تدمير ال سعود للاماكن المقدسة في الحجاز
تعرضت الاماكن المقدسة في عهد ال سعود إلى تخريب متعمد في المدينتين المقدستين، حيث دمروا الكثير من المساجد وقبور الصحابة وائمة اهل البيت بحقد دفين على التراث الاسلامي وما يتصل به بحجة انها بدع لم يأت بها الاسلام ، هذه التسمية لم تنطبق على قصور آل سعود القديمة التي يحفظونها ويرعونها بملايين الدولارات سنوياً، لمعرفتهم بالأهمية التاريخية ولتركيز مجد آبائهم المزعوم في عقول الناس.
ففي حين ترتفع قصور آل سعود، ويعاد ترميم قلعة المصمك بـ(12) مليون ريال وجميع قصور الاسرة السعودية، تمحي الكثير من المساجد وبيوتات الصحابة والتابعين وائمة المسلمين في كل الجزيرة العريبة،الا ان ما جرى في المدينتين المقدستين كان اعظم شأناً واكثر ايلاماً لعموم المسلمين.
الاماكن المقدسة في المدينة المنورة
ان الواقع الحالي للمدينة المنورة يختلف اختلافاً جذرياً عما كانت عليه قبل الهجومين اللذين تعرضت لهما من قبل القوات السعودية، فقد هدمت وبشكل شبه شامل كل الاثار الاسلامية في المدينة المنورة في فترات الحكم السعودي.
وتضم المدينة قبر الرسول (ص) وقبر الحمزة سيد الشهداء مع كوكبة من شهداء الإسلام في اُحد، ومقبرة البقيع التي اصبحت مهمة يوم دفن الرسول (ص) الصحابي الجليل
عثمان بن مظعون، وقبل جبينة وكان المكان في تلك الايام حقلاً تنتشر فيه عدد من اشجار الفرقد فقطعت الاشجار وسويت الارض ودفن ابن مظعون في وسطها، ثم دفن في البيع (ابراهيم) ابن الرسول محمد (ص) فرغب الناس في ذلك المكان الذي باركته يد الرسول، من ذلك الوقت اصبح البقيع المقبرة الاولى التي تضم رفات مئات الصحابة وعشرات من اهل البيت.
في عام 539 هجرية/1144م، زار الرحالة ابن جبير المدينة المنورة فكتب عن رحلته بعنوان(ذكر المشاهد المكرمة التي ببقيع الفرقد وسفح جبل احد) فيقول مبتدأً بقبر الحمز:(وهو بقبلي الجبل المذكور، والجبل جوفي المدينة، وهو على مقدار ثلاثة اميال، وعلى قبره أي قبر حمزة رضي الله عنه مسجد مبن، والقبر برحبة جوفي المسجد، والشهداء (شهداء اُحد) ـ رضي الله عنهم بازائهن والغار الذي اوى اليه النبي (ص) بأزاء الشهداء اسفل الجبل، وحول الشهداء تربة حمراء، هي التربة التي تنسب إلى حمزة، ويتبرك الناس بها.. ثم يأتي على ذكر البقيع فيقول.
(وبقيع الغرقد شرقي المدينة، تخرج اليه على باب يعرف بباب البقيع، واول ما تلقى عن يسارك عند خروجك من الباب المذكور مشهد صفية عمة النبي (ص) وامام هذه التربة قبر مالك بن انس الإمام المدني، وعليه قبة صغيرة مختصرة البناء وامامه قبر السلالة الطاهرة ابراهيم ابن البني (ص) وعليه قبة بيضاء، وعلى اليمين منها تربة ابن لعمر بن الخطاب، اسمه عبد الرحمن الاوسط، وهو المعروف بأبي شحمة، الذي جلده ابو الحد فمرض ومات.
وبازائه قبر عقيل بن ابي طالب رضي الله عنه، وعبد الله بن جعفر الطيار رضي الله عنه، وبأزائهم روضة فيها ازواج النبي (ص)، وبازائها روضة صغيرة فيها ثلاثة من اولاد النبي (ص) وتليها روضة العباس روضة العباس بن عبد المطلب والحسن بن علي رضي عنهما وهي قبة مرتفعة في الهواء، على مقربة من باب البقيع المذكور،وعن يمين الخارج منه، وقبراهما مرتفعان عن الارض، متسعان مغشيان بالواح ملصقة ابدع الصاق، مرصعة صفائح الصفر ومكوكبة بمساميره على ابدع صفة واجمل منطر وعلى هذا الشكل قبر ابراهيم ابن النبي (ص) ويلي هذه القبة العباسية بيت ينسب لفاطمة بنت الرسول (ص) ويعرف ببيت الحزن، يقال انه الذي آوت اليه والتزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى(ص)، وفي اواخر البقيع قبر عثمان ذو النورين وعليه قبة صغيرة مختصرة، وعلى مقربة منه مشهد فاطمة ابنة اسد ام علي رضي الله عنهما، ومشاهد هذا البقيع اكثر من ان تحصى لانه مدفن الجمهور الاعظم من الصحابة المهاجرين والانصار رضي الله ععنهم اجمعين، وعلى قبر فاطمة المذكور مكتوب(ما ضم قبر أحد كفاطمة بنت أسد(رضي الله عنها وعن بنيها) ولأن الرحالة المغربي قد تخصص في ذكر المدفونين في مقبرة البقيع وسفح الجبل (احد) فاننا هنا نضيف المساجد التي لم يوردها الرحالة وقد ازالها السعوديون في هجومهم مثل مسجد فاطمة ـ مسجد المنارتين ـ ومسجد المائدة، وهو الموقع الذي نزلت فيه على الرسول سورة المائدة، ومسجد الثنايا في احد ـ وهو المكان الذي دفنت فيه ثنايا رسول الله التي تكسرت في معركة أحد.
يتحدث دونالدسون عن المدينة المنورة قبل استيلاء السعوديين عليها، فيقول انه (ماانتهى القرن الثامن عشر للميلاد حتى كان الاتراك قد استولوا على العراق والحجاز، استيلاء تاماً، واصبح السلطان التركي الخليفة المعترف به في العالم الإسلامي كله عدا ايران، وعند ذاك صارت المدن والعتبات المقدسة تدار على اسس مالية واقتصادية وعادت حركة الزيارة والحج إلى الازدهار، فأخذت الالوف المؤلفة من الناس تقصد العبتات المقدسة في النجف وكربلاء وبغداد وسامراء وايران للتبرك بالاضرحة المطهرة، وترتجي شفاعة الائمة الثاوين فيها، وصار الذين يقصدون مكة للحج من هؤلاء يهتمون اهتماماً خاصاً بزيارة المدينة المنورة للصلاة في الحرم الشريف الموجود فيها، والتبرك بزيارة قبر الزهراء البتول وقبور الائمة من ال البيت، الحسن زين العابدين(علي بن الحسين)، محمد الباقر، وجعفر الصادق.
ويمضي دونالدسون متابعاً: (وكانت حركة الحجاج والزوار هذه تعود بالنفع الكبير على الحكومة التركية وسكان البلاد المقدسة، غير ان قدوم آلاف المسلمين من جميع أنحاء العالم سعياً في طلب الشفاعة من نبيهم المتوفي والائمة من ابنائه كان يستثير حنق القبائل الوهابية، فاضطلعت بدور المصلح الديني واعلنت ان مثل هذا التعبد يعتبر شيئاً محرماً حتى إذا كان بالقرب من قبر النبي نفسه فهاجمت المدينة في سنة 1804 ونهبت ما فيها من خزائن ونفائس، لم يقم بها أي جيش استولى على المدنية، مع العلم بأن المدينة قد استسلمت اليهم ثم منعت زيارة قبر الرسول، لكنهم لم يتوفقوا في تهديم القبة المقامة فوق القبر.
ان اهم من وصف التخريب السعودي الاول هو الرحالة السويسيري جون لويس بورخارت الذي اسمى نفسه الشيخ ابراهيم وزار الاماكن المقدسة في مكة والمدينة في وقت حملة محمد علي باشا وذلك في عام 1814هـ، فهو يصف بقيع الغرقد... (عبارة عن مربع كبير تبلغ سعته عدة مئات من الخطوات محاط بجدار يتصل من الجهة الجنوبية بضاحية البدلة وبساتين النخيل من الجهات الاُخرى).
(وتبدو المقبرة حقيرة جداً لا تليق بقدسية الشخصيات المدفونة فيها، وقد تكون اقذر واتعس من أي مقبرة موجودة في المدن الشرقية الاُخرى التي تضاهي المدينة في حجمها، فهي تخلو من أي قبر مشيد تشييداً مناسباً، وتنتشر القبور فيها وهي اكوام غير منتظمة من التراب يحد كلا منها عدد من الاحجار الموضوعة فوقها، ويعزى تخريب المقبرة إلى الوهابيين.) ثم يشير إلى بقايا القبب والمباني الصغيرة التي عمد ال سعود إلى تخريبها وتدميرها من فوق قبور العباس عم الرسول وبعض الائمة، وعثمان بن مظعون والسيدة فاطمة وعمات النبي، ثم يخلص إلى القول بأن (الموقع بأجمعه عبارة عن اكوام من التراب المبعثر وحفر عريضة ومزابل.
اما ما ارتكبه سعود بحق المسلمين ومقدساتهم فهو اكبر من ان يوصف، فيذكر التاريخ ان سعوداً دخل المدينة ولبث فيها عشرة أيام وذهب إلى المسجد النبوي. ومن اليوم الحادي عشر حيث (جاء بعض اولاده ومن يعز عليه، فطلب الخدم السودان الذين يخدمون حرم النبي فقال: اريد منكم الدلالة على خزائن النبي، فقالوا: باجمعهم.. نحن لا نوليك عليها، ولا نسلط فامر بضربهم وحبسهم، حتى اضطروا إلى الاجابة، فدلوه على بعض ذلك فااخذ كل ما فيها، وكان فيها من النقود ما لا يحصى وفيها تاج كسرى انوشروان الذي حصل عن المسلمين لما افتتحت المدان، وفيها سيف هارون الرشيد، وعقد كان لزبيدة بنت مروان زوجته، وفيها تحف غريبة من جملة ما ارسله سلاطين الهند بحضرته(ص) ترزينا لقبته (ص) فاخذ قناديل الذهب وجواهر عديدة..ويذكر الجبرتي ان سعودا استولى على المدينة واخذ تلك الذخائر، فيقال انه عبى ـ أي عباـ سحاحير من الجواهر المحلاة بالالماس والياقوت العظيمة القدر، وفي ذلك اربعة شمعدانات من الزمرد وبدل الشمعة قطعة من الماس مستطيلة يضيء نورها في الظلام، ونحو مائة سيف قرابتها ملبسة بالذهب الخالص، منزل عليها الماس وياقوت، ونصابها من الزمرد واليشم ونحو ذلك، وسلاحها من الحديد الموصوف، كل سيف منها لا قيمة له( أي لايقدر بثمن) وعليها دمغات باسم الملوك والخلفاء السالفين وغير ذلك).
*افعال السعوديين الاُخرى (منع الحجيج)
وعن الافعال الاُخرى التي قام بها ال سعود بعد استيلائهم على الحجاز، يذكر الاستاذ عبد الرحيم عن الرحمن انقطاع قوافل الحج بسبب مظاهر تخالف المذهب السعودي، ولكنه غلب خوف ال سعود من الحجاج الذين تصحبهم قوة عسكرية للحماية.
(انقطع وصول قوافل الحج من مصر والشام والعراق واسطبول لأن السعوديين كانوا يرون فيما يصحب هذه القوافل من المظاهر ما يخالف قواعد الدي، ولا يتفق مع مبادئ الدعوة السلفية، بالاضافة إلى ان هذه المحافل كان يصحبها قوة عسكرية خشي منها ال سعود، ولذلك لم يسمح السعوديون لهذه القوافل بأن تصل إلى الاماكن المقدسة، مما كلف اهل الحجاز كثيراً من الخسائر المادية، علاوة على اقطاع المساعدات التي كانت تصل اليهم من الاوقاف في الولايات العثمانية، وليس من شك في انه كان لهذا التصرف الذي قام به السعوديون ازاء قوافل الحج الاسلامية اثر سيء في العالم الاسلامي الذي ازعجه استيلاء السعوديون على الحرمين الشريفين.
ردة الفعل الاسلامي
عندما قام السعوديون بالاستيلاء على خزائن الحرم النبوي المقدس، وهدم قبور الصحابة وائمة اهل البيت، وتعمدهم هدم الاماكن المقدسة، التي تربط المسلمين بتاريخ الاسلام التليد، خلقوا لأنفسهم عداء المسلمين جميعاً، والذين هالهم ما فعله السعوديون،.. وبقيامهم استفزوا الشعوب والحكومات التي كانت ترأسهم، خاصة وان العبث بمقدسات المسلمين شيء عظيم، لا يمكن تحمله إلى درجة ان الاتراك، بعد هدم السعوديين للقباب والمشاهد في مختلف انحاء الجزيرة العربية وخارجها اجبروا امام اثارة عواطف المسلمين على المضي لتحرير الحجاز والمقدسات اما الكاتب السعودي الدكتور بكري شيخ امين، فقد ذكر بوضوح ان اسباب سقوط الدولة السعودية هو منع الحجاج، ففي معرض حديثه عن اسباب سقوط الدولة السعودية الاولى قال:
(كذلك فان منع المحمل الشامي ادى إلى حرمان افواج الحجاج من الوصول إلى الديار المقدسة ليؤدوا الفريضة المكتوبة، احنق سكان الحجاز من جهة، إذ منع عنهم وسيلة رزقهم الوحدية، كما اثار اعداء الدعوة من جهة اخرى على عقيدة ابن عبد الوهاب واتباعها اما المؤرخ المصري الجبرتي فيقول ولما امتنعت قوافل الحج المصري والشامي، وانقطع عن اهل المدينة ومكة ما كان يصل اليهم من الصدقات والعلائق والصرر التي كانوا يعيشون منها خروا من اوطانهم باولادهم ونسائهم، ولم يمكث الا الذي ليس له ايراد من ذلك، واتوا إلى مصر والشام ومنهم من ذهبا إلى اسلامبول يتشكون من الوهابي ـ يقصد الحاكم السعودي ـ ويستغيثون بالدولة في خلاص الحرمين، لتعود لهم الحالة التي كانوا عليها من اجراء الارزاق، واتصال الصلاة والنيايات والخدم في الوظائف التي باسماء رجال الدولة كالفراشة والكناسة ونحو ذلك، ويذكرون ان الوهابي استولى على ما كان بالحجرة الشريفة من الذخائر ولاجواهر، ونقلها واخذها، فيرون اخذه لذلك من الكبائر العظام .
ومن جانب اخر يعتقد كشك وغيره من المصادر الحكومية ان منع الحج كان كارثة على الدولة السعودية, اولا اقل كان مبرراً جيداً لمهاجمة الدولة.. (حتى ان العالم الاسلامي كان يرقص فرحاً للهجوم على السعودية) لاسترجاع الحجاز وتخليص العالم الاسلامي من الطغمة التي نزت على اقدس بقاع العالم الاسلامي، بل انه لولا تشجيع العالم الاسلامي لتدمير هذه الدولة ما كان هناك حافزا لمحمد علي باشا او لدولة الخلافة لمواصلة قتال هؤلاء الحكام.
يذكر المؤرخون ان سكان المدينة المنورة والقبائل العربية ساهمت في مساعدة محمد علي باشا في حملته يقول المؤرخ السعودي ابن بشر الذي يسمى القوات المصرية ـ (الروم) والقوات السعودية بـ (المسلمين) ما يلي : (ثم اهل المدينة فتحوا للترك باب البلد، فانحاز المرابطة وجنود المسلمين إلى القلعة فاحتضروا فيها، فكثر فيها المرضى والجرحى، فطلبوا المصالحة بعد ايام فنزلوا منها بالامان، وهلك في هذه الواقعة من المسلمين بين القتل والوباء والهلاك في البر بعدما خرجوا من المدينة وقبل ان ينزل عليهم الترك نحو اربعة الاف رجل بعد هذا سقطت مكة بدون قتال.
ويصف المؤرخ المصري الفرحة التي عمت الديار الاسلامية بقوله (لم تكن فرحة الاستيلاء على مكة في مصر والاستانة بأقل من فرحة الاستيلاء على المدينة، ويذكر الجبرتي ان القاهرة زينت على اثر وصول نبأ فتح مكة اليها خمسة أيام متواليات.
وقبل سقوط مكة هاجم سعود قبيلة حرب وأوقع فيهم مجازر عظيمة بدون اي رحمة انسانية لم يسلم من فتكه حتى الاطفال الصغار، والافظع من ذلك انه وجنده قد اباحوا لأنفسهم سبي نساء القبيلة .. يؤكد هنا المؤرخ السعودي ابن بشر بقوله (وفيها ـ 1228هـ ـ في آخر ربيع، سار سعود بالجيش المنصور(!!!) من جميع النواحي وافاق نجد الحضارة والبادرة وقصد الحناكية، الماء المعروف، قرب المدينة المنورة، وكان في قصرها عسكر من الترك مع عثمان كاشف، وعلى الماء اعراب من حرب وغيرهم، فلما اقبل عليهم هرب البوادي بأبلهم وبونها الحرة، فدهمهم المسلمون (يقصد القوات السعودية) في منازلهم واخذوا ما وجدوا فيها من الاثاث، ويقصد بالاثاث النساء ـ والمتاع(كذا..) وبسقوط مكة سلماً تكون الحجاز قد تحررت من ايدي السعوديين، لكن العالم الاسلامي في غير مأمن من ان بقيت دولة السعودية لأنه سيعيدون الكرة مرة أخرى، بالهجوم على الأماكن المقدسة واحتلالها، خاصة وان مخاطر الجيش السعودي لم تكن محدودة في الحجاز لوحدها، والا بالجزيرة فقط، بل كانوا كالاخطبوط الذي يمد خياشميه لكل العالم الاسلامي، فعلى سبيل المثال لا الحصر.
اوقع السعوديون مجزرة عظيمة في عام 1216هـ سميت بمجزرة كربلاء والتي يصفها صاحب اللمع بقوله : (ثم انه بعد ذلك بسنة كاملة جهز ركب عظيم يبلغ عدده عشرين الفاً، وغزوا مشهد الحسين رضي الله عنه فدخل كربلاء، ولم يكن لها اذان سور، فقتل هناك قتلاً ذريعاً، وهدم طرفاً من قبة الحسين رضي الله عنه، واخذ خزائن كثيرة كانت هناك من الذهب والجواهر النفيسة، مثل انه اخذ مقدار ستة مائة الف ريال، وقتل مقدار ثلاثة الاف نفس من ذكر وانثى وكبير وصغير.. وبقي هناك يوماً واحداً لا غير).
لذلك وباصرار شديد من العالم الاسلامي واصل جيش محمد علي باشا اكتساح هذه الدولة وازالتها من سدة الحكم في العالم الاسلامي... فعلى رغم ارهاب ال سعود للقبائل النجدية ساعدت هذه القبائل الحملة المصرية حتى دكت الدولة السعودية ودمرتها تدميراً مناسباً على صمتها وسيق الحاكم السعودي إلى الاستانة ليعدم هناك.
* المدينة المنورة قبل عام 1925
بعد اخراج السعوديين من الاماكن المقدسة عام 1812 على يد محمد علي باشا، واعتراف عبد الله بن سعود بتابعية الاماكن المقدسة للخلافة العثمانية، اعاد العثمانيون بناء القبب والاضرحة التي كانت موجودة على قبور الصحابة واهل البيت.
كما كانت في السابق، ساعدها في ذلك تعاون العلماء مع دول الخلافة العثمانية بالاضافة إلى التبرعات السخية والاضرحة الجاهزة. التي كانت تأتي من كافة العالم الاسلامي.
هنا تأتي رواية الرحالة الانجليزي السير ريتشارد بورتن للأماكن المقدسة، حيث روى تفصيلات عديدة عن الاوضاع فقد وصل بورتن إلى الاماكن المقدسة في عام (1853م). وقد زار بورتن مقبرة البقيع زيارة خاصة، فخرج مع جماعته من المدينة سالكا درب الجنازة اليها، الذي يحاذي السور الجنوبي، وهو يقول عند الوصول اليها ان هناك خبراً يقول ان سبعين الف قديس، وفي رواية مائة الف، سوف يبعثون يوم القيامة من البقيع، وان عشرة الاف صحابي وعددا لا يحصى من السادة قد دفنوا في هذه المقبرة فاندرست على مر السنين لان القبور في الازمنة القديمة لم تكن توضع عليها شواهد.
وينقل بورتون ان الرسول دفن الصحابي عثمان بن مظعون في الثالث من شعبان في السنة الثالثة للهجرة ووضع على قبره حجرين واحد عند رأسه واخرى عند رجليه، وان مروان بن الحكم رفع هذين الحجرين بعد ذلك، حينما قرر عدم تمييز هذا القبر، لكن المسلمين استهجنوا هذا العمل من وكيل معاوية، ولعل ان مظعون كما يقول بورتن كان من خصوم الامويين ويقول بورتن واصفاً مشاهداته في البقيع (دخلت المقبرة المقدسة مقدماً رجلي اليمنى كما لو كنت داخلاً إلى المسجد حافي القدمين ثم بدأنا بقراءة سورة الاخلاص والشهادتين، وبانتهائها رفعنا ايدينا وقرأنا الفاتحة قراءة خافتة ومسحنا ايدينا على وجوهنا وتحركنا، ويتابع بورتن حديثه بالقول.
(حينما سرنا في ممر ضيق يؤدي بنا من جهة البقيع الغربية إلى الجهة الشرقية دخلنا مرقداً متواضعاً أقيم فوق قبر الخليفة عثمان، فعندما قتل اراد اصحابه ان يدفن في (الحجر) لكن ثوار مصر قابلوا ذلك بعنف، واقسموا ان لا يدفن هناك، ومع المداولات دفن الخليفة في بستان يقع في الجهة الشرقية الخارجية من مقبرة الاولياء هذه، وكانت تدعى (حصن كوكب) حتى ادمجها مروان بن الحكم بالبقيع، وقد وقفنا على مرقد عثمان تلونا الزيارة وعند ذلك دفعنا الصدقات وارضينا الخادم بعشرة قروش، ثم سرنا خطوات قليلة إلى الشمال وتوجهنا نحو الشرق فزرنا ابا سعيد الخدري صاحب النبي الذي يقع قبره في خارج البقيع، وكان المكان الثالث الذي زرناه فيه يحتوي على قبر حليمة البدوية (السعدية) مرضعة النبي محمد... ومن هناك توجهنا إلى الشمال فوقفنا امام مبنى صغير يحتوي على اكوام بيضاوية الشكل من الاحجار المتناثرة، وهي قبور شهداء البقيع الذين قتلهم مسلم كبير الفاسقين(يزيد) ...ويضيف بورتن: (اما الوقفة الخامسة فكانت بالقرب من وسط المقبرة على قبر ابراهيم ابن النبي الذي توفي وعمره ستة اشهر او سنتان على قول البعض. فقد اهال النبي التراب بيديه الكريمتين عليه ورشه بالماء، ثم وضع الحجارات الصغيرة فوق ذلك وقرأ السلام عليه ولهذا السبب دفن الكثير من الرجال المقدسين في هذا الجزء من المقبرة لان كل احد كان يمطع في ان يلحد في الارض التي شرفتها يد النبي، وزرنا بعد هذا نافع بن عمر المسمى نافعاً، لأنه كان يحود القرآن . والى جنبه مالك ابن انس ابن المدينة ورجلها الفذ، وكانت الوقفة الثامنة على قبر عقيل ابن ابي طالب اخي الإمام علي، وقد زرنا بعد هذه البقعة التي دفنت فيها ازواج النبي جميعهن عدا خديجة التي دفنت في مكة، وقبل ان نترك البقيع وقفنا الحادية عشر في القبة العباسية او قبة العباس عم النبي وهنا يعلق في الحاشية بقوله (هذه القبة التي بناها الخلفاء العباسيون من قبل، في 519هجرية، اكبر واجمل من جميع القبب الاُخرى، وتقع على يمين الداخل من باب المقبرة، ويدل على اهميتها تجمع الشحاذين بقربها، فقد جاؤوا اليها وتكاكاوا عليها حينما وجدوا الايرانيين متجمعين فيها بكثرة وهم يبكون ويصلون، وبعد ان اجتزت القبة بصعوبة طفت حول عدد من القبور كانت تشتغل وسط المبنى من دون ان يكون بينها وبين الجدار الا ممر ضيق، وهي محاطة بسياج ومغاطاة بعدة كساوي من القماش الاخضر المكتوب عليه باحرف بيضاء وتبدو هذه وكأنها كومة مرتبكة لكنها ربما بدت لي كذلك بسبب الازدحام المحيط بها، وتوجد في القسم الشرقي قبور الحسن بن علي سبط النبي، والامام زين العابدين بن الحسين وابنه محمد الباقر، ثم ابنه الإمام جعفر الصادق، وبعد ان خرجنا وتخلصنا من ايدي الشحاذين الصغار وجهنا بنحو الجدار الجنوبي، الذي يوجد بقربه قبر ينسب إلى السيد فاطمة وقرأنا الدعاء المعروف، وبعد ان غادرنا مقبرة البقيع تقدمنا شمالاً تاركين باب المدينة إلى يسارنا ، حتى اتينا على قبة صغيرة قريبة من الطريق، تحتوي على قبور عمات النبي ولا سيما صفية بن عبد المطلب اخت الحمزة، واحدى بطلات الاسلام في أول عهده.
على موعد من التخريب
ظلت مدينة الرسول تنعم بنوع من الهدوء والاستقرار بعيدا عن مسرح الفوضى التي كانت تعم العالم الاسلامي لكن هذا الهدوء لم يدم طويلاً، وكانت المدينة موعودة بالعنف، وان السنوات القليلة التي عاشتها بهدوء ما هو الا الهدوء الذي يسبق العاصفة وكأنه يراد إلى هذه المدينة التي تضم تراث المسلمين ان تتعود الاعتداء على كل شيء عزيز، فلقد عاد السعوديون في نهاية 1925م إلى مسرح الاحداث، وها هم يعدون العدة لاحتلال المدينة بعد ان احتلوا مكة وبالطبع فإن سكان المدينة يعلمون ما سوف يحدث سلفاً لذلك هيأوا انفسهم للمستقبل المر، الذي سيجره عليهم الاحتلال السعودي، هذه الحالة يصفها المؤلف الانجليزي دونالسون في كتابه عقيدة الشيعة بقوله:
(خيم الحزن والاسى على الكثير من البلاد الاسلامية، خوفاً من ان يؤدي ذلك إلى اقدام الوهابيين على العبث بمقدساتهم، ويحق لهذه البلاد ان تفزع لهذا الخبر لأن الوهابيين يعتقدون ان زيارة القبور تعتبر نوعاً من انواع الشرك، على ان استيلاءهم على المدينة لم يكن ينطوي على الخطر المأمول بالنسبة لقبر النبي نفسه، فقد كان علماء الدين الوهابيون تواقين إلى تهديم القبة، واعادة بناء الحرم الشريف، من دون ادخال القبر فيه، لكن ابن سعود استعمل دهاءه السياسي للحيلولة دن ذلك، لئلاً يثير عليه عداء العالم الاسلامي كله، وبذلك سلم قبر الرسول الاعظم من العبث لكن حماسة الوهابيين سمح لها بأن تمارس ما تريد من العنف في تخريب الاضرحة والقبور الموجودة في البقيع.
لقد كانت اخبار المذابح التي ارتكبها الجيش السعودي في جدة والطائف، تصك اسماع المدنيين، وهنا هو الجيش السعودي يتشوق إلى اراقة الدماء، فماذا جهزت مدينة الرسول لمواجهة هؤلاء وهي تعيش تحت الحصار شهوراً طويلة؟.. يصف المستر رتر هذه الحالة فيقول، كانت النتيجة التي ادى اليها الحصار الكريه هذا ان قل عدد السكان فيها إلى ستة الاف نسمة فقط!! مع ان هؤلاء السكان كان عددهم قد وصل إلى سبعين او ثمانين الف نسمة من قبل).. ثم يأخذ رتر بوصف الشوارع والأزقة الفارغة والبيوت المهدمة بعد استسلام المدينة للجيش السعودي الاهوج ويخرج من ذلك إلى وصف محطة القطار المهملة في نهاية المدينة الغربية بالقرب من باب العنبرية.
ثم يقول رتر: ان كثير من طلبة العلوم الدينية الذين كانوا يقيمون في المدينة سابقاً فروا هاربين إلى بلاد امنة مع شيوخهم، لكن قليلاً منهم ظلوا مقيمين فيها خلال مدة الحصار الوهابي، وها هم يدرسون الان على ابن تركي في الحرم الشريف).. وابن تركي هذا نجدي سلفقي معتدل لا يمكن ان يسمى وهابياً لأنه على ما يقول رتر لا يعتقد بجميع تعاليم ابن تيمية ومحمد ابن عبد الوهاب، ومن علماء المدينة الاخرين الذين يذكرهم رتر احمد الطنطاوي المصري الذي امتنع عن التدريس في الحرم منذ قدوم الوهابيين إلى المدينة واخذ طلبته يراجعونه في بيته.
اما جون فيلبي فيتطرق إلى حصار المدينة من قبل الجيش السعودي في عام 1925 فيقول: (ان ابن سعود بعد ان احتلت قواته الطائف وذبحت سكانها العزل في مذبحة رهيبة، ثم احتلت مكة المكرمة، صار يعد العدة للاستيلاء على المدينة، وجدة بعد ذلك.. وقد شهد هو نفسه ـ أي فيليبي ـ في رابع جيش الامير محمد ثالث انجال ابن سعود يتوجه في طريقه إلى المدينة التي طلبت التسليم اليه).
وليس إلى فيصل الدويش واتباعه (الاخوان) الذين ظلوا يحاصرونها مدة طويلة من الزمن، ورفضت دولها إلى المدينة خوفاً من عبثهم بمقدساتهم واقدامهم على ذبح الناس فيها، وقد تم ذلك بالفعل، فما ان وصل الامير محمد إلى ابوابها حتى استسلمت له في يوم 5 كانون الاول 1925).
ومع ان المدينة استسلمت للجيش السعودي خوفاً على قبر الرسول(ص) واضرحة اهل البيت والصحابة، لكن الجيش السعودي دخل دخلة المنتصر، وقام بنفس الدور الذي قام به في بداية القرن التاسع عشر، فلقد سرق الجند مجوهرات الحرم النبوي، وهدموا جميع القبور، والاثار الاسلامية، ومع ان الحكومة التركية عملت ما في وسعها لاعادة بناء هذه القبور الا ان الاخطبوط اعادة الكثرة مرة ثانية، وباعادتهم نفس الفعل الذي لا يرضي الله ورسوله، يكونوا قد وجهوا سهماً مسمواً إلى صدر العالم الاسلامي، ولم يكن الدافع لتهديم مساجد واضرحة الائمة واهل البيت عليهم السلام دافعاً دينيا والا فكيف يتفق عاقلان على ان تهدم كل الاثار الاسلامية وحتى بيت النبي وحتى الجامع النبوي بحجة البدع والكفر والزندقة، بينما ترفع عالية اثار الاسرة السعودية الحاكمة ويحافظ عليها، ويحتفظ حتى بالأمور التافهة كعكازة عبد العزيز وبندقيته وملابسه ويبنى لهامعرضاً خاصا ً.. ان الأمر لا يمكن تفسيره الا بأن ال سعود يحملون حقداً دفيناً على تراث الامة الخالدة، وطمس معالمها وشخضياتها لتبقى فقط وفقط شخصيات ال سعود ورموزهم وقصورهم وآثارهم.
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.