ما الفرق في عطاء الخمس
يذكر أنّ الخمس يخرج لمن ينتسب إلى هاشم جدّ النبي من جانب الأب وذريّته كانت محصورة في ولده الوحيد «عبد المطلب» ولم يعقّب سواه ولتسميته بعبد المطلب مع كونه ابن هاشم ومطلّب عمّه، وجه مذكور في التاريخ، وهو أبو السادة العشرة المعروفة أعني: عبد اللّه، وأبا طالب، والعباس، وحمزة، والزبير، وأبا لهب، وضرار، وحجل ومقوّم، والحارث وهو أكبرهم، إلاّ أنّ نسله عنهم قد انحصر في الخمسة الأُولى، بل الأربعة منهم لأنّ عبد اللّه لم يعقّب إلاّ النبي، وقد انحصر نسله في فاطمة فدخل في أبي طالب، ولا يعرف اليوم منهم إلاّ المنتسب إلى الأوّلين: أبي طالب والعباس.
وقال المحقّق في استحقاق بني المطلب أخي هاشم تردّد، أظهره المنع، وقد حكى الجواز عن الإسكافي وغريّة المفيد، ولقول الصادق في خبر زرارة:«ولو كان عدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة».(1)
يلاحظ عليه: أنّه من المحتمل أن يكون المراد منه، هو المنسوب إلى «عبد المطلب» والضابط في النسبة إلى المركب من «عبد» أو «ابن» أو «أُمّ» هو حذف الأوّل.
قال ابن مالك:
وانسب لصدر جملة وصدر ما | رُكِّبَ مـزجــاً وبثــــان تمِّـمـــــا | |
إضافة مبدؤة بابن أو أب | أو ماله التعريف بالثاني وجب |
وعندئذ يكون عطفه عطف تفسير، وهذا وإن كان مخالفاً للظاهر لكن لامحيص عنه بعد تضافر الروايات على لفظة «بني هاشم» كما في رواية ابن سنان:«لا تحلّ الصدقة ، لولدالعباس ولا لنظرائهم من بني هاشم»(2)
لا يصدَّق من ادّعى النسب إلاّ بالبيّنة أو الشياع المفيد للعلم، و يكفي الشياع والاشتهار في بلده نعم يمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال بعد معرفة عدالته بالتوكيل على الايصال إلى مستحقّه على وجه يندرج فيه الأخذ لنفسه أيضاً، و لكن الأولى بل الأحوط عدم الاحتيال المذكور.
يثبت النسب كسائر الموضوعات بالأُمور التالية:
1- البيّنة، لعموم حجّيتها.
2- الشياع المفيد للعلم.
3- الوثوق والاطمئنان الشخصي الذي هو علم عرفي وإن لم يذكره المصنف، وقد ذكرنا في محلّه أنّ العلم واليقين الواردين في الروايات يراد منه الأعم من العلم المنطقي أو العرفي الذي هو الاطمئنان الذي يكون احتمال الخلاف معه ضعيفاً عنده لا معدوماً.
4- الشياع والاشتهار في البلد ربّما يتصور قوله: «يكفي الشياع والاشتهار في البلد» أنّه من متمّمات الشق الثاني وأنّه لا يلزم أن يكون الاشتهار أوسع من البلد بل يكفي الاشتهار فيه.
يلاحظ عليه: أنّه لو كان من متمماته كان التعرّض له أمراً لغواً لأنّ المدار على هذا القول هو العلم، وربّما يحصل من أقل من الاشتهار في البلد، وربّما لا يحصل من الاشتهار فيه ويكون التحديد عندئذ لغواً فلا مناص من جعله طريقاً ثالثاً وأنّه بنفسه طريق سواء أفاد العلم أم لا والمهمّ هو حجّية إثبات هذا النوع من الاشتهار، وجهه هو قيام السيرة العقلائية على الأخذ بما هو المشهور بين أهل البلد ـ و لعلّ وجهه ـ انسداد باب العلم في هذه الموضوعات ولا طريق إلاّ الرجوع إلى أهل البلد.
ويؤيّده مرسلة يونس، عن بعض، عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ سألت عن البيّنة إذا أُقيمت على الحقّ أيحلّ للقاضي أن يقضي بقول البينة إذا لم يعرفهم من غير مسألة؟ فقال: «خمسة أشياء يجب على الناس أن يأخذوا بظاهر الحكم: الولايات، والتناكح، والمواريث، والذبائح ، والشهادات، فإذا كان ظاهره طاهراً مأموناً جازت شهادته ولا يسأل عن باطنه» . (3)
ورواه الصدوق في الفقيه وذكر الأنساب مكان المواريث.(4)
وقد أشبعنا الكلام في حجّية الشياع والاشتهار بين الناس(5) والحال أنّ ترك العمل بالشياع موجب لضياع الحقوق في غالب الموضوعات الواردة في الرواية.
ثمّ إنّ صاحب الجواهر ذكر احتيالاً نقله الماتن وجعل الأحوط في تركه، قال:
نعم قد يحتال في الدفع للمجهول المدعي، بأن يوكّله من عليه الحقّ في الدفع إذا فرضت عدالته أو قلنا بعدم اشتراطها فانّه يكفي في براءة ذمّته وإن علم أنّه قبضه، لأنّ المدار في ثبوت الموضوع على علم الوكيل دون الموكل ما لم يعلم الخلاف لكن الانصاف أنّه لا يخلو من تأمّل أيضاً.(6)
والإشكال مبني على ما ذكره الشيخ وغيره في شرطية جريان أصالة الصحة في فعل النفس والغير، وهو أنّ الأصل إنّما يجري إذا لم تكن صورة العمل محفوظة، فإذا كان للعمل صورتان يكون في إحداهما صحيحاً وفي الأُخرى باطلاً ولم تكن صورة العمل محفوظة، يحتمل خمسين بالمائة أنّه أتى بالصورة التي يوصف فيها بالصحة وبما أنّه في حالة العمل أذكر من حال الشك، يحكم عليه بأنّه أتى على النحو الذي يكون العمل معه صحيحاً للأذكرية وأمّا إذا كانت صورة العمل محفوظة في كلتا الحالتين بحيث يكون الفاعل في كلتا الحالتين من حيث الأذكريّة على نحو واحد فلا يجري كما إذا اغتسل والخاتم في إصبعه ولم يحرك وشك في جريان الماء تحته فلا يجري الأصل لأنّه حين العمل لم يكن أذكر من حين الشك.
ومثله المقام حيث يعلم الموكل أنّ الوكيل أخذه لنفسه باعتقاده الاستحقاق لكنّه يشكّ في استحقاقه قبل الدفع وحينه وبعده، فلا يجري أصالة الصحة لكونصورة العمل محفوظة وأنّه ليس حين الدفع أذكر من حين الشك، نعم لو أخذه للأعم من نفسه وغيره واحتملنا أنّه دفعه إلى الغير تجري أصالة الصحة.
ثمّ إنّه نقل صاحب الجواهر عن كشف الغطاء أنّه يصدق مدعي النسب إن لم يكن متهماً كمدّعي الفقر.(7)
يلاحظ عليه: أنّ الحكم في المقيس عليه غير ثابت، وقد ذكر الماتن في كتاب الزكاة أنّ الأحوط مع الجهل بالحالة السابقة عدم الإعطاء إلاّ مع الظنّ بالصدق (8)
وعلّق عليه السيد البروجردي قوله: «بل الوثوق» وهو المتعيّن لعدم الدليل على حجّية الظن كما لا يخفى.
المسألة 5: في جواز دفع الخمس إلى من يجب عليه نفقته إشكال خصوصاً في الزوجة، فالأحوط عدم دفع خمسه إليهم بمعنى الإنفاق عليهم محتسباً ممّا عليه من الخمس أمّا دفعه إليهم لغير النفقة الواجبة ممّا يحتاجون إليه ممّا لا يكون واجباً عليه كنفقة من يعولون و نحو ذلك فلا بأس به، كما لا بأس بدفع خمس غيره إليهم ولو للإنفاق مع فقره حتّى الزوجة إذا لم يقدر على إنفاقها.
ويدل على عدم الجواز أُمور:
1- عموم التعليل الوارد في باب الزكاة في صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج البجلي (الثقة) عن أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ :«خمسة لا يعطون من الزكاة شيئاً: الأب، والأُم، والولد، والمملوك، والمرأة، وذلك أنّهم عياله لازمون له». وفي مرفوعة عبد اللّه بن الصلت: «خمسة لا يعطون من الزكاة ، الولد والوالدان والمرأة والمملوك، لأنّه يجبر على النفقة عليهم».(9)
2- انّ الخمس بدل الزكاة فهو لبني هاشم كالزكاة لغيرهم، يرتضعان من لبن واحد، يشتركان في الأحكام إلاّ ما خرج بالدليل.
3- عدم التداخل في الأسباب في الارتكاز العرفي، فانّ من عليه الخمس مديون من جهتين: الخمس والنفقة، فالكلّ يطلب مسبباً مستقلاً إلاّ ما دلّ الدليل على التداخل، وأمّا وجه تخصيص الزوجة في كلام المصنف مع أنّ الخمسة كلهم واجبوا النفقة، هو كون نفقة الزوجة كالدّين فلا يسقط بالعصيان بخلاف غيرهم فلو عصى، سقط.
نعم لو كان لابنه زوجة فبما أنّ نفقة زوجة الابن ليس على الأب، يجوز له صرف خمسه في نفقة زوجته.
لا يجوز دفع الزائد عن مؤنة السنة لمستحقّ واحد و لو دفعة على الأحوط.
وقد أفتي قدَّس سرَّه في باب الزكاة على الجواز وقال : يجوز أن يعطى الفقير أزيد من مقدار مؤنة سنته دفعة، فلا يلزم الاقتصار على مقدار مؤنة سنة واحدة ـ إلى أن قال: ـ وإن كان الأحوط الاقتصار، نعم لو أعطاه دفعات لا يجوز له بعد أن حصل عنده مؤنة السنة أن يعطى شيئاً ولو قليلاً مادام كذلك.(10)
واحتاط سيدنا البروجردي في الزكاة.
أمّا عدم جواز دفعه أزيد من مؤنة سنته بصورة الدفعات، لأنّه إذا حصل عنده مؤنة سنته بالدفعة الأُولى، فقد خرج عن كونه فقيراً مستحقاً وصار غنياً شرعياً خارجاً عن الموضوع.
إنّما الكلام إذا دفع الزائد دفعة واحدة. فوجه الجواز أنّه عند الأخذ فقير، ولا يمنع كونه غنياً بعد الأخذ.
يلاحظ عليه: أنّ الوارد في مرسلة «حمّاد بن عيسى» هو دفع الخمس إليهم على حدّ يكفي مؤنة سنتهم. فإذا كان هذا هو المقياس فكيف يجوز لهم أخذ الزائد على مقدار المؤنة؟
النصف من الخمس الّذي للإمام عليه السَّلام أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه وهوالمجتهد الجامع للشرائط، فلابدّ من الايصال إليه أو الدفع إلى المستحقين بإذنه، و الأحوط له الاقتصار على السادة مادام لم يكفهم النصف الآخر، وأمّا النصف الآخر ـ الّذي للأصناف الثلاثة ـ فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه لكنّ الأحوط فيه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه ، لأنّه أعرف بمواقعه و المرجّحات التي ينبغي ملاحظتها.
هذه المسألة من المسائل الهامّة التي لم يرد فيها نصٌّ فأوجد حيرة بين الفقهاء بعد الغيبة إلى عصر شيخ الفقهاء صاحب الجواهر، ويقع الكلام في مقامين:
الأوّل: في مصرفه.
الثاني: في من يتصدّى لصرفه في مصرفه.
أمّا الأوّل: فقدنقل الشيخ في النهاية أقوالاً في تصرّف الخمس في عصر الغيبة وكلّها تشعر بعدم النص والإجماع في المسألة، وقد أنهاها صاحب الحدائق فبلغت أربعة عشر قولاً، وأضاف إليها صاحب الجواهر قولين ثانيهما هو المتعيّن. (11)
قال الشيخ: وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة، فقد اختلف قول أصحابنا فيه وليس فيه نصّ معيّن إلاّ أنّ كلّواحد منهم قال قولاً يقتضيه الاحتياط.
فقال بعضهم: إنّه جار في حال الاستتار مجرى ما أُبيح لنا من المناكح والمتاجر.
وقال قوم: إنّه يجب حفظه مادام الإنسان حيّاً فإذا حضرته الوفاة، وصّى به إلى من يثق به من إخوانه المؤمنين ليسلّمه إلى صاحب الأمر إذا ظهر أو يوصي به إليه إلى أن يصل إلى صاحب الأمر.
