شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

قيس بنُ مُسْهِر الصَّيْداويّ

1 المشاركات 05.0 / 5

قَيْسٌ هذا

هو ابن مُسْهِر بن خالد بن جُنْدَب بن مُنقِذ بن عمرو... بن خُزَيمة الأسديّ الصَّيْداويّ، وصَيّدا بطنٌ مِن قبيلة أسد.
وقيس رضوان الله عليه هذا شابٌّ كوفيّ مِن أشراف بني أسد، ورجلٌ شريف معروف في بني الصَّيْدا. كان شجاعاً، مخلصاً في محبّة أهل البيت عليهم السّلام، وهو أحدُ حَمَلة الرسائل مِن قِبَل الكوفيّين إلى الإمام الحسين عليه السّلام بعد إعلام الإمام الحسين سلام الله عليه رفْضَه لبيعة يزيد بن معاوية، وخروجه من المدينة إلى مكّة(1).

 

المهمّة الكبيرة

بعد هلاك معاوية بن أبي سفيان، اجتَمَعت الشيعةُ في منزل سليمان بن صُرَد الخُزاعيّ، فكتبوا للإمام الحسين عليه السّلام كتباً يدعونه فيها للبيعة، وسَرَّحوا كتبَهم هذه مع عبدالله بن سبع وعبدالله بن وال، ثمّ لبثوا يومَين فكتبوا إلى أبي عبدالله الحسين عليه السّلام مع قيس بن مُسْهِر الصيداويّ وعبدالرحمان بن عبدالله الأرحَبيّ، ثمّ لبثوا يومين فكتبوا إليه مع سعيد بن عبدالله وهاني بن هاني.
وصورة الكتب للإمام الحسين سلام الله عليه:
مِن شيعة المؤمنين.. أمّا بعد، فَحَيْهلاَ؛ فإنّ الناس ينتظرونك، لا أرى لهم في غيرك، فالعَجَلَ العَجل، والسلام.
فدعا الإمامُ الحسين عليه السّلام مسلمَ بنَ عقيل رضوان الله عليه، وأرسله إلى الكوفة، وأرسل معه قيسَ بن مسهر وعبدالرحمان الأرحبيّ. فيكون قيس بن مسهر قد صَحِبَ مسلماً مِن مكّة مبعوثاً مِن قِبَل الإمام الحسين صلوات الله عليه إلى الكوفة.
سار هؤلاء الثلاثة مع دليلَين لهما، فلمّا وصلوا إلى مضيقٍ في « بطن خَبْت » ضَلّ دليلاه وعَطِشوا، ثمّ سَقَطوا على الطريق.. فبعث مسلمُ بن عقيل قيساً بكتابٍ إلى الإمام الحسين عليه السّلام يخبره بما كان، فلما وصل قيس بن مسهر إلى الإمام الحسين عليه السّلام بالكتاب أعاد الإمام الجوابَ لمسلم مع قيس بن مسهر، فسار قيس بن مسهر مع مسلم بن عقيل مواصلاً طريقه إلى الكوفة.
وفي الكوفة.. رأى مسلمُ بن عقيل عليه السّلام اجتماعَ الناس على البيعة لسيّد شباب أهل الجنّة، الحسينِ بن عليّ عليهما السّلام، فكتب مسلم إلى الإمام الحسين عليه السّلام بذلك كتاباً سرّحه مع قيس بن مسهر أيضاً، وأصحَبَه عابساً الشاكريّ وشَوْذباً مولاه، فقَدِموا إلى مكّة مُلازِمينَ الإمامَ الحسين عليه السّلام إلى أن تحرّك الركبُ الحسينيّ نحو كربلاء، فتحرّكوا معه(2).

 

نحو كربلاء

سار الإمام الحسين عليه السّلام مِن مكّة المكرّمة متّجهاً نحو العراق.. فنزل « ذات عرق »(3)، وبعث عبيدُ الله بن زياد إلى الحصَين بن نُمَير في أربعة آلاف فارس فنزل القادسيّة قريباُ من القَطقَطانيّة(4)، واستمرّ الإمام الحسين عليه السّلام في رَكْبه المبارك.. فلمّا وصل إلى « الحاجر » من بطن الرمّة(5) كتب عليه السّلام إلى أهل الكوفة جوابَ كتاب مسلم بن عقيل، وبعثه مع قيس بن مسهر، وصورتُه:
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم: من الحسين بن عليّ، إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين. سلامٌ عليكم، فإنّي أحمَدُ اليكمُ اللهَ الذي لا إله إلاّ هو.
أمّا بعد، فإنّ كتابَ مسلمِ بنِ عقيل جاءني يُخْبِر فيه بحُسْنِ رأيكم، واجتماعِ مَلأكم علَيّ. وقد شَخِصتُ إليكم مِن مكّة يومَ الثلاثاء لثمانٍ مَضَين مِن ذي الحجّة يومَ التَّروية، فإذا قَدِمَ عليكم رسولي فانكمِشوا في أمركم وجِدُّوا؛ فإنّي قادمٌ عليكم في أيّامي هذه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكان مسلم بن عقيل رضوان الله عليه كتب إلى الإمام الحسين عليه السّلام قبل أن يُقتَل في الكوفة بسبعٍ وعشرين ليلة، وكتب إلى الإمام الحسين عليه السّلام أهلُ الكوفة أنّ لك هنا مائةَ ألفِ سيف، فلا تتأخّرْ(6).
وإلى كُتبِ أهل الكوفة أشار سيّدُ الشهداء الحسين عليه السّلام في « شَراف »(7).
بعد أن صلّى الظهر وصلّى الحرّ وأصحابه بصلاته، فخطب عليه السّلام وقال:
أيُّها الناس، إنّكم إن تَتّقُوا اللهَ وتَعرِفوا الحقَّ لأهله، يكنْ أرضى لله، ونحن أهلَ بيتِ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله أولى بولاية هذا الأمر مِن هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين بالجور والعدوان. وإن أبَيتُم إلاّ الكراهيةَ لنا والجهلَ بحقِّنا، وكان رأيُكمُ الآنَ على غيرِ ما أتَتْني به كتبُكم، انصرفتُ عنكم.
فقال الحرّ: ما أدري ما هذه الكتب التي تذكرها ؟!
فأمر الإمامُ الحسين عليه السّلام عُقبةَ بن سمعان، فأخرج خُرجَينِ مملوءينِ كتباً..(8).
أو قال ـ كما في رواية الشيخ المفيد:
أيُّها الناس، إنّي لم آتِكم حتّى أتَتْني كتبُكم، وقَدِمَتْ علَيّ رسلُكم.. أن آقْدِمْ علينا؛ فإنّه ليس لنا إمام، لعلّ اللهَ أن يجمعَنا بك على الهدى والحقّ. فإنْ كنتُم على ذلك فقد جئتُكم، فأعطوني ما أطمئنّ إليه مِن عهودكم ومَواثيقكم، وإن لم تفعلوا وكنتُم لقدومي كارهين، انصرفتُ عنكم إلى المكان الذي جئتُ منه إليكم.
فسكتوا عنه، ولم يتكلّمْ أحدٌ منهم بكلمة!(9)
ويوم عاشوراء.. كان للإمام الحسين سلام الله عليه خطبةٌ في القوم أوقفَهم فيها على حقائقَ ساطعة، ثمّ نادى:
يا شَبَثَ بنَ رِبْعيّ، ويا حَجّارَ بنَ أبْجَر، ويا قيسَ بنَ الأشعث، ويا زيدَ بنَ الحارث!! ألم تكتبوا إليَّ أن آقْدِم؛ قد أينعتِ الثِّمار واخْضَرَّ الجَناب، وإنّما تَقْدِم على جُنْدٍ لك مُجنَّدة ؟!
فقالوا: لم نفعلْ!
قال عليه السّلام: سبحانَ الله! بلى واللهِ لقد فعلتُم..(10).

 
الالتقاء بالعدوّ!

سار قيس بن مسهر الصَّيْداويّ مِن عند الإمام الحسين عليه السّلام بالحاجر طالباً الكوفة، وسار الحصَينُ بن نُميَر بخيل عبيدالله بن زياد وقد نظمه ما بين « خفان »(11) إلى « القادسيّة » وإلى « القَطْقَطانة » وإلى « لَعْلَع »(12)، وهناك يقع قيس ابن مسهر في يد الحُصَين، فيقبض عليه ويُوثِقه كِتافاً، ويبعث به إلى عبيدالله بن زياد في الكوفة، فيكون هذا الحوار الصارم:
عبيدالله: مَن أنت ؟
قيس: أنا رجلٌ مِن شيعة أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام وابنه ( أي الإمام الحسين عليه السّلام ).
عبيدالله: لماذا خرّقت الكتاب ؟
( وكان قيس بن مسهر رضوان الله عليه لمّا قُبض عليه قد خرّق كتابَ الإمام الحسين عليه السّلام والذي بعثه إلى أهل الكوفة؛ لئلاّ تُعرَفَ أسراره ).
قيس: لئلاّ تعلمَ ما فيه!
عبيدالله: ممّن الكتابُ وإلى مَن ؟
قيس: من الحسين عليه السّلام إلى جماعةٍ من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم.
فغضب ابن زياد وقال له: إن لم تُخِبرْني، فاصعد المِنبر وسُبَّ الكذّاب بن الكذّاب!! ( وهذه الصفة الذميمة أولى وألصق بعبيدالله وأبيه زياد بن أبيه لعنهما الله وضاعفَ عليهما العذاب الأليم ).
أو قال له: واللهِ لا تُفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم، أو تصعد المنبر وتلعن... وإلاّ قطّعتُك إرْباً إرْباً!
قيس: أمّا القوم فلا أُخبرِك بأسمائهم، وأمّا اللعن فأفعَلُ.
فصَعِد قيسُ بن مسهر المنبرَ، وحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه، وصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وآله، وأكثَرَ من الترحّم على عليٍّ ووُلْده صلوات الله عليهم، ثمّ لعَنَ عبيدَالله بنَ زياد وأباه، ولعن عُتاةَ بني أُميّة عن آخِرهم، ثمّ قال:
أيُّها الناس، إنّ هذا الحسين بنَ عليّ خيرُ خلق الله، ابن فاطمةَ بنتِ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأنا رسولُه إليكم، فأجيبوه، وقد فارَقتُه ( أو: خَلَّفْتُه ) بموضع كذا فأجيبوه ).
فأُخبِر عبيدالله بن زياد بذلك، فأمر به أن يُرمى به مِن أعالي القصر، فأُلقيَ رضوان الله عليه مكتوفاً، فتكسّرت عظامه وتقطّع، وبقيَ به رَمَق، فجاءه رجلٌ يقال له: عبدالملك بن عُميَر اللّخميّ، فذبحه.. فقيل له في ذلك وعِيبَ عليه! فقال مُبرّراً جُبنَه وحقده وملَقَه للعتاة: أردتُ أن أُريحه!(13).

 

الخبر المفجع.. والشرف الرفيع

لمّا وصل الإمام الحسين عليه السّلام إلى عُذَيب الهجانات(14)، وهو في طريقه إلى كربلاء.. وافاه أربعةُ نَفَرٍ خارجين من الكوفة على رَواحلهم، وهم: عمرو بن خالد الصَّيداويّ، وسعد مولاه، ومُجمَّع بن عبدالله المَذْحِجيّ، وابنه عبدالله بن مجمّع.. فلمّا انتَهَوا إليه قال عليه السّلام لهم: أمَا واللهِ، إنّي لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا: قُتِلْنا أم ظفرنا.
ثمّ سألهم عليه السّلام عن الناس، فأخبروه بأنّ الأشراف عظمت رشوتهم، وقلوب سائر الناس معك والسيوف عليك! ثمّ أخبروه بشهادة قيس بن مسهر الصيداويّ بعد ما كان من صموده ومواقفه الأبيّة وثباته على الولاية وتحدّي الطغاة الظالمين، ودعوته الناسَ مِن على منبر الكوفة في عُقر دار العُتاة إلى نصرة الإمام الحسين عليه السّلام، مُخْبِراً بقدومه عليهم. فترقرقت عينا الإمام الحسين صلوات الله عليه واستعبر بالبكاء على قيس بن مسهر، وقرأ قولَه تعالى: فمِنْهُم مَن قَضى نَحْبَه ومِنْهُم مَن يَنتظِرُ، وما بَدَّلوا تَبديلاً (15)، بعدها أخذ سلام الله عليه بالدعاء:
اللّهمّ اجعَلْ لنا ولشيعتنا مَنزلاً كريماً ( وفي رواية أُخرى: اللّهمّ اجعَلْ لنا ولهمُ الجنّة )، واجمعْ بيننا وبينهم في مستَقرِّ رحمتك، ورَغائبِ مَذخورِ ثوابك )، إنّك على كلّ شيءٍ قدير(16).
هذا شرفٌ عظيم يحظى به المؤمن، عَبرةٌ من إمامِ هدىً كالحسين سبط رسول الله سيّد الشهداء صلوات الله عليه، وتأبين ودعاء! وشرف آخَرُ يحظى به قيس بن مُسْهِر، حيث يخصّه الإمامُ المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرَجَه الشريف بالسلام ضمن زيارته لشهداء كربلاء، مع أنّ قيساً قد استُشهِد قبل واقعة طفّ كربلاء!
فيقول سلام الله عليه:

السلامُ على قيسِ بنِ مُسْهِرٍ الصَّيْداويّ

(17)

-------------

1 ـ تاريخ الطبريّ 394:5 ؛ إبصار العين في أنصار الحسين عليه السّلام للشيخ محمّد السماويّ 64.
2 ـ تاريخ الطبريّ 394:5 ـ 395 ؛ إبصار العين 64 ـ 65.
3 ـ بين ذات عرق ومكّة مرحلتان أو ليلتان، وسُمّي بجبلٍ صغير فيه: البحر الرائق لابن نجيم الحنفيّ 317:2؛ الفروع لابن مفلح 216:2 ؛ تاج العروس للزَّبيديّ 8:7.
4 ـ أو القُطْقَطانة: موضع فوق القادسيّة في طريق مَن يريد الشام من الكوفة مرتحلاً منها إلى « عين التمر ».
5 ـ بطن الرمّة: منزل لأهل البصرة إذا ارادوا المدينة، وفيه يجتمع أهل الكوفة والبصرة، وادٍ معروف بعالي نجد ـ معجم البلدان للحمويّ 290:4 ، 219:2.
6 ـ الإرشاد للشيخ المفيد 220؛ البداية والنهاية لابن كثير 168:8.
7 ـ سُمّي باسم رجل يُقال له شَراف استخرج عيناً ثمّ حدثت آبار كبار، ماؤها عذب ـ معجم البلدان / حرف الشين.
8 ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 193:2 ؛ مقتل الحسين عليه السّلام للخوارزميّ 230:1.
9 ـ الإرشاد 224.
10 ـ تاريخ الطبريّ 243:6.
11 ـ موضع فوق الكوفة قرب القادسيّة.
12 ـ جبل فوق الكوفة، بينه وبين السلمان عشرون ميلاً.
13 ـ اللهوف في قتلى الطفوف للسيّد ابن طاووس 32 ـ 33؛ الإرشاد 220؛ مقتل الحسين عليه السّلام لأبي مخنف 64 ـ 65؛ إبصار العين 64 ـ 65؛ العيون العبرى للسيّد إبراهيم الميانجيّ 59 ـ 61؛ تاريخ الطبريّ 394:5 ـ 395.
14 ـ وادٍ لبني تميم، وهو حدُّ السَّواد.
15 ـ سورة الأحزاب:23.
16 ـ تاريخ الطبريّ 230:6؛ اللهوف 33؛ إبصار العين 65 ـ 66.
17 ـ إقبال الأعمال للسيّد ابن طاووس 576.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية