شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

عبدالأعلى بن يزيدٍ الكلبيّ

0 المشاركات 00.0 / 5

قصّة مسلم بن عقيل رضي الله عنه

أقبَلَت جماهيرُ الكوفة متظاهرةً نحو القصر ( قصر الإمارة )، فتَحرَّز عبيدُالله بن زياد داخل القصر وغلّق الأبواب ولم يَستَطع المقاومة؛ لأنّه لم يكن معه إلاّ ثلاثون رجلاً من الشَّرَطة وعشرون رجلاً من مواليه، لكنّ تخاذل الناس لم يُبقِ من الأربعة آلاف مُتظاهر إلاّ ثلاثمائة(1).
وصاح مَن في القصر: يا أهلَ الكوفة، لا تُورِدوا على أنفسِكم خُيولَ الشام؛ فقد ذُقتموهم وجَرّبتموهم! فتفرّق هؤلاءِ الثلاثمائة..(2) فصلّى مسلم بن عقيل رضوان الله عليه صلاةَ العشاء في مسجد الكوفة ومعه ثلاثون رجلاً، ثمّ انصرف نحو ( منازل قبيلة ) كِنْدة(3) ومعه ثلاثة، ولم يَمضِ إلاّ قليلاً وإذا به لا يشاهد مَن يدلُّه على الطريق(4)، فنزل عن فرسه، ومشى مُتَلدِّداً في أزقّة الكوفة.. لا يدري إلى أين يتوجّه!(5).
وكان ما كان بعد ذلك من مقابلة مسلم لجيش عبيدالله بن زياد، حتّى إذا أثخَنَتْه الجراحُ وأعياه نَزفُ الدم، استند إلى جنب دار « طَوْعَة » فتحامَلوا عليه يَرُمونه بالسِّهام والحجارة، فقال لهم: ما لَكُم ترموني بالحجارة كما تُرمى الكفّار، وأنا مِن أهل بيت الأنبياء الأبرار ؟! ثمّ أعطَوه الأمان وغَدَروا به، وأُخِذ مكتوفاً، وخرج غلام عبيدالله بن زياد فأدخله عليه، فلم يسلّم مسلم، فقال له الحَرَسيّ: ألا تُسلّم على الأمير ؟ أجابه مسلم رضوان الله عليه: اسكُتْ؛ إنّه ليس لي بأمير ( أو قال مسلم: السلامُ على مَن اتّبع الهدى، وخَشِيَ عواقبَ الرَّدى، وأطاعَ المَلِكَ الأعلى ). فضحك ابن زياد وقال: سلّمتَ أو لم تسلّم، إنك مقتول(6). فقال مسلم: إن قتَلْتَني فلَقَد قَتَلَ مَن هو شرٌّ منك مَن هو خيرٌ منّي، وبعدُ فإنّك لا تَدَعُ سوءَ القَتْلة، ولا قُبْحَ المُثْلَة، وخُبثَ السَّريرة، ولؤمَ الغَلَبة لأحدٍ أولى بها منك!
فقال ابن زياد: لقد خَرَجتَ على إمامك، وشَقَقْتَ عصا المسلمين، وألقَحتَ الفتنة. قال مسلم: كَذِبتَ! إنّما شَقّ العصا معاويةُ وابنُه يزيد، والفتنةُ ألقَحها أبوك، وأنا أرجو أن يرزقني اللهُ الشهادةَ على يدِ شرِّ بريّته(7).
ابن زياد: إيهاً يا ابنَ عقيل، أتَيتَ الناسَ وهم جمعٌ ففرّقتَهم.
أجابه مسلم: كلاّ! لستُ أتيتُ لذلك، ولكنّ أهلَ المِصْر ( أي أهل الكوفة ) زعموا أنّ أباك قتَلَ خيارَهم، وسَفَكَ دماءهم، وعَمِل فيهم أعمالَ كسرى وقيصر؛ فأتيناهم لنأمرَ بالعدل وندعوَ إلى حُكْم الكتاب.
ابن زياد: ما أنت وذاك ؟! أوَ لم نكنْ نعملُ فيهم بالعدل!
مسلم: إنّ الله لَيعلمُ أنّك غيرُ صادق، وإنّك لَتَقتلُ على الغضب والعداوة وسُوء الظنّ!
فشتَمه ابنُ زياد وشتم عليّاً وعقيلاً والحسين(8)، فقال له مسلم: أنت وأبوك أحقُّ بالشتم، فاقْضِ ما أنت قاضٍ يا عَدُوَّ الله!(9).
فأمَرَ ابنُ زياد رجلاً شاميّاً أن يصعد به إلى أعلى القصر فيضربَ عنُقَه، ويرميَ برأسه وجسده.. فأصعده ومسلم يُسبّح اللهَ ويُهلّله ويُكبّره(10) ويقول: اللهمّ احكُمْ بينَنا وبين قومٍ غَرُّونا وخَذَلونا وكذبونا. وتوجّه نحو المدينة وسَلّم على الحسين(11).
ثمّ أخرج ابنُ زياد هانيَ بن عُروة رضوان الله عليه إلى سُوقٍ يُباع فيه الغنم وهو مكتوف، فضُرب بالسيف فقُتل، فأمر ابن زياد بسحبِ مسلمٍ وهاني بالحبال مِن أرجلهما في الأسواق، وصلَبَهما بالكُناسة منكوسَين، وأنفذ برأسَيهِما إلى يزيد بن معاوية فنصبَهما يزيد على دربٍ من دمشق(12).

 

الحَيرة!

بعد أن خذل الناسُ مسلمَ بنَ عقيل عليه لاسّلام عن نهضته الحسينيّة الشريفة، تحيّر بعض الشيعة، وكانوا قد قاموا مع مسلمٍ رضوان الله عليه واتّخذوا مواقعَهم في الكوفة، فلمّا سمعوا ما خَطَبَ به قيسُ بن مُسْهِر رضوان الله عليه بأنّ الإمام الحسين عليه السّلام قادمٌ نحو الكوفة، وسمعوا أن عبيدَالله بن زياد يبحث عنهم ليقتلهم، هَمُّوا بالخروج ليخرجوا من حيرتهم؛ إذْ لا يَرَونَ غيرَ ذلك تكليفاً، يُنقِذون به أنفسهم، وينضمّون إلى الركب الحسينيّ يُؤازرونه وينصرونه.
وكان من هؤلاء: عَمْرو بن خالد الأزديّ الصَّيداويّ وسعد مولاه، وجُنادة بن الحارث السَّلمانيّ ومولاه واضح التركيّ، ومَجْمَع العائذيّ وابنه عائذ، وجماعة كان منهم: عبدالأعلى بن يزيد الكلبيّ، الذي حاول الخروج،لكن!

 

من هو عبدالأعلى الكلبيّ ؟

هو شابٌّ كوفيّ، كان فارساً شجاعاً من الشيعة، وأصلُه من عرب الجنوب باليمن. وعبدالأعلى هذا كان ممّن بايعوا مسلمَ بن عقيلٍ عليه السّلام، فلبس سلاحَه حين أعلن مسلمٌ تحرّكه بعد القبض على هاني بن عروة، فخرج عبدالأعلى الكلبيّ رضوان الله عليه من منزله ليلتحق بمسلم بن عقيل عليه السّلام في محلّة بني فتيان.. إلاّ أنّ الناس حينها تخاذلوا عن مسلم وتفرّقوا، أمّا عبدالأعلى فقد قبضَ عليه كثير بن شهاب بن الحُصَين الحارثيّ ( وهو مِن مَذْحِج، كان قد استجاب لعبيدالله بن زياد حين أمَرَه أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج فيُخذّلَ الناس عن مسلم بن عقيل رضوان الله عليه ).. فأخذ كثيرُ بن شهاب عبدَالأعلى بن يزيد الكلبيّ فحبسه، حتّى إذا قتَلَ عبيدُالله مسلمَ بن عقيل عليه السّلام، جاء كثير بعبدالأعلى فأدخله على عبيدالله بن زياد. فقال عبدالأعلى لابن زياد: إنّما أرَدتُك. فلم يُصَدّقْه ابنُ زياد، وأمَرَ به فحُبِس(13).
ثمّ إنّ عبيدالله بن زياد لمّا قَتَل مسلمَ بن عقيل وهانيَ بن عُروة رضوان الله عليهما، دعا بعبدالأعلى الكلبيّ، فأُتِيَ به، فقال له: أخبِرْني بأمرك.
أجابه: خرجتُ لأنظرَ ما يصنع الناس، فأخذني كثيرُ بن شهاب.
عبيدالله: فعليك وعليك، من الأيمان المُغلّظة، إن كان أخرجك إلاّ ما زعمت.
فأبى عبدالأعلى الكلبيّ أن يحلف.
فقال عبيدالله بن زياد لجلاوزته: انطلِقُوا بهذا إلى جبّانة السُّبَيع فاضْرِبوا عنُقَه.
فانطلقوا به.. فضربوا عنُقَه رضوان الله تعالى عليه(14).

-----------
1 ـ تاريخ الطبريّ 207:6.
2 ـ تاريخ الطبريّ 208:6.
3 ـ الأخبار الطِّوال للدينوريّ 240.
4 ـ شرح مقامات الحريريّ للشريشيّ 192:1 / آخر المقامة العاشرة.
5 ـ اللهوف في قتلى الطفوف للسيّد ابن طاووس 23.
6 ـ تاريخ الطبريّ 212:6 ؛ اللهوف 23 ـ 24.
7 ـ مثير الأحزان لابن نما 17؛ مقتل الحسين عليه السّلام للخوارزميّ 211:1 / الفصل 10.
8 ـ الكامل في التاريخ لابن الأثير 14:4 ؛ تاريخ الطبريّ 213:6.
9 ـ اللهوف 24.
10 ـ مقتل الحسين عليه السّلام للخوارزميّ 213:1 ؛ تاريخ الطبريّ 213:6.
11 ـ أسرار الشهادة للفاضل الدربنديّ 259.
12 ـ تاريخ الطبريّ 214:6 ؛ المنتخب للطريحيّ 301؛ تاريخ الخميس للدياربكريّ 266:2 ؛ تاريخ أبي الفداء 190:1 ؛ البداية والنهاية لابن كثير 157:8 ؛ مقتل الحسين عليه السّلام للخوارزميّ 215:1؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 21:2.
13 ـ تاريخ الطبريّ 369:5 ـ 370.
14 ـ تاريخ الطبريّ 379:5.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية