أدب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)
أدب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)
إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية
من البين أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) ينفرد بغيبته المعروفة أي بعدم
حضوره، مما يترتب على ذلك عدم صدوره عن نتاج تفرضه المقابلة، أو الاجتماع،
أو متطلبات التحرك العبادي والسياسي، خلا ما هو ضروري من الأحكام، أو
التوصيات الخاصة، أو العامة التي تتمّ من خلال سفرائه الأربعة، فيما توشحها
لغة العلم... لذلك، لا نتوقع الظفر بنصوص عامة بذلك النحو الذي يؤثر عن
سائر المعصومين (عليهم السلام)... لكن نجد أنّ هناك نصوصاً تنتسب إلى فني
(الزيارة) و(الدعاء) فيما قلنا إنّ هذين الشكلين الأدبيين يختصان بالشخصيات
المشرعة فحسب، حيث يذكر المؤرخون جملة من الأدعية أو الزيارات التي تنسب
إلى الإمام المهدي (عليه السلام)...
من ذلك: ما ينقله المؤرخون من (دعاء) يرتبط بتمجيد المعصومين (عليهم
السلام)، بضمنه التمجيد المرتبط بشخصية الإمام (عليه السلام) ذاته... وقد
استهلّ هذا الدعاء بتمجيد شخصية النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا النحو:
(اللّهمّ، صلّ على محمد سيد المرسلين، وخاتم
النبيين، وحجة رب العالمين: المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر
من كُلّ آفة، البريء من كُلّ عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض
إليه دين الله، اللّهمّ شرّف بنيانه، وعظّم برهانه، وأفلج حجته، وارفع
درجته، وأضيء نوره، وبيّض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة،
والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً، يغبطه به الأولون والآخرون...)...
فالملاحظ في هذا القسم من النصّ التشريعي، أنّ صياغته تتمّ وفق سياقات
خاصة، طالما اشرنا إليها عند حديثنا عن (أدب التشريع الإسلامي)... من أنّ
المشرّع الإسلامي لا يعنى بالصياغة إلاّ بقدر ما تستهدفه من تقرير الحقائق
العبادية، وهي حقائق تتمّ صياغتها حيناً بلغة الفنّ، وحيناً بلغة العلم،
وحيناً بالتأرجح بين لغة العلم والفنّ، حتى أنّ الشكل التعبيري الواحد (مثل
الدعاء أو الزيارة أو الحديث) يأخذ صياغات متفاوتة،... فبعض الأدعية مثلاً
تشحن بعناصر إيقاعية وصورية مكثفة، وبعضها بنسبة أقلّ، وبعضها لا اثر
للإيقاع وللصورة فيه... والمهمّ، أنّ النصّ المتقدّم ينتسب إلى صياغة تغلب
عليها لغة العلم، موشحة بشيء من لغة الفنّ حيث يرد (الإيقاع) عابراً في
بعض عباراتها، كما ترد (الصورة) عابرة أيضاً، مع ملاحظة أنّ أدوات (العنصر
اللفظي) من تقابل وتكرار وتتابع للعبارات، تسيطر على لغة النصّ المشار
إليه،... فضلاًعن خضوعه لنسق بنائي خاص، يعدّ أهمّ عناصر الفنّ، كما أنّه
العنصر الذي يعنى به المشرع الإسلامي، نظراً لأنّ (الفكر) الذي يستهدف
المعصوم (عليه السلام) توصيله، لابدّ أن يخضع لعمارة خاصة من العرض، حتى
يحقق فاعليته المطلوبة...
وحين نعود إلى النصّ المتقدم، نجد - كما أشرنا- أنّه يخضع أوّلاً لبناء
هندسي خاص هو: استهلاله بالصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله) وبتمجيده في
عبارات متنوعة يختص بها (صلى الله عليه وآله) دون سواه من المعصومين (عليهم
السلام)، ثُمّ يصوغ صلوات ذات صياغة مشتركة لكلّ معصوم على هذا النحو:
(إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة ربّ العالمين): عدا شخصية الإمام علي
(عليه السلام) حيث يخصه بعبارة (أمير) بدلاً من (إمام) وبعبارة (قائد الغرّ
المحجلين) و(سيد الوصيين)،... وعدا شخصية الإمام المهدي (عليه السلام) حيث
يوظف ما تبقى من الدعاء لتمجيد شخصيته (عليه السلام) بنحو يتناسب مع طبيعة
العلاقة الاجتماعية والعبادية بين الناس وبين شخصية العصر، بحيث تواجهنا
عبارات من نحو:
(اللّهمّ وصلّ على وليك المحيي سنتك... اللّهمّ
نوّر بنوره كُلّ ظلمة، وهدّ بركنه كُلّ بدعة، واهدم بعزّه كُلّ ضلالة،
واقصم به كُلّ جبار، وأخمد بسيفه كُلّ نار، واهلك بعدله جور كُلّ جائر،
وأجر حكمه على كُلّ حكم، وأذلّ بسلطانه كُلّ سلطان، اللّهمّ أذلّ كُلّ من
ناواه، واهلك كُلّ من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقه، واستهان
بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره...).
طبيعياً، إنّ فقرة (اللّهمّ) تتكرر في مقاطع متنوعة، مشيرة بذلك - من حيث
عمارة النصّ- إلى تنوع الموضوعات ذاتها، وانتقال النصّ من موضوع إلى آخر:
لكن من خلال ربطها بالبناء الفكري العام للدعاء... ولذلك ختم هذا النصّ
بفقرات تتجانس مع البداية، بحيث جاءت النهاية والبداية مرتبطتين عضوياً،
حيث كانت البداية (تفصل) الصلاة على كُلّ معصوم، وجاءت النهاية (تجمل) ذلك،
على هذا النحو:
(اللّهمّ صلّ على محمد المصطفى، وعليّ المرتضى،
وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى، وجميع الأوصياء مصابيح
الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقي، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط
المستقيم...) الخ.
والآن: إذا غادرنا عنصر (البناء الفني) للنصّ، واتجهنا إلى أدواته اللفظية
والإيقاعية والصورية، نجد - كما أشرنا- أنّ هذه الأدوات توضح النصّ وفق نسب
متفاوتة تظلّ صياغتها متناسبة مع طبيعة الدعاء الذي أنشئ أساساً للتلاوة في
أوقات مخصوصة يتلوها العامي والمتوسط والعالم... لذلك جاءت عباراتها
متأرجحة بين اللغة المصورة واللغة المقررة، حيث أنّ عبارات من نحو (وهي في
تمجيد النبي (صلى الله عليه وآله): (المنتجب في الميثاق)، (المصطفى في
الظلال) تعدّ عبارات ذات بعد (صوري) ملحوظ.. كما أنّ عبارات من نحو:
(المرتجى للشفاعة)، (المؤمل للنجاة) تعدّ عبارات علمية غير مصورة... كذلك
نجد أنّ عبارات - وهي في تمجيد شخصية العصر ذاتها- من نحو:
(اللّهمّ أذلّ كُلّ من ناواه)،
(واهلك كُلّ من عاداه) تعدّ غير
مصوّرة،... ولكن عبارات من نحو (اللّهمّ نوّر
بنوره كُلّ ظلمة)، (وهدّ بركنه كُلّ
بدعة) تعدّ صورية كما هو واضح،... هذا يعني أنّ صياغة النصّ
روعي فيها التوجه إلى مطلق الأشخاص الذين يتطلعون إلى شخصية العصر (عليه
السلام)، بغضّ النظر عن مستوياتهم الثقافية، بحيث يمكن للعادي من الناس أن
يدرك دلالة (المرتجى للشفاعة) أو (المؤمل للنجاة)، وبحيث يمكن لغير العادي
أن يفقه دلالة العبارة التي تقول بأنّه (صلى الله عليه وآله) (المصطفى في
الظلال) مثلاً... والمهمّ - بعد ذلك كله - أنّ عنصر الصورة، أو الإيقاع
يظلّ منتثراً في هذه العبارة أو تلك، موظفاً لإنارة بعض الدلالات التي
يتطلب توضيحها مثل هذه الصور، أو لإثارة الحسّ الجمالي لدى القارئ فيما
تتطلب العنصر الإيقاعي... لذلك نواجه صوراً من نحو:
(شرف بنيانه)، (أضيء نوره)، (بيض وجهه)، (نور بنوره
كُلّ ظلمة)، (هد بركنه كُلّ بدعة)، (أهدم بعزه كُلّ ضلالة)، (أقصم به كُلّ
جبار)، (أخمد بسيفه كُلّ نار)، (اهلك بعدله جور كُلّ جائر)، (استأصل من جحد
حقه)، (سعى في إطفاء نوره)، (أراد إخماد ذكره)، الخ... كما نواجه عبارات
مقفاة من نحو: (شرف بنيانه، وعظم برهانه)، (أفلج حجته، وارفع درجته)، (أعطه
الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة)، (أقصم به كُلّ جبار، واخمد بسفيه كُلّ
نار)، (أذل كُلّ من ناواه، واهلك كُلّ من عاداه)...الخ.
لا شكّ أنّ أمثلة هذه العبارات المقفاة تزيد من جمالية النصّ وتهبه عنصراً
يساهم في إمتاع القارئ وإرواء حسه الجمالي،... كما أنّ الصور المتنوعة التي
لحظناها وهي جميعاً استعارات، تهبه جمالية أيضاً، فضلاً عن كونها تساهم في
تعميق الدلالة... والاهمّ من ذلك أنّ هذه الصور تتميز بكونها (استعارات).
(تمثيلات) فحسب دون أن تتنوع أشكالها من تشبيه، استدلال، فرضية... الخ، حيث
يصبح مثل هذه الحصر للصور في التركيبة الاستعارية والتمثيلية شيئاً له
دلالته الفنية، من حيث خضوع النصّ لـ (وحدة الصورة)، وهي وحدة تتجانس مع
(وحدة الموضوع) أيضاً، لأنّ الموضوع هو: تمجيد أهل البيت (عليهم السلام)،
وحينئذ عندما (تتوحد الصور) إنّما تتجانس بذلك مع (وحدة الموضوع) وهو أمر
له أهميته الفنية الكبيرة من حيث البناء الهندسي للنصّ، علماً بأنّ الصور
التمثيلية تفرضها طبيعة التعريف بشخصية المعصوم (عليه السلام)، والصور
الاستعارية تفرضها طبيعة اكتساب الظواهر: تبادل السمات فيما بينها لغرض
توضيحها بشكل أكثر جلاء... ليس هذا فحسب. بل أنّ الصور تمضي بنحوها المألوف
جداً لا ضبابية فيها ولا تعقيد،... أنها واضحة كُلّ الوضوح، يحياها القارئ
في تجاربه اليومية،... لكنها تنطوي على دلالات عميقة العمق... فقوله - على
سبيل المثال-: (واخمد بسيفه كُلّ نار)
تبدو (الصورة) فيها واضحة، بسيطة... لكنها تلتقط أدقّ الظواهر من السلوك
الاجتماعي الذي يحياه الناس، حيث أنّ شيوع الفتن تشبه تماماً ظاهرة (النار)
التي تأتي على الأشياء جميعاً... كذلك فإنّ الفتن تأتي على جميع المواقف أو
الأفكار الأصيلة... وهكذا سائر الصور من نحو: (مصابيح الدجى، وأعلام الهدى،
ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم)... فهذه
الصور (التمثيلية) تبدو واضحة، جلية،... إلاّ أنّها ذات عمق وشمولية متنوعة
في دلالاتها، فالمصباح، والعلم، والمنار، والعروة، والحبل، والصراط يحمل
كُلّ منها دلالة متميزة على الأخرى، كما أنّ كلاً منها يصبّ في معطى عبادي
له سمته الخاصة به... فالمصباح ينير فكرياً، والعلم يشير إلى الانتماء
فكرياً ومصيرياً، والحبل يشير إلى تأمين الموقف أخروياً، وهكذا...
أدب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)
إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية
من البين أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) ينفرد بغيبته المعروفة أي بعدم
حضوره، مما يترتب على ذلك عدم صدوره عن نتاج تفرضه المقابلة، أو الاجتماع،
أو متطلبات التحرك العبادي والسياسي، خلا ما هو ضروري من الأحكام، أو
التوصيات الخاصة، أو العامة التي تتمّ من خلال سفرائه الأربعة، فيما توشحها
لغة العلم... لذلك، لا نتوقع الظفر بنصوص عامة بذلك النحو الذي يؤثر عن
سائر المعصومين (عليهم السلام)... لكن نجد أنّ هناك نصوصاً تنتسب إلى فني
(الزيارة) و(الدعاء) فيما قلنا إنّ هذين الشكلين الأدبيين يختصان بالشخصيات
المشرعة فحسب، حيث يذكر المؤرخون جملة من الأدعية أو الزيارات التي تنسب
إلى الإمام المهدي (عليه السلام)...
من ذلك: ما ينقله المؤرخون من (دعاء) يرتبط بتمجيد المعصومين (عليهم
السلام)، بضمنه التمجيد المرتبط بشخصية الإمام (عليه السلام) ذاته... وقد
استهلّ هذا الدعاء بتمجيد شخصية النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا النحو:
(اللّهمّ، صلّ على محمد سيد المرسلين، وخاتم
النبيين، وحجة رب العالمين: المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر
من كُلّ آفة، البريء من كُلّ عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض
إليه دين الله، اللّهمّ شرّف بنيانه، وعظّم برهانه، وأفلج حجته، وارفع
درجته، وأضيء نوره، وبيّض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة،
والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً، يغبطه به الأولون والآخرون...)...
فالملاحظ في هذا القسم من النصّ التشريعي، أنّ صياغته تتمّ وفق سياقات
خاصة، طالما اشرنا إليها عند حديثنا عن (أدب التشريع الإسلامي)... من أنّ
المشرّع الإسلامي لا يعنى بالصياغة إلاّ بقدر ما تستهدفه من تقرير الحقائق
العبادية، وهي حقائق تتمّ صياغتها حيناً بلغة الفنّ، وحيناً بلغة العلم،
وحيناً بالتأرجح بين لغة العلم والفنّ، حتى أنّ الشكل التعبيري الواحد (مثل
الدعاء أو الزيارة أو الحديث) يأخذ صياغات متفاوتة،... فبعض الأدعية مثلاً
تشحن بعناصر إيقاعية وصورية مكثفة، وبعضها بنسبة أقلّ، وبعضها لا اثر
للإيقاع وللصورة فيه... والمهمّ، أنّ النصّ المتقدّم ينتسب إلى صياغة تغلب
عليها لغة العلم، موشحة بشيء من لغة الفنّ حيث يرد (الإيقاع) عابراً في
بعض عباراتها، كما ترد (الصورة) عابرة أيضاً، مع ملاحظة أنّ أدوات (العنصر
اللفظي) من تقابل وتكرار وتتابع للعبارات، تسيطر على لغة النصّ المشار
إليه،... فضلاًعن خضوعه لنسق بنائي خاص، يعدّ أهمّ عناصر الفنّ، كما أنّه
العنصر الذي يعنى به المشرع الإسلامي، نظراً لأنّ (الفكر) الذي يستهدف
المعصوم (عليه السلام) توصيله، لابدّ أن يخضع لعمارة خاصة من العرض، حتى
يحقق فاعليته المطلوبة...
وحين نعود إلى النصّ المتقدم، نجد - كما أشرنا- أنّه يخضع أوّلاً لبناء
هندسي خاص هو: استهلاله بالصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله) وبتمجيده في
عبارات متنوعة يختص بها (صلى الله عليه وآله) دون سواه من المعصومين (عليهم
السلام)، ثُمّ يصوغ صلوات ذات صياغة مشتركة لكلّ معصوم على هذا النحو:
(إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة ربّ العالمين): عدا شخصية الإمام علي
(عليه السلام) حيث يخصه بعبارة (أمير) بدلاً من (إمام) وبعبارة (قائد الغرّ
المحجلين) و(سيد الوصيين)،... وعدا شخصية الإمام المهدي (عليه السلام) حيث
يوظف ما تبقى من الدعاء لتمجيد شخصيته (عليه السلام) بنحو يتناسب مع طبيعة
العلاقة الاجتماعية والعبادية بين الناس وبين شخصية العصر، بحيث تواجهنا
عبارات من نحو:
(اللّهمّ وصلّ على وليك المحيي سنتك... اللّهمّ
نوّر بنوره كُلّ ظلمة، وهدّ بركنه كُلّ بدعة، واهدم بعزّه كُلّ ضلالة،
واقصم به كُلّ جبار، وأخمد بسيفه كُلّ نار، واهلك بعدله جور كُلّ جائر،
وأجر حكمه على كُلّ حكم، وأذلّ بسلطانه كُلّ سلطان، اللّهمّ أذلّ كُلّ من
ناواه، واهلك كُلّ من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقه، واستهان
بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره...).
