بحث وتحقيق حول السيدة رقية بنت الحسين (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
بحث وتحقيق حول السيدة رقية بنت الحسين عليه السلام للخطيب البارع فضيلة حجة الإسلام والمسلمين سماحة الشيخ النظري المنفرد في مراسم عزاء أقيمت في بيت سماحة آية الله فاضل لنکراني رضوان الله تعالي عليه.
سأتناول في الدقائق المتبقية من حديثي مطالب تتعلق بالسيدة رقية«سلام الله عليه»، فمع الأسف بثّت وسائل الإعلام مطالب ترکت أثراً سيئاً في النفوس، وقد التفتنا إلي هذه الآثار المضرة والسيئة عبر ما ينشره الناس من أسئلة «إما من خلال الحضور هنا، أو عبرالاتصال الهاتفي، و...».
وينبغي الأخذ بنظر الاعتبار عدة أمور:
أولاً: ما وصل إلينا من السلف إما يتعلق بالفقه أحياناً، ويتضمن ما يجب وما لا يجب فعله أو ترکه، وقد أتعب الفقهاء أنفسهم وبذلوا جهوداً حثيثة ومظنية في ذلک، من خلال مراجعتهم للروايات وأسنادها، لإثبات صحتها وسقمها، وعامها وخاصها، وموارد التعارض فيها، کل ذلک فحصوا عنه وحللوه وفسروه، وکأنهم يريدون أن يقولوا للناس: اعملوا العمل الفلاني، أو اجتنبوا الفعل قبيح، وهذا بحاجة إلي عمل متواصل ودقيق.
المجموعة الأخري التي وصلتنا هي المسائل الأخلاقية، فهذه الروايات الأخلاقية التي نقرۆها، لا يذهب أحد ليري سندها، لأن الروايات الأخلاقية إما أن تکون مدعومة بالعقل أوسيرة العقلاء، فالعقل مثلاً يحکم بقبح الظلم، وحسن العدل، وحسن رد الأمانة، وقبح الخيانة، ولهذا، فهم لا يذهبون ليفتشوا عن أسناد هذه الروايات الأخلاقية.
وهناک من الأمور تتعلق بالمسائل العقائدية، ففي المسائل العقائدية، ليس الأصل فيها روائياً، بل عقلياً «کوجود الله، النبي، المعاد، و...» نعم، تثبت جزئيات هذه الأمور بالخبر الصحيح، فجاءوا بخبر صحيح في المسائل العقائدية، ومۆيد هذا الشيء ما يفهمه العقل، وهذا أيضاً مهم بالنسبة للمسائل العقائدية.
أما بالنسبة إلي الفضائل والرذائل، ونحن في هذا القسم، فنفتش عن السند، لماذا؟ لاحتمال الوضع والجعل في مثل هذه الأمور، فمثلاً قال فلان شخص من صحابة رسول الله صلي الله عليه وآله کذا وکذا، هل هذا صحيح؟ وهل کان کذلک حقيقة؟ فينبغي مشاهدة السند، والتدقيق فيه، لاحتمال الجعل في الفضائل والرذائل، ولهذا هم يبحثون عن السند، ونحن في مسائل الفضائل نفتش عن السند حقيقة، فلو قال النبي مثلاً: «أنا مدينة العلم وعي بابها»، فنذهب لإثبات صحة سند هذا الحديث.
فعلي سبيل المثال: روي المرحوم السيد الأميني «رضوان الله تعالي عليه» في الغدير في ما يتعلق بحديث العامة فقط مائة واثنين وأربعين مصدراً. وهذا بنفسه يورد نوعاً من الثقة، إذ إن هذه المسألة کانت موجودة، وقد يريدون أحياناً أن يصححوا شيئاً، لکي يعظّموا شخصاً مثلاً، أو يسقّطوا أحداً، وقد لايکون کذلک أحياناً أخري، وکثير من قضايا کربلاء هي کذلک، فلا داعي لجعل قضايا کربلاء.
