شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

زاهد مولى عمرو بن الحَمِق

1 المشاركات 05.0 / 5

مَن هو « زاهد » ؟(1)

هو رجلٌ كوفيّ، بل من شخصيّات الكوفة، مِن موالي كِندة، وكان من أصحاب الشجرة(2)، روى عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، وشهد الحديبيّة وخيبراً(3). وهو جدّ الراوي المعروف محمّد بن سِنان الزاهريّ صاحب الرواية والصحبة مع الأئمّة: الكاظم والرضا والجواد عليهم السّلام، والمتوفّى سنة 220 هجريّة(4).
وكان زاهد بطلاً مُجرَّباً، وشجاعاً مشهوراً، ومحبّاً لأهل البيت معروفاً(5)، وكان مِن أصحاب عَمْرو بن الحَمِق.. قال أهل السِّيَر:
إنّ عَمْرو بن الحَمِق لمّا قام على زياد بن أبيه، قام زاهد معه، وكان صاحبَه في القول والفعل، ولمّا طلَبَ معاويةُ بن أبي سفيان عَمْراً، طلَبَ معه زاهداً، فقتَلَ عَمْراً وأفلَتَ زاهدٌ(6).

 

اللقاء المُوفّق

حَجّ زاهد سنة ستّين من الهجرة النبويّة المباركة، وكان الإمام الحسين عليه السّلام في مكّة المكرّمة، فالتقى زاهد به.. فلمّا بلغ الإمامَ الحسين سلام الله عليه أنّ يزيد بن معاوية أنفَذَ عَمْرو بن سعيد بن العاص في عسكرٍ له، وأمّره على الحجيج وولاّه أمر الموسم، وأوصاه بالفتك بالحسين أينما وجَدَه(7).. عزم سيّد الشهداء أبو عبدالله الحسين عليه السّلام على الخروج من مكّة قبل إتمام حَجّه، مقتصراً على العُمرة؛ كراهيةَ أن تُستباحَ به حُرمةُ البيت الحرام ( الكعبة المشرّفة )(8).
وقبل أن يخرج صلوات الله عليه، قام خطيباً فقال:
الحمد لله، وما شاء الله، ولا قوّة إلاّ بالله، وصلّى الله على رسوله. خُطَّ الموتُ على وُلْدِ آدم مَخَطَّ القِلادةِ على جِيدِ الفتاة، وما أوْلَهَني إلى أسلافي اشتياقَ يعقوب إلى يُوسُف! وخِير لي مَصرَعٌ أنا لاقِيه. كأنّي بأوصالي تُقَطّعُها عُسْلانُ الفَلاة(9) بين النَّواوِيس وكربلا، فيَملأنَ منّي أكراشاً جُوفاً وأجْرِبَةً سُغْباً. لا مَحيصَ عن يومٍ خُطَّ بالقلم. رضى اللهِ رضانا أهلَ البيت، نَصبرُ على بلائه ويُوفّينا أُجورَ الصابرين، لن تَشذَّ عن رسول الله لحمتُه، بل هيَ مجموعةٌ له في حضيرة القُدْس، تَقَرُّ بها عينُه، ويُنجَز بهم وَعْدُه. ألاَ مَن كان فينا باذلاً مُهجَتَه، مُوطِّناً على لقاء اللهِ نَفْسَه، فَلْيرحَلْ معنا؛ فإنّي راحلٌ مُصْبِحاً إنْ شاء اللهُ تعالى(10).
وكان الإمام الحسين عليه السّلام خرَجَ من مكّة لثمانٍ مضَينَ من ذي الحجّة الحرام، وخرج معه أهلُ بيته، ومواليه وشيعتُه مِن أهل الحجاز والبصرة والكوفة الذين انضمّوا إليه خلال إقامته عليه السّلام بمكّة.. وفيهم « زاهد » رضوان الله عليه، خرج مع الإمام سيّد شباب أهل الجنّة عليه السّلام، فصَحِبَه.. حتّى حضر معه كربلاء(11).

 

التخيير.. المصير

قربَ مساءِ عاشوراء.. خَطَب الإمام الحسين عليه السّلام بالرَّكب القادم معه، فقال: ألاَ وإنّي أظنُّ يومَنا مِن هؤلاء الأعداء غداً، وإنّي قد أذِنتُ لكم، فانطَلِقوا جميعاً في حِلٍّ ليس عليكم منّي ذِمام..
فأبى أهلُ بيته وتكلّموا، بدأهم بذلك أبو الفضل العبّاس عليه السّلام. ثمّ تكلّم أصحابه.. فقال مسلم بن عَوسَجة: أمَا واللهِ لا أُفارقك حتّى أَطعنَ في صدورهم برمحي، وأضربَ بسيفي ما ثبَتَ قائمه بيدي، ولو لم يكن معي سلاح أُقاتلهم به لَقذَفْتُهم بالحجارة حتّى أموتَ معك. وقال سعيد بن عبدالله الحَنَفيّ: واللهِ لا نُخلّيك حتّى يعلمَ اللهُ أنّا قد حَفِظْنا غيبة رسوله فيك. وقال زهير بن القين: واللهِ لَوددتُ أنّي قُتِلتُ ونُشِرت، ثمّ قُتلتُ حتّى أُقْتَلَ كذا ألفَ مرّة، وأنّ الله عزّوجلّ يدفع بذلك القتلَ عن نفسك وعن أنفُس هؤلاء الفتيان مِن أهل بيتك.
وتكلّم باقي الأصحاب بما يشبه بعضُه بعضاً فجزّاهمُ الحسينُ خيراً(12).
وإذا كان « زاهد » لم يتكلّم بلسانه، فقد ثَبَت وتَثبّت على أقوالهم، وكان موقفه منضمّاً إلى موقفهم. قال الشاعر الأديب يصف ذلك:

وأتـى المسـاءُ وقـد تغيّر وجـهُه   واليـومُ مُحتشِدُ الـبـلاءِ عَصـيبُ
قال: آذهبوا، وآنْجُوا ونَجُّوا أهل بيـ   تـي؛ إنّنـي وحـدي أنـا المطلوبُ
لا ذِمّـةٌ منّــي عليـكـم لا، ولا   حَــرَجٌ ينـالُـكـمُ ولا تَثْـريـبُ
فـأبَتْ نفـوسُـهُم الأبيّـةُ عنـدَ ذا   أن يتـركوه مع العِـدى ويَؤُوبـوا
وتَواثَبَتْ أبـطالُـهم.. وجمـيعُـها   بالحـزمِ والقـولِ السـديد تُجـيبُ
كلاّ.. فلسنـا تـاركيكَ، ومـا بـهِ   يومَ القـيـامـة للنبـيِّ نُجـيبُ ؟!
نَفـديك بالمُـهَجِ الغوالي نبتغي الـرْ   رِضوانَ، ما فينـا بذاك مُريبُ(13)

الشهادة.. السعادة

وكانت الحملة الأولى.. بعد أن زَحَفت جيوشُ عمر بن سعد نحو عسكر الإمام الحسين عليه السّلام، وبعد أن رمى عمر بن سعد سَهْمَ شَرارة الحرب، ورمى أصحابه من بعده، فصار أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام وعليهم بين جريح وطريح، فناداهم سيّدُهم بالنهوض إلى الموت الذي لابدّ منه، وإلى إتمام هذه الملحمة الإلهيّة التي تُهدى فيها الأرواح في ساحة الحقّ والشهادة العظمى، فقاموا وحملوا حملةً واحدةً، واقتتلوا اقتتالاً شديدة خلّف خمسين صريعاً بين يَدَي سيّد الشهداء عليه السّلام(14).. وكان مِن بين الشهداء الأبرار في هذه الحملة: زاهد رضوان الله عليه(15).
فسلامٌ عليه في الأوفياء.. وسلامٌ عليه في الشهداء..
وسلامٌ عليه في السعداء.. وسلامٌ عليه من الله تعالى
ومن خاتم الأوصياء.. الإمام المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فَرَجَه،
حيث يقول في زيارته لشهداء كربلاء:

السلامُ على زاهدٍ مَوْلى عَمْرِو بنِ الحَمِقِ الخُزاعيّ(16).

------------
1 ـ ذُكر في بعض المصادر ـ خَطَأً ـ باسم: زاهر بن عمرو الكِنديّ، كما في ترجمة محمّد بن سنان في ( معجم رجال الحديث 215:7 ) للسيّد الخوئيّ، عن النجاشيّ.
2 ـ الذين شهدوا بيعة الرضوان.
3 ـ العيون العبرى في مقتل سيّد الشهداء إبراهيم الميانجيّ 108 ـ نقلاً عن تنقيح المقال للشيخ عبدالله المامقانيّ.
4 ـ رجال الطوسيّ 73.
5 ـ إبصار العين في أنصار الحسين عليه السّلام للشيخ محمّد السماويّ 103.
6 ـ إبصار العين 103.
7 ـ المنتخب للطريحيّ ـ مجلس الليلة العاشرة ص 304.
8 ـ مثير الأحزان لابن نما 89؛ تاريخ الطبريّ 177:6.
9 ـ أي ذئاب الصحراء.
10 ـ اللهوف في قتلى الطفوف لابن طاووس 26.
11 ـ نَفَس المهموم للشيخ عبّاس القمّي 91؛ إبصار العين 103؛ العيون العبرى 108 ـ 109.
12 ـ تاريخ الطبريّ 238:6 ؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير 24:4 ؛ سير أعلام النبلاء للذهبيّ 202:3 ؛ الإرشاد للشيخ المفيد 231.
13 ـ من قصيدة للسيّد محسن الأمين ضمن كتابه ( الدرّ النضيد في مراثي السبط الشهيد 23 ).
14 ـ الخطط المقريزيّة للمقريزيّ 287:2 ؛ اللهوف 43 ـ 44؛ بحار الأنوار للشيخ المجلسيّ 12:45.
15 ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 113:4 ـ عنه إبصار العين 103، والعيون العبرى 109.
16 ـ إقبال الأعمال للسيّد ابن طاووس 577.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية