العبادة الزينبية
العقيلة زينب عليها السّلام المتهجّدة العابدة:
وهي هداية اختص الله بها عباده المخلصين، فوهب لهم الجدَّ في خشيته، والدوام في الاتّصال بخدمته، حتّى سرحوا إليه في ميادين السابقين، وأسرعوا إليه في المبادرين، إذ كانت أعمالهم وأورادهم كلها ورداً واحداً، وحالهم في خدمته سرمداً، فجعل ألسنتهم بذكره لَهِجة، وقلوبهم بحبِّه مُتيَّمة. وكانت منهم فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، وثانيتهما في ذلك ابنتها العقيلة زينب سلام الله عليها، فكانت تۆدّي نوافل الليالي كاملة في أوقاتها، حتّى أنَّ الحسين عليه السّلام عندما ودّع عياله الوداع الاخير يوم عاشوراء قال لها: « يا أختاه، لا تنسيني في نافلة الليل »(1). وصدق ظنه وصدقت هي، طاعة لله، فلم تترك تهجّدها حتّى ليلة الحادي عشر من المحرم وأجساد أهلها مضرجةٌ بدمائها إلى جانبها، فصلّت من جلوس وقد هدّها المصاب ـ كما روى الإمام عليّ بن الحسين عليه السّلام(2)، والعيال في هول وفزع وحزن مرير، وكذا هي في طريق السبي.. قال الإمام زين العابدين عليه السّلام يروي فيها: «إنّ عمّتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تَرَكت نوافلها الليلية »(3).
وعنه سلام الله عليه أيضاً أنه قال: « إن عمتي زينب كانت تۆدي صلواتها من قيام: الفرائض والنوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام، وفي بعض المنازل كانت تصلي من جلوس، فسألتها عن سبب ذلك فقالت: أصلي من جلوس لشدة الجوع والضعف منذ ثلاث ليالٍ. لأنّها كانت تقسّم ما يصيبها من الطعام على الاطفال، لأن القوم كانوا يدفعون لكل واحد منّا رغيفاً من الخبز في اليوم والليلة »(4).
وروى الجواهري في ( مثير الأحزان ) عن فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السّلام أنّها قالت:... وأمّا عمّتي زينب فإنّها لم تَزَل قائمةً في تلك الليلة ـ أي ليلة العاشر من المحرّم ـ في محرابها تستغيث إلى ربّها، فما هدأت لنا عين ولا سكنت لنا رَنّة (5).
وفي هذه الأخبار دلالة لا أوضح منها على أنّ السيّدة زينب عليها السّلام كانت من القانتات اللائي وَقَفنَ حركاتهنّ وسكناتهنّ وأنفاسهنّ للباري تعالى، فحصلن بذلك على المنازل الرفيعة والدرجات العالية التي حَكَت برفعتها منازلَ المُرسلين ودرجات الأوصياء عليهم الصلاة والسلام.
السيّدة زينب عليها السّلام مفسّرة القرآن:
ذكر أهلُ السِّيَر أنّ العقيلة زينب عليها السّلام كان لها مجلس خاصّ لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء، وليس هذا بمُستكثَر عليها، فقد نزل القرآن في بيتها، وأهلُ البيت أدرى بالذي فيه، وخليقٌ بامرأةٍ عاشت في ظِلال أصحاب الكساء وتأدّبت بآدابهم وتعلّمت من علومهم أن تحظى بهذه المنزلة السامية والمرتبة الرفيعة.
ذكر السيّد نور الله الجزائري في كتاب « الخصائص الزينبيّة » أنّ السيّدة زينب عليها السّلام كان لها مجالس في بيتها في الكوفة أيّام خلافة أبيها أمير المۆمنين عليه السّلام، وكانت تفسّر القرآن للنساء. وفي بعض الأيّام كانت تفسّر « كهيعص » إذ دخل عليها أمير المۆمنين عليه السّلام فقال لها: يا قرّةَ عيني، سمعتكِ تفسّرين « كهيعص » للنساء، فقالت: نعم.
فقال عليه السّلام: هذا رمز لمصيبة تُصيبكم عترة رسول الله صلّى الله عليه وآله. ثمّ شرح لها تلك المصائب، فبكت بكاءً عالياً (6).
المصادر:
1 ـ كما ذكر البيرجندي في ( وقائع الأيّام ).
2 ـ زينب الكبرى 81.
3 ـ زينب الكبرى 81.
4 ـ زينب الكبرى 81.
5 ـ مثير الأحزان للجواهري؛ وعنه: زينب الكبرى للنقدي 62؛ رياحين الشريعة للمحلاّتي 62:3.
6 ـ الخصائص الزينبيّة للسيّد نور الدين الجزائري 68 و 69: تراجم أعلام النساء للأعلمي 170:2؛ « خاتون دوسرا » 143 و 144.