أردت أن أذکر هذا بشکل عام، ليکون مدخلاً إلي هذه المسألة. أما بالنسبة لمسألة عاشوراء والحوادث التي تلتها، فأنا أۆکد علي هذه النقطة، وهي أن أحداث کربلاء لم ينقلها شخص واحد فقط، والقدر الذي يسعفني به من محفوظاتي هو أن بعض أحداث کربلاء رواها بعض من کان في جيش عمر بن سعد، کحميد بن مسلم، وقرة بن قيس التميمي، الذي روي حادثة القتل والاستشهاد علي يد هۆلاء الأفراد.
وقد روي الضحاک بن قيس بعض القضايا أيضاً، وهو ممن التحق بالإمام الحسين عليه السلام في الطريق، لکنه اتفق مع الإمام الحسين عليه السلام أنه: «مادمت حياً، سأدافع عنک، وسأذهب إن رأيت أنک قد استشهدت»، فجاء إلي کربلاء، وبقي مع الإمام الحسين عليه السلام إلي عصر عاشوراء، وقال: أريد أن أذهب، فقال له الإمام عليه السلام: کيف تريد أن تذهب؟ فقال: أعرف ذلک.
وقد کان ترک فرسه في الخيمة، لکي لا يصاب بسهم، وعندما حوصر الإمام عليه السلام، رأي أن هناک مفراً وطريقاً للهروب، فرکب علي فرسه، وهرب من الجهة الأخري، فانطلق کثير بن عبد الله الشعبي مع عشرة فرسان من جيش عمر بن سعد، فکان يجري وهم يجرون خلفه، حتي أخذهم التعب والإرهاق، فوصلوا إلي مکان ونزلوا عن خيولهم، فوصل کثير بن الشعبي وقال: من أنت؟ فکشف عن وجهه ورأي أنه صاحبهم، فترکوه، فبعض القضايا في ليلة عاشوراء قد رويت عنه.
وقد رويت بعض القضايا عن الإمام السجاد عليه السلام، کخطبة الإمامالحسين عليه السلام في ليلة عاشوراء وهي مروية عنه عليه السلام، والبعض الآخر روتها فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام، وروي البعض الآخر عقبة بن سمعان، وقد روي الطبري عنه عدة مرات، وقد کان غلاماً للسيدة رباب زوجة الإمام الحسين عليه السلام، فبعد انتهاء الحرب، ألقوا القبض عليه، وأخذوه أسيراً إلي عمر بن سعد، فأطلق سراحه لأنهم لم يکونوا يقتلوا الغلمان، وروي زيد بن أرقم بعض أحداث الکوفة، وروي بشير بن حذلم خطب السيدة زينب عليها السلام.
أتلاحظون کم أن قضايا کربلاء مختلفة ولم يکن يروها شخص واحد فقط. النقطة الأخري التي أريد بيانها، ومن ثم أذکر بعض المطالب حول السيدة رقية«س»، فهي: رحم الله العلامة المرحوم الشعراني، فلهذا العالم حواشي جيدة علي مجمع البيان والصحيفة السجادية، وهناک بعض الأمور قد ذکرها في مصنفاته وکتبه، وهناک قضيتان تاريخيتان لو وضعنا کل منهما إلي جانب الأخري، سنري أن هناک اختلافات ومشترکات بينهما حول تلک القضايا، وما يمکن أن ننتزعه من هاتين القضيتين التاريخيتين هو أن أصل هذه القضية قد کان صحيحاً. نعم هناك اختلافات في الجزئيات، فهذه الحرب المفروضة علينا مثلاً مع توفر کافة الإمکانات، قد يقع اختلافاً في سرد أحداثها أيضاً، وهذا أمر طبيعي طبعاً.
فقد ينظر الراوي المسألة من زاوية معينة، و راو آخر من زاوية أخري، وهذا هو ما حدث في نقل وقائع کربلاء والإمام الحسين عليه السلام، لتعلق مشيئة الله أن تبقي کربلاء خالدة، ولهذا يري الإنسان هذا النظم والترتيب في واقعة الإمام الحسين عليه السلام، ولا يراهما في محل آخر، حتي في حروب النبي صلي الله عليه وآله. فلاحظوا مثلا: الشعارات التي رفعها أصحاب الإمام الحسين عليه السلام هي کلها مدونة ومسجلة في التاريخ، أسماء الشهداء، وتحرکاتهم، مثل حنظلة بن أسعد الشمامي، قالوا عنه: قاتل قتال الأبطال، والآخر: قاتل قتال المشتاقين. هذه الجزئيات کلها قد رويت في التاريخ. کانت هذه بعض النقاط أردت أن أبينها إجمالاً وهي تتعلق بعاشوراء.
