شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

عَون بن عبدالله بن جعفر

1 المشاركات 05.0 / 5

أبَواه

أمّه: السيّدة المكرّمة، عقيلة آل أبي طالب، زينب بنت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وبنت فاطمة الزهراء ابنة رسول الله صلّى الله عليه وآله.. فهي من أشرف نسبٍ وأطهر بيت وأسمى مَحْتِد، وهي سليلة النبوّة والإمامة والعصمة، ووريثة مجد الرسالة، ومَن في أهلها نزل قوله تبارك وتعالى:
إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكُمُ الرِّجْسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكم تطهيراً (1).
قُلْ لا أسألكُمْ عليهِ أجْراً إلاّ المودّةَ في القُربى (2).
تلك هي مولاتنا زينب صلوات الله عليها.. تربّت في حِجْر النبيّ صلّى الله عيه وآله، وكَنَف الإمام عليّ والصدّيقة الزهراء صلوات الله عليهما، فنشأت تستنشق عبقات الوحي ونسائم الرسالة، وتعيش في أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله تواكب وقائع الإسلام وما جرى على أهلها وذويها من الظلم والغصب والغدر بالسيف وبالسُّمّ.. فإذا قام أخوها الحسين سيّدُ شباب أهل الجنّة سلام الله عليه بنهضته الإلهيّة العظمى، قامت العقيلة زينب الكبرى عليها السّلام معه ورحلت إلى جانبه نحو أرض الكرب والبلاء، يرافقها ولداها: عون، ومحمّد؛ ليجاهدا بين يَدَي إمامِهما الحسين صلوات الله عليه ويُستَشهَدا، دفاعاً عن حُرَم الدِّين، وشرف الإسلام.
أبوه: عبدالله بن ( جعفر الطيّار الشهيد بمؤتة ذي الجَناحَين يطير بهما في الجنّة حيث يشاء )، وعبدالله هو أوّل مولودٍ وُلد في الإسلام بأرض الحبشة حينما هاجر أبوه جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه إليها بأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله؛ تقيّةً من إيذاء قريش ونشراً للإسلام،فأسلم على يده ملكُ الحبشة النجاشيّ، وأخذت الرسالة المحمّديّة طريقَها إلى قلوب الناس إلى يومنا هذا.
وأمّا عبدالله بن جعفر.. فكان رجلاً جليلاً، أمُّه المرأة الفاضلة أسماءُ بنت عُمَيس، تشرّف بالزواج من ابنة أمير المؤمنين العقيلة زينب سلام ربّنا عليها. وقد عُرِف عبدالله بجوده حتّى ضُرِب به المثل. وكان عبدالله قد حَظِيَ بعناية رسول الله صلّى الله عليه وآله، لا سيّما بعد شهادة أبيه.. يروي هو بنفسه قائلاً:
أخذ ( رسول الله صلّى الله عليه وآله ) بيدي يمسح بيده على رأسي حتّى رقيَ إلى المِنبر، وأجلَسَني أمامَه على الدرج السفلى والحزنُ يُعرَف عليه، فقال: إنّ المرء كثيرٌ بأخيه وابن عمّه، ألاّ إنّ جعفراً قد استُشهِد، وجُعل له جناحانِ يطير بهما في الجنّة.
ثمّ نزل ودخل بيته وأدخلني معه، وأمر بطعامٍ يُصنَع لأجلي، وأرسل إلى أخي فتغَدَّينا عنده غذاءً طيّباً مباركاً، وأقَمْنا ثلاثةَ أيّام في بيته ندور معه.. كلّما صار في بيت إحدى نسائه. ثمّ رجعنا إلى بيتنا، فأتانا رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وأنا أُساوم شاةَ أخٍ لي، فقال: اللهمّ بارِكْ له في صَفقته. فما بِعتُ شيئاً ولا اشتريتُ شيئاً إلاّ بُورِك لي فيه(3).
ولمّا أراد معاوية أن يخطب زينبَ بنت عبدالله بن جعفر لابنه يزيد، على حُكْم أبيها في الصداق وقضاء دَينه.. أجاب عبدالله: إنّ أمر نسائنا إلى الحسن بن عليّ ( عليه السّلام ). فما كان من الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه إلاّ أن زوّجها من ابن عمّها القاسم بن محمّد بن ( جعفر الطيّار )، وجعل مهرَها ضيعتَه ( بستانه ) التي كانت بالمدينة(4).
وكان عبدالله بن جعفر يعظّم الحسنَين عليهما السّلام، فقال له معاوية: ما أشدَّ تعظيمَك للحسن والحسين، وما هما بخيرٍ منك، ولا أبوهما خيرٌ مِن أبيك! فردّ عليه عبدالله، وذكر له جملةً من فضائل أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، وقال له بغضب: إنّك لَقليلُ المعرفة بهما وبأبيهما وأُمّهما.. بلى واللهِ هُما خيرٌ منيّ، وأبوهما خير من أبي، وأمهما خيرٌ مِن أمّي ( ثمّ ذكر مثالب أعداء أهل البيت عليهم السّلام، وفضائحهم في بحثٍ طويل )(5).
وحين أراد الإمام الحسين عليه السّلام أن يتحرّك نحو كربلاء.. سأله جماعةٌمن أهل بيته التريّثَ؛ خوفاً عليه مِن غدر الكوفيّين، فكتب عبدالله بن جعفر مع ابنَيه: عون ومحمد: أمّا بعد، فإنّي أسألك باللهِ لَمَا انصرفتَ حين تقرأ كتابي هذا؛ فإنّي مُشْفِق عليك مِن هذا التوجّه أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك. إنْ هلكتَ اليومَ طَفِئ نورُ الأرض؛ فإنّك عَلَم المهتدين، ورجاء المؤمنين، فلا تَعجَلْ بالسير، فإنّي في أثر كتابي، والسلام.
ثمّ أخذ عبدالله بن جعفر من والي مكّه عمرو بن سعيد بن العاص كتاباً فيه أمانٌ للحسين عليه السّلام وجاء به إلى الإمام الحسين عليه السّلام ومعه يحيى بن سعيد بن العاص وجَهِد أن يصرفه عن الرحيل، فلم يَقبَلْ ذلك منه أبو عبدالله الحسين سلام الله عليه، وعرّفه الرؤيا التي رآها، إذ قال عليه السّلام لعبدالله:
إنّي رأيتُ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله في المنام، وأمَرَني بما أنا ماضٍ له..
فلمّا يئس منه عبدُالله بن جعفر أمَرَ ابنَيه: عَوناً ومحمداً بلزوم خالهما الإمام الحسين عليه السّلام، والمسيرِ معه والجهادِ دونه(6).

 

الولد البارّ

جَمَع الإمامُ الحسين عليه السّلام أصحابه، وقد قَرُب مساء تاسوعاء، فقال فيما قاله سلام الله عليه: أمّا بعد، فإنّي لا أعلَمُ أصحاباً أولى ( أو أوفى ) ولا خيراً مِن أصحابي، ولا أهلَ بيتٍ أبَرَّ ولا أوصلَ مِن أهل بيتي، فجزاكمُ اللهُ عنّي خيراً(7).
وعون بن عبدالله بن جعفر هومن أهل بيت الإمام الحسين عليه السّلام، فيكون من أبَرِّهم وأوصلِهم.. كيف ؟
يقول المؤرّخون: إنّ الحسين عليه السّلام خطب أصحابه في كربلاء، فقال: ألاَ وإنّي أظنُّ يومَنا مِن هؤلاءِ الأعداء غداً، وإنّي قد أذِنتُ لكم، فانطلِقوا جميعاً في حِلٍّ ليس عليكم منّي ذِمام، وهذا الليلُ قد غَشِيَكم فاتَّخِذوه جَمَلاً، ولْيأخُذْ كلُّ رجلٍ منكم بيدِ رَجُلٍ مِن أهل بيتيِ، فجزاكمُ اللهُ جميعاً خيراً، وتفرّقوا في سَوادكم ومَدائنكم؛ فإنّ القوم إنّما يطلبونني، ولو أصابوبني لَذَهِلُوا عن طلب غيري.
فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبدالله بن جعفر ( أي عون ومحمّد ): ولِمَ ذلك ؟! لنبقى بعدك ؟! لا أرانا اللهُ ذلك أبداً.
بدأهم بهذا القول العبّاسُ بن عليّ، وتابعه الهاشميّون.
والتفت الإمام الحسين عليه السّلام إلى بني عقيل وقال: حَسبُكم مِن القتل بمسلم، اذهبوا قد أذِنتُ لكم.
فقالوا: إذاً ما يقول الناس وما نقول لهم ؟! إنّا تَرَكْنا شيخَنا وسيّدَنا وبني عُمومتنا خير الأعمام، ولم نَرْمِ معهم بسهم، ولم نَطعنْ برمح، ولم نَضربْ بسيف، ولا ندري ما صنعوا! لا واللهِ لا نفعل، ولكنْ نَفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، نقاتل معك حتّى نَرِد مَورِدَك، فقبّحَ الله العيشَ بعدك(8).
وتكلّم الأصحاب بعد ذلك بكلامٍ طيّب، فعرَفَ الإمام الحسين صلوات الله عليه صِدق نيّاتهم وإخلاص أرواحهم في المفاداة دونه، فأوقفهم على غامض القضاء يعرّفهم منازلهم ومقاماتهم(9).
وتلك هي الثُّلّة المؤمنة التي يصفها الشاعر:

سَطَتْ ورَحَى الهيجـاءِ تَطحَنُ شُـوسَها   ووجـهُ الضُّـحى فـي نَقعِـها مُتَنقِّبُ
تَهَلّلُ بِشْـراً بـالـقِـراعِ وجـوهُـها   وكَـم وَجْـهِ ضرغـامٍ هنـاك مُقطِّبُ
وتَلتذُّ إنْ جـاءتْ لهـا السُّمـرُ تَلتَـوي   وللبِيضِ إنْ سُلّتْ لدى الضـرب تَطرَبُ
أعـزّاءُ لا تَلـوي الـرقـابَ لفـادحٍ   ولا مِن أُلـوفٍ فـي الكـريهةِ تَرهَبُ
فمـا لسـوى العليـاءِ تاقَت نفـوسُهم   ولم تَكُ فـي شـيءٍ سوى العِزِّ تَرغبُ
فلـو أنّ مجـداً فـي الثـريّـا لَحلّقتْ   إلـيـهِ، وشـأنُ الشَّـهمِ للمـجدِ يَطلبُ
فـأسيافُهم يـومَ الوغـى تُمطِر الدِّمـا   وأيديهمُ مِـن جُودِهـا الدهـرُ مُخصَبُ
وما بَرِحتْ تُقـري المـواضي لحومَها   ومِن دمِها السُّمـرُ العَواسـلُ تَشـربُ
إلى أن تهـاوتْ كالكواكبِ فـي الثَّرى   وما بعدَهم يا ليتَ لا لاحَ كوكبُ!(10)

 

البروز إلى الشهادة

لمّا قُتل عبدالله بن مسلم.. حَمَل آل أبي طالب حملةً واحدة، فصاح بهم الحسين عليه السّلام: صبراً على الموت يا بني عمومتي! واللهِ لا رأيتُم هَواناً بعد هذا اليوم(11).
وكان ممّن برز مِن أهل بيت الحسين عليه السّلام.. عون بن عبدالله بن جعفر، ابن العقيلة زينب عليها السّلام وهي تنظر إلى ولدها من خيمتها، فبرز عون إلى ساحة الجهاد وهو يقول مفتخراً بجدّه جعفر الطيّار:

إنْ تُنكِروني فأنـا آبنُ جعفرِ   شهيدِ صِدقٍ في الجِنانِ أزهَرِ
يَطيرُ فيها بجـنـاحٍ أخضرِ   كفى بهذا شرفاً فـي المَحشرِ

 

فضربَ عَونٌ فيهم بسيفه، وقاتَلَ حتّى قتَلَ مِن عسكر عمر بن سعد ثلاثةَ فوارس وثمانية عشر راجلاً.. فحمَلَ عليه عبدُالله بن قُطنة الطائيّ النبهانيّ(12)، فقتَله رضوانُ الله عليه أمام عينَي أُمّه الحوراء زينب الكبرى عليها السّلام(13).

وفيه يقول سليمان بن قتّة التَّيميّ من قصيدةٍ يرثي بها الإمامَ الحسين عليه السّلام:

عـيني جُـودي بعـبرةٍ وعـويلِ   وآنْدُبي إن بكـيـتِ آلَ الـرسـولِ
ستّـةٌ كـلُّهـم لــصُـلْبِ عـليٍّ   قد أُصيـبوا، وسـبـعةٌ لعـقيـلِ
واندبي إن نَــدَبْــتِ عَوْناً أخاهم   لـيـس فـيما يَنـوبُهـم بِـخَذولِ
فـلَـعَـمري لقد أُصيب ذَوو القُر....   بى، فابكي على المصاب الطويلِ(14)

 

سلوى

قال الشيخ المفيد: دخل بعضُ مَوالي عبدالله بن جعفر فنعى إليه ابنَيه ( عَوناً ومحمّداً )، فاسترجع عبدُالله بن جعفر ( أي قال: إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون )، فقال أبو السلاسل ( وفي بعض الروايات: أبو اللَّسْلاس ) مولى عبدالله: هذا ما لَقِينا من الحسين بن عليّ! فحَذفَه عبدُالله بن جعفر بنعله(15)، ثمّ قال له: يا ابنَ اللَّخْناء! ألِلحسينِ تقول هذا ؟! واللهِ لو شَهِدتُه لأحببتُ أن لا أُفارقَه حتّى أُقتلَ معه(16). والله إنّه لَمِمّا يُسخّي بنفسي عنهما ( أي عن وَلَديه: عونٍ وجعفر ) ويُعزّي عن المصاب بهما، أنّهما أُصيبا مع أخي وابنِ عمّي؛ مُواسِيَين له، صابرَينِ معه.
ثمّ أقبلَ عبدُالله بن جعفر على جلسائه فقال: الحمد لله.. عَزّ علَيّ مصرعُ الحسين أن لا أكون آسَيتُ حُسَيناً بيدي، فقد آساه وَلَداي(17).
فسلامٌ من الله تعالى عليك يا عون، ومن الإمام المهديّ صلوات الله عليه، حيث زارك والشهداءَ معك، وخصّك بهذا السلام:
السّلامُ على عونِ بنِ عبدِالله بنِ جعفرٍ الطيّارِ في الجِنان، حليفِ الإيمان، ومُنازِلِ الأقران، الناصحِ للرحمان، التالي للمَثاني والقرآن. لَعَنَ اللهُ قاتِلَه عبدَالله بنَ قُطْبةَ النبهانيّ(18).

-----------

1 ـ سورة الأحزاب:33.
2 ـ سورة الشورى:23.
3 ـ إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسيّ 64 ـ 65.
4 ـ بحار الأنوار للشيخ المجلسيّ 119:44 ـ 120 / ح 13.
5 ـ الاحتجاج لأبي منصور أحمد بن عليّ الطبرسيّ 147 ـ 148، عنه: بحار الأنوار 97:44 ـ 102 / ح 9.
6 ـ بحار الأنوار 366:44. تاريخ الطبريّ 219:6. الكامل في التاريخ لابن الأثير 17:4. البداي والنهاية لابن كثير 163:6.
7 ـ تاريخ الطبريّ 238:6 ـ 239 ؛ الكامل 34:4.
8 ـ تاريخ الطبريّ 238:6 ؛ الكامل لابن الأثير 24:4 ؛ الإرشاد للشيخ المفيد 231؛ اللهوف في قتلى الطفوف للسيّد ابن طاووس 39؛ إعلام الورى 141؛ سِير أعلام النبلاء للذهبيّ 202:2.
9 ـ تاريخ الطبريّ 239:6 ؛ اللهوف 39 ـ 40. الإرشاد 231 ـ 232.
10 ـ من قصيدةٍ للشيخ حسون الحليّ: شعراء الحلّة لعلي الخاقانيّ 104:2.
11 ـ هذه الجملة هي الظاهرة ممّا ذكره الطبريّ في تاريخه 256:6. والنداء بالصبر نصّ عليه الخوارزميّ في مقتل الحسين عليه السّلام 78:2، والسيّد ابنُ طاووس في اللهوف في قتلى الطفوف 50.. وفيه: صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهلَ بيتي، فَوَاللهِ لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً.
12 ـ وفي بعض النسخ: عبدالله بن قطبة التيهانيّ أو البتهانيّ، أو عبدالله بن بطّة الطائيّ.
13 ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 106:4 ؛ بحار الأنوار 34:45، 44؛ إبصار العين في أنصار الحسين عليه السّلام للشيخ محمّد السماويّ 39.
14 ـ إبصار العين 39 ـ 40.
15 ـ الحَذْف يُستعمَل في الضرب والرمي معه، وحذفُ الشيء إسقاطه ـ مجمع البحرين للشيخ الطريحيّ 35:5 ـ باب حذف.
16 ـ يبدو أن عبدالله بن جعفر كان معذوراً عن الجهاد.
17 ـ الإرشاد 247؛ تاريخ الطبريّ 268:6؛ بحار الأنوار 122:45 ـ 123.
18 ـ إقبال الأعمال للسيّد ابن طاووس 575.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية