شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

جوينُ بنُ مالكٍ الضَّبُعيّ

1 المشاركات 05.0 / 5

قالوا..

هو: جُوَينُ بنُ مالك بن قيس بن ثَعلَبة التَّيْميّ الضَّبُعِيّ(1)، نسبةً إلى ضَبُعِ بنِ وَبرة، بطن من القحطانيّة عرب الجنوب في اليمن. كان جُوَين نازلاً في بني تميم في الكوفة، فخرج معهم إلى محاربة الإمام الحسين عليه السّلام، فأصبح أحدَ جنود عمر بن سعد في كربلاء!(2)
ومع ذلك.. قالوا بأنّه كان من الشيعة.

 

اللحظة الحاسمة

قال أبو مخنف: ثمّ إنّ عمر بن سعد جَمَع أصحابَه للحرب ميمنةً وميسرة، فجعَلَ في الميمنة الشمرَ بنَ ذي الجوشن ومعه عشرون ألفَ فارس، وجعل في الميسرة خولّي بن يزيد الأصَبحيّ ومعه عشرون ألفَ فارس، ووقف هو بباقي الجيش في القلب.
وجمع الإمامُ الحسين عليه السّلام أصحابه، فجعل زهيرَ بن القَيْن ومعه عشرون فارساً، وجعل في الميسرة نافعَ بن هلال الجَمَليّ ومعه عشرون فارساً، ووقف هو صلوات الله عليه في القلب، وأدخل الأطفالَ والحرمَ في الخيمة، وحفروا خَنْدَقاً حول الخيمة وملأوه حطباً وأضرموه ناراً؛ لتكونَ الحرب من جهةٍ واحدة..(3)
ثمّ دعا عليه السّلام براحلته فركبها، ونادى بصوتٍ عالٍ يسمعُه جُلُّهم:
أيُّها الناس.. اسمعوا قولي ولا تَعْجَلوا حتّى أعِظَكُم بما هو حقٌّ لكم علَيّ، وحتّى أعتذر إليكم ( أي أبيّن لكم السبب ) مِن مَقْدَمي عليكم، فإنْ قَبِلتُم عُذري وصَدَّقتُم قولي، وأعطيتُموني النَّصَفَ مِن أنفسِكم، كنتم بذلك أسعَد، ولم يكن لكم علَيّ سبيل، وإن لم تقبلوا منّي العُذرَ ولم تُعطُوا النَّصَفَ مِن أنفسِكم، فأجْمِعُوا أمرَكم وشُركاءَكم، ثمّ لا يَكُنْ أمرُكم عليكم غُمّة ثمّ اقضُوا إليّ ولا تُنظِرون، إنّ وَلِيِّيَ اللهُ الذي نَزَّل الكتابَ وهُوَ يَتَولّى الصالحين.
ثمّ أخذ سيّدُ شباب أهل الجنّة صلوات الله عليه في مواعظه المُواقِظة الحكيمة، بعد أن حَمِدَ اللهَ تعالى وأثنى عليه، وصلّى على النبيّ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وعلى الملائكة والأنبياء عليهم السّلام.. إلى أن قال:
وأراكُم قد اجتَمعتُم على أمرٍ قد أسخَطتُمُ اللهَ فيه عليكم، وأعرَضَ بوجهه الكريم عنكم، وأحَلّ بكم نقمتَه، فنِعْمَ الربُّ ربُّنا وبئس العبيدُ أنتم! أقررتُم بالطاعة، وآمنتُم بالرسول محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، ثمّ إنّكم زَحَفتُم إلى ذريّته وعِترته تُريدون قَتْلَهم! لقدِ آستَحوذَ عليكمُ الشيطانُ فأنساكُم ذِكْرَ اللهِ العظيم، فتَبّاً لكم ولِما تُريدون! إنّا للهِ وإنّا إليه راجعون، هؤلاءِ قومٌ كفروا بَعدَ إيمانِهم، فبُعْداً للقومِ الظالمين(4).
