هذا هو الرِّفْق في الإسلام
في اللغة
الرِّفْق: ضدّ العنف والشدّة، ويُراد به اليُسر في الأمور والسهولة في التوصّل إليها. ويُقال: رَفَق به وله وعليه، رِفْقاً: لانَ له جانبُه وحَسُن صنيعُه. ( مختار الصحاح للرازي:251 ـ باب رفق ).
فالرفق يحمل معاني اللين واللُّطف واليسر، وقد أكدّ عليه الإسلام داعياً إلى التخلّق به.
في القرآن الكريم
ذُكر الرفق ممدوحاً وموصوفاً به النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وآله، وهو الذي عرّفه الله تعالى بأنّه على خُلُقٍ عظيم، والذي بيّن من دواعي بعثته أنّه صلّى الله عليه وآله إنّما بُعِث ليتمّم مكارم الأخلاق.. فجاءت هذه الآيات الكريمات:
1ـ قال تعالى مخاطباً نبيَّه صلَّى الله عليه وآله: فَبِما رحمةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لهم، ولو كنتَ فَظّاً غليظَ القلبِ لانْفَضُّوا مِن حَولِك، فآعْفُ عَنهُم واستَغفِرْ لهم وشاوِرْهُم في الأمر، فإذا عَزَمت فتوكَّلْ على الله [ آل عمران:159 ]. أي: إنّ لِينَك لهم ممّا يُوجِب دخولهم في الدين؛ لأنك تأتيهم ـ مع سماحة أخلاقك وكرم سجيّتك ـ بالحجج والبراهين. ( مجمع البيان للطبرسي 869:2 ).
2 ـ وقال عزّوجلّ له: وآخفِضْ جَناحَكَ للمؤمنين [ الحجر:88 ]. أي: ألِنْ لهم جانبك وارفقْ به، عن ابن عبّاس. والعرب تقول: فلانٌ خافض الجناح، إذا كان وقوراً حليماً، وأصله أنّ الطائر إذا ضمّ فرخه إلى نفسه بسط جناحه ثمّ خفضه. ( مجمع البيان 531:6 ).
3 ـ وفي وصف عباد الرحمان قال عزّ مِن قائل: وعبادُ الرحمنِ الذينَ يَمشُونَ على الأرضِ هَوناً وإذا خاطَبَهمُ الجاهلونَ قالوا سلاماً [ الفرقان:63 ]. أي: مشيُهم بالسَّكينة والوقار والطاعة، غيرَ أشِرِين ولا مَرِحين ولا متكبّرين ولا مفسدين. قال الإمام الصادق عليه لسلام: « هو الرجل يمشي بسجيّته التي جُبل عليها، لا يتكلّف ولا يتبختر »، وقيل: معناه حلماء علماء وقيل: أتقياء أعفّاء. ( مجمع البيان 279:7 ).
4 ـ واصبِرْ على ما يقولون واهجُرْهُم هَجْراً جميلاً [ المزّمّل:10 ]. قيل: هذا الخطاب معطوف على مدخول الفاء في قوله تعالى: فاتَّخِذْ وكيلاً [ المزّمّل:9 ]، أي:إنّ لازم اتّخاذك وكيلاً أن تصبر على ما يقولون ممّا فيه إيذاؤك والاستهزاء بك ورَميُك بما ليس فيك. أما الهَجْر الجميل ـ على ما يعطيه السياق ـ فهو أن تُعامِلهم بحُسن الخُلق، والدعوة إلى الحقّ بالمناصحة، وأن لا تُواجِه قولهم بالمقابلة بالمِثل. ( الميزان للسيّد الطباطبائي 66:20 ).
5 ـ إدفَعْ بالتي هيَ أحسَنُ فإذا الذي بَينَك وبينَه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميم [ فُصّلت:34 ]. أي: إدفَعْ بالخَصلة التي هي أحسنُ الخَصلةَ السيّئة التي تقابلها وتضادّها، فادفَعْ بالحقّ الذي عندك باطلَهم، وبحِلمك جهلَهم، وبعفوك إساءتَهم، وهكذا. « فإذا الذي بينَك وبينَه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميم » بيانٌ لأثرِ الدفع بالأحسن ونتيجتِه، والمراد أنّك إن دفعتَ بالتي هي أحسن فاجأَك أنّ عدوَّك صار كأنّه وليٌّ شفيق. ( الميزان 392:17 ).
في السُّنّة النبويّة الشريفة
جاء الرفق ممدوحاً مُرغَّباً فيه، فرُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله:
أ. « الرِّفق يُمْن، والخُرقُ شُؤم » ( الكافي للكليني 119:2 / ح 4 ـ باب الرفق. والخُرق: هو الجهل والحُمق ).
ب. « إنّ الرفق لم يُوضَع على شيءٍ إلاّ زانَه، ولا نُزِع مِن شيءٍ إلاّ شانَه » ( الكافي 119:2 / ح 6 ـ باب الرفق ).
جـ. « لو كان الرفقُ خَلْقاً يُرى ما كان ممّا خَلَق اللهُ عزّوجلّ شيءٌ أحسن منه » ( الكافي 120:2 / ح 13 ).
د. « مَن أُعطيَ حظَّه مِن الرفق أُعطي حظَّه مِن خير الدنيا والآخرة » ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 229:6 ).
هـ. « الرفقُ نصف المعيشة » ( بحار الأنوار للشيخ المجلسي 349:71 / ح 19 ـ عن: السرائر لابن إدريس الحلّي ).
ز. « الرفقُ كرم » ( بحار الأنوار 414:69 ).
ط. « نِعمَ وزيرُ الإيمان العلم، ونعم وزير العلم الحلم، ونعم وزير الحلم الرفق، ونعم وزير الرفق اللين » ( قُرب الإسناد للِحمْيَري:68 / ح 217 ).
ي. « إنّ الله عزّوجلّ رفيقٌ يُحبّ الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يُعطي على العُنف » ( الكافي 119:2 / ح 5 ـ باب الرفق، عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام ).
ك. « إنّ الله يُحبّ الرفقَ ويُعين عليه » ( الكافي 120:2 / ح 12 ).
ل. « الرفقُ رأس الحكمة. اللهمّ مَن وَليَ شيئاً من أمور أُمّتي فرَفِق بهم فارفقْ به، ومَن شقّ عليهم فاشقُقْ عليه » ( بحار الأنوار 352:75 / ح 62 ـ عن: غوالي اللآلي لابن أبي جمهور ).
م. « ما اصطحَبَ اثنانِ إلاّ كان أعظمَهما أجراً وأحبّهما إلى الله عزّوجلّ أرفقُهما بصاحبه » ( الكافي 120:2 / ح 15 ).
ن. « ما زُوِيَ الرفق عن أهل بيتٍ إلاّ زُوي عنهم الخير » ( الكافي 119:2 / ح 8 ).
الرفق مع الناس
• قال تعالى: والمؤمنون والمؤمناتُ بعضُهم أولياءُ بعض [ التوبة:71 ].
• وفي رسالته الشريفة ( رسالة الحقوق ) قال الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام:
ـ وحقُّ أهل ملّتك: إضمارُ السلامة، والرحمةُ لهم والرفقُ بمُسيئهم، وتألّفُهم، واستصلاحهم.
ـ وحقُّ المُستنصِح: أن تُؤدّيَ إليه النصيحة، وليكُنْ مذهبُك الرحمةَ له والرفقَ به.
ـ حقّ الزوجة: أن تعلمَ أنّ الله عزّوجلّ جعلها لك سكَنَاً وأُنساً، وتعلمَ أنّ ذلك نعمةٌ من الله عليك، فتُكْرِمَها وترفق بها.
ـ وحقّ الصغير: رحمتُه في تعليمه، والعفو عنه والستر عليه، والرفقُ به والمعونة له » ( تحف العقول لابن شعبة الحرّاني:184 ـ 187 ).
الرفق بالحيوان
• قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إذا رَكبِتُمُ الدوابَّ العُجفَ فأنزِلوها منازلَها، فإن كانت الأرض مُجْدِبة فانْجُوا عنها، وإن كانت مُخْصِبةً فأنزلوها منازلها » ( الكافي 120:2 / ح 12 ـ باب الرفق ).
• وقال صلّى الله عليه وآله: « اركبوا هذه الدوابَّ سالمةً، وودّعوها سالمةً، ولا تتّخذوها كراسيَّ لأحاديثكم في الطُّرق والأسواق، فرُبَّ مركوبةٍ خيرٌ مِن راكبها، وأكثرُ ذِكراً لله تبارك وتعالى منه! » ( مستدرك الوسائل للميرزا النوري 50:2 ).
• وقال صلّى الله عليه وآله: « للدابّة على صاحبها ستّ خصال: يعلفُها إذا نزل، ويَعرض عليها الماءَ إذا مرّ به، ولا يضربها إلاّ على حقّ، ولا يُحمّلها ما لا تُطيق، ولا يكلّفها مِن السير إلاّ طاقتَها ولا يقف عليها أفواقاً » ( مستدرك الوسائل 50:2. والأفواق: جمع فُواق، وهو الوقت بين الحَلْبتَين، كناية عن قِصَر الوقت ).
• وفي حديث شهادة أمير المؤمنين، قالت ابنته أمّ كلثوم: ثمّ نزل إلى الدار وكان فيها إوزّ قد أُهدِي إلى أخي الحسن، فلمّا نزل خرجن وراءه وصِحْنَ في وجهه وكُنّ قبل تلك الليلةَ لم يَصِحن، ثمّ قال لي: « يا بُنيّة، بحقّي عليكِ إلاّ ما أطلقتيه، فقد حَبَستِ ما ليس له لسان، ولا يَقْدِر على الكلام إذا جاع أو عطش، فأطعميه واسقيه، وإلاّ خَلّي سبيله يأكل من حشائش الأرض » ( مستدرك الوسائل 58:2 ).
• وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله في حديث المعراج: « رأيتُ في النار صاحبة الهرّة تنهشها مُقْبِلةً ومُدْبِرة، كانت أوثقَتْها، فلم تكن تُطعمها ولم تُرسلها تأكل من حشائش الأرض » ( مستدرك الوسائل 58:2 ).
• وقال صلّى الله عليه وآله: « إذا ذبحتُم فأحسِنوا الذبح، لِيحدَّ أحدُكم شفرته لِيُريحَ ذبيحتَه »، ( وقد نهى صلّى الله عليه وآله عن قتلِ كلِّ ذي روح إلاّ أن يُؤذي. وسائل الشيعة للحرّ العاملي 297:8 ).