.

والسَّتر: بفتح السين، مصدرٌ بمعنى عدم الإفشاء.

كما أنّ السِّتر بكسر السين بمعنى الشيء الساتر، نظير الذَبح فتحاً بمعنى عمليّة الذبح.

والذِبح كسراً بمعنى الشيء المذبوح، ومنه قوله تعالى: ( وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) (1) .

والعائبة: مقابل العارفة، وهي الخصلة العائبة أي ذات العيب.

ومن مكارم الأخلاق التي هي حلية الصلحاء، وزينة الأتقياء، أن يُظهر الإنسان محاسن المؤمنين وخصالهم المعروفة وأعمالهم الحسنة..

وفي مقابل ذلك يستر على المؤمنين خصالهم السيّئة، ومعايبهم الكريهة، ممّا صدرت مهم إشتباهاً، وسؤّلتها لهم أنفسهم الأمّارة بالسّوء، فأخفوها خجلاً، فلا ينبغي أن يفضحهم الإنسان عَلَناً.

__________________

(1) سورة الصّافات: الآية 107.

١٤٧

وأيّ إنسان يخلو كاملاً من الذنب، ويخلص من العيب غير المعصومين عليهم السلام وقد خُلق الإنسان ضعيفاً.

( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ) (1) .

لكن يلزم على الإنسان أن يجدّ ويجتهد ويسعى في كفّ نفسه عن الذنب والعصيان، وإذا سوّلت له نفسه وغلبه هواه فأذنب بادرَ إلى التوبة، واستشعر في نفسه الندم على تفريطه، حتّى يغفر الله له، فإنّ التوبة تجعل الفاسق الممقوت وليّاً من أولياء الله تعالى كما في قضيّة الشابّ الفاسق المنقول (2) .

وعلى كلّ حال يلزم ستر عائبة المؤمنين، حفظاً لكرامتهم، ونشر معروفهم، ترغيباً في استقامتهم.

وهو خُلقٌ كريم، وصفةٌ راقية، والتي تعدّ من الصفات الإلهيّة والأخلاق الطيّبة، كما تلاحظه في الدعاء الجامع الشريف: ـ

(يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ وَسَتَرَ الْقَبِيحَ، يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بِالْجَرِيرَةِ وَلَمْ يَهْتِكِ السِّتْرَ) (3) .

وكلتا هاتين الصفتين ذات آثار طيّبة..

فإفشاء العارفة ونشر الخِّصال المحمودة يوجب انتشار الصفات الحسنة في المؤمنين، والترغيب فيها، والحثّ عليها، ورغبة الآخرين فيها، ثمّ قيام أخلاق المجتمع عليها.

كما وأن ستر العائبة يوجب حفظ كرامة المؤمنين، وموت الباطل بترك ذكره، وعدم التجاهر بالفسق، وفسح المجال أمام من صدرَ منه القبيح ليحسّن أعماله بالستر عليه، ويرتدع ويخجل من العود إليه، وبالتالي زوال العائبات والقبائح عن المجتمع.

__________________

(1) سورة يوسف: الآية 53.

(2) رعايةً للاختصار راجع لمعرفته كتاب شجرة طوبى / ج 2 / ص 446.

(3) مفاتيح الجنان / الباقيات الصالحات / ص 380.

١٤٨

وخصوصاً ستر عيوب المؤمنين الذي هو من معالي الأخلاق المربّية للمؤمن والمبدّلة للفساد إلى الصلاح، والدالّة على كرامة نفس الساتر، وفضيلة روحه.

والمثل الأعلى لهذه الصفة الطيّبة هم أهل البيت عليهم السلام، فكم ذكروا فضائل الطيّبين ونشروها، ورغّبوا في مآثر الكرام وأفشوها، كما تلاحظه من ذكرهم عليهم السلام فضائل سلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمّار، والطيّبين أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، والشهداء أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، والفقهاء أصحاب الإمام الصادق عليه السلام.

وفي الطرف المقابل كم عرفوا معايب الناس وستروها عليهم، بل أغضوا وعفوا عنهم، ولم يعيبوا أحداً، ولم يلوموا مؤمناً.

بل هذّبوا شيعتهم على الستر والعفاف، وعدم تتبّع العثرات، ومن الجهة الثانية أصلحوا عيوب المؤمنين وأرشدوهم إلى صفات الصالحين، ووعظوهم بخير مواعظ المتّقين.

فاهتدى بذلك الخلق الكثير ممّن كان قابلاً لمواعظهم، ومتقبّلاً لإرشادهم وأنشئوا بذلك الجيل الصالح، والجمع الفاضل.

والأحاديث الشريفة في قول الخير في المؤمنين، وستر عوراتهم متظافرة، منها: ـ

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا معشر مَن أسلم بلسانه، ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تذمّوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم.

فإنّه من تتبّع عوراتهم تتبّع الله عورته، ومِن تتبّع الله تعالى عورته يفضحه ولو في بيته (1) .

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أيضاً:

كان بالمدينة أقوام لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس فأسكت الله عن

__________________

(1) أُصول الكافي / ج 2 / ص 264 / ح 2.

١٤٩

عيوبهم الناس، فماتوا ولا عيوب لهم عند الناس.

وكان بالمدينة أقوام لا عيوب لهم، فتكلّموا في عيوب الناس، فأظهر الله لهم عيوباً لم يزالوا يُعرفون بها إلى أن ماتوا (1) .

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: ـ

استر عورة أخيك، لما تعلمه فيك (2) .

وعن الإمام الصادق عليه السلام: ـ

أبعد ما يكون العبد من الله أن يكون الرجل يواخي الرجل وهو يحفظ عليه زلّاته ليعيّره بها يوماً مّا (3) .

ومن الآثار الطيّبة لستر عيوب المؤمنين تحسين سلوكهم، وإقلاعهم عن القبائح كما تلاحظه في القضيّة التي حكاها بعض السادة الأجلّاء عن المرحوم السيّد أحمد الروحاني الثمّيي الذي كان أحد أفاضل علماء طهران.. حدّث ما حاصله أنّه: ـ

في أحد الأيّام إتّصل بي تلفونيّاً أحد أصدقائي، يدعوني إلى تشييع أحد التجّار الذين لم أعرفه أنا، لكن قال لي الصديق: إحضر تشييعه فإنّه مؤمن، طيّب، كان ذا نفسٍ عالية، يستحق الحضور.

ففكّرتُ في نفسي أنّه تشييع مؤمن، وهو عملٌ مستحبّ، وصمّمتُ على الحضور، وإن لم أكن أعرفه.

فذهبت في الوقت المقرّر إلى التشييع، وطبعاً بما أنّي لم أعرف الميّت لم أعرف أولاده وذويه.

__________________

(1) الوسائل / ج 15 / ص 292 / ح 10.

(2) غرر الحكم / ص 110 / ح 67.

(3) اُصول الكافي / ج 2 / ص 265 / ح 7.

١٥٠

إلّا أنّي رأيت أحد المشيّعين كثير البكاء جدّاً، مع أنّه لم يظهر عليه أنّه من أقرباء الميّت، ولم يُعزّه أحد، لكنّه أكثر الناس بكاءً في الشييع، وحين الدفن، بحيث كان يبكي بكاءً مرّاً كبكاء الثكلى على عزيزها.

ولكي أتوصّل أنا إلى حكمةٍ في المقام من بكاء هذا أزيد من الآخرين، حتّى من أبناء المرحوم جئت إلى جنبه بهدوء، وسألته لماذا تبكي هكذا على المرحوم؟

قال: إنّ لي مع المرحوم قضيّةً تدعوني إلى أن لا أنساه طول عمري، ويُلزمني أن أبكي لفقده طول حياتي.

فقلت: ـ وهل يمكنك إخباري بذلك؟

قال: نعم، إنّي كنت رجلاً فقيراً كثير العائلة، وضعيف الكسب، لا يفي كسبي بعيشي، وكنت أعجز حتّى عن استئجار دارٍ للسكن، وعن إطعام أهلي أحياناً، وضاقت بي الحياة جدّاً من الجانب المالي.

وذات يوم في وقت الظهر ولم يكن لي شيء أشتري به غذاءً لأهلي، فجئت إلى المسجد لاُصلّي جماعة صلاتَي الظهر والعصر، ووصلتُ متأخّراً عن أوّل وقت الصلاة، فوقفتُ في آخر صفٍّ من صفوف الجماعة وحدي، ليس أحدٌ على يساري ولا على يميني.

ثمّ جاء شخص آخر شابٌّ محترم (وهو هذا المرحوم) فوقف بجنبي، وعلى الفور أخرج مفاتيحه، وخاتماً كان معه من جيبه، وجعله أمامه من طرفي، واقتدى في صلاته بإمام الجماعة، وقال: الله أكبر.

وفي أثناء الصلاة وقع نظري أنا إلى ذلك الخاتم الذي كان أمامه، فرأيته خاتماً جميلاً جدّاً، وله بريق عجيب يجذب النظر، ويظهر منه أنّه خاتمٌ ثمين.

فجلب نظري ذلك الخاتم، ووسوس لي الشيطان في أن أسرقه وأبيعه، وأتعايش به، وأتخلّص مدّةً من ضيق المعاش..

١٥١

وهذا التصميم، كان لأوّل مرّة في حياتي، حيث لم أرتكب سرقة في حياتي قطّ.

فرأيت أنّ الرجل غارقٌ في صلاته مع ربّه، ويمكنني أن أسرق الخاتم بدون أن يلتفت إلى هذا الاختلاس.

ومع ذلك صرتُ في تردّدٍ في الإقدام وعدم الإقدام على هذا العمل القبيح.. السرقة، وفي الصلاة، وفي المسجد، معصية في معصية.

لكن في الأخير وقبل انتهاء الصلاة صمّمتُ على ذلك بأن أسرقه أثناء سجوده، وخامرتني هذه الفكرة إلى السجود الأخير من الركعة الأخيرة، فسجد الرجل، وسجدتُ بعده، ووضعت يدي حين السجود على الخاتم، وسحبته إلى نفسي، وحملته معي حين رفع الناس رأسهم من السجود، وضممته في يدي حين التشهّد، إلى أن سلّم إمام الجماعة، وفرغنا من الصلاة.

وتصوّرت أنا في نفسي أنّ الرجل لم يلتفت إلى سرقتي، حيث لم يظهر منه التفحّص عن الخاتم.

ففكّرتُ هل أقوم بسرعة وأذهب قبل أن يلتفت الرجل، أو أجلس كأنّي لم أرتكب شيئاً.

وبين ما أنا كذلك إذ وضع الرجل يده على يدي التي فيها الخاتم وقال لي بهدوء: الخاتَم لك، ولكن قُل لي لماذا سرقته؟

فاصفرّ وجهي وقلت له: أنا لأوّل مرّة أسرق لضغط الفقر عليَّ، ولم أفعل هذا طول حياتي.

قال: ـ نعم، صحيح، يظهر عليك اضطرابك واصفرار وجهك، ولكن لماذا أقدمت على السرقة؟

قلت: لأجل حالتي هذه، وأخبرته بفقري، وضعف معيشتي، وأنّه ليس لي الآن حتّى ما أشتري به غذاء لأهلي.

١٥٢

فقال: الخاتم لك، حلالك، واسمح لي أي اُخبرك بثمن هذا الخاتم وقضيّته.

إنّي رجلٌ متمكّن، وحديث عهدٍ بالزواج، وقد سافرت بعد زواجي أوّل سفرة تجاريّة.

وأنا الآن راجع من سفري توّاً، وقد وصلت الآن ظهراً ففكّرتُ أن اُصلّي أوّلاً ما دام حان وقت الظهر، ثمّ أذهب إلى داري، وكنت قد اشتريت هذا الخاتم هديّة لزوجتي العروس لأتحفها به كهديّة وإتحاف في أوّل سفري بعد الزواج.

واعلم أنّ ثمن هذا الخاتم غالٍ، وهذا سعره، وأنت أذا أردت بيعه على الصائغ سيعرف أنّك لست بصاحب الخاتم فيتّهمك، فإذا اتّهمك فقُل له إنّ فلان يعرفني، وأخبرني باسمه.

فتشكّرت منه، وأنا خجلان من هذه المعاملة الطيّبة والمكافأة الحسنة، والستر عَليَّ بالرغم من أنّه كان يقدر على أن يفضحني في المسجد والخاتم في يدي عياناً، وذهبت فوراً إلى أحد الصاغة بائعي الخواتيم، وعرضت عليه الخاتم، وقلت له: كم تشتريه منّ]؟

فأخذ الخاتم وهو ينظر إليه تارةً، وينظر إليَّ تارةً اُخرى، وأطال النظر إليّ، ثمّ قال: من أين لك هذا الخاتم؟

قلت: هذا الخاتم لي، وأُريد بيعه.

فقال لي: ـ لا أشتريه منك، ولا أُعطيه لك، بل اُسلّمه إلى مخفر الشرطة.

فقلت: ـ فلانٌ يعرفني، ويشهد أنّ الخاتم لي.

قال لي: ـ طيّب، إذا شهد لك فلان بالخاتم، أنا أشتريه منك.

فجئت فوراً إلى هذا المرحوم، وأخبرته بالقضيّة.

فجاء معي إلى البائع وشهد لي أنّ الخاتم لي، ولم يخبره بكيفيّة إعطاءه إيّاي، وأنّ القضيّة كيت وكيت، بل سترَ عليَّ، وقال للبائع أنّ الخاتم له حقيقةً، فاشتراه

١٥٣

منّي بائع الخواتيم بثمنه الأصلي الكثير..

ثمّ أرشدني هذا المرحومم إلى أنّ هذا المبلغ الكثير إن أردت صرفه اعتباطاً تلف، ولم يبق منه شيء، لذلك يحسن أن يشتري به داراً تسكن في الدخلاني منه مع عائلتك، وتؤجّر البرّاني وتستثمره، فيكون ثمن الإيجار مساعدك مع اُجرة عملك في حياتك العائليّة.

وأوصى إلى بعض الدلّالين، فاشترى لي داراً أسكنت فيه عائلتي، وأجّرت الباقي.

وأنا منذ سنوات أعيش عليه بكلّ راحة، لما ستر عليَّ هذا المرحوم بهذا الستر الجميل، والخير الجزيل الذي ألزمني الحزن والاكتئاب وبكاء احتراق قلب المصاب.

هذا ما وقع حقيقةً، وأنت تلاحظ أنّه تحوّل هذا الرجل من سارق إلى إنسان طيّب، يعيش سعيد بواسطة ستر العائبة من هذا المرحوم.

فقد انقلب رأساً على عقب من الفساد إلى الصلاح بواسطة هذه الكرامة الأخلاقيّة من هذا الشخص، ولو كان قد فضحه ولم يستر عليه لكان يُعرف بالسرقة، ويصبح سارقاً محترفاً طول عمره.

١٥٤

(7)

ولينِ العريكة

العريكة: فُسّرت في اللغة بمعنى الطبيعة.

إلّا أنّه يستفاد من استعمالاتها العرفيّة في الأحاديث وفي العربيّة معنىً أوسع.

فالعريكة في معناها العرفي هو الجلد الأديم يُدلك ويُفرك، فيصير ليّناً، كما تلاحظه في جلد الغزال الذي كان قديماً يصنع به هكذا، ويُتّخذ منه الورق اللّين في الكتب.

ويكنّى به عن لين المعاشرة، يُقال: فلان ليّن العريكة، إذا كان سلساً مطواعاً، قليل الخلاف والنفور.

ولانَتْ عريكته يعني انكسرت نخوته (1) .

فيكون حاصل معنى لين العريكة في هذه الصفة الجميلة كناية عن لين المعاشرة مع الناس.

وقد جاء توصيف الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بلين العريكة في بيان أمير المؤمنين عليه السلام: ـ (كان أجوَد الناس كفّاً، وأجرءَ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجةً، وأوفاهم

__________________

(1) مجمع البحرين / ص 454.

١٥٥

ذمّةً، وألينهم عريكةً) (1) .

فمن حلية الصالحين وزينة المتّقين لين العريكة في المعاشرة مع الناس.

ليناً يكون في محلّه، لا ضعفاً في الدِّين وتضعيفاً لشريعة سيّد المرسلين، فيكون لين المؤمن مع المؤمنين لا مع المنافقين.

لذلك ترى في حُسن صفة المؤمنين قوله تعالى: ـ

( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) (2) .

وأمّا اللّين في غير محلّه المناسب فهو غير ممدوح بل مجتنبٌ عنه، وليس من مكارم الأخلاق.

لذلك ترى مثال الخلق الكريم متجلّياً في الرسول العظيم حيث كان شديداً في ذات الله تعالى في قضيّة الخبيث سُمرة بن جندب بالنسبة إلى نخلة الأنصاري في حديث (لأا ضرر ولا ضرار)..

ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال:

إنّ سمرة بن جندب كان له عذقٌ ـ أي نخلةٌ بحملها ـ في حائط رجلٍ من الأنصار.

وكان منزل الأنصاري بباب البستان، وكان يمرّ به إلى نخلته ولا يستأذن، فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء، فأبى سمرة.

فلمّا تأبّى، جاء الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فشكا إليه، وخبّره الخبر، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وخبّره بقول الأنصاري وما شكا، وقال: إن أردت الدخول فاستأذِن.

فأبى، فلمّا أبى ساومه حتّى بلغ به من الثمن ما شاء الله، فأبى أن يبيع.

فقال صلى الله عليه وآله: لك بها عذقٌ يُمدّ لك في الجنّة.

__________________

(1) سفينة البحار / ج 2 / ص 388.

(2) سورة الفتح: الآية 29.

١٥٦

فأبى أن يقبل.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للأنصاري: إذهب فاقلعها، وارمِ بها إليه، فإنّه لا ضرر ولا ضرار (1) .

فتلاحظ أنّه لم يكن الموضع موضع لين مع ظلم سمرة للأنصاري، وإصراره على الظلم، ولجاجه على عدم الاستئذان، وعناده مع الرسول صلى الله عليه وآله حتّى مع نخلة الجنّة.

لذلك لم يلِن معه رسول الله صلى الله عليه وآله، بل أمر بقلع النخلة، ورميها إليه، دفعاً للضرر عن المؤمنين.

علماً بأنّ سمرة ممّن لم يخفَ خبثه ونفاقه.

وهو الذي بذل له معاوية أربعمائة درهم فروى كذباً إنّ قوله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّـهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ) (2) نزلت في عليّ عليه السلام.

وأنّ قوله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) (3) نزلت في ابن ملجم.

وهو الذي روى عنه ابن أبي الحديد أنّه كان في أيّام مسير الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة على شرطة ابن زياد، وكان يحرّض الناس على الخروج إلى قتال الحسين عليه السلام.

وهو الذي قال فيه ابن سيرين إنّه قتل في مدّة غياب زياد بن أبيه عن البصرة ثمانية آلاف، فقال له زياد: أما تخاف أن تكون قتلت بريئاً؟

فقال: لو قتلت معهم مثلهم ما خشيت.

وروى عنه ابن أثير أنّه قتل من قوم سوار العدوى سبعة وأربعين كلّهم قد جمع القرآن.

__________________

(1) الكافي / ج 5 / ص 292 / ح 2.

(2) سورة البقرة: الآية 204.

(3) سورة البقرة: الآية 207.

١٥٧

وهو الذي ضرب ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله (القصوى) بعصاً على رأسها فشجّها (1) .

وعلى الجملة فاللّين مع الثلّة المؤمنة ـ لا مع مثل هذه الفرقة المنافقة ـ يعدّ من مكارم الأخلاق وعوالي الصفات.

وهذه الصفة الشريفة وإن كان تحصيلها صعباً، لكن تسهل بعد الممارسة والتمرين.

فيحصل لين العريكة للإنسان في أقواله وأفعاله، وفي جميع أدوار حياته، ومع جميع معاشريه.

بالطلب من الله تعالى، والاستشفاع بأهل البيت عليهم السلام.

وحتماً تحتاج هذه الصفة إلى الطلب والعمل..

إذا هي حصلت لرسول الله صلى الله عليه وآله برحمةٍ من الله تعالى فكيف تحصل لنا اعتباطاً.

قال تعالى: ـ ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ ) (2) .

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله المَثَل الأعلى للين العريكة في سيرته الغرّاء، وتلاحظ ذلك جليّاً في عشرته مع عائشة.

فبالرغم من إيذائها للرسول الأكرم، وتجاسرها على مقامه الأعظم كان صلوات الله عليه وآله ليّناً معها، معاشراً عشرة الحسنى قبالها.

حتّى أنّها تحاكمت مرّةً مع الرسول عند أبيها أبي بكر، وقالت لرسول الله قبل أن يتكلّم: قُل ولا تقل إلّا حقّاً!

ورسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي لا ينطق عن الهوى، ولا يقول إلّا حقّاً، ولا يتكلّم باطلاً، بصريح شهادة الخالق له، الغنيّ عن شهادة المخلوقين، بالآية المباركة: ـ

( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (3) .

__________________

(1) لاحظ جميع هذه الفعال السيّئة من سمرة في سفينة البحار / ج 4 / ص 269.

(2) سورة آل عمران: الآية 159.

(3) سورة النجم: الآيتان 3 ـ 4.

١٥٨

وبالرغم من ذلك لم يردّ الرسول عليها بشيء، ولم يغلظ لها بقول.

ومن نماذج لين عريكته صلوات الله عليه وآله؛ موقفه الكريم في قضيّة القطيفة الحمراء (1) ، في واقعة بدر، بعد انهزام المشركين وبقاء الغنائم في حوزة المسلمين.

وكان في الغنائم قطيفة حمراء وضيعة لا تسوى شيئاً، ضاعت من بين الغنائم.

فبرز أحد الأصحاب من المنافقين وقال: ـ (إنّ رسول الله غلّها) أي سرقها والعياذ بالله، ورسول الله هو الأمين المسمّى بمحمّد الأمين حتّى عند المشركين وحتّى في الجاهليّة.

وحدث دويّ بين الأصحاب من هذه الكلمة البذيئة، ورسول الله بريءٌ من الغلّ والسرقة، ولم يأخذ تلك القطيفة.

ومع ذلك لم يردّ الرسول عليه بشيء، ولم يخشن له بقول..

بالرغم من أنّ الرسول له الحقّ الشرعي في أن يصطفي من الغنائم ما يشاء.

فنزلت الآية الشريفة: ـ ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ ) (2) ، فبرّء الله تعالى نبيّه من السرقة والخيانة.

وجاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إنّ فلاناً غلّ القطيفة وأخبأها هنالك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بحفر ذلك الموضع، وإخراج تلك القطيفة، كما تلاحظه في التفسير (3) .

وهذه القضيّة آية من لين عريكة النبيّ الأعظم حيث لم يظهر منه أيّ شدّة في مقابل هذه التهمة البذيئة، من منافقٍ رديء، يدّعي الإيمان بالنبيّ وينسبه إلى

__________________

(1) القطيفة هي القطعة من القماش المخمل، يتدثّر بها.

(2) سورة آل عمران: الآية 161.

(3) كنز الدقائق / ج 3 / ص 254.

١٥٩

السرقة، فيفتضح هو بعد ذلك.

والنبيّ صلى الله عليه وآله هو الأمين المؤتمن حتّى عند الكفّار والمشركين.

وهو ذو الحقّ في أخذ القطيفة وغير القطيفة.

وهو نبيٌّ معصوم، وأعظم شخصيّة، وقائد المسلمين، وصاحب القدرة التامّة، ومع ذلك لم يستعمل أيّ قوّة، وأبدى كلّ لين.

ومن العريكة لين الكلام الذي تراه ممدوحاً في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف، ومن ذلك:

قوله تعالى: ( اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ) (1) .

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: ـ

(عوّد لسانك لينَ الكلام) (2) .

ومن وصيّته لابنه الإمام الحسن عليهما السلام: ـ

(ولِنْ لمن غالَظَك فإنَه يوشك أن يلين لك) (3) .

ومن المحسوس وجداناً حسن تأثير لين العريكة، وطيب الكلام في النتيجة الحسنة، والأثر الأكمل كما تلاحظه عمليّاً في التكلّم باللّين مع إسحاق الكندي صاحب الرأي الباطل، ودعوى التناقض في القرآن، حيث أثّر فيه الكلام اللّيّن ببركة الإمام العسكري عليه السلام.

ففي حديث المناقب: ـ

(إنّ إسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه أخذ في تأليف تناقض

__________________

(1) سورة طه: الآيتان 43 و 44.

(2) غرر الحكم / ص 334.

(3) بحار الأنوار / ج 74 / ص 168.

١٦٠