فتكلّم سلام الله عليه.. فلم يُسمَع متكلّم قط أبلَغَ في منطقٍ منه.. ثمّ قال: أيّها الناسُ آنسُبُوني مَن أنا، ثمّ ارجِعُوا إلى أنفسِكم وعاتبوها، وانظروا هل يَحلّ لكم قتلي وانتهاكُ حُرمتي ؟!.. أوَ لم يَبلُغْكُم قولُ رسول الله لي ولأخي: هذانِ سيّدا شبابِ أهل الجنّة ؟ فإن صَدَّقتموني ـ وهو الحقّ ـ، واللهِ ما تَعمَّدتُ الكذبَ منذُ علمتُ أنّ الله يَمقُتُ عليه أهلَه، ويَضرُّ به مَنِ آختلقه. وإن كذّبتموني فإنّ فيكم مَن إنْ سألتموه عن ذلك أخبَرَكم، سلوا: جابرَ بنَ عبدِالله الأنصاري، وأبا سعيدٍ الخُدْريّ، وسَهْلَ بنَ سعدٍ الساعديّ، وزيدَ بن أرقم، وأنسَ بن مالك، يُخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالةَ مِن رسول الله لي ولأخي، أما في هذا حاجزٌ لكم عن سَفْك دمي ؟!
إلى قال عليه السّلام: وَيْحكم! أتَطلُبوني بقتيلٍ منكم قَتَلتُه، أو مالٍ لكمُ آستَهلكْتُه، أو بقِصاصِ جراحة ؟! فأخذوا لا يكلّمونه.
فنادى عليه السّلام: يا شَبَثَ بنَ رِبْعيّ، ويا حَجّارَ بن أبْجُر، ويا قيس بن الأشعث، ويا زيدَ بن الحارث.. ألَم تكتبوا لي أن أقْدِم؛ قد أينَعَتِ الثمار وآخْضرّ الجَناب، وإنّما تَقْدِمُ على جُندٍ لك مجنّدة ؟!
فقالوا: لم نفعل!
قال: سبحان الله! بلى والله لقد فعلتم.
ثمّ قال: أيُّها الناس، إذا كَرِهتُموني فَدَعوني أنصرِفْ عنكم إلى مَأمنٍ من الأرض.
وفي روايةٍ قال له قيس بن الأشعث: ما ندري ما تقول! ولكنِ آنْزِلْ على حُكْم بني عمّك ( أي بني أُميّة )! فأجابه الإمام الحسين عليه السّلام:
ـ لا والله، لا أُعطيكم بيدي إعطاءَ الذليل، ولا أفرُّ فرارَ العبيد.
ثمّ نادى صلوات الله عليه: يا عبادَ الله، إنّي عُذتُ بربّي وربِّكم أن تَرجُمون، أعوذُ بربّي وربّكم مِن كلِّ متكبّرٍ لا يُؤمن بيوم الحساب.
ثمّ أناخ راحلتَه، وأمر عُقبةَ بنَ سمعان فعقلها(5).
وهنا مالَ الحرُّ بن يزيد الرياحيّ رضوان الله عليه إلى عسكر الإمام الحسين عليه السّلام، بعد أن انسَلَّ مِن جيشه، وكان لا يتوقّع أن ستقع الحرب، فلمّا أيقن أختار جهةَ سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين سلام الله عليه، وخطب في القوم فأبلَغ، فلم يُصغوا إليه، فقاتَل حتّى استُشهد هو وابنه.
وكان ممّن مال إلى جهة الحسين عليه السّلام: جُوَينُ بنُ مالك الضَّبُعيّ؛ وذلك لمّا رُدّت الشروط على الإمام الحسين عليه السّلام، وقيل: إنّه رحل مع مَن رحل إلى الإمام الحسين عليه السّلام ليلاً(6).

