طرائف.. وظرائف (28)
هكذا عرّفوها
الواقفيّة، أو الواقفة: اسمٌ عامّ لكلّ فِرقةٍ تقف في قبول رأي الأغلبيّة حول مسألةٍ من مسائل الإمامة على خلاف الجمهور. وخُصّ هذا اللقب بفرقةٍ وقفت على إمامة الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، تزعّمها: عليّ بن أبي حمزة البطائني، وزياد بن مروان القندي، وعثمان بن عيسى الرواسي، وحيّان السرّاج. قطعوا على إمامته وأنكروا شهادته ووفاته، كما أنكروا إمامة الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام مِن بعده. وتُسمّى هذه الفرقة أيضاً: المَمْطورة.
ويُطلق لقب الواقفة على: جماعةٍ من المعتزلة مثل أبي على الجُبائي وولدِه أبي هاشم، وجماعةٍ من الخوارج، والجهميّة، والمتصوّفة. وكانت وراء أولئك نزعاتٌُ فكريّة ضالّة ورغبات ماديّة دنيويّة طامعة! (يراجع: المقالات والفِرق لسعد بن عبدالله الأشعري:236، مقالات الإسلاميين لعلي بن إسماعيل الأشعري 100:1، الحور العين لنشوان الحِمْيري:175، الملل والنِّحل للشهرستاني 147:1، ريحانة الأدب لمحمّد علي المدرّس التبريزي:272. وكذا: موسوعة الفِرق الإسلاميّة للدكتور محمّد جواد مشكور:517 ـ 518، 485 ـ 486 ( الممطورة )، 489 ـ 491 ( الموسائيّة ) ).
وهل لها جذور ؟
أو مقدّمات أو أصول تاريخيّة في حياة المسلمين ؟ نعم، يؤكّد ذلك: الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل 23:1 )، وكذا البخاري في ( صحيحه 291:2 ) أنّ عمر بن الخطّاب قال: مَن قال أنّ محمّداً قد مات قتلتُه بسيفي هذا، وإنّما رُفع إلى السماء كما رُفع عيسى!
وكتب الطبري في تاريخه ( تاريخ الأمم والملوك:197 ): كان عمر يقول: لم يَمُت! وكان يتوعّد الناسَ بالقتل في ذلك!! وذُكر عن أبي هريرة قال: لمّا تُوفّي رسول الله، قام عمر بن الخطّاب فقال: إنّ رجالاً من المنافقين يزعمون أنّ رسول الله تُوفّي، وإنّ رسول الله واللهِ ما مات! ولكنّه ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلةً ثمّ رجع بعد أن قيل قد مات، واللهِ لَيَرجعنّ رسولُ الله فليقطعن أيدي رجالٍ وأرجُلَهم يزعمون أنّ رسول الله مات. ( صحيح البخاري 8:5، جامع الأصول لابن الأثير 470:4 / خ 2075. وينظر: فتح الباري في شرح البخاري لابن حجر العسقلاني 21:7، الكامل لابن الأثير 323:2، الملل والنحل 29:1، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 178:1 ).
إلصاق!
ثمّ حاول بعضُهم جعل الواقفيّة عنواناً يُتّهَم به الشيعة، فجاء عبدالرحمان الشرقاوي ليكتب: مِن الشيعة جماعة تعتقد أنّ عليّ بن أبي طالبٍ لم يَمُت، ولكنّه رُفع إلى السماء كعيسى بن مريم عليهما السلام! ( مقال نشره في: جريدة الأهرام المصريّة بتاريخ 4 / 8 / 1978 م ).
هذا مع أنّ المُتسالَم عليه عند عامّة الشيعة:
ـ أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام استُشهِد في 21 شهر رمضان في الكوفة من أرض العراق / سنة 40 من الهجرة، بضربةٍ من عبدالرحمان بن ملجم المرادي الخارجي، وكان عليه السلام ساجداً في محرابه. ( يراجع على سبيل المثال: بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي 199:42 ـ 301 / الباب 127 ).
ـ وقد أفرد السيّد عبدالكريم بن السيّد أحمد بن طاووس كتاباً أسماه ( فرحة الغري ) أثبت فيه أنّ قبر الإمام عليٍّ عليه السلام في النجف الأشرف طاب ثراه.
ـ ثمّ إنّ الشيعة ما زالوا إلى يومنا هذا يبكونه، ويزورونه، ويُحْيون ذكرى شهادته بالمجالس والبكاء والمراسم الحزينة.
• وأكذوبة أخرى زعمها آخَرون أنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يُقتَل، بل جعل الله تعالى له شبيهاً فقُتل ذلك الشبيه، ورفع اللهُ الحسينَ إلى السماء كما رفع عيسى بنَ مريم عليهما السلام!
وقد ردّ هذا الادّعاء وتلك الفرية المحدّث البحراني الشيخ يوسف ( ت 1186 هـ ) في كتابه ( الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 425:18 ) قائلاً: كذبوا، عليهم غضبُ الله ولعنتُه، وكفروا بتكذيبهمُ النبيَّ صلّى الله عليه وآله في إخباره بأنّ الحسين عليه السلام سيُقتل، واللهِ لقد قُتل الحسين، وقُتل مَن كان خيراً من الحسين، أميرالمؤمنين والحسن بن عليّ عليهما السلام، وقد ورد في الخبر: « ما مِنّا إلاّ مقتولٌ أو مسموم » ( مَن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق 585:2 / ح 3192، عيون أخبار الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق 220:1 / ح 5 و 287 / ح 9، أمالي الصدوق:119 / ح 109 ـ عنهما: وسائل الشيعة للحرّ العاملي 568:14 / ح 5 ).
ـ وهل هنالك مجالس للعزاء والبكاء والرثاء عند الشيعة أعظم وأضخم من المجالس المقامة على طول السنة وأيّامها على مصائب سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين وشهادته صلوات الله عليه ؟!
ـ وهل هنالك زوّار أكثر مِن زوّار ضريح قبر الإمام أبي عبدالله الحسين عليه السلام ؟!
ثمّ جاءت الواقفيّة
التي اشتهرت أكثر مِن غيرها فِرقةً مُرتدّةً عن مذهب أهل البيت عليهم السلام، فأنكرت إمامةً عيّنها الله تعالى في الإمام عليّ بن موسى الرضا سلام الله عليه، وبلّغها رسول الله صلّى الله عليه وآله فنقلتها كتب الخاصّة والعامة عن أحاديثه المخبرة الشريفة، وأفصح بها الإمام موسى الكاظم عليه السلام بدلائل كثيرة قبل شهادته، بل قبل حبسه في سجون الجاني هارون العبّاسي وسمّه وإخراجه وإلقاء جثمانه المقدَّس على جسر الرصافة ببغداد، ثمّ حمله مِن قِبل مُواليه ومحبّيه لدفنه في مقابر قريش.
فهل يَخفى على أصحاب التآريخ والسِّير والرجال أنّ الذين أنكروا كلَّ هذا ـ بعد أن شاع في جموع المسلمين ـ إنّما أرادوا الاستئثار بالأموال والحقوق الشرعيّة المدّخَرة للمساكين والفقراء والمحتاجين، وكانت قد أُودِعَت عندهم وائتُمِنوا عليها فخانوا الله ورسوله، ثمّ أنكروا وافترَوا بعد أن سرقوا، ثمّ أصبحت لهم فِرقةٌ ضالّةٌ مُضِلّة، كان لها أساس عن اقتداءٍ سيِّئ بقدوةٍ سيئة!