الإمام الهادي عليه السلام وقضية حفيده المهدي عليه السلام
عرفنا أن قضية الإمام المهدي(عليه السلام) في عصر الإمام الهادي(عليه السلام) تعدّ قضية أساسية للمسلمين بشكل عام ولأتباع أهل البيت(عليهم السلام) بشكل خاص والظروف التي كانت تحيط بالإمام الهادي(عليه السلام) كانت تزداد حراجة كلّما اقتربت أيّام ولادة الإمام المهدي(عليه السلام) وغيبته.
ولابد أن نبحث عن هذه القضية في محورين: الأول منهما خاص بالإمام المهدي(عليه السلام)، والثاني منهما يرتبط بأتباعه وشيعته.
أما المحور الأول، فالإمام الهادي(عليه السلام) مسۆول عن ترتيب التمهيدات اللازمة لولادة الإمام المهدي(عليه السلام) بحيث يطّلع الأعداء عليها وهم يراقبون بدقة كل تصرفات الإمام الهادي ونشاط ابنه الحسن العسكري(عليهما السلام).
وتشير النصوص الى كيفية تدخّل الإمام الهادي(عليه السلام) لاختيار زوجة صالحة للإمام الحسن العسكري(عليه السلام) بحيث تقوم بالدور المطلوب منها في اخفاء ولادة ابنها المنتظر[1].
وقد تظافرت نصوص الإمام الهادي(عليه السلام) على أن المهدي الذي ينتظر هو حفيده وولد الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) وانّه الذي يولد خفية ويقول الناس عنه أنه لم يولد بعد، وانه الذي لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه. وهكذا، وتضمّنت هذه النصوص جملة من التعليمات الكفيلة بتحقيق غطاء ينسجم مع مهمة الاختفاء والغيبة من قبل الإمام المهدي(عليه السلام).
ومن أجل تحقيق عنصر الارتباط بالإمام في مرحلة الغيبة الاُولى والتي تعرف بالصغرى عمل الإمام على ربط شيعته ببعض وكلائه بشكل خاص وجعله حلقة الوصل بعد كسب ثقة شيعته بهذا الوكيل الذي تولّى مهمة الوكالة للإمام الهادي والعسكري والمهدي(عليهم السلام) معاً، وبذلك يكون قد مهّد لسفارة أوّل سفراء الإمام المهدي(عليه السلام) من دون حدوث مضاعفات خاصة. لأن أتباع أهل البيت(عليهم السلام) قد اعتادوا على الارتباط بالإمام المعصوم من خلاله.
وإليك نصوص الإمام الهادي(عليه السلام) حول قضية الإمام المهدي(عليه السلام):
1 ـ الكليني، عن علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن أيوب بن نوح، عن أبي الحسن الثالث(عليه السلام) قال: إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم.
2 ـ الصدوق قال: حدّثنا علي بن أحمد بن موسى الدقّاق; وعليّ بن عبدالله الورّاق رضي الله عنهما قالا: حدّثنا محمد بن هارون الصوفي قال: حدثنا أبوتراب عبدالله بن موسى الرّوياني، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسنيّ قال: دخلت على سيدي علي بن محمد(عليهما السلام) فلمّا بصربي قال لي: مرحباً بك يا أبا القسم أنت وليّنا حقاً قال: فقلت له: ياابن رسول الله إنّي اُريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه حتى ألقى الله عزّ وجل.
فقال: هات يا أبا القاسم، فقلت: إنّي أقول: إنّ الله تبارك وتعالى واحد، ليس كمثله شيء، خارج عن الحدّين حدّ الإبطال وحدّ التشبيه، وإنّه ليس بجسم ولا صورة، وعرض ولا جوهر، بل هو مجسّم الأجسام، ومصوّر الصور، وخالق الأعراض والجواهر، وربّ كلّ شيء ومالكه وجاعله ومحدثه، وإن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبيّ بعده الى يوم القيامة، وإن شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها الى يوم القيامة.
وأقول: إنّ الإمام والخليفة ووليّ الأمر بعده أمير المۆمنين علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم أنت يا مولاي، فقال(عليه السلام): ومن بعدي الحسن ابني فكيف للناس بالخلق من بعده؟ قال: قلت: وكيف ذاك يا مولاي؟ قال: لأنه لا يرى شخصه، ولا يحلّ ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
قال: فقلت: أقررت وأقول: إنّ وليّهم ولي الله، وعدوّهم عدوّ الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله. وأقول: إن المعراج حقٌّ، والمساءلة في القبر حقٌّ، وإن الجنة حقٌّ، والنار حقٌّ، والميزان حقٌّ، (وإنّ الساعة آتية لا ريب فيها * وانّ الله يبعث من في القبور). وأقول: إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فقال علي بن محمد(عليهما السلام): يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه، ثبّتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا و [في] الآخرة[2].