طبيعياً، إنّ فقرة (اللّهمّ) تتكرر في مقاطع متنوعة، مشيرة بذلك - من حيث
عمارة النصّ- إلى تنوع الموضوعات ذاتها، وانتقال النصّ من موضوع إلى آخر:
لكن من خلال ربطها بالبناء الفكري العام للدعاء... ولذلك ختم هذا النصّ
بفقرات تتجانس مع البداية، بحيث جاءت النهاية والبداية مرتبطتين عضوياً،
حيث كانت البداية (تفصل) الصلاة على كُلّ معصوم، وجاءت النهاية (تجمل) ذلك،
على هذا النحو:
(اللّهمّ صلّ على محمد المصطفى، وعليّ المرتضى،
وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى، وجميع الأوصياء مصابيح
الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقي، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط
المستقيم...) الخ.
والآن: إذا غادرنا عنصر (البناء الفني) للنصّ، واتجهنا إلى أدواته اللفظية
والإيقاعية والصورية، نجد - كما أشرنا- أنّ هذه الأدوات توضح النصّ وفق نسب
متفاوتة تظلّ صياغتها متناسبة مع طبيعة الدعاء الذي أنشئ أساساً للتلاوة في
أوقات مخصوصة يتلوها العامي والمتوسط والعالم... لذلك جاءت عباراتها
متأرجحة بين اللغة المصورة واللغة المقررة، حيث أنّ عبارات من نحو (وهي في
تمجيد النبي (صلى الله عليه وآله): (المنتجب في الميثاق)، (المصطفى في
الظلال) تعدّ عبارات ذات بعد (صوري) ملحوظ.. كما أنّ عبارات من نحو:
(المرتجى للشفاعة)، (المؤمل للنجاة) تعدّ عبارات علمية غير مصورة... كذلك
نجد أنّ عبارات - وهي في تمجيد شخصية العصر ذاتها- من نحو:
(اللّهمّ أذلّ كُلّ من ناواه)،
(واهلك كُلّ من عاداه) تعدّ غير
مصوّرة،... ولكن عبارات من نحو (اللّهمّ نوّر
بنوره كُلّ ظلمة)، (وهدّ بركنه كُلّ
بدعة) تعدّ صورية كما هو واضح،... هذا يعني أنّ صياغة النصّ
روعي فيها التوجه إلى مطلق الأشخاص الذين يتطلعون إلى شخصية العصر (عليه
السلام)، بغضّ النظر عن مستوياتهم الثقافية، بحيث يمكن للعادي من الناس أن
يدرك دلالة (المرتجى للشفاعة) أو (المؤمل للنجاة)، وبحيث يمكن لغير العادي
أن يفقه دلالة العبارة التي تقول بأنّه (صلى الله عليه وآله) (المصطفى في
الظلال) مثلاً... والمهمّ - بعد ذلك كله - أنّ عنصر الصورة، أو الإيقاع
يظلّ منتثراً في هذه العبارة أو تلك، موظفاً لإنارة بعض الدلالات التي
يتطلب توضيحها مثل هذه الصور، أو لإثارة الحسّ الجمالي لدى القارئ فيما
تتطلب العنصر الإيقاعي... لذلك نواجه صوراً من نحو:
(شرف بنيانه)، (أضيء نوره)، (بيض وجهه)، (نور بنوره
كُلّ ظلمة)، (هد بركنه كُلّ بدعة)، (أهدم بعزه كُلّ ضلالة)، (أقصم به كُلّ
جبار)، (أخمد بسيفه كُلّ نار)، (اهلك بعدله جور كُلّ جائر)، (استأصل من جحد
حقه)، (سعى في إطفاء نوره)، (أراد إخماد ذكره)، الخ... كما نواجه عبارات
مقفاة من نحو: (شرف بنيانه، وعظم برهانه)، (أفلج حجته، وارفع درجته)، (أعطه
الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة)، (أقصم به كُلّ جبار، واخمد بسفيه كُلّ
نار)، (أذل كُلّ من ناواه، واهلك كُلّ من عاداه)...الخ.
لا شكّ أنّ أمثلة هذه العبارات المقفاة تزيد من جمالية النصّ وتهبه عنصراً
يساهم في إمتاع القارئ وإرواء حسه الجمالي،... كما أنّ الصور المتنوعة التي
لحظناها وهي جميعاً استعارات، تهبه جمالية أيضاً، فضلاً عن كونها تساهم في
تعميق الدلالة... والاهمّ من ذلك أنّ هذه الصور تتميز بكونها (استعارات).
(تمثيلات) فحسب دون أن تتنوع أشكالها من تشبيه، استدلال، فرضية... الخ، حيث
يصبح مثل هذه الحصر للصور في التركيبة الاستعارية والتمثيلية شيئاً له
دلالته الفنية، من حيث خضوع النصّ لـ (وحدة الصورة)، وهي وحدة تتجانس مع
(وحدة الموضوع) أيضاً، لأنّ الموضوع هو: تمجيد أهل البيت (عليهم السلام)،
وحينئذ عندما (تتوحد الصور) إنّما تتجانس بذلك مع (وحدة الموضوع) وهو أمر
له أهميته الفنية الكبيرة من حيث البناء الهندسي للنصّ، علماً بأنّ الصور
التمثيلية تفرضها طبيعة التعريف بشخصية المعصوم (عليه السلام)، والصور
الاستعارية تفرضها طبيعة اكتساب الظواهر: تبادل السمات فيما بينها لغرض
توضيحها بشكل أكثر جلاء... ليس هذا فحسب. بل أنّ الصور تمضي بنحوها المألوف
جداً لا ضبابية فيها ولا تعقيد،... أنها واضحة كُلّ الوضوح، يحياها القارئ
في تجاربه اليومية،... لكنها تنطوي على دلالات عميقة العمق... فقوله - على
سبيل المثال-: (واخمد بسيفه كُلّ نار)
تبدو (الصورة) فيها واضحة، بسيطة... لكنها تلتقط أدقّ الظواهر من السلوك
الاجتماعي الذي يحياه الناس، حيث أنّ شيوع الفتن تشبه تماماً ظاهرة (النار)
التي تأتي على الأشياء جميعاً... كذلك فإنّ الفتن تأتي على جميع المواقف أو
الأفكار الأصيلة... وهكذا سائر الصور من نحو: (مصابيح الدجى، وأعلام الهدى،
ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم)... فهذه
الصور (التمثيلية) تبدو واضحة، جلية،... إلاّ أنّها ذات عمق وشمولية متنوعة
في دلالاتها، فالمصباح، والعلم، والمنار، والعروة، والحبل، والصراط يحمل
كُلّ منها دلالة متميزة على الأخرى، كما أنّ كلاً منها يصبّ في معطى عبادي
له سمته الخاصة به... فالمصباح ينير فكرياً، والعلم يشير إلى الانتماء
فكرياً ومصيرياً، والحبل يشير إلى تأمين الموقف أخروياً، وهكذا...
أدب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)
إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية
من البين أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) ينفرد بغيبته المعروفة أي بعدم
حضوره، مما يترتب على ذلك عدم صدوره عن نتاج تفرضه المقابلة، أو الاجتماع،
أو متطلبات التحرك العبادي والسياسي، خلا ما هو ضروري من الأحكام، أو
التوصيات الخاصة، أو العامة التي تتمّ من خلال سفرائه الأربعة، فيما توشحها
لغة العلم... لذلك، لا نتوقع الظفر بنصوص عامة بذلك النحو الذي يؤثر عن
سائر المعصومين (عليهم السلام)... لكن نجد أنّ هناك نصوصاً تنتسب إلى فني
(الزيارة) و(الدعاء) فيما قلنا إنّ هذين الشكلين الأدبيين يختصان بالشخصيات
المشرعة فحسب، حيث يذكر المؤرخون جملة من الأدعية أو الزيارات التي تنسب
إلى الإمام المهدي (عليه السلام)...
من ذلك: ما ينقله المؤرخون من (دعاء) يرتبط بتمجيد المعصومين (عليهم
السلام)، بضمنه التمجيد المرتبط بشخصية الإمام (عليه السلام) ذاته... وقد
استهلّ هذا الدعاء بتمجيد شخصية النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا النحو:
(اللّهمّ، صلّ على محمد سيد المرسلين، وخاتم
النبيين، وحجة رب العالمين: المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر
من كُلّ آفة، البريء من كُلّ عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض
إليه دين الله، اللّهمّ شرّف بنيانه، وعظّم برهانه، وأفلج حجته، وارفع
درجته، وأضيء نوره، وبيّض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة،
والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً، يغبطه به الأولون والآخرون...)...
فالملاحظ في هذا القسم من النصّ التشريعي، أنّ صياغته تتمّ وفق سياقات
خاصة، طالما اشرنا إليها عند حديثنا عن (أدب التشريع الإسلامي)... من أنّ
المشرّع الإسلامي لا يعنى بالصياغة إلاّ بقدر ما تستهدفه من تقرير الحقائق
العبادية، وهي حقائق تتمّ صياغتها حيناً بلغة الفنّ، وحيناً بلغة العلم،
وحيناً بالتأرجح بين لغة العلم والفنّ، حتى أنّ الشكل التعبيري الواحد (مثل
الدعاء أو الزيارة أو الحديث) يأخذ صياغات متفاوتة،... فبعض الأدعية مثلاً
تشحن بعناصر إيقاعية وصورية مكثفة، وبعضها بنسبة أقلّ، وبعضها لا اثر
للإيقاع وللصورة فيه... والمهمّ، أنّ النصّ المتقدّم ينتسب إلى صياغة تغلب
عليها لغة العلم، موشحة بشيء من لغة الفنّ حيث يرد (الإيقاع) عابراً في
بعض عباراتها، كما ترد (الصورة) عابرة أيضاً، مع ملاحظة أنّ أدوات (العنصر
اللفظي) من تقابل وتكرار وتتابع للعبارات، تسيطر على لغة النصّ المشار
إليه،... فضلاًعن خضوعه لنسق بنائي خاص، يعدّ أهمّ عناصر الفنّ، كما أنّه
العنصر الذي يعنى به المشرع الإسلامي، نظراً لأنّ (الفكر) الذي يستهدف
المعصوم (عليه السلام) توصيله، لابدّ أن يخضع لعمارة خاصة من العرض، حتى
يحقق فاعليته المطلوبة...
وحين نعود إلى النصّ المتقدم، نجد - كما أشرنا- أنّه يخضع أوّلاً لبناء
هندسي خاص هو: استهلاله بالصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله) وبتمجيده في
عبارات متنوعة يختص بها (صلى الله عليه وآله) دون سواه من المعصومين (عليهم
السلام)، ثُمّ يصوغ صلوات ذات صياغة مشتركة لكلّ معصوم على هذا النحو:
(إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة ربّ العالمين): عدا شخصية الإمام علي
(عليه السلام) حيث يخصه بعبارة (أمير) بدلاً من (إمام) وبعبارة (قائد الغرّ
المحجلين) و(سيد الوصيين)،... وعدا شخصية الإمام المهدي (عليه السلام) حيث
يوظف ما تبقى من الدعاء لتمجيد شخصيته (عليه السلام) بنحو يتناسب مع طبيعة
العلاقة الاجتماعية والعبادية بين الناس وبين شخصية العصر، بحيث تواجهنا
عبارات من نحو:
(اللّهمّ وصلّ على وليك المحيي سنتك... اللّهمّ
نوّر بنوره كُلّ ظلمة، وهدّ بركنه كُلّ بدعة، واهدم بعزّه كُلّ ضلالة،
واقصم به كُلّ جبار، وأخمد بسيفه كُلّ نار، واهلك بعدله جور كُلّ جائر،
وأجر حكمه على كُلّ حكم، وأذلّ بسلطانه كُلّ سلطان، اللّهمّ أذلّ كُلّ من
ناواه، واهلك كُلّ من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقه، واستهان
بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره...).
طبيعياً، إنّ فقرة (اللّهمّ) تتكرر في مقاطع متنوعة، مشيرة بذلك - من حيث
عمارة النصّ- إلى تنوع الموضوعات ذاتها، وانتقال النصّ من موضوع إلى آخر:
لكن من خلال ربطها بالبناء الفكري العام للدعاء... ولذلك ختم هذا النصّ
بفقرات تتجانس مع البداية، بحيث جاءت النهاية والبداية مرتبطتين عضوياً،
حيث كانت البداية (تفصل) الصلاة على كُلّ معصوم، وجاءت النهاية (تجمل) ذلك،
على هذا النحو:
(اللّهمّ صلّ على محمد المصطفى، وعليّ المرتضى،
وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى، وجميع الأوصياء مصابيح
الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقي، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط
المستقيم...) الخ.
والآن: إذا غادرنا عنصر (البناء الفني) للنصّ، واتجهنا إلى أدواته اللفظية
والإيقاعية والصورية، نجد - كما أشرنا- أنّ هذه الأدوات توضح النصّ وفق نسب
متفاوتة تظلّ صياغتها متناسبة مع طبيعة الدعاء الذي أنشئ أساساً للتلاوة في
أوقات مخصوصة يتلوها العامي والمتوسط والعالم... لذلك جاءت عباراتها
متأرجحة بين اللغة المصورة واللغة المقررة، حيث أنّ عبارات من نحو (وهي في
تمجيد النبي (صلى الله عليه وآله): (المنتجب في الميثاق)، (المصطفى في
الظلال) تعدّ عبارات ذات بعد (صوري) ملحوظ.. كما أنّ عبارات من نحو:
(المرتجى للشفاعة)، (المؤمل للنجاة) تعدّ عبارات علمية غير مصورة... كذلك
نجد أنّ عبارات - وهي في تمجيد شخصية العصر ذاتها- من نحو:
(اللّهمّ أذلّ كُلّ من ناواه)،
(واهلك كُلّ من عاداه) تعدّ غير
مصوّرة،... ولكن عبارات من نحو (اللّهمّ نوّر
بنوره كُلّ ظلمة)، (وهدّ بركنه كُلّ
بدعة) تعدّ صورية كما هو واضح،... هذا يعني أنّ صياغة النصّ
روعي فيها التوجه إلى مطلق الأشخاص الذين يتطلعون إلى شخصية العصر (عليه
السلام)، بغضّ النظر عن مستوياتهم الثقافية، بحيث يمكن للعادي من الناس أن
يدرك دلالة (المرتجى للشفاعة) أو (المؤمل للنجاة)، وبحيث يمكن لغير العادي
أن يفقه دلالة العبارة التي تقول بأنّه (صلى الله عليه وآله) (المصطفى في
الظلال) مثلاً... والمهمّ - بعد ذلك كله - أنّ عنصر الصورة، أو الإيقاع
يظلّ منتثراً في هذه العبارة أو تلك، موظفاً لإنارة بعض الدلالات التي
يتطلب توضيحها مثل هذه الصور، أو لإثارة الحسّ الجمالي لدى القارئ فيما
تتطلب العنصر الإيقاعي... لذلك نواجه صوراً من نحو:
(شرف بنيانه)، (أضيء نوره)، (بيض وجهه)، (نور بنوره
كُلّ ظلمة)، (هد بركنه كُلّ بدعة)، (أهدم بعزه كُلّ ضلالة)، (أقصم به كُلّ
جبار)، (أخمد بسيفه كُلّ نار)، (اهلك بعدله جور كُلّ جائر)، (استأصل من جحد
حقه)، (سعى في إطفاء نوره)، (أراد إخماد ذكره)، الخ... كما نواجه عبارات
مقفاة من نحو: (شرف بنيانه، وعظم برهانه)، (أفلج حجته، وارفع درجته)، (أعطه
الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة)، (أقصم به كُلّ جبار، واخمد بسفيه كُلّ
نار)، (أذل كُلّ من ناواه، واهلك كُلّ من عاداه)...الخ.
لا شكّ أنّ أمثلة هذه العبارات المقفاة تزيد من جمالية النصّ وتهبه عنصراً
يساهم في إمتاع القارئ وإرواء حسه الجمالي،... كما أنّ الصور المتنوعة التي
لحظناها وهي جميعاً استعارات، تهبه جمالية أيضاً، فضلاً عن كونها تساهم في
تعميق الدلالة... والاهمّ من ذلك أنّ هذه الصور تتميز بكونها (استعارات).
(تمثيلات) فحسب دون أن تتنوع أشكالها من تشبيه، استدلال، فرضية... الخ، حيث
يصبح مثل هذه الحصر للصور في التركيبة الاستعارية والتمثيلية شيئاً له
دلالته الفنية، من حيث خضوع النصّ لـ (وحدة الصورة)، وهي وحدة تتجانس مع
(وحدة الموضوع) أيضاً، لأنّ الموضوع هو: تمجيد أهل البيت (عليهم السلام)،
وحينئذ عندما (تتوحد الصور) إنّما تتجانس بذلك مع (وحدة الموضوع) وهو أمر
له أهميته الفنية الكبيرة من حيث البناء الهندسي للنصّ، علماً بأنّ الصور
التمثيلية تفرضها طبيعة التعريف بشخصية المعصوم (عليه السلام)، والصور
الاستعارية تفرضها طبيعة اكتساب الظواهر: تبادل السمات فيما بينها لغرض
توضيحها بشكل أكثر جلاء... ليس هذا فحسب. بل أنّ الصور تمضي بنحوها المألوف
جداً لا ضبابية فيها ولا تعقيد،... أنها واضحة كُلّ الوضوح، يحياها القارئ
في تجاربه اليومية،... لكنها تنطوي على دلالات عميقة العمق... فقوله - على
سبيل المثال-: (واخمد بسيفه كُلّ نار)
تبدو (الصورة) فيها واضحة، بسيطة... لكنها تلتقط أدقّ الظواهر من السلوك
الاجتماعي الذي يحياه الناس، حيث أنّ شيوع الفتن تشبه تماماً ظاهرة (النار)
التي تأتي على الأشياء جميعاً... كذلك فإنّ الفتن تأتي على جميع المواقف أو
الأفكار الأصيلة... وهكذا سائر الصور من نحو: (مصابيح الدجى، وأعلام الهدى،
ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم)... فهذه
الصور (التمثيلية) تبدو واضحة، جلية،... إلاّ أنّها ذات عمق وشمولية متنوعة
في دلالاتها، فالمصباح، والعلم، والمنار، والعروة، والحبل، والصراط يحمل
كُلّ منها دلالة متميزة على الأخرى، كما أنّ كلاً منها يصبّ في معطى عبادي
له سمته الخاصة به... فالمصباح ينير فكرياً، والعلم يشير إلى الانتماء
فكرياً ومصيرياً، والحبل يشير إلى تأمين الموقف أخروياً، وهكذا...
أدب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)
إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية
من البين أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) ينفرد بغيبته المعروفة أي بعدم
حضوره، مما يترتب على ذلك عدم صدوره عن نتاج تفرضه المقابلة، أو الاجتماع،
أو متطلبات التحرك العبادي والسياسي، خلا ما هو ضروري من الأحكام، أو
التوصيات الخاصة، أو العامة التي تتمّ من خلال سفرائه الأربعة، فيما توشحها
لغة العلم... لذلك، لا نتوقع الظفر بنصوص عامة بذلك النحو الذي يؤثر عن
سائر المعصومين (عليهم السلام)... لكن نجد أنّ هناك نصوصاً تنتسب إلى فني
(الزيارة) و(الدعاء) فيما قلنا إنّ هذين الشكلين الأدبيين يختصان بالشخصيات
المشرعة فحسب، حيث يذكر المؤرخون جملة من الأدعية أو الزيارات التي تنسب
إلى الإمام المهدي (عليه السلام)...
من ذلك: ما ينقله المؤرخون من (دعاء) يرتبط بتمجيد المعصومين (عليهم
السلام)، بضمنه التمجيد المرتبط بشخصية الإمام (عليه السلام) ذاته... وقد
استهلّ هذا الدعاء بتمجيد شخصية النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا النحو:
(اللّهمّ، صلّ على محمد سيد المرسلين، وخاتم
النبيين، وحجة رب العالمين: المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر
من كُلّ آفة، البريء من كُلّ عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض
إليه دين الله، اللّهمّ شرّف بنيانه، وعظّم برهانه، وأفلج حجته، وارفع
درجته، وأضيء نوره، وبيّض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة،
والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً، يغبطه به الأولون والآخرون...)...
فالملاحظ في هذا القسم من النصّ التشريعي، أنّ صياغته تتمّ وفق سياقات
خاصة، طالما اشرنا إليها عند حديثنا عن (أدب التشريع الإسلامي)... من أنّ
المشرّع الإسلامي لا يعنى بالصياغة إلاّ بقدر ما تستهدفه من تقرير الحقائق
العبادية، وهي حقائق تتمّ صياغتها حيناً بلغة الفنّ، وحيناً بلغة العلم،
وحيناً بالتأرجح بين لغة العلم والفنّ، حتى أنّ الشكل التعبيري الواحد (مثل
الدعاء أو الزيارة أو الحديث) يأخذ صياغات متفاوتة،... فبعض الأدعية مثلاً
تشحن بعناصر إيقاعية وصورية مكثفة، وبعضها بنسبة أقلّ، وبعضها لا اثر
للإيقاع وللصورة فيه... والمهمّ، أنّ النصّ المتقدّم ينتسب إلى صياغة تغلب
عليها لغة العلم، موشحة بشيء من لغة الفنّ حيث يرد (الإيقاع) عابراً في
بعض عباراتها، كما ترد (الصورة) عابرة أيضاً، مع ملاحظة أنّ أدوات (العنصر
اللفظي) من تقابل وتكرار وتتابع للعبارات، تسيطر على لغة النصّ المشار
إليه،... فضلاًعن خضوعه لنسق بنائي خاص، يعدّ أهمّ عناصر الفنّ، كما أنّه
العنصر الذي يعنى به المشرع الإسلامي، نظراً لأنّ (الفكر) الذي يستهدف
المعصوم (عليه السلام) توصيله، لابدّ أن يخضع لعمارة خاصة من العرض، حتى
يحقق فاعليته المطلوبة...
وحين نعود إلى النصّ المتقدم، نجد - كما أشرنا- أنّه يخضع أوّلاً لبناء
هندسي خاص هو: استهلاله بالصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله) وبتمجيده في
عبارات متنوعة يختص بها (صلى الله عليه وآله) دون سواه من المعصومين (عليهم
السلام)، ثُمّ يصوغ صلوات ذات صياغة مشتركة لكلّ معصوم على هذا النحو:
(إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة ربّ العالمين): عدا شخصية الإمام علي
(عليه السلام) حيث يخصه بعبارة (أمير) بدلاً من (إمام) وبعبارة (قائد الغرّ
المحجلين) و(سيد الوصيين)،... وعدا شخصية الإمام المهدي (عليه السلام) حيث
يوظف ما تبقى من الدعاء لتمجيد شخصيته (عليه السلام) بنحو يتناسب مع طبيعة
العلاقة الاجتماعية والعبادية بين الناس وبين شخصية العصر، بحيث تواجهنا
عبارات من نحو:
(اللّهمّ وصلّ على وليك المحيي سنتك... اللّهمّ
نوّر بنوره كُلّ ظلمة، وهدّ بركنه كُلّ بدعة، واهدم بعزّه كُلّ ضلالة،
واقصم به كُلّ جبار، وأخمد بسيفه كُلّ نار، واهلك بعدله جور كُلّ جائر،
وأجر حكمه على كُلّ حكم، وأذلّ بسلطانه كُلّ سلطان، اللّهمّ أذلّ كُلّ من
ناواه، واهلك كُلّ من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقه، واستهان
بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره...).
طبيعياً، إنّ فقرة (اللّهمّ) تتكرر في مقاطع متنوعة، مشيرة بذلك - من حيث
عمارة النصّ- إلى تنوع الموضوعات ذاتها، وانتقال النصّ من موضوع إلى آخر:
لكن من خلال ربطها بالبناء الفكري العام للدعاء... ولذلك ختم هذا النصّ
بفقرات تتجانس مع البداية، بحيث جاءت النهاية والبداية مرتبطتين عضوياً،
حيث كانت البداية (تفصل) الصلاة على كُلّ معصوم، وجاءت النهاية (تجمل) ذلك،
على هذا النحو:
(اللّهمّ صلّ على محمد المصطفى، وعليّ المرتضى،
وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى، وجميع الأوصياء مصابيح
الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقي، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط
المستقيم...) الخ.
والآن: إذا غادرنا عنصر (البناء الفني) للنصّ، واتجهنا إلى أدواته اللفظية
والإيقاعية والصورية، نجد - كما أشرنا- أنّ هذه الأدوات توضح النصّ وفق نسب
متفاوتة تظلّ صياغتها متناسبة مع طبيعة الدعاء الذي أنشئ أساساً للتلاوة في
أوقات مخصوصة يتلوها العامي والمتوسط والعالم... لذلك جاءت عباراتها
متأرجحة بين اللغة المصورة واللغة المقررة، حيث أنّ عبارات من نحو (وهي في
تمجيد النبي (صلى الله عليه وآله): (المنتجب في الميثاق)، (المصطفى في
الظلال) تعدّ عبارات ذات بعد (صوري) ملحوظ.. كما أنّ عبارات من نحو:
(المرتجى للشفاعة)، (المؤمل للنجاة) تعدّ عبارات علمية غير مصورة... كذلك
نجد أنّ عبارات - وهي في تمجيد شخصية العصر ذاتها- من نحو:
(اللّهمّ أذلّ كُلّ من ناواه)،
(واهلك كُلّ من عاداه) تعدّ غير
مصوّرة،... ولكن عبارات من نحو (اللّهمّ نوّر
بنوره كُلّ ظلمة)، (وهدّ بركنه كُلّ
بدعة) تعدّ صورية كما هو واضح،... هذا يعني أنّ صياغة النصّ
روعي فيها التوجه إلى مطلق الأشخاص الذين يتطلعون إلى شخصية العصر (عليه
السلام)، بغضّ النظر عن مستوياتهم الثقافية، بحيث يمكن للعادي من الناس أن
يدرك دلالة (المرتجى للشفاعة) أو (المؤمل للنجاة)، وبحيث يمكن لغير العادي
أن يفقه دلالة العبارة التي تقول بأنّه (صلى الله عليه وآله) (المصطفى في
الظلال) مثلاً... والمهمّ - بعد ذلك كله - أنّ عنصر الصورة، أو الإيقاع
يظلّ منتثراً في هذه العبارة أو تلك، موظفاً لإنارة بعض الدلالات التي
يتطلب توضيحها مثل هذه الصور، أو لإثارة الحسّ الجمالي لدى القارئ فيما
تتطلب العنصر الإيقاعي... لذلك نواجه صوراً من نحو:
(شرف بنيانه)، (أضيء نوره)، (بيض وجهه)، (نور بنوره
كُلّ ظلمة)، (هد بركنه كُلّ بدعة)، (أهدم بعزه كُلّ ضلالة)، (أقصم به كُلّ
جبار)، (أخمد بسيفه كُلّ نار)، (اهلك بعدله جور كُلّ جائر)، (استأصل من جحد
حقه)، (سعى في إطفاء نوره)، (أراد إخماد ذكره)، الخ... كما نواجه عبارات
مقفاة من نحو: (شرف بنيانه، وعظم برهانه)، (أفلج حجته، وارفع درجته)، (أعطه
الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة)، (أقصم به كُلّ جبار، واخمد بسفيه كُلّ
نار)، (أذل كُلّ من ناواه، واهلك كُلّ من عاداه)...الخ.
لا شكّ أنّ أمثلة هذه العبارات المقفاة تزيد من جمالية النصّ وتهبه عنصراً
يساهم في إمتاع القارئ وإرواء حسه الجمالي،... كما أنّ الصور المتنوعة التي
لحظناها وهي جميعاً استعارات، تهبه جمالية أيضاً، فضلاً عن كونها تساهم في
تعميق الدلالة... والاهمّ من ذلك أنّ هذه الصور تتميز بكونها (استعارات).
(تمثيلات) فحسب دون أن تتنوع أشكالها من تشبيه، استدلال، فرضية... الخ، حيث
يصبح مثل هذه الحصر للصور في التركيبة الاستعارية والتمثيلية شيئاً له
دلالته الفنية، من حيث خضوع النصّ لـ (وحدة الصورة)، وهي وحدة تتجانس مع
(وحدة الموضوع) أيضاً، لأنّ الموضوع هو: تمجيد أهل البيت (عليهم السلام)،
وحينئذ عندما (تتوحد الصور) إنّما تتجانس بذلك مع (وحدة الموضوع) وهو أمر
له أهميته الفنية الكبيرة من حيث البناء الهندسي للنصّ، علماً بأنّ الصور
التمثيلية تفرضها طبيعة التعريف بشخصية المعصوم (عليه السلام)، والصور
الاستعارية تفرضها طبيعة اكتساب الظواهر: تبادل السمات فيما بينها لغرض
توضيحها بشكل أكثر جلاء... ليس هذا فحسب. بل أنّ الصور تمضي بنحوها المألوف
جداً لا ضبابية فيها ولا تعقيد،... أنها واضحة كُلّ الوضوح، يحياها القارئ
في تجاربه اليومية،... لكنها تنطوي على دلالات عميقة العمق... فقوله - على
سبيل المثال-: (واخمد بسيفه كُلّ نار)
تبدو (الصورة) فيها واضحة، بسيطة... لكنها تلتقط أدقّ الظواهر من السلوك
الاجتماعي الذي يحياه الناس، حيث أنّ شيوع الفتن تشبه تماماً ظاهرة (النار)
التي تأتي على الأشياء جميعاً... كذلك فإنّ الفتن تأتي على جميع المواقف أو
الأفكار الأصيلة... وهكذا سائر الصور من نحو: (مصابيح الدجى، وأعلام الهدى،
ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم)... فهذه
الصور (التمثيلية) تبدو واضحة، جلية،... إلاّ أنّها ذات عمق وشمولية متنوعة
في دلالاتها، فالمصباح، والعلم، والمنار، والعروة، والحبل، والصراط يحمل
كُلّ منها دلالة متميزة على الأخرى، كما أنّ كلاً منها يصبّ في معطى عبادي
له سمته الخاصة به... فالمصباح ينير فكرياً، والعلم يشير إلى الانتماء
فكرياً ومصيرياً، والحبل يشير إلى تأمين الموقف أخروياً، وهكذا...
أدب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)
إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية
من البين أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) ينفرد بغيبته المعروفة أي بعدم
حضوره، مما يترتب على ذلك عدم صدوره عن نتاج تفرضه المقابلة، أو الاجتماع،
أو متطلبات التحرك العبادي والسياسي، خلا ما هو ضروري من الأحكام، أو
التوصيات الخاصة، أو العامة التي تتمّ من خلال سفرائه الأربعة، فيما توشحها
لغة العلم... لذلك، لا نتوقع الظفر بنصوص عامة بذلك النحو الذي يؤثر عن
سائر المعصومين (عليهم السلام)... لكن نجد أنّ هناك نصوصاً تنتسب إلى فني
(الزيارة) و(الدعاء) فيما قلنا إنّ هذين الشكلين الأدبيين يختصان بالشخصيات
المشرعة فحسب، حيث يذكر المؤرخون جملة من الأدعية أو الزيارات التي تنسب
إلى الإمام المهدي (عليه السلام)...
من ذلك: ما ينقله المؤرخون من (دعاء) يرتبط بتمجيد المعصومين (عليهم
السلام)، بضمنه التمجيد المرتبط بشخصية الإمام (عليه السلام) ذاته... وقد
استهلّ هذا الدعاء بتمجيد شخصية النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا النحو:
(اللّهمّ، صلّ على محمد سيد المرسلين، وخاتم
النبيين، وحجة رب العالمين: المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر
من كُلّ آفة، البريء من كُلّ عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض
إليه دين الله، اللّهمّ شرّف بنيانه، وعظّم برهانه، وأفلج حجته، وارفع
درجته، وأضيء نوره، وبيّض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة،
والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً، يغبطه به الأولون والآخرون...)...
فالملاحظ في هذا القسم من النصّ التشريعي، أنّ صياغته تتمّ وفق سياقات
خاصة، طالما اشرنا إليها عند حديثنا عن (أدب التشريع الإسلامي)... من أنّ
المشرّع الإسلامي لا يعنى بالصياغة إلاّ بقدر ما تستهدفه من تقرير الحقائق
العبادية، وهي حقائق تتمّ صياغتها حيناً بلغة الفنّ، وحيناً بلغة العلم،
وحيناً بالتأرجح بين لغة العلم والفنّ، حتى أنّ الشكل التعبيري الواحد (مثل
الدعاء أو الزيارة أو الحديث) يأخذ صياغات متفاوتة،... فبعض الأدعية مثلاً
تشحن بعناصر إيقاعية وصورية مكثفة، وبعضها بنسبة أقلّ، وبعضها لا اثر
للإيقاع وللصورة فيه... والمهمّ، أنّ النصّ المتقدّم ينتسب إلى صياغة تغلب
عليها لغة العلم، موشحة بشيء من لغة الفنّ حيث يرد (الإيقاع) عابراً في
بعض عباراتها، كما ترد (الصورة) عابرة أيضاً، مع ملاحظة أنّ أدوات (العنصر
اللفظي) من تقابل وتكرار وتتابع للعبارات، تسيطر على لغة النصّ المشار
إليه،... فضلاًعن خضوعه لنسق بنائي خاص، يعدّ أهمّ عناصر الفنّ، كما أنّه
العنصر الذي يعنى به المشرع الإسلامي، نظراً لأنّ (الفكر) الذي يستهدف
المعصوم (عليه السلام) توصيله، لابدّ أن يخضع لعمارة خاصة من العرض، حتى
يحقق فاعليته المطلوبة...
وحين نعود إلى النصّ المتقدم، نجد - كما أشرنا- أنّه يخضع أوّلاً لبناء
هندسي خاص هو: استهلاله بالصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله) وبتمجيده في
عبارات متنوعة يختص بها (صلى الله عليه وآله) دون سواه من المعصومين (عليهم
السلام)، ثُمّ يصوغ صلوات ذات صياغة مشتركة لكلّ معصوم على هذا النحو:
(إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة ربّ العالمين): عدا شخصية الإمام علي
(عليه السلام) حيث يخصه بعبارة (أمير) بدلاً من (إمام) وبعبارة (قائد الغرّ
المحجلين) و(سيد الوصيين)،... وعدا شخصية الإمام المهدي (عليه السلام) حيث
يوظف ما تبقى من الدعاء لتمجيد شخصيته (عليه السلام) بنحو يتناسب مع طبيعة
العلاقة الاجتماعية والعبادية بين الناس وبين شخصية العصر، بحيث تواجهنا
عبارات من نحو:
(اللّهمّ وصلّ على وليك المحيي سنتك... اللّهمّ
نوّر بنوره كُلّ ظلمة، وهدّ بركنه كُلّ بدعة، واهدم بعزّه كُلّ ضلالة،
واقصم به كُلّ جبار، وأخمد بسيفه كُلّ نار، واهلك بعدله جور كُلّ جائر،
وأجر حكمه على كُلّ حكم، وأذلّ بسلطانه كُلّ سلطان، اللّهمّ أذلّ كُلّ من
ناواه، واهلك كُلّ من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقه، واستهان
بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره...).
طبيعياً، إنّ فقرة (اللّهمّ) تتكرر في مقاطع متنوعة، مشيرة بذلك - من حيث
عمارة النصّ- إلى تنوع الموضوعات ذاتها، وانتقال النصّ من موضوع إلى آخر:
لكن من خلال ربطها بالبناء الفكري العام للدعاء... ولذلك ختم هذا النصّ
بفقرات تتجانس مع البداية، بحيث جاءت النهاية والبداية مرتبطتين عضوياً،
حيث كانت البداية (تفصل) الصلاة على كُلّ معصوم، وجاءت النهاية (تجمل) ذلك،
على هذا النحو:
(اللّهمّ صلّ على محمد المصطفى، وعليّ المرتضى،
وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى، وجميع الأوصياء مصابيح
الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقي، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط
المستقيم...) الخ.
والآن: إذا غادرنا عنصر (البناء الفني) للنصّ، واتجهنا إلى أدواته اللفظية
والإيقاعية والصورية، نجد - كما أشرنا- أنّ هذه الأدوات توضح النصّ وفق نسب
متفاوتة تظلّ صياغتها متناسبة مع طبيعة الدعاء الذي أنشئ أساساً للتلاوة في
أوقات مخصوصة يتلوها العامي والمتوسط والعالم... لذلك جاءت عباراتها
متأرجحة بين اللغة المصورة واللغة المقررة، حيث أنّ عبارات من نحو (وهي في
تمجيد النبي (صلى الله عليه وآله): (المنتجب في الميثاق)، (المصطفى في
الظلال) تعدّ عبارات ذات بعد (صوري) ملحوظ.. كما أنّ عبارات من نحو:
(المرتجى للشفاعة)، (المؤمل للنجاة) تعدّ عبارات علمية غير مصورة... كذلك
نجد أنّ عبارات - وهي في تمجيد شخصية العصر ذاتها- من نحو:
(اللّهمّ أذلّ كُلّ من ناواه)،
(واهلك كُلّ من عاداه) تعدّ غير
مصوّرة،... ولكن عبارات من نحو (اللّهمّ نوّر
بنوره كُلّ ظلمة)، (وهدّ بركنه كُلّ
بدعة) تعدّ صورية كما هو واضح،... هذا يعني أنّ صياغة النصّ
روعي فيها التوجه إلى مطلق الأشخاص الذين يتطلعون إلى شخصية العصر (عليه
السلام)، بغضّ النظر عن مستوياتهم الثقافية، بحيث يمكن للعادي من الناس أن
يدرك دلالة (المرتجى للشفاعة) أو (المؤمل للنجاة)، وبحيث يمكن لغير العادي
أن يفقه دلالة العبارة التي تقول بأنّه (صلى الله عليه وآله) (المصطفى في
الظلال) مثلاً... والمهمّ - بعد ذلك كله - أنّ عنصر الصورة، أو الإيقاع
يظلّ منتثراً في هذه العبارة أو تلك، موظفاً لإنارة بعض الدلالات التي
يتطلب توضيحها مثل هذه الصور، أو لإثارة الحسّ الجمالي لدى القارئ فيما
تتطلب العنصر الإيقاعي... لذلك نواجه صوراً من نحو:
(شرف بنيانه)، (أضيء نوره)، (بيض وجهه)، (نور بنوره
كُلّ ظلمة)، (هد بركنه كُلّ بدعة)، (أهدم بعزه كُلّ ضلالة)، (أقصم به كُلّ
جبار)، (أخمد بسيفه كُلّ نار)، (اهلك بعدله جور كُلّ جائر)، (استأصل من جحد
حقه)، (سعى في إطفاء نوره)، (أراد إخماد ذكره)، الخ... كما نواجه عبارات
مقفاة من نحو: (شرف بنيانه، وعظم برهانه)، (أفلج حجته، وارفع درجته)، (أعطه
الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة)، (أقصم به كُلّ جبار، واخمد بسفيه كُلّ
نار)، (أذل كُلّ من ناواه، واهلك كُلّ من عاداه)...الخ.
لا شكّ أنّ أمثلة هذه العبارات المقفاة تزيد من جمالية النصّ وتهبه عنصراً
يساهم في إمتاع القارئ وإرواء حسه الجمالي،... كما أنّ الصور المتنوعة التي
لحظناها وهي جميعاً استعارات، تهبه جمالية أيضاً، فضلاً عن كونها تساهم في
تعميق الدلالة... والاهمّ من ذلك أنّ هذه الصور تتميز بكونها (استعارات).
(تمثيلات) فحسب دون أن تتنوع أشكالها من تشبيه، استدلال، فرضية... الخ، حيث
يصبح مثل هذه الحصر للصور في التركيبة الاستعارية والتمثيلية شيئاً له
دلالته الفنية، من حيث خضوع النصّ لـ (وحدة الصورة)، وهي وحدة تتجانس مع
(وحدة الموضوع) أيضاً، لأنّ الموضوع هو: تمجيد أهل البيت (عليهم السلام)،
وحينئذ عندما (تتوحد الصور) إنّما تتجانس بذلك مع (وحدة الموضوع) وهو أمر
له أهميته الفنية الكبيرة من حيث البناء الهندسي للنصّ، علماً بأنّ الصور
التمثيلية تفرضها طبيعة التعريف بشخصية المعصوم (عليه السلام)، والصور
الاستعارية تفرضها طبيعة اكتساب الظواهر: تبادل السمات فيما بينها لغرض
توضيحها بشكل أكثر جلاء... ليس هذا فحسب. بل أنّ الصور تمضي بنحوها المألوف
جداً لا ضبابية فيها ولا تعقيد،... أنها واضحة كُلّ الوضوح، يحياها القارئ
في تجاربه اليومية،... لكنها تنطوي على دلالات عميقة العمق... فقوله - على
سبيل المثال-: (واخمد بسيفه كُلّ نار)
تبدو (الصورة) فيها واضحة، بسيطة... لكنها تلتقط أدقّ الظواهر من السلوك
الاجتماعي الذي يحياه الناس، حيث أنّ شيوع الفتن تشبه تماماً ظاهرة (النار)
التي تأتي على الأشياء جميعاً... كذلك فإنّ الفتن تأتي على جميع المواقف أو
الأفكار الأصيلة... وهكذا سائر الصور من نحو: (مصابيح الدجى، وأعلام الهدى،
ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم)... فهذه
الصور (التمثيلية) تبدو واضحة، جلية،... إلاّ أنّها ذات عمق وشمولية متنوعة
في دلالاتها، فالمصباح، والعلم، والمنار، والعروة، والحبل، والصراط يحمل
كُلّ منها دلالة متميزة على الأخرى، كما أنّ كلاً منها يصبّ في معطى عبادي
له سمته الخاصة به... فالمصباح ينير فكرياً، والعلم يشير إلى الانتماء
فكرياً ومصيرياً، والحبل يشير إلى تأمين الموقف أخروياً، وهكذا...
أدب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)
إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية
من البين أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) ينفرد بغيبته المعروفة أي بعدم
حضوره، مما يترتب على ذلك عدم صدوره عن نتاج تفرضه المقابلة، أو الاجتماع،
أو متطلبات التحرك العبادي والسياسي، خلا ما هو ضروري من الأحكام، أو
التوصيات الخاصة، أو العامة التي تتمّ من خلال سفرائه الأربعة، فيما توشحها
لغة العلم... لذلك، لا نتوقع الظفر بنصوص عامة بذلك النحو الذي يؤثر عن
سائر المعصومين (عليهم السلام)... لكن نجد أنّ هناك نصوصاً تنتسب إلى فني
(الزيارة) و(الدعاء) فيما قلنا إنّ هذين الشكلين الأدبيين يختصان بالشخصيات
المشرعة فحسب، حيث يذكر المؤرخون جملة من الأدعية أو الزيارات التي تنسب
إلى الإمام المهدي (عليه السلام)...
من ذلك: ما ينقله المؤرخون من (دعاء) يرتبط بتمجيد المعصومين (عليهم
السلام)، بضمنه التمجيد المرتبط بشخصية الإمام (عليه السلام) ذاته... وقد
استهلّ هذا الدعاء بتمجيد شخصية النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا النحو:
(اللّهمّ، صلّ على محمد سيد المرسلين، وخاتم
النبيين، وحجة رب العالمين: المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر
من كُلّ آفة، البريء من كُلّ عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض
إليه دين الله، اللّهمّ شرّف بنيانه، وعظّم برهانه، وأفلج حجته، وارفع
درجته، وأضيء نوره، وبيّض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة،
والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً، يغبطه به الأولون والآخرون...)...
فالملاحظ في هذا القسم من النصّ التشريعي، أنّ صياغته تتمّ وفق سياقات
خاصة، طالما اشرنا إليها عند حديثنا عن (أدب التشريع الإسلامي)... من أنّ
المشرّع الإسلامي لا يعنى بالصياغة إلاّ بقدر ما تستهدفه من تقرير الحقائق
العبادية، وهي حقائق تتمّ صياغتها حيناً بلغة الفنّ، وحيناً بلغة العلم،
وحيناً بالتأرجح بين لغة العلم والفنّ، حتى أنّ الشكل التعبيري الواحد (مثل
الدعاء أو الزيارة أو الحديث) يأخذ صياغات متفاوتة،... فبعض الأدعية مثلاً
تشحن بعناصر إيقاعية وصورية مكثفة، وبعضها بنسبة أقلّ، وبعضها لا اثر
للإيقاع وللصورة فيه... والمهمّ، أنّ النصّ المتقدّم ينتسب إلى صياغة تغلب
عليها لغة العلم، موشحة بشيء من لغة الفنّ حيث يرد (الإيقاع) عابراً في
بعض عباراتها، كما ترد (الصورة) عابرة أيضاً، مع ملاحظة أنّ أدوات (العنصر
اللفظي) من تقابل وتكرار وتتابع للعبارات، تسيطر على لغة النصّ المشار
إليه،... فضلاًعن خضوعه لنسق بنائي خاص، يعدّ أهمّ عناصر الفنّ، كما أنّه
العنصر الذي يعنى به المشرع الإسلامي، نظراً لأنّ (الفكر) الذي يستهدف
المعصوم (عليه السلام) توصيله، لابدّ أن يخضع لعمارة خاصة من العرض، حتى
يحقق فاعليته المطلوبة...
وحين نعود إلى النصّ المتقدم، نجد - كما أشرنا- أنّه يخضع أوّلاً لبناء
هندسي خاص هو: استهلاله بالصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله) وبتمجيده في
عبارات متنوعة يختص بها (صلى الله عليه وآله) دون سواه من المعصومين (عليهم
السلام)، ثُمّ يصوغ صلوات ذات صياغة مشتركة لكلّ معصوم على هذا النحو:
(إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة ربّ العالمين): عدا شخصية الإمام علي
(عليه السلام) حيث يخصه بعبارة (أمير) بدلاً من (إمام) وبعبارة (قائد الغرّ
المحجلين) و(سيد الوصيين)،... وعدا شخصية الإمام المهدي (عليه السلام) حيث
يوظف ما تبقى من الدعاء لتمجيد شخصيته (عليه السلام) بنحو يتناسب مع طبيعة
العلاقة الاجتماعية والعبادية بين الناس وبين شخصية العصر، بحيث تواجهنا
عبارات من نحو:
(اللّهمّ وصلّ على وليك المحيي سنتك... اللّهمّ
نوّر بنوره كُلّ ظلمة، وهدّ بركنه كُلّ بدعة، واهدم بعزّه كُلّ ضلالة،
واقصم به كُلّ جبار، وأخمد بسيفه كُلّ نار، واهلك بعدله جور كُلّ جائر،
وأجر حكمه على كُلّ حكم، وأذلّ بسلطانه كُلّ سلطان، اللّهمّ أذلّ كُلّ من
ناواه، واهلك كُلّ من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقه، واستهان
بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره...).
طبيعياً، إنّ فقرة (اللّهمّ) تتكرر في مقاطع متنوعة، مشيرة بذلك - من حيث
عمارة النصّ- إلى تنوع الموضوعات ذاتها، وانتقال النصّ من موضوع إلى آخر:
لكن من خلال ربطها بالبناء الفكري العام للدعاء... ولذلك ختم هذا النصّ
بفقرات تتجانس مع البداية، بحيث جاءت النهاية والبداية مرتبطتين عضوياً،
حيث كانت البداية (تفصل) الصلاة على كُلّ معصوم، وجاءت النهاية (تجمل) ذلك،
على هذا النحو:
(اللّهمّ صلّ على محمد المصطفى، وعليّ المرتضى،
وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى، وجميع الأوصياء مصابيح
الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقي، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط
المستقيم...) الخ.
والآن: إذا غادرنا عنصر (البناء الفني) للنصّ، واتجهنا إلى أدواته اللفظية
والإيقاعية والصورية، نجد - كما أشرنا- أنّ هذه الأدوات توضح النصّ وفق نسب
متفاوتة تظلّ صياغتها متناسبة مع طبيعة الدعاء الذي أنشئ أساساً للتلاوة في
أوقات مخصوصة يتلوها العامي والمتوسط والعالم... لذلك جاءت عباراتها
متأرجحة بين اللغة المصورة واللغة المقررة، حيث أنّ عبارات من نحو (وهي في
تمجيد النبي (صلى الله عليه وآله): (المنتجب في الميثاق)، (المصطفى في
الظلال) تعدّ عبارات ذات بعد (صوري) ملحوظ.. كما أنّ عبارات من نحو:
(المرتجى للشفاعة)، (المؤمل للنجاة) تعدّ عبارات علمية غير مصورة... كذلك
نجد أنّ عبارات - وهي في تمجيد شخصية العصر ذاتها- من نحو:
(اللّهمّ أذلّ كُلّ من ناواه)،
(واهلك كُلّ من عاداه) تعدّ غير
مصوّرة،... ولكن عبارات من نحو (اللّهمّ نوّر
بنوره كُلّ ظلمة)، (وهدّ بركنه كُلّ
بدعة) تعدّ صورية كما هو واضح،... هذا يعني أنّ صياغة النصّ
روعي فيها التوجه إلى مطلق الأشخاص الذين يتطلعون إلى شخصية العصر (عليه
السلام)، بغضّ النظر عن مستوياتهم الثقافية، بحيث يمكن للعادي من الناس أن
يدرك دلالة (المرتجى للشفاعة) أو (المؤمل للنجاة)، وبحيث يمكن لغير العادي
أن يفقه دلالة العبارة التي تقول بأنّه (صلى الله عليه وآله) (المصطفى في
الظلال) مثلاً... والمهمّ - بعد ذلك كله - أنّ عنصر الصورة، أو الإيقاع
يظلّ منتثراً في هذه العبارة أو تلك، موظفاً لإنارة بعض الدلالات التي
يتطلب توضيحها مثل هذه الصور، أو لإثارة الحسّ الجمالي لدى القارئ فيما
تتطلب العنصر الإيقاعي... لذلك نواجه صوراً من نحو:
(شرف بنيانه)، (أضيء نوره)، (بيض وجهه)، (نور بنوره
كُلّ ظلمة)، (هد بركنه كُلّ بدعة)، (أهدم بعزه كُلّ ضلالة)، (أقصم به كُلّ
جبار)، (أخمد بسيفه كُلّ نار)، (اهلك بعدله جور كُلّ جائر)، (استأصل من جحد
حقه)، (سعى في إطفاء نوره)، (أراد إخماد ذكره)، الخ... كما نواجه عبارات
مقفاة من نحو: (شرف بنيانه، وعظم برهانه)، (أفلج حجته، وارفع درجته)، (أعطه
الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة)، (أقصم به كُلّ جبار، واخمد بسفيه كُلّ
نار)، (أذل كُلّ من ناواه، واهلك كُلّ من عاداه)...الخ.
لا شكّ أنّ أمثلة هذه العبارات المقفاة تزيد من جمالية النصّ وتهبه عنصراً
يساهم في إمتاع القارئ وإرواء حسه الجمالي،... كما أنّ الصور المتنوعة التي
لحظناها وهي جميعاً استعارات، تهبه جمالية أيضاً، فضلاً عن كونها تساهم في
تعميق الدلالة... والاهمّ من ذلك أنّ هذه الصور تتميز بكونها (استعارات).
(تمثيلات) فحسب دون أن تتنوع أشكالها من تشبيه، استدلال، فرضية... الخ، حيث
يصبح مثل هذه الحصر للصور في التركيبة الاستعارية والتمثيلية شيئاً له
دلالته الفنية، من حيث خضوع النصّ لـ (وحدة الصورة)، وهي وحدة تتجانس مع
(وحدة الموضوع) أيضاً، لأنّ الموضوع هو: تمجيد أهل البيت (عليهم السلام)،
وحينئذ عندما (تتوحد الصور) إنّما تتجانس بذلك مع (وحدة الموضوع) وهو أمر
له أهميته الفنية الكبيرة من حيث البناء الهندسي للنصّ، علماً بأنّ الصور
التمثيلية تفرضها طبيعة التعريف بشخصية المعصوم (عليه السلام)، والصور
الاستعارية تفرضها طبيعة اكتساب الظواهر: تبادل السمات فيما بينها لغرض
توضيحها بشكل أكثر جلاء... ليس هذا فحسب. بل أنّ الصور تمضي بنحوها المألوف
جداً لا ضبابية فيها ولا تعقيد،... أنها واضحة كُلّ الوضوح، يحياها القارئ
في تجاربه اليومية،... لكنها تنطوي على دلالات عميقة العمق... فقوله - على
سبيل المثال-: (واخمد بسيفه كُلّ نار)
تبدو (الصورة) فيها واضحة، بسيطة... لكنها تلتقط أدقّ الظواهر من السلوك
الاجتماعي الذي يحياه الناس، حيث أنّ شيوع الفتن تشبه تماماً ظاهرة (النار)
التي تأتي على الأشياء جميعاً... كذلك فإنّ الفتن تأتي على جميع المواقف أو
الأفكار الأصيلة... وهكذا سائر الصور من نحو: (مصابيح الدجى، وأعلام الهدى،
ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم)... فهذه
الصور (التمثيلية) تبدو واضحة، جلية،... إلاّ أنّها ذات عمق وشمولية متنوعة
في دلالاتها، فالمصباح، والعلم، والمنار، والعروة، والحبل، والصراط يحمل
كُلّ منها دلالة متميزة على الأخرى، كما أنّ كلاً منها يصبّ في معطى عبادي
له سمته الخاصة به... فالمصباح ينير فكرياً، والعلم يشير إلى الانتماء
فكرياً ومصيرياً، والحبل يشير إلى تأمين الموقف أخروياً، وهكذا...
أدب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)
إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية
من البين أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) ينفرد بغيبته المعروفة أي بعدم
حضوره، مما يترتب على ذلك عدم صدوره عن نتاج تفرضه المقابلة، أو الاجتماع،
أو متطلبات التحرك العبادي والسياسي، خلا ما هو ضروري من الأحكام، أو
التوصيات الخاصة، أو العامة التي تتمّ من خلال سفرائه الأربعة، فيما توشحها
لغة العلم... لذلك، لا نتوقع الظفر بنصوص عامة بذلك النحو الذي يؤثر عن
سائر المعصومين (عليهم السلام)... لكن نجد أنّ هناك نصوصاً تنتسب إلى فني
(الزيارة) و(الدعاء) فيما قلنا إنّ هذين الشكلين الأدبيين يختصان بالشخصيات
المشرعة فحسب، حيث يذكر المؤرخون جملة من الأدعية أو الزيارات التي تنسب
إلى الإمام المهدي (عليه السلام)...
من ذلك: ما ينقله المؤرخون من (دعاء) يرتبط بتمجيد المعصومين (عليهم
السلام)، بضمنه التمجيد المرتبط بشخصية الإمام (عليه السلام) ذاته... وقد
استهلّ هذا الدعاء بتمجيد شخصية النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا النحو:
(اللّهمّ، صلّ على محمد سيد المرسلين، وخاتم
النبيين، وحجة رب العالمين: المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر
من كُلّ آفة، البريء من كُلّ عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض
إليه دين الله، اللّهمّ شرّف بنيانه، وعظّم برهانه، وأفلج حجته، وارفع
درجته، وأضيء نوره، وبيّض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة،
والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً، يغبطه به الأولون والآخرون...)...
فالملاحظ في هذا القسم من النصّ التشريعي، أنّ صياغته تتمّ وفق سياقات
خاصة، طالما اشرنا إليها عند حديثنا عن (أدب التشريع الإسلامي)... من أنّ
المشرّع الإسلامي لا يعنى بالصياغة إلاّ بقدر ما تستهدفه من تقرير الحقائق
العبادية، وهي حقائق تتمّ صياغتها حيناً بلغة الفنّ، وحيناً بلغة العلم،
وحيناً بالتأرجح بين لغة العلم والفنّ، حتى أنّ الشكل التعبيري الواحد (مثل
الدعاء أو الزيارة أو الحديث) يأخذ صياغات متفاوتة،... فبعض الأدعية مثلاً
تشحن بعناصر إيقاعية وصورية مكثفة، وبعضها بنسبة أقلّ، وبعضها لا اثر
للإيقاع وللصورة فيه... والمهمّ، أنّ النصّ المتقدّم ينتسب إلى صياغة تغلب
عليها لغة العلم، موشحة بشيء من لغة الفنّ حيث يرد (الإيقاع) عابراً في
بعض عباراتها، كما ترد (الصورة) عابرة أيضاً، مع ملاحظة أنّ أدوات (العنصر
اللفظي) من تقابل وتكرار وتتابع للعبارات، تسيطر على لغة النصّ المشار
إليه،... فضلاًعن خضوعه لنسق بنائي خاص، يعدّ أهمّ عناصر الفنّ، كما أنّه
العنصر الذي يعنى به المشرع الإسلامي، نظراً لأنّ (الفكر) الذي يستهدف
المعصوم (عليه السلام) توصيله، لابدّ أن يخضع لعمارة خاصة من العرض، حتى
يحقق فاعليته المطلوبة...
وحين نعود إلى النصّ المتقدم، نجد - كما أشرنا- أنّه يخضع أوّلاً لبناء
هندسي خاص هو: استهلاله بالصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله) وبتمجيده في
عبارات متنوعة يختص بها (صلى الله عليه وآله) دون سواه من المعصومين (عليهم
السلام)، ثُمّ يصوغ صلوات ذات صياغة مشتركة لكلّ معصوم على هذا النحو:
(إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة ربّ العالمين): عدا شخصية الإمام علي
(عليه السلام) حيث يخصه بعبارة (أمير) بدلاً من (إمام) وبعبارة (قائد الغرّ
المحجلين) و(سيد الوصيين)،... وعدا شخصية الإمام المهدي (عليه السلام) حيث
يوظف ما تبقى من الدعاء لتمجيد شخصيته (عليه السلام) بنحو يتناسب مع طبيعة
العلاقة الاجتماعية والعبادية بين الناس وبين شخصية العصر، بحيث تواجهنا
عبارات من نحو:
(اللّهمّ وصلّ على وليك المحيي سنتك... اللّهمّ
نوّر بنوره كُلّ ظلمة، وهدّ بركنه كُلّ بدعة، واهدم بعزّه كُلّ ضلالة،
واقصم به كُلّ جبار، وأخمد بسيفه كُلّ نار، واهلك بعدله جور كُلّ جائر،
وأجر حكمه على كُلّ حكم، وأذلّ بسلطانه كُلّ سلطان، اللّهمّ أذلّ كُلّ من
ناواه، واهلك كُلّ من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقه، واستهان
بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره...).
طبيعياً، إنّ فقرة (اللّهمّ) تتكرر في مقاطع متنوعة، مشيرة بذلك - من حيث
عمارة النصّ- إلى تنوع الموضوعات ذاتها، وانتقال النصّ من موضوع إلى آخر:
لكن من خلال ربطها بالبناء الفكري العام للدعاء... ولذلك ختم هذا النصّ
بفقرات تتجانس مع البداية، بحيث جاءت النهاية والبداية مرتبطتين عضوياً،
حيث كانت البداية (تفصل) الصلاة على كُلّ معصوم، وجاءت النهاية (تجمل) ذلك،
على هذا النحو:
(اللّهمّ صلّ على محمد المصطفى، وعليّ المرتضى،
وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى، وجميع الأوصياء مصابيح
الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقي، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط
المستقيم...) الخ.
والآن: إذا غادرنا عنصر (البناء الفني) للنصّ، واتجهنا إلى أدواته اللفظية
والإيقاعية والصورية، نجد - كما أشرنا- أنّ هذه الأدوات توضح النصّ وفق نسب
متفاوتة تظلّ صياغتها متناسبة مع طبيعة الدعاء الذي أنشئ أساساً للتلاوة في
أوقات مخصوصة يتلوها العامي والمتوسط والعالم... لذلك جاءت عباراتها
متأرجحة بين اللغة المصورة واللغة المقررة، حيث أنّ عبارات من نحو (وهي في
تمجيد النبي (صلى الله عليه وآله): (المنتجب في الميثاق)، (المصطفى في
الظلال) تعدّ عبارات ذات بعد (صوري) ملحوظ.. كما أنّ عبارات من نحو:
(المرتجى للشفاعة)، (المؤمل للنجاة) تعدّ عبارات علمية غير مصورة... كذلك
نجد أنّ عبارات - وهي في تمجيد شخصية العصر ذاتها- من نحو:
(اللّهمّ أذلّ كُلّ من ناواه)،
(واهلك كُلّ من عاداه) تعدّ غير
مصوّرة،... ولكن عبارات من نحو (اللّهمّ نوّر
بنوره كُلّ ظلمة)، (وهدّ بركنه كُلّ
بدعة) تعدّ صورية كما هو واضح،... هذا يعني أنّ صياغة النصّ
روعي فيها التوجه إلى مطلق الأشخاص الذين يتطلعون إلى شخصية العصر (عليه
السلام)، بغضّ النظر عن مستوياتهم الثقافية، بحيث يمكن للعادي من الناس أن
يدرك دلالة (المرتجى للشفاعة) أو (المؤمل للنجاة)، وبحيث يمكن لغير العادي
أن يفقه دلالة العبارة التي تقول بأنّه (صلى الله عليه وآله) (المصطفى في
الظلال) مثلاً... والمهمّ - بعد ذلك كله - أنّ عنصر الصورة، أو الإيقاع
يظلّ منتثراً في هذه العبارة أو تلك، موظفاً لإنارة بعض الدلالات التي
يتطلب توضيحها مثل هذه الصور، أو لإثارة الحسّ الجمالي لدى القارئ فيما
تتطلب العنصر الإيقاعي... لذلك نواجه صوراً من نحو:
(شرف بنيانه)، (أضيء نوره)، (بيض وجهه)، (نور بنوره
كُلّ ظلمة)، (هد بركنه كُلّ بدعة)، (أهدم بعزه كُلّ ضلالة)، (أقصم به كُلّ
جبار)، (أخمد بسيفه كُلّ نار)، (اهلك بعدله جور كُلّ جائر)، (استأصل من جحد
حقه)، (سعى في إطفاء نوره)، (أراد إخماد ذكره)، الخ... كما نواجه عبارات
مقفاة من نحو: (شرف بنيانه، وعظم برهانه)، (أفلج حجته، وارفع درجته)، (أعطه
الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة)، (أقصم به كُلّ جبار، واخمد بسفيه كُلّ
نار)، (أذل كُلّ من ناواه، واهلك كُلّ من عاداه)...الخ.
لا شكّ أنّ أمثلة هذه العبارات المقفاة تزيد من جمالية النصّ وتهبه عنصراً
يساهم في إمتاع القارئ وإرواء حسه الجمالي،... كما أنّ الصور المتنوعة التي
لحظناها وهي جميعاً استعارات، تهبه جمالية أيضاً، فضلاً عن كونها تساهم في
تعميق الدلالة... والاهمّ من ذلك أنّ هذه الصور تتميز بكونها (استعارات).