 

البصيرة.. السعادة

لقد أدركَتْ جُوَينَ بنَ مالك الرحمةُ الإلهيّة، بعد أن حكّمَ بصيرته، فرأى أن يُقْدِم بحزمٍ على نصرة ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، ووصيِّ النبيّ ووريثهِ الحقّ الإمامِ الحسينِ بن عليّ عليهما السّلام، فمال بكلِّه إلى صفّ الإمامة النيّرة والخلافة الشرعيّة، يقاتلُ دونهما، مُقدِّماً روحَه بين يَدَي مولاه وسيّدهِ سيّد الشهداء عليه السّلام.
حتّى إذا أوقد عمرُ بن سعد نارَ الحرب بسهم الفتنة، فرمى ورمى أصحابه، وكان ما كان، صاح الشمر بصوته الشيطانيّ: احملوا عليهم حملةً رجلٍ واحد وافْنُوهم عن آخِرِهم.. تَفرَّق أصحابه يميناً وشمالاً، وجعلوا يرشقون عسكرَ الإمام الحسين عليه السّلام بالنبل والسهام، فصاروا بين جريحٍ وطريح(7).
ثمّ كانت الحملة الأولى، حيث حمل أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام حملةً واحدة واقتتلوا ساعةً من النهار، حتّى قُتل مِن أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام
جماعة، قيل: كانوا خمسين شهيداً(8).
ويُظَنّ أنّ جُوَين بن مالك استُشهِد في هذه الحملة رضوان الله عليه(9) بعد أن قاتل بين يَدَي إمامه أبي عبدالله الحسين عليه السّلام؛ ليُخلَّدَ ذِكْرُه في شهداء طفّ كربلاء، ويكون له مع الأصحاب قبرٌ مُجلَّلٌ يُزار على مدى القرون، ويُقال له ولهم:
السلامُ عليكم أيُّها الشهداءُ الصابرون، أشهدُ أنّكم جاهدَتُم في سبيلِ الله، وصَبرَتُم على الأذى في جَنْبِ الله، ونَصَحتُم للهِ ولرسوله، حتّى أتاكمُ اليقين. أشهدُ أنّكُم أحياءٌ عندَ ربِّكُم تُرزَقون، فجزاكمُ اللهُ عنِ الإسلامِ وأهلهِ أفضلَ جزاء المحسنين، وجَمَعَ بينَنا وبينَكم في مَحَلِّ النعيم(9).
بل وخصّه الإمام المهديّ المنتظَر سلام الله عليه وعلى آبائه بسلامه الخاصّ، فقال في زيارته لشهداء يوم عاشوراء:

السلامُ على جَوَينِ بنِ مالكٍ الضَّبُعيّ(10).

---------------------
1 ـ صُحِّف اسمه بـ: سيف، وحُوَي، وجُوَير. والأصحّ هو: جُوَين.
2 ـ رجال الطوسيّ 72؛ إبصار العين في أنصار الحسين عليه السّلام للشيخ محمّد السماويّ 113؛ العيون العَبرى في مقتل سيّد الشهداء للسيّد إبراهيم الميانجيّ 110.
3 ـ مقتل الحسين عليه السّلام لأبي مخنف 99.
4 ـ مقتل الحسين عليه السّلام لمحمّد بن أبي طالب الحائريّ ـ عنه بحار الأنوار للشيخ المجلسيّ 6:45 ، والإرشاد للشيخ المفيد 234.
5 ـ تاريخ الطبريّ 243:6 ؛ مثير الأحزان لابن نما الحليّ 26؛ الإرشاد 234 ـ 235.
6 ـ إبصار العين 113؛ العيون العبرى 110.
7 ـ مقتل الحسين عليه السّلام لأبي مخنف 101 ـ 102.
8 ـ اللهوف في قتلى الطفوف للسيّد ابن طاووس 43 ـ 44 ؛ بحار الأنوار 12:45.
9 ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ـ عنه إبصار العين 113.
10 ـ من زيارة الإمام الحسين عليه السّلام في ليالي القدر، مرويّة عن الإمام محمد الجواد عليه السّلام يراجع كتب الزيارات، منها مفاتيح الجنان للشيخ عبّاس القمّي.
11 ـ إقبال الأعمال للسيّد ابن طاووس 576.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية