هذا الشهيد

جَبَلة بن عليّ، من شيبان من العدنانيّة عرب الشمال(1). كان رجلاً شجاعاً من شجعان الكوفة.. شهد صِفّين مع أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام، وقام مع مسلم بن عقيل رضوان الله عليه أوّلاً، ثمّ جاء إلى الإمام الحسين عليه السّلام ملتحقاً به ثانياً. وقد ذكَرَه بالمدح والثناء جملةُ أهل السِّير(2).

 

الحملة الأولى

خَطَب الإمامُ الحسين عليه السّلام خُطبتَه الأولى في ساحة الطفّ يوم عاشوراء، فعارضه شمرُ بن ذي الجَوشَن بكلامٍ بذيء مترشّحٍ عن نفسه الخبيثة الوضيعة، وعارضه عمر بن سعد بأنْ زَحَف بعسكره نحوه. وخطَبَ سلامُ الله عليه خطبتَه الثانية، وكان أن قال فيها:
ـ الاَ وإنّ الدَّعيَّ بنَ الدعيّ، قد رَكَزَ بين اثنتَين: بين السِّلّة والذِّلّة، وهيهاتَ منّا الذلّة! يأبى اللهُ لنا ذلك ورسولُه والمؤمنون، وحُجورٌ طابت وطَهُرت، وأُنوفٌ حميّة، ونفوسٌ أبيّة، مِن أن نُؤثرَ طاعةَ اللِّئام، على مَصارعِ الكرام..(3)
ووعظَ الإمامُ الحسين عليه السّلام عمرَ بنَ سعد، والزَمَه الحُجّةَ بالغةً قاطعة، فأبى إلاّ الضَّلال، واختار لنفسه الخُسرانَ المبين، فتقدّم نحو عسكر الحسين صلوات الله عليه ورمى بسهم، ثمّ رمى عسكرُه بوابلٍ من السِّهام، فلم يَبْق من أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام أحدٌ إلاّ أصابه مِن سِهامهم، فقال عليه السّلام لأصحابه: قُوموا ـ رحمكمُ الله ـ إلى الموت الذي لابدّ منه؛ فإنّ هذه السِّهامَ رسُلُ القوم إليكم.
وهنا قام جَبَلةُ بن عليٍّ الشَّيبانيّ في جملة الأصحاب الغَيارى؛ ليدافع عن الحقّ ويُلبّيَ نداءَ إمامه سيّد شباب أهل الجنة أبي عبدالله الحسين سلام الله عليه.. قام ليشترك في الحملة الأولى.
حَمَل أصحابُ الإمام الحسين عليه السّلام حملةً واحدة ـ على قلّتهم وما أصابهم من السهام ـ واقتَتَلوا ساعةً مِن النهار، فما انجلت غُبرةُ هذه المعركة إلاّ عن خمسين شهيداً بين يَدَي سيّد الشهداء عليه السّلام وعليهم(4).

وفَوارسٌ لَبِسُـوا القلوبَ سَوابغاً		في الرَّوعِ عندَ الغـارةِ المِلْحاحِ
كأسُ المنايا الحُمْرِ فـي أفواهِهم		في اللهِ أعذَبُ مِن كؤوسِ الرّاحِ
مِن كلِّ أبيضَ يُستضـاءُ بوجهِهِ		وبسـيفهِ فـي كلِّ ليـلِ كفـاحِ
أحسـابُهم ووجوهُهم وسـيوفُهم		إصبـاحُها يُغني عنِ المِصـباحِ
يتسابقونَ إلى الـوغى.. وكأنّهم		سَيلٌ تَدَفّـقَ فـي بُطونِ بِطـاحِ
قد تاجَروا ربَّ السَّـما بنفوسِهِم		فحَظَوا لَـدَيـهِ بأغنَمِ الأربـاحِ
وسَقى مَثاويهم بِعَـرصةِ كربلا		ربُّ السمـاءِ بوابلٍ سَحْساحِ(5)

 

مِن بينِهم

وكان من شهداء هذه الحملة: جَبَلة بن عليٍّ الشيبانيّ(6)، فسلامٌ من الله تعالى عليه في الشهداء، وسلامٌ عليه من خاتَمِ الأوصياء، الإمام المهديّ المنتظر صلوات الله عليه وعلى آبائه، حيث خصّه في زيارته لشهداء كربلاء بهذه العبارة الشريفة:
السلامُ على جَبَلَةَ بنِ عليٍّ الشَّيبانيّ(7).

---------------
1 ـ لعلّه مُتّحد مع: جَبَلة بن عبدالله الذي ورد ذِكرُه في الزيارة الرجبيّة، وقد ذَكَرهما السيّد الخوئيّ في ( معجم رجال الحديث 34:4 ) في عنوانين.
2 ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 113:4 ؛ إبصار العين في أنصار الحسين عليه السّلام للشيخ محمّد السماويّ 124؛ العيون العَبرى في مقتل سيّد الشهداء عليه السّلام للسيّد إبراهيم الميانجيّ 109؛ تنقيح المقال للشيخ عبدالله المامقانيّ ـ باب الجيم..
3 ـ اللهوف في قتلى الطفوف للسيّد ابن طاووس 42؛ مقتل العوالم للشيخ عبدالله البحرانيّ 84.
4 ـ الخطط المقريزيّة للمقريزيّ 287:2 ؛ اللهوف 43 ـ 44 ؛ بحار الأنوار للشيخ المجلسيّ 12:45 ـ عن محمّد بن أبي طالب.
5 ـ من قصيدةٍ للسيّد محسن الأمين ـ ضمن كتابه ( الدرّ النضيد في مراثي السبط الشهيد 87 ـ 88 ).
6 ـ مناقب آل أبي طالب 113:4 ، الحدائق الورديّة لليمانيّ ( مخطوط ) ـ عنه: إبصار العين 124، والعيون العبرى 109.
7 ـ إقبال الأعمال للسيّد ابن طاووس 577.