أما في ما يتعلق بالسيدة رقية(س): لو أردنا أن ننکر قصتها، فعلينا أن نقبّل المقتل، ونضعه جانباً، فقد يجيء شخص أحياناً ويقول: إن قصة السيدة رقية(س) ذکرها الملا حسين الکاشفي في روضة الشهداء، ولا سند لها في هذا الأثر مثلاً، نعم، لکن هذه القصة رواها أحد الفقهاء الکبار وهو من أصحاب النظر.
عماد الدين الطبري وهو من علماء القرن السابع الهجري قمري، وتاريخ وفاته ظاهراً في عام 675ه ق، وهو عالم وفقيه جليل، ذکر المرحوم الشهيد الأول کلامه في صلاة الجمعة، وکتاب «الکامل» المشهور «بکامل البهائي»، وقد تم تأليفه في القرن السابع، حيث صرح في المجلد الثاني صفحة 179: أن هذه البنت هي ابنة الإمام الحسين عليه السلام، فقال: إن هذه الطفلة أفاقت من نومها، وقالت: أين أبي؟ فسمع يزيد«لعنه الله» صوت بکاء هذه الطفلة، وقال: خذوا الرأس إليها، فلما شاهدت هذه الطفلة رأس أبيها، فارقت روحها الدنيا، ويقول: کان عمرها أربع سنين.
ثم يقول بعد ذلک: أنه نقل ذلک من کتاب الحاوية، وليس هذا الکتاب موجود عندنا اليوم، کسائر الکثير المفقودة مع الأسف، وفي کتاب البحار، وهو مجموعة قيمة من الأحاديث جمعها المرحوم العلامة المجلسي، له بعض البيانات والشروح في ذيل بعض الأبحاث، وهي مطالب قيّمة حقيقة، وقد ذکر في مقدمة الکتاب: شاهدت أن بعض الکتب معرضة للتلف، فقلت: أن أجمعها في مجموعة لتبقي. ونحن نفقد الکثير من المصادر المذکورة في البحار اليوم، لکن المرحوم المجلسي کان يمتلک تلک المصادر قبل ثلاثمائة عام، فليس عندنا اليوم کتاب الموفقيات للزبير بن بکار، إلا أن ابن أبي الحديد کان عنده هذا الکتاب قبل ثمانمائة عام،وروي عنه.
وليس عندنا اليوم أيضاً کتاب «السقيفة وفدك» لأبي بکر الجوهري، ويعد هذا الکتاب من الکتب الأصيلة في القرن الرابع ه.ق، وقد نقل عنه ابن أبي الحديد، ويقول: من الثقاة بين أهل السنة والعامة. وعلي کل حال، قصة السيدة رقية(س) وردت في کتاب «کامل البهائي»، وقد صرح هناك بأنها ابنة للإمام الحسين عليه السلام، وقد روينا قصتها.
أما أن يأتي الإنسان هکذا، ويبين مطلباً ويقول: أنها ابنة أحد الشهداء، ولکن بأي دليل وسند؟ وهکذا، قالوا مثل هذا الکلام، فأصيب البعض بالحيرة والدهشة، وهذا ليس من المصلحة طبعاً، فلماذا نفعل هکذا؟
وقال البعض أيضاً: أن للإمام الحسين عليه السلام ابنتين، أحدهما فاطمة، والأخري سکينة، فالسيدة «رقية» ابنة من إذاً؟ ونقول في الجواب: ذکر علي بن عيسي الأربلي أن للإمام الحسين عليه السلام أربع بنات، وعلي هذا، ليس هناک مشکلة إذاً من هذه الجهة أبداً، وقد ورد اسم «رقية» في أشعار سيف بن عميرة أيضاً.
ذکر لي حجة الإسلام والمسلمين قرباني إمام جمعة «ساوه» المۆقت، وهو من رجال الدين الجيدين جدا، مطلباً نقلاً عن المرحوم الميرزا علي محدث زاده «ابن صاحب مفاتيح الشيخ عباس»، وقد کان يرتقي المنبر في طهران أنني واعدته في بعض السنوات قبل أيام من بداية شهر محرم الحرام أن يقرأ لي بعض المجالس، فأصيبت أوتاري الصوتية ببعض الإشکالات، راجعت علي إثرها الطبيب، فقال لي: لا ينبغي لک أن تتحدث أبداً، والکلام لي مضر کالسم القاتل.
لکنني واعدت علي المجالس. عقد هۆلاء المجلس بناء علي کلامي لهم، فقلت مع نفسي: إلهي ما ذا سيحصل؟ غداً الأول من محرم، وأنا لا أستطيع بهذه الحالة أن أرتقي المنبر، فتوسلت بالإمام الحسين عليه السلام، فرأيت في عالم الرۆيا، أنني في أحد المجالس، وکأن الإمام الحسين عليه السلام حاضراً في المجلس، وقد حضره عدد کبير معه، لم أکن أعرفهم، لکنني أعرف الإمام الحسين عليه السلام، فالتفت الإمام عليه السلام إلي أحد الحاضرين في المجلس ولم أکن أعرفه وقال: اقرأ المصيبة فقال: وأي مصيبة أقرأ؟ فقال الإمام الحسين عليه السلام: اقرأ مصيبة ابنتي رقية(س) فأخذ ذلک الرجل يقرأ مصيبة السيدة رقية(س)، فبکي الإمام الحسين عليه السلام کثيراً، وأهل المجلس وأنا أيضاً، وعندما استيقظت من المنام، رأيت أن أوتاري الصوتية قد تحسنت وليس بها شيء، وکنت أرتقي المنبر في ذلک العام ببرکة ما رأيته في عالم الرۆيا .
تحقيق حول السيدة رقية بنت الحسين عليه السلام لحجة الإسلام والمسلمين السيد محمد أمين پور أميني، أستاذ دروس الکلام في المرکز الفقهي للأئمة الأطهار عليهم السلام
کان لي عدة کتابات باللغة العربية والفارسية حول السيدة رقية بنت الحسين عليه السلام، وقد بذلت أقصي جهودي لتحقيق ذلک، وأجبت عن کل شبهة وسۆال حول هذه الشخصية، التي تعتبر وثيقة حية لمظلومية النهضة الحسينية، إلي أن عثرت علي مصدر مهم وقيم، أرتأيت أن أضيفه لإکمال البحث.
ذکرت الکثير من المطالب من کتاب «الکامل للبهائي» باعتباره من أقدم المصادر في هذا المجال، کتاب «الکامل للبهائي» اثر الشيخ عماد الدين حسن بن علي بن محمد بن علي الطبرى الآملي. و هو من معاصري الخواجه نصير الطوسي، کتبه بأمر الوزير بهاء الدّين محمد، ابن الوزير شمس الدين الجويني صاحب الديوان و حاکم اصفهان في حکومة هولاکوخان، و من هنا، جاءت تسميته ب«کامل البهائي».
الاسم الآخر لهذا الکتاب هو «کامل السّقيفة». وهذا الکتاب في مجلدين، کتبه في مدة اثني عشر عاماً، و تاريخ الانتهاء من تأليف الکتاب، عام 675 ق. ولمۆلّف هذا الکتاب آثار أخري مثل: مناقب الطّاهرين، معارف الحقائق و أربعين البهائي. ويعلم من مجموعة هذه الآثار جيداً أنه عالم شيعي و مۆرخ ملتزم ومتدين. و ينقل عماد الدّين الطبري أيضاً الحادثة نقلاً عن کتاب «الحاوية»، و مع الأسف لا أثر لهذا الکتاب.
فيقول: «وفي كامل البهائيّ نقلاً من كتاب الحاوية أنّ نساء أهل بيت النّبوّة أخفين على الأطفال شهادة آبائهم ويقلن لهم إنّ آباءكم قد سافروا إلى كذا وكذا، وكان الحال على ذلك المنوال حتّى أمر يزيد بأن يدخلن داره، وكان للحسين (عليه السلام) بنت صغيرة لها أربع سنين قامت ليلة من منامها وقالت: أين أبي الحسين (عليه السلام) فإنّي رأيته السّاعة في المنام مضطرباً شديداً، فلمّا سمع النّسوة ذلك بكين وبكى معهن سائر الأطفال وارتفع العويل، فانتبه يزيد من نومه وقال: ما الخبر؟ ففحّصوا عن الواقعة وقصّوها عليه، فأمر اللعين بأن يذهبوا برأس أبيها إليها، فأتوا بالرّأس الشّريف وجعلوه في حجرها ، فقالت: ما هذا ؟ قالوا: رأس أبيك. ففزعت الصّبيّة وصاحت فمرضت وتوفّيت في أيّامها بالشّام».
ويفهم من نقل عماد الدين الطبري أن الامام الحسين(ع) کان له ابنة عمرها أربع سنوات، توفيت في الشام حزناً علي أبيها، ولکن لم يذکر اسمها، وتناقل المۆرخون هذه الحادثة المۆلمة باختلاف ضئيل، وبعض الإضافات وردت بلسان الحال في کتبهم، مثل:
1. الملا حسين الکاشفي السبزواري(م910ق) في کتاب روضة الشهداء ، نقلاً عن کتاب کنزالغرائب.
2. الشيخ فخرالدّين الطريحي النجفي(م1085ق) في کتاب المنتخب .
3. السيد محمد علي شاه عبد العظيمى(م1334ق.) في کتاب الايقاد .
4. الشيخ محمد هاشم بن محمد علي الخراساني(م1352ق) في کتاب منتخب التّواريخ .
5. الشيخ عباس القمي(م1359ق) في کتاب نفس المهموم،و منتهى الآمال .
6. الشيخ محمد مهدي الحائري المازندراني في کتاب معالي السبطين .
و صرح البعض منهم باسم السيدة"رقية" أيضاً.
قال الشيخ محمد هاشم الخراساني في عده أسماء النساء الأسيرات: "التاسعة: البنت التي توفيت في خرابة الشام، لعل اسمها الشريف «رقية» من بنات سيد الشّهداء(ع)، ولها مزار في خربة الشام، ينسب إلي هذه المخدّرة، و معروف بمزار "الست رقيّة".
وذکر السيد محمد علي شاه عبد العظيمي في الايقاد: "کان للإمام الحسين عليه السلام طفلة يحبها وکانت هي أيضاً تعشق الحسين عليه السلام، قيل إن اسمها: رقية، وعمرها ثلاث سنوات، وکانت مع الأسري في الشام، وکانت تبکي لفراق أبيها ليلاً ونهاراً، وکانو يقولون لها: إن أباک في سفر.
فرأته في منامها في ليلة من الليالي، وعندما استيقظت، أخذت تبکي بکاء شديداً، وأخذت تقول: ائتوني بأبي ونور عيني، فعل اهل البيت(ع)کل شيءليهدئوها، فلم تهدá وأخذت تزداد في بکائها، وکان ألم وحزن اهل البيت(ع) يزداد لبکائها، وکانوا هم يبکون أيضاً، لطموا وجوههم، ونشروا التراب علي رۆوسهم وشعورهم، وتعالي البکاء والصيحة من کل مکان، فسمع يزيد أصوات بکائهم، وقال: ماالخبر؟ قالوا له: إن ابنة صغيرة للحسين عليه السلام رأت أباها في المنام، فاستيقضت وهي تطلبه، وهي تضج بالعويل والبکاء، فأمر يزيد بأن يۆخذ اليها رأس أبيها، وضعوه أمامها، لتهدá فعلوا ذلک،فوضعوا رأس المولي غلي طبق وهو مغطي أمامها، فلما رأت الطبق، قالت: أريد أبي، لاأريد الطعام، قالوا: أبوك هنا، فرفعت المنديل عن وجهه، فرأت رأساً، قالت: لمن هذا الرأس؟ قالوا: هذا رأس أبوک فأخذت الرأس ووضعته علي صدرها، وقالت: أبه يا أبه، من الذي أيتمني علي صغر سني!... فوضعت شفتيها علي شفتي أبيها، ثم أنّت أنّة وسکتت، وغشي عليها، فحرکوها، فإذا هي ميتة. فعلي صراخ وبکاء أهل البيت من کل جهة ... .
تناقلت الألسن هذه القصة بهذا الشکل، ونقلها السيد شاه عبد العظيمي من کتاب العوالم، والشيخ الطريحي أيضاً بهذا المضمون، وحکاها الشيخ مهدي المازندراني عنه،وهذا المطلب وإن لم يوجد في عوالم البحراني، لکن لعل المقصود بالعوالم هو کتاب آخر.
وعلي کل حال، تطرح هنا عدة أسئلة
1)کم للإمام الحسين عليه السلام من البنات؟
2)هل کان للإمام الحسين عليه السلام ابنة اسمها رقية؟
3)هل تکلم الإمام الحسين عليه السلام باسم رقية؟
4)کم رقية کانت في کربلاء؟وکم هي احتمالات المسألة؟
5)هل هناک دليل آخر غير النقل والرواية؟
واستمراراً في هذا البحث، نجيب عن السۆالين الأولين فقط، والباقي قد ذکرناه في محله.
1)کم للإمام الحسين عليه السلام من البنات؟
في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
الف) ابنتان: ذکر الشيخ المفيد أن له عليه السلام ابنتان فقط، هما فاطمة وسکينة. ووافقه مجموعة من العلماء علي ذلک.
ب) ثلاث بنات: ذکرت بعض الکتب له عليه السلام ثلاث بنات. قال الطبري الشيعي الإمامي: «و له من البنات زينب، و سکينة و فاطمة». وذکر ابن شهرآشوب،الخصيبي ، ابن الخشّاب والشيخ محمد الصبّان أيضاً مثله.
ج) أربع بنات: صرح الشيخ کمال الدين محمد بن طلحة الشافعي(م652 ق 18) في کتاب مطالب السّۆول فى مناقب آل الرّسول بوجود أربع بنات للإمام الحسين عليه السلام. وادعي علي ذلک الشهرة أيضاً، فقال: « کان له ـ أي للحسين(ع) ـ من الاولاد ذکور و اناث عشرة، ستّة ذکور، و أربع اناث، فالذّکور: علي الاکبر، علي الاوسط و هو سيّد العابدين...، و علي الاصغر، محمد، عبداللّه و جعفر. فامّا علي الاکبر فانّه قاتل بين يدي أبيه حتّى قتل شهيداً. و امّا عليّ الاصغر جاءه سهم و هو طفل فقتله... و قيل: انّ عبداللّه ايضاً قتل مع ابيه شهيداً. و امّا البنات: فزينب، سکينة و فاطمة. هذا هو المشهور، و قيل: بل کان له اربع بنين و بنتان، و الاوّل أشهر».
و قال ابن الصبّاغ المالکي أيضاً: "قال الشيخ کمال الدين بن طلحة: کان للحسين(ع) من الاولاد ذکوراً و اناثاً عشرة، ستّة ذکور وأربع اناث، فالذّکور عليّ الاکبر، عليّ الاوسط و هو زين العابدين، و عليّ الاصغر، محمد، عبد الله و جعفر... و اما البنات فزينب و سکينة و فاطمة، هذا قول مشهور .
وقال الشيخ کمال الدين بن طلحه: للحسين (ع) عشرة أولاد ذکوراً و إناثاً،ستة منهم ذکور،وأربعة إناث. والأولاد هم: علي الاکبر، علي الاوسط ـ وهو زين العابدين(ع) ـ علي الاصغر، محمد، عبد الله و جعفر...، والبنات: زينب، سکينة و فاطمة، و هذا هو قول المشهور. وذکر العلامة الاربلي مثله".
ومطابقاً لهذا القول الذي ادعي عليه الشهرة،و رواه عدة من کبار المۆرخين کالعلامة الاربلي في کشف الغمّة وابن الصباغ المالکي في الفصول المهمّة أيضاً، و لم يردوه، أن له عليه السلام أربعة بنات، فصرّحوا بأسماء ثلاثة منهن، ولم يذکروا الرابعة منهن،وبقي مجهولاً.
2)هل کان للإمام الحسين عليه السلام ابنة اسمها رقية؟
قلنا في الجواب عن السۆال الأول: عندما لم ينحصر عدد بناته عليه السلام باثنين، وبناء علي قول من ادعي فيه الشهرة، فقد صرحوا بأن له عليه السلام أربعة من البنات، هن (زينب، سکينة و فاطمة)، ويحتمل أن الرابعة هو ما تلهج به الألسن وهي السيدة المعروفة «رقية».
فبناء علي هذا، لا وجه لإنکاره من الناحية التاريخية، والأهم من ذلک وقوع الأحداث التاريخية المستمرة، تشهد أيضاً علي أن في هذا القبر الشريف ابنة من سلالة النبيين، والذرية الطاهرة لأهل البيت من ذرية الحسين عليه السلام. ومسألة غرق القبر، وفتحه، ووجود الجسد سالماً، هي کلها من المشهورات المسلمات عند أهل الشام، ومعروفاً مشتهراً لدي السنة والشيعة، وحتي الشبلنجي ذکره في نور الابصار أيضاً، وکبار علماء الشيعة، کالملا هاشم الخراساني في منتخب التواريخ و السيد ميرزا هادي الخراساني في کتاب کراماته، فاشتهار المکان، مع بذل العدو أقصي جهوده لأطفاء الجذوة الحسينية وإقصائهم، يکشف عن صحة المطلب.واليوم يسطع ويشع هذا النور لقبر السيدة رقية بنت الحسين(ع) من قلب بلد بني أمية، ولم يبق لخبر لظلم معاوية وابنه يزيد سوي اللعنة التي باتت تلاحقهم.
أما استاذنا الکبير المرحوم آية الله العظمي الحاج ميرزا جواد التبريزي (أعلي الله مقامه الشريف) فقد کان له قلب يتأجج حرقة ويتفجر حزناً لأهل بيت العصمة والطهارة، و مليئاً بالولاء والعشق لهذه الذرية الطاهرة، لما مرض، تشرف بزيارة المرقد الشريف للسيدة رقية(س) في الشام، و ألقي هناك کلمة باللغة العربية، وهي کما يلي: «إن تعلم الاحکام الشرعية والمسائل الفقهية يعد من أفضل الأعمال، وأنتم تعلمون أن هناک حدوداً تتعلق بثبوت الموضوعات الخارجية، وفيها کلها أو معظمها، ينبغي إقامة البينة، إلا هناک بعض الأمور، يکفي فيها مجرد الشهرة، ولا حاجة لإقامة البينة، أو شيء آخر، بل يکفي مجرد دعوي الشهرة.
فلو اشتري شخص أرضاً، وبعد ذلک يقال له: إن هذه الأرض وقفاً، فسألوا الإمام عليه السلام عن حکم هذه المسألة، فأجابهم عليه السلام: إذا اشتهر بين الناس أن هذه الأرض وقفاً، فلا يجوز شراۆها، وعلي المشتري أن يعيدها، ومن هذا القبيل حدود أراضي مني والمشعر الحرام «التي تثبت بالشهرة»، وکذلک المقابر، فقد يدفن فيها شخص قبل مائتي عام، وليس اليوم من أحد يري محل قبر ذلک الميت، ولکنه اشتهر أنه دفن في هذا المکان، فهذه الشهرة کافية.
وهکذا مقام ومزار السيدة رقية بنت الحسين(ع)، إذ کان مشهوراً اولاً، وکأن الإمام الحسين(ع) قد ترک منه في الشام علامة، لکي لا يأتي غداً من ينکر أسر الذرية الطاهرة وما جري لها. وهذه الطفلة الصغيرة هي أکبر شاهد علي أن أطفالاً صغاراً أيضاً کانوا في قيد الأسر، ونحن متمسکون بالشهرة علي دفن رقية بنت الحسين(ع) في هذا المکان، وأنها توفيت هنا. فذهبنا مسرعين لزيارتها، وينبغي احترامها وإجلالها.
«لا تقولوا: إنها لم تبلغ الحلم وصغيرة» فعبد الله أيضاً کان طفلاً صغيراً، وله ذلک المقام أن يدفن عند رأس أبيه الحسين عليه السلام في کربلاء،قالوا: إن دفنه في هذا المکان علامة علي أن سيد الشهداء(ع) سيحتضن هذا الطفل الرضيع بيديه، ويريه إلي أهل المحشر، وکذلك دفن هذه الطفلة الصغيرة في الشام علامة کبيرة وقوية علي أسر الذرية الطاهرة، والظلم الذي حلّ بهم، هذا الظلم الذي بکي عليه الأنبياء کلهم من آدم إلي الخاتم عليهم السلام، وأن الله قد قرأ العزاء علي آدم عليه السلام منذ بداية الخلقة.
ولهذا، يجب احترام هذا المکان، فلاتصغوا إلي الکلام الفاسد، والي الکلام الباطل الذي يقول: إنها مجرد طفلة لم تبلغ الحلم، أليس عبد الله کان طفلاً رضيعاً، يکون شاهداً يوم الحشر؟ وسيکون سبباً لقبول توبة الشيعة والمغفرة لذنوبهم ومعاصيهم إن شاء الله. فيجب علي الجميع أن يحترموا ويجلّوا هذا المکان، ولا يصغوا إلي الکلام الفاسد وعديم الجدوي الذي يصدر من مضلي الشياطين، و لا يعيروه أهمية. ونحن نتقرب إلي الله عزوجل بزيارة ابنة الإمام الحسين عليه السلام، تلك البنت المظلومة، وأهلها کلهم مظلومون».
و مع کل هذا،لو أصرّ أحد أن يقول: إن ذکر الاسم والتصريح به مهم جداً في علم التاريخ والأنساب، فنجيبه:
لقد صرّح باسمها في بعض کتب الأنساب المهمة والمعتبرة. ابو الحسن علي بن ابي القاسم بن زيد البيهقي المعروف بابن فندق ولد عام 493 هجري قمري وتوفي عام 565 هجري قمري، له کتاب قيّم في الانساب هو (لباب الأنساب والألقاب والأعقاب) وقد أعيد طبعه من قبل مکتبة المرحوم آية الله العظمي المرعشي النجفي(ره).
المولي عبد الله افندي وهو من أجلّة مشايخ ابن شهراشوب ومن کبار اصحابنا (رياض العلماء6/448). وعده المحدث النوري أحد مشايخ الاجازة وأنه عالم متبحر فاضل متکلم جليل(خاتمة مستدرک الوسائل3/99). و اعتبره المرحوم آية الله السيد محسن الامين أنه أحد مشايخ الشيعة، ومن أجلّة مشايخ ابن شهر اشوب (اعيان الشيعة8/243).
أما المرحوم الشيخ آغا بزرگ الطهراني فقد عدّه اماماً للبيهقي (الذريعه26/43). أما المرحوم آية الله المرعشي النجفي الذي کان له تبحر وآثار في علم الانساب، فله تقريظ مفصل علي هذا الکتاب، ما يقرب من150 صفحة، وقد مدح وأثني علي الکتاب والمۆلف کثيراً، ووصفه بالعلاّمة، المدرس، الخطيب، القاضي، الموالي لاهل البيت عليهم السلام.
فاتضحت بهذا الوصف الشخصية اللامعة «لابن فندق». وجهة تقدمه مهمه أيضاً، فهو من کبار علماء القرن السادس الهجري. و بهذه المقدمة نقول: إن شخصية مهمة و بهذه العظمة ذکرت السيدة رقية بنت الحسين(ع). فقال في الکتاب القيم لباب الانساب ج1، ص355 أثناء حديثه عن السادات الحسينية: «أما الحسينية فهم من أولاد الحسين بن علي عليهما السلام، ولم يبق من آولاده الا زين العابدين عليه السلام، وفاطمة، وسکينة، ورقية، فأولاد الحسين عليه السلام من قبل الأب هم من صلب زين العابدين عليه السلام».
وبهذا التصريح،يمکن حل اشکال عدم ذکر اسمها المبارک في الکتب التاريخية و الأنساب،هذا من ناحية. ومن ناحية أخري: ورد اسم هذا الکتاب في علم الانساب، و هو مقدم في الرتبة الزمانية أيضاً علي کتاب «کامل البهائي».
والحمد لله رب العالمين