3 ـ عنه قال: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عمر الكاتب، عن عليّ بن محمد الصيمريّ، عن علي بن مهزيار قال: كتبت الى أبي الحسن صاحب العسكر(عليه السلام) اسأله عن الفرج، فكتب إليّ: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقّعوا الفرج[3].
4 ـ عنه قال: حدّثنا أبي(رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدّثني إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه عليّ بن مهزيار، عن عليّ بن محمد بن زياد قال: كتبت الى أبي الحسن صاحب العسكر(عليه السلام) اسأله عن الفرج، فكتب إليّ: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقّعوا الفرج[4].
5 ـ عنه قال: حدثنا أبي(رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن أبي غانم القزويني قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن فارس قال: كنت أنا ]ونوح[ وأيوب بن نوح في طريق مكة فنزلنا على وادي زبالة فجلسنا نتحدث فجرى ذكر ما نحن فيه وبعد الأمر علينا فقال أيوب بن نوح: كتبت في هذه السنة أذكر شيئاً من هذا، فكتب إليّ: إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم[5].
6 ـ عن أبي جعفر محمد بن أحمد العلوي عن أبي هاشم الجعفري قال: سمعت ابا الحسن (عليه السلام) يقول: الخلف بعدي ابني الحسن فكيف بالخلف بعد الخلف؟! فقلت: ولم جعلني الله فداك؟ قال: انكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه قلت: فكيف نذكره؟ فقال: قولوا الحجة من آل محمد(صلى الله عليه وآله)[6].
7 ـ عن الصقر بن أبي دلف قال : سمعت علي بن محمد بن علي الرضا(عليهم السلام) يقول : الإمام بعدي الحسن ابني وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً[7].
8 ـ روى علي بن ابراهيم عن ابيه عن علي بن صدقة عن علي بن عبد الغفار قال : لما مات أبو جعفر الثاني كتبت الشيعة إلى أبي الحسن صاحب العسكر يسألونه عن الآخر فكتب (عليه السلام): الأمر بي ما دمت حياً فإذا نزلت بي مقادير الله تبارك وتعالى أتاكم الخلف مني، فانّى لكم بالخلف بعد الخلف؟!
9 ـ وروى اسحاق بن محمد بن ايوب قال: سمعت أبا الحسن(عليه السلام) يقول : صاحب هذا الأمر من يقول الناس لم يولد بعد »[8].
وأما المحور الثاني فهو الأعداد النفسي وتحقيق الاستعداد الواقعي لدور غيبة الإمام المهدي(عليه السلام) من قبل شيعة الإمام(عليه السلام).
وقد حقق الإمام هذا الاستعداد وأخرجه من عالم القوة الى عالم الفعلية بما خططه لشيعته من تعويدهم على الاحتجاب عنهم والارتباط بهم من خلال وكلائه ونوّابه، وتوعيتهم على الوضع المستقبلي لئلا يُفاجأوا بما سيطر عليهم من ظروف جديدة لم يألفوها من ذي قبل.
وكان للإمام الهادي(عليه السلام) اُسلوب خاص لطرح إمامة ابنه الحسن العسكري(عليه السلام) بما يتناسب مع مهمّته المستقبلية في الحفاظ على حجة الله ووليّه الذي سيولد في ظرف حرج جدّاً، ليتسنى لأتباعه الانقياد للإمام من بعده والتسليم له فيما سيخبر به من وقوع الولادة وتحقق الغيبة وتحقّق الارتباط به عبر سفيره الذي تعرّفت عليه الشيعة ووثقت به.
ولهذا تفنّن الإمام الهادي(عليه السلام) في كيفية طرح إمامة الحسن(عليه السلام) وزمن طرح ذلك وكيفية الإشهاد عليه.
ومنه يبدو أن التعتيم الإعلامي حتى على إمامة الحسن العسكري(عليه السلام) كان مقصوداً للإمام الهادي(عليه السلام)، فتارة ينفي إمامة غيره واُخرى يكنّيه وثالثة يصفه ببعض الصفات التي قد توهم ارادة غيره في بادئ النظر وترشد إليه في نهاية المطاف كما ورد عنه أن هذا الأمر في الكبير من ولدي. حيث إن الكبير هو (محمد) المكنى بأبي جعفر غير أنه قد مات في حياة والده فلم يكن الكبير سوى الحسن(عليه السلام).
وإليك جملة من هذه النصوص التي يمكن تصنيفها بحسب تسلسلها الزمني الى ما صدر من الإمام الهادي(عليه السلام) قبل وفاة أبي جعفر، وماصدر حين وفاته، وما صدر بعدها، وما صدر منه قبيل استشهاد الإمام الهادي(عليه السلام). ويكفي الاطلاع عليها بتسلسلها التاريخي لنطمئن بتخطيط الإمام الهادي(عليه السلام) من أجل تحصين الجماعة الصالحة من كل إبهام أو تشكيك أو فراغ عقائدي أو انهيار، بعد إيضاح الحق وتبلّجه لأهله الذين عرفوا أن الأرض لا تخلو من حجة إما ظاهر مشهور أو خائف مستور.
وإليك هذه النصوص كالآتي:
1 ـ عن علي بن عمرو العطار قال : دخلت على أبي الحسن العسكري(عليه السلام) وأبو جعفر ابنه في الاحياء ، وأنا أظن انه هو فقلت : جعلت فداك من أخص من ولدك ؟ فقال : لا تخصوا أحداً حتى يخرج إليكم أمري .
قال : فكتبت إليه بعد : فيمن يكون هذا الامر ؟ قال : فكتب إلي: في الكبير من ولدي[9].
ولا تعني اشارة الإمام إلى ولده أبي جعفر فهو يعلم أنه سيمضي في حياته وسيكون الكبير أبا محمد العسكري(عليه السلام) وهو المۆهل لها دون غيره من إخوته .
2 ـ وعن علي بن عمر النوفلي قال : كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) في صحن داره فمرّ محمد ابنه فقلت له جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك ؟ فقال :
لا ، صاحبكم بعدي الحسن[10].
3 ـ عن اسحق بن محمد عن محمد بن يحيى بن رئاب قال: حدثني أبو بكر الفهفكي قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن مسائل فلما نفذ الكتاب قلت في نفسي: إني كتبت فيما كتب أسأله عن الخلف من بعده وذلك بعد مضي محمد ابنه فأجابني عن مسائلي: وكنت أردت ان تسألني عن الخلف، أبو محمد ابني اصح آل محمد صلى الله عليه وآله غريزة واوثقهم عقيدة بعدي وهو الاكبر من ولدي إليه تنتهي عرى الامامة واحكامها فما كنت سائلاً عنه فسله فعنده علم ما يحتاج إليه والحمد لله[11].
4 ـ عن علان الكلابي عن اسحق بن اسماعيل النيشابوري قال حدثني شاهويه بن عبد الله الجلاب قال: كنت رويت دلائل كثيرة عن أبي الحسن(عليه السلام) في ابنه محمد فلما مضى بقيت متحيراً وخفت ان اكتب في ذلك فلا ادري ما يكون فكتبت اسأل الدعاء، فخرج الجواب بالدعاء لي وفي آخر الكتاب: اردت ان تسأل عن الخلف وقلقت لذلك فلا تغتم فإنّ الله عزوجل لا يضل قوماً بعد ان هداهم حتى يبين لهم ما يتقون، وصاحبك بعدي أبو محمد ابني عنده علم ما تحتاجون إليه يقدم الله ما يشاء ويۆخر ما يشاء قد كتبت بما فيه تبيان لذي لب يقظان[12].
5 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه) قال : حدثنا الصقر بن أبي دلف قال : سمعت علي بن محمد بن علي الرضا (عليه السلام) يقول : ان الإمام بعدي الحسن ابني ، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً[13].
6 ـ عن علي بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن يحيى بن يسار القنبري قال: أوصى أبو الحسن(عليه السلام) إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر ، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي[14].
المصادر:
[1] راجع القصة في كمال الدين: 417، ومسند الإمام الهادي: 98 ـ 104 .
[2] كمال الدين: 379.
[3] كمال الدين: 380.
[4] كمال الدين: 381.
[5] كمال الدين: 381.
[6] اثبات الوصية : 208 .
[7] كمال الدين : 383 ح 10 وعنه في اعلام الورى : 2/247.
[8] اعلام الورى: 2/247 الحديث الأخير وقبله .
[9] اُصول الكافي : 1 / 326 ح 7 .
[10] اُصول الكافي : 1 / 325 ح 2 .
[11] اثبات الوصية : 208 .
[12] اثبات الوصية : 209 .
[13] كمال الدين : 382 ح 8 وعنه في اعلام الورى: 2/ 247 .
[14] اُصول الكافي : 1 / 325 ح 1 ب النصّ على إمامة أبي محمد(عليه السلام).