شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

يزيد بن ثُبَيت العَبْديّ وابناه

1 المشاركات 05.0 / 5

مَن ذا يزيد العبديّ ؟

هو يزيد بن ثُبَيت(1)، العَبْديّ القيسيّ ( من عبدالقيس ـ عرب الشمال ).
كان يزيد العبديّ البصريّ من الشيعة في البصرة، ومِن أصحاب أبي الأسودَ الدُّؤليّ، وكان شريفاً في قومه. قال الطبريُّ في ( تاريخه 408:5 ): كانت مارية ابنة منقذ، العبديّة تتشيّع، وكانت دارها مَألفاً للشيعة يتحدّثون فيه. وقد كان عبيدالله بن زياد ـ بعد أن بَلَغه إقبالُ الحسين عليه السّلام ومكاتبة أهل العراق له ـ كتبَ إلى عامله بالبصرة أن يضع المَناظِر ويأخذ الطريق، فأجمع يزيد بن ثُبَيت على الخروج إلى الإمام الحسين عليه السّلام(2).

 

أسباب الرحيل

عندما كان الإمام الحسين عليه السّلام في مكّة.. وافَتْه كتبُ أهل الكوفة يسألونه القدومَ عليهم؛ لأنّهم بغير إمام، حتّى اجتمع عنده مِن نُوَبٍ متفرّقة اثنا عشر ألفَ كتاب، وفي كلّ ذلك يشدّدون الطلب، وهو لا يُجيبهم، وآخر كتابٍ ورد عليه من: شَبَث بن رِبعيّ وحجّار بن أبْجُر وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجّاج، وغيرهم.. وفيه: إنّ الناس ينتظرونك ولا رأي لهم غيرك، فالعَجَلَ العَجَلَ يا ابنَ رسول الله؛ فقد اخضَرّ الجَناب، وأينَعَت الثمار، وأعشَبَت الأرض، وأورَقَت الأشجار، فأقْدِمْ إذا شئت، فإنّما تَقْدِم على جُنْدٍ لك مُجنَّدة(3).
ولمّا اجتمع عند الإمام الحسين عليه السّلام ما ملأَ خُرجَين، كتب إليهم كتاباً واحداً دفعه إلى هاني بن هاني السبيعيّ وسعيد بن عبدالله الحنفيّ، وكانا آخِرَ الرُّسل.. وفيه:
«.. قد فهمتُ كلَّ الذي قَصَصتُم وذكرتُم، ومقالةُ جُلّكم أنّه ليس علينا إمام، فأقْبِل لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى والحقّ. وقد بَعَثتُ إليكم أخي وابنَ عمّي وثقتي مِن أهل بيتي، وأمَرْتُه أن يكتبَ إليّ بحالِكم وأمرِكم ورأيكم... »، ثمّ دفع الكتابَ إلى مسلم بن عقيل رضوان الله عليه(4).
فلمّا قَدِم عبيدالله بن زياد إلى الكوفة، وتَسلّم إمارتها، وتَخاذَل الناس يومئذ عن مسلم ابن عقيل عليه السّلام حتّى استُشهد، كتب عبيدُ الله إلى عامله على البصرة أن يضع حول هذه المدينة المَناظر، ويأخذ الطريق على الناس لكي لا يخرجوا منها إلى نُصرة الإمام الحسين عليه السّلام.
إلاّ أن يزيد بن ثُبَيت العبديّ كان قرّر الخروج للالتحاق بالرَّكْب الحسينيّ مهما كلّف الأمر، لا سيّما بعد أن وصل كتاب الإمام الحسين عليه السّلام إلى أشراف البصرة. وكان له بنونَ عشرة، فدعاهم إلى الخروج معه سائلاً إيّاهم: أيُّكم يخرج معي متقدّماً ؟ فانتدب له اثنان من أولاده: عبدُالله وعبيدالله.
ثمّ التفت يزيد العبديّ إلى أصحابه ـ وهم في بيت تلك المرأة الشيعيّة ( مارية العبديّة ) ـ فقال لهم: إنّي قد أزمَعتُ على الخروج وأنا خارج، فمَن يخرج معي ؟ فقالوا: إنّا نخاف أصحابَ ابنِ زياد. فقال: إنّي واللهِ لو قد استَوَت أخفافُها بالجَدَد(5)، لَهانَ علَيّ طلبُ مَن طلبني.
ثمّ خرج يزيد العبديّ هو وابناه: عبدالله وعبيدالله، وصَحِبَه: عامر بن مسلم، ومولاه سالم، وسيف بن مالك، والأدهمَ بن أُميّة. وقويَ في الطريق(6).. حتّى انتهى إلى الإمام الحسين عليه السّلام وهو بالأبطَح من مكّة، فاستراح يزيد بن ثُبَيت في رَحْله، ثمّ خرج إلى الإمام الحسين عليه السّلام إلى منزله، وكان الحسين سلام الله عليه قد بلَغَه مجيء يزيد العبديّ، فخرج يطلبه حتّى وصل إلى رحله فلم يجده، فقيل له: قد خرج إلى منزلك يا ابنَ رسول الله. فجلس سيّد شباب أهل الجنّة في رَحْل العبديّ ينتظره، وحين لم يجد يزيدُ بن ثُبَيت أبا عبدالله الحسينَ عليه السّلام في منزله، وسمع أنّه عليه السّلام ذهب إليه في رحله، عاد مسرعاً على أثره، فلمّا رأى الحسينَ عليه السّلام في رحله قال يزيد العبديّ يقرأ آيةً مباركة:
بِفَضْلِ اللهِ وبِرحمَتِهِ فَبِذلكَ فَلْيَفرحُوا ، السلامُ عليك يا ابنَ رسول الله.
ثمّ جلس إلى الإمام الحسين عليه السّلام، وأخبره بالذي جاء له، فدعا له الإمامُ الحسين عليه السّلام بخير. ثمّ ضمّ العبديُّ رحْلَه إلى رحل الإمام الحسين عليه السّلام.. وما زال معه هو وابناه وصَحْبُه إلى يوم عاشوراء(7).

 

النُّصْرة.. في ساعة العُسْرة

وحلّ يومُ عاشوراء.. واحتَدَم القتالُ على أرض كربلاء، ولم يكن في تلك المدّة قد فارق يزيد بن ثُبَيت العبديُّ إمامَه الحسين عليه السّلام.. بل ظلّ هو وابناه وصَحْبُه ملازمين له، حتّى تَقدَّم وبارَزَ في الطفّ فقُتل شهيداً هو وابناه عبدالله وعبيدالله في الحملة الأُولى بين يدَي الإمام الحسين عليه السّلام(8).

 

نفثات

وفي رثائه ورثاء ولَدَيه الشهيدين، يقول ولَدُه عامر بن يزيد العبديّ هذه الأبيات الحزينة الأسيفة:

يا فَـرْوُ قُـومي فانـدُبي   خيـرَ البَريّـةِ فـي القبورِ
وابكـي الشـهيدَ بعَـبْـرةٍ   مِن فَيضِ دمـعٍ ذي دُرورِ
وآرثِ الحسـينَ مع التَّفَجْـ   ـجُعِ والتَّـأوّهِ والـزَّفيـرِ
قَتَلوا الحـرامَ مِـن الأئِمْـ   ـمَةِ في الحرامِ من الشُّهورِ
وابكـي يـزيـدَ مُـجَـدَّلاً   وآبنَيـهِ فـي حَـرِّ الهجيرِ
مُتَـزمِّلـيـنَ.. دِمـاؤُهُـم   تجـري على لَبَبِ النُّـحورِ
يـا لَهْفَ نفـسي لـم نَفُـزْ   معهم بجَنّـاتٍ وحُـورِ(9)


وخيرٌ من هذا الرثاء.. سلامٌ مقدّس يبعثه الإمام المهديّ المنتظر « أرواحناه فِداه » إلى شهداء كربلاء، يزورهم يوم عاشوراء، فيقول في ضمن زيارته الشريفة هذه:
السلامُ على يزيدَ بنِ ثُبَيتٍ القيسيّ،
السلامُ على عبدِاللهِ وعبيدِاللهِ ابنَيْ يَزيدَ بنِ ثُبَيتٍ القيسيّ(10)

-------------
1 ـ ويمضي في بعض الكتب باسم: يزيد بن ثُبَيط أو نبيط، وهو تصحيف، وذكره السيّد الخوئيّ في ( معجم رجال الحديث 266:3 ) باسم: بدر بن رقيد.
2 ـ إبصار العين في أنصار الحسين عليه السّلام للشيخ محمّد السماويّ 110؛ العيون العبرى في مقتل سيّد الشهداء عليه السّلام للسيّد إبراهيم الميانجيّ 107.
3 ـ مثير الأحزان لابن نما 11؛ مقتل الحسين عليه السّلام للخوارزميّ 193:1.
4 ـ تاريخ الطبريّ 198:6 ؛ الأخبار الطِّوال للدينوريّ 238.
5 ـ الجَدَد: الأرض الصلبة التي يَسهُل المشي فيها، وفي المَثَل: مَن سَلَك الجَدَد أمِنَ العثار.
6 ـ أي: تتبّع الطريق القواء، القَفْرَ الخالي.
7 ـ إبصار العين 110ـ 111؛ العيون العبرى 107 ـ 108، عن تاريخ الطبريّ 408:5 ، 445 ـ 446.
8 ـ كما يذكر ابن شهرآشوب السَّرويّ المازندراني في الجزء الرابع من كتابه ( مناقب آل أبي طالب ).
9 ـ إبصار العين 111.
10 ـ إقبال الأعمال للسيّد ابن طاووس 576.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية