وقفة مع عقيلة بني هاشم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد واله أجمعين … تمر علينا ذكرى مهمة في تاريخنا الإسلامي وهي ذكرى وفاة سيدة من سيدات الإسلام وعظيمة من عظيمات التاريخ و سيدة الطهر والعلم والجهاد .
الحوراء زينب بنت أمير المؤمنين. والكلام عن هذه السيدة الجليلة والعلوية النبيلة واسع وغزير و انما نريد نمر مرورا سريعا على بعض المحطات من حياتها التي لها النفع والعبرة في واقعنا عموما وواقع المرأة المسلمة خصوصا . و سنترك الإشارة الى أهم محطة في تاريخ السيدة زينب الا وهو دورها في واقعة كربلاء وذلك لان جوانب حياتها الأخرى مجهولة عند الأعم الأغلب من أبناء المجتمع فتلاحظ أننا لا نعرف شيئا عن تاريخ زينب قبل واقعة كربلاء وعن تاريخها بعد رجوع السبايا للمدينة والمهم فان حديثنا وباختصار سيكون على عدة نقاط :
أولا:
من المعروف أنها أول بنت ولدت لفاطمة (صلوات الله عليها) وكان اسمها باختيارا إلهيا فقد ورد لما ولدت زينب ( ع ) جاءت بها أمها فاطمة ( عليها السلام ) الى أبيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقالت : سمّ هذه المولودة .فقال : ما كنت لأسبق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكان النبي(ص) في سفر له ، ولما جاء ( صلى الله عليه وآله ) وسأله علي(ع) عن اسمها ، فقال : ما كنت لأسبق ربي ( تعالى ) فهبط جبرئيل يقرأ على النبي السلام من الله الجليل ، وقال له : سم هذه المولودة زينب فقد اختار الله لها هذا الاسم.
ومن المعروف عند علماء اللغة ان معنى اسم زينب هو (الشجرة الطيبة) اننا نلاحظ ان هناك إعدادا إلهيا ونبويا للأدوار التي ستؤديها زينب (ع) وحجم المسؤلية التي ستقع على عاتقها في المستقبل ومن هنا اشار النبي (ص) الى ما ستلاقيه الحوراء(ع) في مستقبلها من مصائب ومحن فقد روي ايضا بما مضمونه أن زينب بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام) لما ولدت أخبروا بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاء إلى منزل فاطمة (عليها السلام) وطلب منها ان تحضر له المولودة الجديدة ، فلما أحضرتها أخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وضمها إلى صدره الشريف،فبكى وسال الدمع حتى جرى على لحيته الشريفة.
فسألته فاطمة (عليها السلام): على هذا البكاء، فاشار (صلى الله عليه وآله وسلم): أن هذه البنت بعدك وبعدي تبتلى ببلايا فادحة، وترد عليها مصائب ورزايا مفجعة. فبكت فاطمة (سلام الله عليها) عند ذلك، ثم قالت: يا أبه! فما ثواب من يبكي عليها وعلى مصائبها؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا بضعتي ويا قرة عيني إن من بكى عليها وعلى مصائبها كان ثواب بكائه كثواب من بكى على أخويها،
ثانيا:
وكان من ابرز ملامح حياتها التشدد في العفاف الذي عاشته الحوراء (ع) فقد كان مضربا للمثل روى يحيى المازني قال : كنت في جوار أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في المدينة لمدة وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته ، فلا والله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً ، وكانت اذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تخرج ليلاً ، والحسن عن يمينها ، والحسين عن شمالها ، وأمير المؤمنين أمامها ، فاذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فأخمد ضوء القناديل فسأله الحسن مرة عن ذلك ؟ فقال : أخشى أن ينظر أحد الى شخص أختك زينب ومما نستفيد مما تقدم أمرين: ۱- الدور المهم للأسرة وخصوصا الأب في الحفاظ على تربية البنات عبر ضرورة تهيئه الأجواء المناسبة والسليمة ومن هنا نجد ما قام به أمير المؤمنين في التربية والحفاظ على ابنته الحوراء خلافا للكثير من التصرفات المؤسفة التي تعيشها مجتمعاتنا اليوم من إهمال واضح للتربية حتى تجد تقليد كثير من الشباب والشابات لرموز منحرفة من العالم الغربي من ممثلين ومغنيين وغيرهم والعجيب ان الأب يرى كل هذه الانحرافات عند أولاده وبناته ويغض النظر عن ذلك كأنه ليس معنيا به فاين نحن مما كان يفعله امير المؤمنين (ع) من حرص شديد على صون ورعاية أسرته الكريمة. ۲- إننا وجدنا في موقف الحوراء زينب تعاطيا ايجابيا مع أسلوب أبيها امير المؤمنين في توفير أجواء العفاف والتستر وهو عكس ما نراه اليوم من تذمر يصل الى حد العصيان عند بعض الفتيات تجاه إبائهن او أخوانهن حينما يعمدون الى توجيههن نحو الالتزام بالشريعة والحفاظ عليهن من الانزلاق في شباك الانحراف والرذيلة.
ثالثا:
ان من ابرز أدوارها هو دورها العلمي والتربوي لنساء الأمة فقد كانت تشارك المعصومين في العمل الرسالي وفي الكثير من الأحيان تعتبر مرجعا لنقل أحكام الإسلام وتعاليم المعصومين للنساء ومن هنا على كل امرأة تعتبر السيدة زينب قدوة لها ان تكون عنصرا فاعلا في إصلاح المجتمع وخدمة الإسلام ومذهب أهل البيت ( ع ) رابعا: وكان من المشهور ان لها العديد من الألقاب ومن أبرزها زينب الكبرى، وذلك للتفريق بينها وبين من سميت باسمها من أخواتها بنفس الاسم وهي السيدة ام كلثوم حيث كانت تسمى زينب الصغرى . كما أنها تلقب بالصديقة الصغرى، للفرق بينها وبين أمها الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام).
وتلقب بعقيلة بني هاشم، وعقيلة الطالبيين ـ والعقيلة هي المرأة الكريمة على قومها العزيزة في بيتها ولقبت وبالموثقة والعارفة والعالمة غير المعلمة، والفهمة غير المفهمة، والفاضلة، والكاملة، وعابدة آل علي، و وليّة الله العظمى الراضية بالقدر والقضاء ، وأمينة الله ، ومحبوبة المصطفى (صلى الله عليه وآله) ، وقرّة عين المرتضى (عليه السلام) ، ونائبة الزهراء (عليها السلام) ، و الزاهدة ، والفاضلة ، والعاقلة ، والكاملة ، والعاملة ، والعابدة ، والمحدّثة ، والمخبرة، وكعبة الرزايا ، والمظلومة ، والوحيدة ،والفصيحة ، والبليغة ، والشجاعة ورضيعة ثدي الولاية . ومما سمعنا انها لقبت بعابدة ال علي(ع) فقد عُرفت زينب ( عليها السلام ) بكثرة التهجّد ، فقد روي عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) قوله : ( ما رأيت عمّتي تصلّي الليل عن جلوس إلاّ ليلة الحادي عشر ) ، أي أنّها ما تركت تهجّدها وعبادتها المستحبّة حتّى تلك الليلة الحزينة فأين نسائنا اليوم من كل ذلك وأين هن من الاقتداء الحقيقي بعابدة ال علي