(تمثيلات) فحسب دون أن تتنوع أشكالها من تشبيه، استدلال، فرضية... الخ، حيث
يصبح مثل هذه الحصر للصور في التركيبة الاستعارية والتمثيلية شيئاً له
دلالته الفنية، من حيث خضوع النصّ لـ (وحدة الصورة)، وهي وحدة تتجانس مع
(وحدة الموضوع) أيضاً، لأنّ الموضوع هو: تمجيد أهل البيت (عليهم السلام)،
وحينئذ عندما (تتوحد الصور) إنّما تتجانس بذلك مع (وحدة الموضوع) وهو أمر
له أهميته الفنية الكبيرة من حيث البناء الهندسي للنصّ، علماً بأنّ الصور
التمثيلية تفرضها طبيعة التعريف بشخصية المعصوم (عليه السلام)، والصور
الاستعارية تفرضها طبيعة اكتساب الظواهر: تبادل السمات فيما بينها لغرض
توضيحها بشكل أكثر جلاء... ليس هذا فحسب. بل أنّ الصور تمضي بنحوها المألوف
جداً لا ضبابية فيها ولا تعقيد،... أنها واضحة كُلّ الوضوح، يحياها القارئ
في تجاربه اليومية،... لكنها تنطوي على دلالات عميقة العمق... فقوله - على
سبيل المثال-: (واخمد بسيفه كُلّ نار)
تبدو (الصورة) فيها واضحة، بسيطة... لكنها تلتقط أدقّ الظواهر من السلوك
الاجتماعي الذي يحياه الناس، حيث أنّ شيوع الفتن تشبه تماماً ظاهرة (النار)
التي تأتي على الأشياء جميعاً... كذلك فإنّ الفتن تأتي على جميع المواقف أو
الأفكار الأصيلة... وهكذا سائر الصور من نحو: (مصابيح الدجى، وأعلام الهدى،
ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم)... فهذه
الصور (التمثيلية) تبدو واضحة، جلية،... إلاّ أنّها ذات عمق وشمولية متنوعة
في دلالاتها، فالمصباح، والعلم، والمنار، والعروة، والحبل، والصراط يحمل
كُلّ منها دلالة متميزة على الأخرى، كما أنّ كلاً منها يصبّ في معطى عبادي
له سمته الخاصة به... فالمصباح ينير فكرياً، والعلم يشير إلى الانتماء
فكرياً ومصيرياً، والحبل يشير إلى تأمين الموقف أخروياً، وهكذا...
أدب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)
إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية
من البين أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) ينفرد بغيبته المعروفة أي بعدم
حضوره، مما يترتب على ذلك عدم صدوره عن نتاج تفرضه المقابلة، أو الاجتماع،
أو متطلبات التحرك العبادي والسياسي، خلا ما هو ضروري من الأحكام، أو
التوصيات الخاصة، أو العامة التي تتمّ من خلال سفرائه الأربعة، فيما توشحها
لغة العلم... لذلك، لا نتوقع الظفر بنصوص عامة بذلك النحو الذي يؤثر عن
سائر المعصومين (عليهم السلام)... لكن نجد أنّ هناك نصوصاً تنتسب إلى فني
(الزيارة) و(الدعاء) فيما قلنا إنّ هذين الشكلين الأدبيين يختصان بالشخصيات
المشرعة فحسب، حيث يذكر المؤرخون جملة من الأدعية أو الزيارات التي تنسب
إلى الإمام المهدي (عليه السلام)...
من ذلك: ما ينقله المؤرخون من (دعاء) يرتبط بتمجيد المعصومين (عليهم
السلام)، بضمنه التمجيد المرتبط بشخصية الإمام (عليه السلام) ذاته... وقد
استهلّ هذا الدعاء بتمجيد شخصية النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا النحو:
(اللّهمّ، صلّ على محمد سيد المرسلين، وخاتم
النبيين، وحجة رب العالمين: المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر
من كُلّ آفة، البريء من كُلّ عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض
إليه دين الله، اللّهمّ شرّف بنيانه، وعظّم برهانه، وأفلج حجته، وارفع
درجته، وأضيء نوره، وبيّض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة،
والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً، يغبطه به الأولون والآخرون...)...
فالملاحظ في هذا القسم من النصّ التشريعي، أنّ صياغته تتمّ وفق سياقات
خاصة، طالما اشرنا إليها عند حديثنا عن (أدب التشريع الإسلامي)... من أنّ
المشرّع الإسلامي لا يعنى بالصياغة إلاّ بقدر ما تستهدفه من تقرير الحقائق
العبادية، وهي حقائق تتمّ صياغتها حيناً بلغة الفنّ، وحيناً بلغة العلم،
وحيناً بالتأرجح بين لغة العلم والفنّ، حتى أنّ الشكل التعبيري الواحد (مثل
الدعاء أو الزيارة أو الحديث) يأخذ صياغات متفاوتة،... فبعض الأدعية مثلاً
تشحن بعناصر إيقاعية وصورية مكثفة، وبعضها بنسبة أقلّ، وبعضها لا اثر
للإيقاع وللصورة فيه... والمهمّ، أنّ النصّ المتقدّم ينتسب إلى صياغة تغلب
عليها لغة العلم، موشحة بشيء من لغة الفنّ حيث يرد (الإيقاع) عابراً في
بعض عباراتها، كما ترد (الصورة) عابرة أيضاً، مع ملاحظة أنّ أدوات (العنصر
اللفظي) من تقابل وتكرار وتتابع للعبارات، تسيطر على لغة النصّ المشار
إليه،... فضلاًعن خضوعه لنسق بنائي خاص، يعدّ أهمّ عناصر الفنّ، كما أنّه
العنصر الذي يعنى به المشرع الإسلامي، نظراً لأنّ (الفكر) الذي يستهدف
المعصوم (عليه السلام) توصيله، لابدّ أن يخضع لعمارة خاصة من العرض، حتى
يحقق فاعليته المطلوبة...
وحين نعود إلى النصّ المتقدم، نجد - كما أشرنا- أنّه يخضع أوّلاً لبناء
هندسي خاص هو: استهلاله بالصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله) وبتمجيده في
عبارات متنوعة يختص بها (صلى الله عليه وآله) دون سواه من المعصومين (عليهم
السلام)، ثُمّ يصوغ صلوات ذات صياغة مشتركة لكلّ معصوم على هذا النحو:
(إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة ربّ العالمين): عدا شخصية الإمام علي
(عليه السلام) حيث يخصه بعبارة (أمير) بدلاً من (إمام) وبعبارة (قائد الغرّ
المحجلين) و(سيد الوصيين)،... وعدا شخصية الإمام المهدي (عليه السلام) حيث
يوظف ما تبقى من الدعاء لتمجيد شخصيته (عليه السلام) بنحو يتناسب مع طبيعة
العلاقة الاجتماعية والعبادية بين الناس وبين شخصية العصر، بحيث تواجهنا
عبارات من نحو:
(اللّهمّ وصلّ على وليك المحيي سنتك... اللّهمّ
نوّر بنوره كُلّ ظلمة، وهدّ بركنه كُلّ بدعة، واهدم بعزّه كُلّ ضلالة،
واقصم به كُلّ جبار، وأخمد بسيفه كُلّ نار، واهلك بعدله جور كُلّ جائر،
وأجر حكمه على كُلّ حكم، وأذلّ بسلطانه كُلّ سلطان، اللّهمّ أذلّ كُلّ من
ناواه، واهلك كُلّ من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقه، واستهان
بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره...).
طبيعياً، إنّ فقرة (اللّهمّ) تتكرر في مقاطع متنوعة، مشيرة بذلك - من حيث
عمارة النصّ- إلى تنوع الموضوعات ذاتها، وانتقال النصّ من موضوع إلى آخر:
لكن من خلال ربطها بالبناء الفكري العام للدعاء... ولذلك ختم هذا النصّ
بفقرات تتجانس مع البداية، بحيث جاءت النهاية والبداية مرتبطتين عضوياً،
حيث كانت البداية (تفصل) الصلاة على كُلّ معصوم، وجاءت النهاية (تجمل) ذلك،
على هذا النحو:
(اللّهمّ صلّ على محمد المصطفى، وعليّ المرتضى،
وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى، وجميع الأوصياء مصابيح
الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقي، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط
المستقيم...) الخ.
والآن: إذا غادرنا عنصر (البناء الفني) للنصّ، واتجهنا إلى أدواته اللفظية
والإيقاعية والصورية، نجد - كما أشرنا- أنّ هذه الأدوات توضح النصّ وفق نسب
متفاوتة تظلّ صياغتها متناسبة مع طبيعة الدعاء الذي أنشئ أساساً للتلاوة في
أوقات مخصوصة يتلوها العامي والمتوسط والعالم... لذلك جاءت عباراتها
متأرجحة بين اللغة المصورة واللغة المقررة، حيث أنّ عبارات من نحو (وهي في
تمجيد النبي (صلى الله عليه وآله): (المنتجب في الميثاق)، (المصطفى في
الظلال) تعدّ عبارات ذات بعد (صوري) ملحوظ.. كما أنّ عبارات من نحو:
(المرتجى للشفاعة)، (المؤمل للنجاة) تعدّ عبارات علمية غير مصورة... كذلك
نجد أنّ عبارات - وهي في تمجيد شخصية العصر ذاتها- من نحو:
(اللّهمّ أذلّ كُلّ من ناواه)،
(واهلك كُلّ من عاداه) تعدّ غير
مصوّرة،... ولكن عبارات من نحو (اللّهمّ نوّر
بنوره كُلّ ظلمة)، (وهدّ بركنه كُلّ
بدعة) تعدّ صورية كما هو واضح،... هذا يعني أنّ صياغة النصّ
روعي فيها التوجه إلى مطلق الأشخاص الذين يتطلعون إلى شخصية العصر (عليه
السلام)، بغضّ النظر عن مستوياتهم الثقافية، بحيث يمكن للعادي من الناس أن
يدرك دلالة (المرتجى للشفاعة) أو (المؤمل للنجاة)، وبحيث يمكن لغير العادي
أن يفقه دلالة العبارة التي تقول بأنّه (صلى الله عليه وآله) (المصطفى في
الظلال) مثلاً... والمهمّ - بعد ذلك كله - أنّ عنصر الصورة، أو الإيقاع
يظلّ منتثراً في هذه العبارة أو تلك، موظفاً لإنارة بعض الدلالات التي
يتطلب توضيحها مثل هذه الصور، أو لإثارة الحسّ الجمالي لدى القارئ فيما
تتطلب العنصر الإيقاعي... لذلك نواجه صوراً من نحو:
(شرف بنيانه)، (أضيء نوره)، (بيض وجهه)، (نور بنوره
كُلّ ظلمة)، (هد بركنه كُلّ بدعة)، (أهدم بعزه كُلّ ضلالة)، (أقصم به كُلّ
جبار)، (أخمد بسيفه كُلّ نار)، (اهلك بعدله جور كُلّ جائر)، (استأصل من جحد
حقه)، (سعى في إطفاء نوره)، (أراد إخماد ذكره)، الخ... كما نواجه عبارات
مقفاة من نحو: (شرف بنيانه، وعظم برهانه)، (أفلج حجته، وارفع درجته)، (أعطه
الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة)، (أقصم به كُلّ جبار، واخمد بسفيه كُلّ
نار)، (أذل كُلّ من ناواه، واهلك كُلّ من عاداه)...الخ.
لا شكّ أنّ أمثلة هذه العبارات المقفاة تزيد من جمالية النصّ وتهبه عنصراً
يساهم في إمتاع القارئ وإرواء حسه الجمالي،... كما أنّ الصور المتنوعة التي
لحظناها وهي جميعاً استعارات، تهبه جمالية أيضاً، فضلاً عن كونها تساهم في
تعميق الدلالة... والاهمّ من ذلك أنّ هذه الصور تتميز بكونها (استعارات).
(تمثيلات) فحسب دون أن تتنوع أشكالها من تشبيه، استدلال، فرضية... الخ، حيث
يصبح مثل هذه الحصر للصور في التركيبة الاستعارية والتمثيلية شيئاً له
دلالته الفنية، من حيث خضوع النصّ لـ (وحدة الصورة)، وهي وحدة تتجانس مع
(وحدة الموضوع) أيضاً، لأنّ الموضوع هو: تمجيد أهل البيت (عليهم السلام)،
وحينئذ عندما (تتوحد الصور) إنّما تتجانس بذلك مع (وحدة الموضوع) وهو أمر
له أهميته الفنية الكبيرة من حيث البناء الهندسي للنصّ، علماً بأنّ الصور
التمثيلية تفرضها طبيعة التعريف بشخصية المعصوم (عليه السلام)، والصور
الاستعارية تفرضها طبيعة اكتساب الظواهر: تبادل السمات فيما بينها لغرض
توضيحها بشكل أكثر جلاء... ليس هذا فحسب. بل أنّ الصور تمضي بنحوها المألوف
جداً لا ضبابية فيها ولا تعقيد،... أنها واضحة كُلّ الوضوح، يحياها القارئ
في تجاربه اليومية،... لكنها تنطوي على دلالات عميقة العمق... فقوله - على
سبيل المثال-: (واخمد بسيفه كُلّ نار)
تبدو (الصورة) فيها واضحة، بسيطة... لكنها تلتقط أدقّ الظواهر من السلوك
الاجتماعي الذي يحياه الناس، حيث أنّ شيوع الفتن تشبه تماماً ظاهرة (النار)
التي تأتي على الأشياء جميعاً... كذلك فإنّ الفتن تأتي على جميع المواقف أو
الأفكار الأصيلة... وهكذا سائر الصور من نحو: (مصابيح الدجى، وأعلام الهدى،
ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم)... فهذه
الصور (التمثيلية) تبدو واضحة، جلية،... إلاّ أنّها ذات عمق وشمولية متنوعة
في دلالاتها، فالمصباح، والعلم، والمنار، والعروة، والحبل، والصراط يحمل
كُلّ منها دلالة متميزة على الأخرى، كما أنّ كلاً منها يصبّ في معطى عبادي
له سمته الخاصة به... فالمصباح ينير فكرياً، والعلم يشير إلى الانتماء
فكرياً ومصيرياً، والحبل يشير إلى تأمين الموقف أخروياً، وهكذا...
أدب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)
إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية
من البين أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) ينفرد بغيبته المعروفة أي بعدم
حضوره، مما يترتب على ذلك عدم صدوره عن نتاج تفرضه المقابلة، أو الاجتماع،
أو متطلبات التحرك العبادي والسياسي، خلا ما هو ضروري من الأحكام، أو
التوصيات الخاصة، أو العامة التي تتمّ من خلال سفرائه الأربعة، فيما توشحها
لغة العلم... لذلك، لا نتوقع الظفر بنصوص عامة بذلك النحو الذي يؤثر عن
سائر المعصومين (عليهم السلام)... لكن نجد أنّ هناك نصوصاً تنتسب إلى فني
(الزيارة) و(الدعاء) فيما قلنا إنّ هذين الشكلين الأدبيين يختصان بالشخصيات
المشرعة فحسب، حيث يذكر المؤرخون جملة من الأدعية أو الزيارات التي تنسب
إلى الإمام المهدي (عليه السلام)...
من ذلك: ما ينقله المؤرخون من (دعاء) يرتبط بتمجيد المعصومين (عليهم
السلام)، بضمنه التمجيد المرتبط بشخصية الإمام (عليه السلام) ذاته... وقد
استهلّ هذا الدعاء بتمجيد شخصية النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا النحو:
(اللّهمّ، صلّ على محمد سيد المرسلين، وخاتم
النبيين، وحجة رب العالمين: المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر
من كُلّ آفة، البريء من كُلّ عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض
إليه دين الله، اللّهمّ شرّف بنيانه، وعظّم برهانه، وأفلج حجته، وارفع
درجته، وأضيء نوره، وبيّض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة،
والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً، يغبطه به الأولون والآخرون...)...
فالملاحظ في هذا القسم من النصّ التشريعي، أنّ صياغته تتمّ وفق سياقات
خاصة، طالما اشرنا إليها عند حديثنا عن (أدب التشريع الإسلامي)... من أنّ
المشرّع الإسلامي لا يعنى بالصياغة إلاّ بقدر ما تستهدفه من تقرير الحقائق
العبادية، وهي حقائق تتمّ صياغتها حيناً بلغة الفنّ، وحيناً بلغة العلم،
وحيناً بالتأرجح بين لغة العلم والفنّ، حتى أنّ الشكل التعبيري الواحد (مثل
الدعاء أو الزيارة أو الحديث) يأخذ صياغات متفاوتة،... فبعض الأدعية مثلاً
تشحن بعناصر إيقاعية وصورية مكثفة، وبعضها بنسبة أقلّ، وبعضها لا اثر
للإيقاع وللصورة فيه... والمهمّ، أنّ النصّ المتقدّم ينتسب إلى صياغة تغلب
عليها لغة العلم، موشحة بشيء من لغة الفنّ حيث يرد (الإيقاع) عابراً في
بعض عباراتها، كما ترد (الصورة) عابرة أيضاً، مع ملاحظة أنّ أدوات (العنصر
اللفظي) من تقابل وتكرار وتتابع للعبارات، تسيطر على لغة النصّ المشار
إليه،... فضلاًعن خضوعه لنسق بنائي خاص، يعدّ أهمّ عناصر الفنّ، كما أنّه
العنصر الذي يعنى به المشرع الإسلامي، نظراً لأنّ (الفكر) الذي يستهدف
المعصوم (عليه السلام) توصيله، لابدّ أن يخضع لعمارة خاصة من العرض، حتى
يحقق فاعليته المطلوبة...
وحين نعود إلى النصّ المتقدم، نجد - كما أشرنا- أنّه يخضع أوّلاً لبناء
هندسي خاص هو: استهلاله بالصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله) وبتمجيده في
عبارات متنوعة يختص بها (صلى الله عليه وآله) دون سواه من المعصومين (عليهم
السلام)، ثُمّ يصوغ صلوات ذات صياغة مشتركة لكلّ معصوم على هذا النحو:
(إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة ربّ العالمين): عدا شخصية الإمام علي
(عليه السلام) حيث يخصه بعبارة (أمير) بدلاً من (إمام) وبعبارة (قائد الغرّ
المحجلين) و(سيد الوصيين)،... وعدا شخصية الإمام المهدي (عليه السلام) حيث
يوظف ما تبقى من الدعاء لتمجيد شخصيته (عليه السلام) بنحو يتناسب مع طبيعة
العلاقة الاجتماعية والعبادية بين الناس وبين شخصية العصر، بحيث تواجهنا
عبارات من نحو:
(اللّهمّ وصلّ على وليك المحيي سنتك... اللّهمّ
نوّر بنوره كُلّ ظلمة، وهدّ بركنه كُلّ بدعة، واهدم بعزّه كُلّ ضلالة،
واقصم به كُلّ جبار، وأخمد بسيفه كُلّ نار، واهلك بعدله جور كُلّ جائر،
وأجر حكمه على كُلّ حكم، وأذلّ بسلطانه كُلّ سلطان، اللّهمّ أذلّ كُلّ من
ناواه، واهلك كُلّ من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقه، واستهان
بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره...).
طبيعياً، إنّ فقرة (اللّهمّ) تتكرر في مقاطع متنوعة، مشيرة بذلك - من حيث
عمارة النصّ- إلى تنوع الموضوعات ذاتها، وانتقال النصّ من موضوع إلى آخر:
لكن من خلال ربطها بالبناء الفكري العام للدعاء... ولذلك ختم هذا النصّ
بفقرات تتجانس مع البداية، بحيث جاءت النهاية والبداية مرتبطتين عضوياً،
حيث كانت البداية (تفصل) الصلاة على كُلّ معصوم، وجاءت النهاية (تجمل) ذلك،
على هذا النحو:
(اللّهمّ صلّ على محمد المصطفى، وعليّ المرتضى،
وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى، وجميع الأوصياء مصابيح
الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقي، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط
المستقيم...) الخ.
والآن: إذا غادرنا عنصر (البناء الفني) للنصّ، واتجهنا إلى أدواته اللفظية
والإيقاعية والصورية، نجد - كما أشرنا- أنّ هذه الأدوات توضح النصّ وفق نسب
متفاوتة تظلّ صياغتها متناسبة مع طبيعة الدعاء الذي أنشئ أساساً للتلاوة في
أوقات مخصوصة يتلوها العامي والمتوسط والعالم... لذلك جاءت عباراتها
متأرجحة بين اللغة المصورة واللغة المقررة، حيث أنّ عبارات من نحو (وهي في
تمجيد النبي (صلى الله عليه وآله): (المنتجب في الميثاق)، (المصطفى في
الظلال) تعدّ عبارات ذات بعد (صوري) ملحوظ.. كما أنّ عبارات من نحو:
(المرتجى للشفاعة)، (المؤمل للنجاة) تعدّ عبارات علمية غير مصورة... كذلك
نجد أنّ عبارات - وهي في تمجيد شخصية العصر ذاتها- من نحو:
(اللّهمّ أذلّ كُلّ من ناواه)،
(واهلك كُلّ من عاداه) تعدّ غير
مصوّرة،... ولكن عبارات من نحو (اللّهمّ نوّر
بنوره كُلّ ظلمة)، (وهدّ بركنه كُلّ
بدعة) تعدّ صورية كما هو واضح،... هذا يعني أنّ صياغة النصّ
روعي فيها التوجه إلى مطلق الأشخاص الذين يتطلعون إلى شخصية العصر (عليه
السلام)، بغضّ النظر عن مستوياتهم الثقافية، بحيث يمكن للعادي من الناس أن
يدرك دلالة (المرتجى للشفاعة) أو (المؤمل للنجاة)، وبحيث يمكن لغير العادي
أن يفقه دلالة العبارة التي تقول بأنّه (صلى الله عليه وآله) (المصطفى في
الظلال) مثلاً... والمهمّ - بعد ذلك كله - أنّ عنصر الصورة، أو الإيقاع
يظلّ منتثراً في هذه العبارة أو تلك، موظفاً لإنارة بعض الدلالات التي
يتطلب توضيحها مثل هذه الصور، أو لإثارة الحسّ الجمالي لدى القارئ فيما
تتطلب العنصر الإيقاعي... لذلك نواجه صوراً من نحو:
(شرف بنيانه)، (أضيء نوره)، (بيض وجهه)، (نور بنوره
كُلّ ظلمة)، (هد بركنه كُلّ بدعة)، (أهدم بعزه كُلّ ضلالة)، (أقصم به كُلّ
جبار)، (أخمد بسيفه كُلّ نار)، (اهلك بعدله جور كُلّ جائر)، (استأصل من جحد
حقه)، (سعى في إطفاء نوره)، (أراد إخماد ذكره)، الخ... كما نواجه عبارات
مقفاة من نحو: (شرف بنيانه، وعظم برهانه)، (أفلج حجته، وارفع درجته)، (أعطه
الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة)، (أقصم به كُلّ جبار، واخمد بسفيه كُلّ
نار)، (أذل كُلّ من ناواه، واهلك كُلّ من عاداه)...الخ.
لا شكّ أنّ أمثلة هذه العبارات المقفاة تزيد من جمالية النصّ وتهبه عنصراً
يساهم في إمتاع القارئ وإرواء حسه الجمالي،... كما أنّ الصور المتنوعة التي
لحظناها وهي جميعاً استعارات، تهبه جمالية أيضاً، فضلاً عن كونها تساهم في
تعميق الدلالة... والاهمّ من ذلك أنّ هذه الصور تتميز بكونها (استعارات).
(تمثيلات) فحسب دون أن تتنوع أشكالها من تشبيه، استدلال، فرضية... الخ، حيث
يصبح مثل هذه الحصر للصور في التركيبة الاستعارية والتمثيلية شيئاً له
دلالته الفنية، من حيث خضوع النصّ لـ (وحدة الصورة)، وهي وحدة تتجانس مع
(وحدة الموضوع) أيضاً، لأنّ الموضوع هو: تمجيد أهل البيت (عليهم السلام)،
وحينئذ عندما (تتوحد الصور) إنّما تتجانس بذلك مع (وحدة الموضوع) وهو أمر
له أهميته الفنية الكبيرة من حيث البناء الهندسي للنصّ، علماً بأنّ الصور
التمثيلية تفرضها طبيعة التعريف بشخصية المعصوم (عليه السلام)، والصور
الاستعارية تفرضها طبيعة اكتساب الظواهر: تبادل السمات فيما بينها لغرض
توضيحها بشكل أكثر جلاء... ليس هذا فحسب. بل أنّ الصور تمضي بنحوها المألوف
جداً لا ضبابية فيها ولا تعقيد،... أنها واضحة كُلّ الوضوح، يحياها القارئ
في تجاربه اليومية،... لكنها تنطوي على دلالات عميقة العمق... فقوله - على
سبيل المثال-: (واخمد بسيفه كُلّ نار)
تبدو (الصورة) فيها واضحة، بسيطة... لكنها تلتقط أدقّ الظواهر من السلوك
الاجتماعي الذي يحياه الناس، حيث أنّ شيوع الفتن تشبه تماماً ظاهرة (النار)
التي تأتي على الأشياء جميعاً... كذلك فإنّ الفتن تأتي على جميع المواقف أو
الأفكار الأصيلة... وهكذا سائر الصور من نحو: (مصابيح الدجى، وأعلام الهدى،
ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم)... فهذه
الصور (التمثيلية) تبدو واضحة، جلية،... إلاّ أنّها ذات عمق وشمولية متنوعة
في دلالاتها، فالمصباح، والعلم، والمنار، والعروة، والحبل، والصراط يحمل
كُلّ منها دلالة متميزة على الأخرى، كما أنّ كلاً منها يصبّ في معطى عبادي
له سمته الخاصة به... فالمصباح ينير فكرياً، والعلم يشير إلى الانتماء
فكرياً ومصيرياً، والحبل يشير إلى تأمين الموقف أخروياً، وهكذا...
أدب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)
إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية
من البين أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) ينفرد بغيبته المعروفة أي بعدم
حضوره، مما يترتب على ذلك عدم صدوره عن نتاج تفرضه المقابلة، أو الاجتماع،
أو متطلبات التحرك العبادي والسياسي، خلا ما هو ضروري من الأحكام، أو
التوصيات الخاصة، أو العامة التي تتمّ من خلال سفرائه الأربعة، فيما توشحها
لغة العلم... لذلك، لا نتوقع الظفر بنصوص عامة بذلك النحو الذي يؤثر عن
سائر المعصومين (عليهم السلام)... لكن نجد أنّ هناك نصوصاً تنتسب إلى فني
(الزيارة) و(الدعاء) فيما قلنا إنّ هذين الشكلين الأدبيين يختصان بالشخصيات
المشرعة فحسب، حيث يذكر المؤرخون جملة من الأدعية أو الزيارات التي تنسب
إلى الإمام المهدي (عليه السلام)...
من ذلك: ما ينقله المؤرخون من (دعاء) يرتبط بتمجيد المعصومين (عليهم
السلام)، بضمنه التمجيد المرتبط بشخصية الإمام (عليه السلام) ذاته... وقد
استهلّ هذا الدعاء بتمجيد شخصية النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا النحو:
(اللّهمّ، صلّ على محمد سيد المرسلين، وخاتم
النبيين، وحجة رب العالمين: المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر
من كُلّ آفة، البريء من كُلّ عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض
إليه دين الله، اللّهمّ شرّف بنيانه، وعظّم برهانه، وأفلج حجته، وارفع
درجته، وأضيء نوره، وبيّض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة،
والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً، يغبطه به الأولون والآخرون...)...
فالملاحظ في هذا القسم من النصّ التشريعي، أنّ صياغته تتمّ وفق سياقات
خاصة، طالما اشرنا إليها عند حديثنا عن (أدب التشريع الإسلامي)... من أنّ
المشرّع الإسلامي لا يعنى بالصياغة إلاّ بقدر ما تستهدفه من تقرير الحقائق
العبادية، وهي حقائق تتمّ صياغتها حيناً بلغة الفنّ، وحيناً بلغة العلم،
وحيناً بالتأرجح بين لغة العلم والفنّ، حتى أنّ الشكل التعبيري الواحد (مثل
الدعاء أو الزيارة أو الحديث) يأخذ صياغات متفاوتة،... فبعض الأدعية مثلاً
تشحن بعناصر إيقاعية وصورية مكثفة، وبعضها بنسبة أقلّ، وبعضها لا اثر
للإيقاع وللصورة فيه... والمهمّ، أنّ النصّ المتقدّم ينتسب إلى صياغة تغلب
عليها لغة العلم، موشحة بشيء من لغة الفنّ حيث يرد (الإيقاع) عابراً في
بعض عباراتها، كما ترد (الصورة) عابرة أيضاً، مع ملاحظة أنّ أدوات (العنصر
اللفظي) من تقابل وتكرار وتتابع للعبارات، تسيطر على لغة النصّ المشار
إليه،... فضلاًعن خضوعه لنسق بنائي خاص، يعدّ أهمّ عناصر الفنّ، كما أنّه
العنصر الذي يعنى به المشرع الإسلامي، نظراً لأنّ (الفكر) الذي يستهدف
المعصوم (عليه السلام) توصيله، لابدّ أن يخضع لعمارة خاصة من العرض، حتى
يحقق فاعليته المطلوبة...
وحين نعود إلى النصّ المتقدم، نجد - كما أشرنا- أنّه يخضع أوّلاً لبناء
هندسي خاص هو: استهلاله بالصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله) وبتمجيده في
عبارات متنوعة يختص بها (صلى الله عليه وآله) دون سواه من المعصومين (عليهم
السلام)، ثُمّ يصوغ صلوات ذات صياغة مشتركة لكلّ معصوم على هذا النحو:
(إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة ربّ العالمين): عدا شخصية الإمام علي
(عليه السلام) حيث يخصه بعبارة (أمير) بدلاً من (إمام) وبعبارة (قائد الغرّ
المحجلين) و(سيد الوصيين)،... وعدا شخصية الإمام المهدي (عليه السلام) حيث
يوظف ما تبقى من الدعاء لتمجيد شخصيته (عليه السلام) بنحو يتناسب مع طبيعة
العلاقة الاجتماعية والعبادية بين الناس وبين شخصية العصر، بحيث تواجهنا
عبارات من نحو:
(اللّهمّ وصلّ على وليك المحيي سنتك... اللّهمّ
نوّر بنوره كُلّ ظلمة، وهدّ بركنه كُلّ بدعة، واهدم بعزّه كُلّ ضلالة،
واقصم به كُلّ جبار، وأخمد بسيفه كُلّ نار، واهلك بعدله جور كُلّ جائر،
وأجر حكمه على كُلّ حكم، وأذلّ بسلطانه كُلّ سلطان، اللّهمّ أذلّ كُلّ من
ناواه، واهلك كُلّ من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقه، واستهان
بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره...).
طبيعياً، إنّ فقرة (اللّهمّ) تتكرر في مقاطع متنوعة، مشيرة بذلك - من حيث
عمارة النصّ- إلى تنوع الموضوعات ذاتها، وانتقال النصّ من موضوع إلى آخر:
لكن من خلال ربطها بالبناء الفكري العام للدعاء... ولذلك ختم هذا النصّ
بفقرات تتجانس مع البداية، بحيث جاءت النهاية والبداية مرتبطتين عضوياً،
حيث كانت البداية (تفصل) الصلاة على كُلّ معصوم، وجاءت النهاية (تجمل) ذلك،
على هذا النحو:
(اللّهمّ صلّ على محمد المصطفى، وعليّ المرتضى،
وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى، وجميع الأوصياء مصابيح
الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقي، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط
المستقيم...) الخ.
والآن: إذا غادرنا عنصر (البناء الفني) للنصّ، واتجهنا إلى أدواته اللفظية
والإيقاعية والصورية، نجد - كما أشرنا- أنّ هذه الأدوات توضح النصّ وفق نسب
متفاوتة تظلّ صياغتها متناسبة مع طبيعة الدعاء الذي أنشئ أساساً للتلاوة في
أوقات مخصوصة يتلوها العامي والمتوسط والعالم... لذلك جاءت عباراتها
متأرجحة بين اللغة المصورة واللغة المقررة، حيث أنّ عبارات من نحو (وهي في
تمجيد النبي (صلى الله عليه وآله): (المنتجب في الميثاق)، (المصطفى في
الظلال) تعدّ عبارات ذات بعد (صوري) ملحوظ.. كما أنّ عبارات من نحو:
(المرتجى للشفاعة)، (المؤمل للنجاة) تعدّ عبارات علمية غير مصورة... كذلك
نجد أنّ عبارات - وهي في تمجيد شخصية العصر ذاتها- من نحو:
(اللّهمّ أذلّ كُلّ من ناواه)،
(واهلك كُلّ من عاداه) تعدّ غير
مصوّرة،... ولكن عبارات من نحو (اللّهمّ نوّر
بنوره كُلّ ظلمة)، (وهدّ بركنه كُلّ
بدعة) تعدّ صورية كما هو واضح،... هذا يعني أنّ صياغة النصّ
روعي فيها التوجه إلى مطلق الأشخاص الذين يتطلعون إلى شخصية العصر (عليه
السلام)، بغضّ النظر عن مستوياتهم الثقافية، بحيث يمكن للعادي من الناس أن
يدرك دلالة (المرتجى للشفاعة) أو (المؤمل للنجاة)، وبحيث يمكن لغير العادي
أن يفقه دلالة العبارة التي تقول بأنّه (صلى الله عليه وآله) (المصطفى في
الظلال) مثلاً... والمهمّ - بعد ذلك كله - أنّ عنصر الصورة، أو الإيقاع
يظلّ منتثراً في هذه العبارة أو تلك، موظفاً لإنارة بعض الدلالات التي
يتطلب توضيحها مثل هذه الصور، أو لإثارة الحسّ الجمالي لدى القارئ فيما
تتطلب العنصر الإيقاعي... لذلك نواجه صوراً من نحو:
(شرف بنيانه)، (أضيء نوره)، (بيض وجهه)، (نور بنوره
كُلّ ظلمة)، (هد بركنه كُلّ بدعة)، (أهدم بعزه كُلّ ضلالة)، (أقصم به كُلّ
جبار)، (أخمد بسيفه كُلّ نار)، (اهلك بعدله جور كُلّ جائر)، (استأصل من جحد
حقه)، (سعى في إطفاء نوره)، (أراد إخماد ذكره)، الخ... كما نواجه عبارات
مقفاة من نحو: (شرف بنيانه، وعظم برهانه)، (أفلج حجته، وارفع درجته)، (أعطه
الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة)، (أقصم به كُلّ جبار، واخمد بسفيه كُلّ
نار)، (أذل كُلّ من ناواه، واهلك كُلّ من عاداه)...الخ.
لا شكّ أنّ أمثلة هذه العبارات المقفاة تزيد من جمالية النصّ وتهبه عنصراً
يساهم في إمتاع القارئ وإرواء حسه الجمالي،... كما أنّ الصور المتنوعة التي
لحظناها وهي جميعاً استعارات، تهبه جمالية أيضاً، فضلاً عن كونها تساهم في
تعميق الدلالة... والاهمّ من ذلك أنّ هذه الصور تتميز بكونها (استعارات).
(تمثيلات) فحسب دون أن تتنوع أشكالها من تشبيه، استدلال، فرضية... الخ، حيث
يصبح مثل هذه الحصر للصور في التركيبة الاستعارية والتمثيلية شيئاً له
دلالته الفنية، من حيث خضوع النصّ لـ (وحدة الصورة)، وهي وحدة تتجانس مع
(وحدة الموضوع) أيضاً، لأنّ الموضوع هو: تمجيد أهل البيت (عليهم السلام)،
وحينئذ عندما (تتوحد الصور) إنّما تتجانس بذلك مع (وحدة الموضوع) وهو أمر
له أهميته الفنية الكبيرة من حيث البناء الهندسي للنصّ، علماً بأنّ الصور
التمثيلية تفرضها طبيعة التعريف بشخصية المعصوم (عليه السلام)، والصور
الاستعارية تفرضها طبيعة اكتساب الظواهر: تبادل السمات فيما بينها لغرض
توضيحها بشكل أكثر جلاء... ليس هذا فحسب. بل أنّ الصور تمضي بنحوها المألوف
جداً لا ضبابية فيها ولا تعقيد،... أنها واضحة كُلّ الوضوح، يحياها القارئ
في تجاربه اليومية،... لكنها تنطوي على دلالات عميقة العمق... فقوله - على
سبيل المثال-: (واخمد بسيفه كُلّ نار)
تبدو (الصورة) فيها واضحة، بسيطة... لكنها تلتقط أدقّ الظواهر من السلوك
الاجتماعي الذي يحياه الناس، حيث أنّ شيوع الفتن تشبه تماماً ظاهرة (النار)
التي تأتي على الأشياء جميعاً... كذلك فإنّ الفتن تأتي على جميع المواقف أو
الأفكار الأصيلة... وهكذا سائر الصور من نحو: (مصابيح الدجى، وأعلام الهدى،
ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم)... فهذه
الصور (التمثيلية) تبدو واضحة، جلية،... إلاّ أنّها ذات عمق وشمولية متنوعة
في دلالاتها، فالمصباح، والعلم، والمنار، والعروة، والحبل، والصراط يحمل
كُلّ منها دلالة متميزة على الأخرى، كما أنّ كلاً منها يصبّ في معطى عبادي
له سمته الخاصة به... فالمصباح ينير فكرياً، والعلم يشير إلى الانتماء
فكرياً ومصيرياً، والحبل يشير إلى تأمين الموقف أخروياً، وهكذا...
أدب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)
إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية
من البين أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) ينفرد بغيبته المعروفة أي بعدم
حضوره، مما يترتب على ذلك عدم صدوره عن نتاج تفرضه المقابلة، أو الاجتماع،
أو متطلبات التحرك العبادي والسياسي، خلا ما هو ضروري من الأحكام، أو
التوصيات الخاصة، أو العامة التي تتمّ من خلال سفرائه الأربعة، فيما توشحها
لغة العلم... لذلك، لا نتوقع الظفر بنصوص عامة بذلك النحو الذي يؤثر عن
سائر المعصومين (عليهم السلام)... لكن نجد أنّ هناك نصوصاً تنتسب إلى فني
(الزيارة) و(الدعاء) فيما قلنا إنّ هذين الشكلين الأدبيين يختصان بالشخصيات
المشرعة فحسب، حيث يذكر المؤرخون جملة من الأدعية أو الزيارات التي تنسب
إلى الإمام المهدي (عليه السلام)...
من ذلك: ما ينقله المؤرخون من (دعاء) يرتبط بتمجيد المعصومين (عليهم
السلام)، بضمنه التمجيد المرتبط بشخصية الإمام (عليه السلام) ذاته... وقد
استهلّ هذا الدعاء بتمجيد شخصية النبي (صلى الله عليه وآله) على هذا النحو:
(اللّهمّ، صلّ على محمد سيد المرسلين، وخاتم
النبيين، وحجة رب العالمين: المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظلال، المطهر
من كُلّ آفة، البريء من كُلّ عيب، المؤمل للنجاة، المرتجى للشفاعة، المفوض
إليه دين الله، اللّهمّ شرّف بنيانه، وعظّم برهانه، وأفلج حجته، وارفع
درجته، وأضيء نوره، وبيّض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة،
والدرجة الرفيعة، وابعثه مقاماً محموداً، يغبطه به الأولون والآخرون...)...
فالملاحظ في هذا القسم من النصّ التشريعي، أنّ صياغته تتمّ وفق سياقات
خاصة، طالما اشرنا إليها عند حديثنا عن (أدب التشريع الإسلامي)... من أنّ
المشرّع الإسلامي لا يعنى بالصياغة إلاّ بقدر ما تستهدفه من تقرير الحقائق
العبادية، وهي حقائق تتمّ صياغتها حيناً بلغة الفنّ، وحيناً بلغة العلم،
وحيناً بالتأرجح بين لغة العلم والفنّ، حتى أنّ الشكل التعبيري الواحد (مثل
الدعاء أو الزيارة أو الحديث) يأخذ صياغات متفاوتة،... فبعض الأدعية مثلاً
تشحن بعناصر إيقاعية وصورية مكثفة، وبعضها بنسبة أقلّ، وبعضها لا اثر
للإيقاع وللصورة فيه... والمهمّ، أنّ النصّ المتقدّم ينتسب إلى صياغة تغلب
عليها لغة العلم، موشحة بشيء من لغة الفنّ حيث يرد (الإيقاع) عابراً في
بعض عباراتها، كما ترد (الصورة) عابرة أيضاً، مع ملاحظة أنّ أدوات (العنصر
اللفظي) من تقابل وتكرار وتتابع للعبارات، تسيطر على لغة النصّ المشار
إليه،... فضلاًعن خضوعه لنسق بنائي خاص، يعدّ أهمّ عناصر الفنّ، كما أنّه
العنصر الذي يعنى به المشرع الإسلامي، نظراً لأنّ (الفكر) الذي يستهدف
المعصوم (عليه السلام) توصيله، لابدّ أن يخضع لعمارة خاصة من العرض، حتى
يحقق فاعليته المطلوبة...
وحين نعود إلى النصّ المتقدم، نجد - كما أشرنا- أنّه يخضع أوّلاً لبناء
هندسي خاص هو: استهلاله بالصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله) وبتمجيده في
عبارات متنوعة يختص بها (صلى الله عليه وآله) دون سواه من المعصومين (عليهم
السلام)، ثُمّ يصوغ صلوات ذات صياغة مشتركة لكلّ معصوم على هذا النحو:
(إمام المؤمنين، ووارث المرسلين، وحجة ربّ العالمين): عدا شخصية الإمام علي
(عليه السلام) حيث يخصه بعبارة (أمير) بدلاً من (إمام) وبعبارة (قائد الغرّ
المحجلين) و(سيد الوصيين)،... وعدا شخصية الإمام المهدي (عليه السلام) حيث
يوظف ما تبقى من الدعاء لتمجيد شخصيته (عليه السلام) بنحو يتناسب مع طبيعة
العلاقة الاجتماعية والعبادية بين الناس وبين شخصية العصر، بحيث تواجهنا
عبارات من نحو:
(اللّهمّ وصلّ على وليك المحيي سنتك... اللّهمّ
نوّر بنوره كُلّ ظلمة، وهدّ بركنه كُلّ بدعة، واهدم بعزّه كُلّ ضلالة،
واقصم به كُلّ جبار، وأخمد بسيفه كُلّ نار، واهلك بعدله جور كُلّ جائر،
وأجر حكمه على كُلّ حكم، وأذلّ بسلطانه كُلّ سلطان، اللّهمّ أذلّ كُلّ من
ناواه، واهلك كُلّ من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحد حقه، واستهان
بأمره، وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره...).
طبيعياً، إنّ فقرة (اللّهمّ) تتكرر في مقاطع متنوعة، مشيرة بذلك - من حيث
عمارة النصّ- إلى تنوع الموضوعات ذاتها، وانتقال النصّ من موضوع إلى آخر:
لكن من خلال ربطها بالبناء الفكري العام للدعاء... ولذلك ختم هذا النصّ
بفقرات تتجانس مع البداية، بحيث جاءت النهاية والبداية مرتبطتين عضوياً،
حيث كانت البداية (تفصل) الصلاة على كُلّ معصوم، وجاءت النهاية (تجمل) ذلك،
على هذا النحو:
(اللّهمّ صلّ على محمد المصطفى، وعليّ المرتضى،
وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصفى، وجميع الأوصياء مصابيح
الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقي، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط
المستقيم...) الخ.
والآن: إذا غادرنا عنصر (البناء الفني) للنصّ، واتجهنا إلى أدواته اللفظية
والإيقاعية والصورية، نجد - كما أشرنا- أنّ هذه الأدوات توضح النصّ وفق نسب
متفاوتة تظلّ صياغتها متناسبة مع طبيعة الدعاء الذي أنشئ أساساً للتلاوة في
أوقات مخصوصة يتلوها العامي والمتوسط والعالم... لذلك جاءت عباراتها
متأرجحة بين اللغة المصورة واللغة المقررة، حيث أنّ عبارات من نحو (وهي في
تمجيد النبي (صلى الله عليه وآله): (المنتجب في الميثاق)، (المصطفى في
الظلال) تعدّ عبارات ذات بعد (صوري) ملحوظ.. كما أنّ عبارات من نحو:
(المرتجى للشفاعة)، (المؤمل للنجاة) تعدّ عبارات علمية غير مصورة... كذلك
نجد أنّ عبارات - وهي في تمجيد شخصية العصر ذاتها- من نحو:
(اللّهمّ أذلّ كُلّ من ناواه)،
(واهلك كُلّ من عاداه) تعدّ غير
مصوّرة،... ولكن عبارات من نحو (اللّهمّ نوّر
بنوره كُلّ ظلمة)، (وهدّ بركنه كُلّ
بدعة) تعدّ صورية كما هو واضح،... هذا يعني أنّ صياغة النصّ
روعي فيها التوجه إلى مطلق الأشخاص الذين يتطلعون إلى شخصية العصر (عليه
السلام)، بغضّ النظر عن مستوياتهم الثقافية، بحيث يمكن للعادي من الناس أن
يدرك دلالة (المرتجى للشفاعة) أو (المؤمل للنجاة)، وبحيث يمكن لغير العادي
أن يفقه دلالة العبارة التي تقول بأنّه (صلى الله عليه وآله) (المصطفى في
الظلال) مثلاً... والمهمّ - بعد ذلك كله - أنّ عنصر الصورة، أو الإيقاع
يظلّ منتثراً في هذه العبارة أو تلك، موظفاً لإنارة بعض الدلالات التي
يتطلب توضيحها مثل هذه الصور، أو لإثارة الحسّ الجمالي لدى القارئ فيما
تتطلب العنصر الإيقاعي... لذلك نواجه صوراً من نحو:
(شرف بنيانه)، (أضيء نوره)، (بيض وجهه)، (نور بنوره
كُلّ ظلمة)، (هد بركنه كُلّ بدعة)، (أهدم بعزه كُلّ ضلالة)، (أقصم به كُلّ
جبار)، (أخمد بسيفه كُلّ نار)، (اهلك بعدله جور كُلّ جائر)، (استأصل من جحد
حقه)، (سعى في إطفاء نوره)، (أراد إخماد ذكره)، الخ... كما نواجه عبارات
مقفاة من نحو: (شرف بنيانه، وعظم برهانه)، (أفلج حجته، وارفع درجته)، (أعطه
الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة)، (أقصم به كُلّ جبار، واخمد بسفيه كُلّ
نار)، (أذل كُلّ من ناواه، واهلك كُلّ من عاداه)...الخ.
لا شكّ أنّ أمثلة هذه العبارات المقفاة تزيد من جمالية النصّ وتهبه عنصراً
يساهم في إمتاع القارئ وإرواء حسه الجمالي،... كما أنّ الصور المتنوعة التي
لحظناها وهي جميعاً استعارات، تهبه جمالية أيضاً، فضلاً عن كونها تساهم في
تعميق الدلالة... والاهمّ من ذلك أنّ هذه الصور تتميز بكونها (استعارات).
(تمثيلات) فحسب دون أن تتنوع أشكالها من تشبيه، استدلال، فرضية... الخ، حيث
يصبح مثل هذه الحصر للصور في التركيبة الاستعارية والتمثيلية شيئاً له
دلالته الفنية، من حيث خضوع النصّ لـ (وحدة الصورة)، وهي وحدة تتجانس مع
(وحدة الموضوع) أيضاً، لأنّ الموضوع هو: تمجيد أهل البيت (عليهم السلام)،
وحينئذ عندما (تتوحد الصور) إنّما تتجانس بذلك مع (وحدة الموضوع) وهو أمر
له أهميته الفنية الكبيرة من حيث البناء الهندسي للنصّ، علماً بأنّ الصور
التمثيلية تفرضها طبيعة التعريف بشخصية المعصوم (عليه السلام)، والصور
الاستعارية تفرضها طبيعة اكتساب الظواهر: تبادل السمات فيما بينها لغرض
توضيحها بشكل أكثر جلاء... ليس هذا فحسب. بل أنّ الصور تمضي بنحوها المألوف
جداً لا ضبابية فيها ولا تعقيد،... أنها واضحة كُلّ الوضوح، يحياها القارئ
في تجاربه اليومية،... لكنها تنطوي على دلالات عميقة العمق... فقوله - على
سبيل المثال-: (واخمد بسيفه كُلّ نار)
تبدو (الصورة) فيها واضحة، بسيطة... لكنها تلتقط أدقّ الظواهر من السلوك
الاجتماعي الذي يحياه الناس، حيث أنّ شيوع الفتن تشبه تماماً ظاهرة (النار)
التي تأتي على الأشياء جميعاً... كذلك فإنّ الفتن تأتي على جميع المواقف أو
الأفكار الأصيلة... وهكذا سائر الصور من نحو: (مصابيح الدجى، وأعلام الهدى،
ومنار التقى، والعروة الوثقى، والحبل المتين، والصراط المستقيم)... فهذه
الصور (التمثيلية) تبدو واضحة، جلية،... إلاّ أنّها ذات عمق وشمولية متنوعة
في دلالاتها، فالمصباح، والعلم، والمنار، والعروة، والحبل، والصراط يحمل
كُلّ منها دلالة متميزة على الأخرى، كما أنّ كلاً منها يصبّ في معطى عبادي
له سمته الخاصة به... فالمصباح ينير فكرياً، والعلم يشير إلى الانتماء
فكرياً ومصيرياً، والحبل يشير إلى تأمين الموقف أخروياً، وهكذا...