وقال قوم: يجب أن يُقسم الخمس ستة أقسام: فثلاثة أقسام للإمام يدفن أو يودع عند من يوثق بأمانته، والثلاثة الأُخرى، يفرّق على مستحقيه من أيتام آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم، إلى أن قال:
ولو أنّ إنساناً استعمل الاحتياط، وعمل على أحد الأقوال المقدّم ذكرها من الدفن أو الوصاية لم يكن مأثوماً، وأمّا التصرّف فيه على ما تضمنه القول الأوّل فهو ضدّ الاحتياط، والأولى اجتنابه حسب ما قدّمناه.(12)
وإذا كان القول بتحليل الخمس مطلقاً، كالمناكح و المساكن والمتاجر ضد الاحتياط فالقول بالدفن خصوصاً في هذه الأيّام إضاعة للمال، كما أنّ الوصاية تعريض له للتلف والضياع. وبما ذكرنا يظهر أنّ أكثر ما ذكره صاحب الحدائق من الأقوال من الأُمور التي يقطع الفقيه بعدم رضا صاحب الخمس بصرفه فيه ومن حاول الوقوف على هذه الآراء على وجه التفصيل فليرجع إليه والذي يمكن أن يطرح من الأقوال الهائلة عبارة عن الأقوال التالية:
1- سقوط حقّه ـ عليه السَّلام ـ دون حقوق الأصناف الثلاثة
وهو خيرة المحدّثين: الكاشاني والبحراني مع تفاوت يسير بينهما، فالأوّل منهما قائل بتحليل حصّة الإمام مطلقاً في الحضور والغيبة، بخلاف الثاني فانّه يخص الحلّية بعصر الغيبة فقط.
قال: أمّا حال الغيبة فالظاهر عندي هو صرف حصّة الأصناف عليهم، كما عليه جمهور أصحابنا في ما مضى من نقل أقوالهم عملاً بما دلّ على ذلك من الآية والأخبار المتقدمة في القسم الأوّل المؤكّدة بالأخبار المذكورة في القسم الثاني فيجب إيصالها إليهم لعدم المانع من ذلك، وأمّا حقّه – عليه السَّلام ـ فالظاهر تحليله للشيعة للتوقيع عن صاحب الزمان ـ عليه السَّلام ـ المتقدّم في أخبار القسم الثالث ، والاحتياط صرفه على السادة المستحقين.(13)
يلاحظ عليه: أنّه فرع القول بالتحليل مطلقاً أو في حصّته ـ عليه السَّلام ـ ، وسيوافيك الكلام في التحليل، وأنّه يختص بالأُمور الثلاثة: المناكح والمساكن والمتاجر التي يستولى عليها من طريق الحرب.
2- صرف حقّه في تتميم مؤنة الأصناف الثلاثة
وهو الذي جعله المحدّث البحراني، الأحوط.
وحاصل هذا القول هو أنّه يصرف سهم الأصناف في حقّهم ويصرف سهم الإمام في تتميم مؤنتهم واستدل عليه بمرسلتي حمّاد بن عيسى وأحمد بن محمد(14) وإلى هذا القول أشار الماتن بقوله: والأحوط له الاقتصار على السادة مادام لم يكفهم النصف الآخر.
يلاحظ عليه: أنّ اللائح من المرسلتين أنّ الإمام يقوم بذلك عند بسط اليد، حيث تبيّن أنّ الأوّل وظيفة الوالي ويقول: «فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق عمن عنده بقدر ما يستغنون به» وأقصى ما يمكن أن يقال أنّه ثابت للوالي بالحقّ. وأمّا أنّه كذلك في كلّ زمان، حتى في الزمان الفاقد للوالي المبسوطة يده، فلا، إذ ربّما يكون صرفه في مواضع أُخرى أرجح من التتميم.
أضف إلى ذلك إذا كانت الزكاة كافية لرفع حوائج غير بني هاشم من الأصناف الثمانية، فكيف لا يكون سهم الأصناف الثلاثة كافياً لرفع حاجاتهم الدنيوية مع أنّ عدد بني هاشم بالنسبة إلى الأصناف الثمانية قليل جدّاً، خصوصاً أنّه يجوز للسادة دفع زكاتهم إلى السادة من بني هاشم، فيكون المقرّر لمؤنتهم وافياً بحوائجهم فقلّما يتّفـق ـ إذا كان هناك نظم ـ الاحتياج إلى صرف سهمه في تتميم مؤنتهم، فيبقى الكلام في مصرفه عندئذ .
3- صرف حصّته في مواليه
وحاصله: لزوم صرف حصّة الأصناف فيهم، وصرف سهم الإمام في رفعحوائج مواليهم. فيمكن الاستدلال عليه بمرسلة الصدوق، قال الصادقعليه السَّلام : «من لم يقدر على صلتنا فيلصل صالحي موالينا يكتب له ثواب صلتنا».(15)
وفي رواية محمد بن يزيد، عن أبي الحسن الأوّل ـ عليه السَّلام ـ قال: «من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا».(16)
ولعلّهما ظاهرتان في الصلاة المندوبة.
4- يتصدّق به عن جانب الإمام
وحاصل هذا القول: إنّه يعامل معها، معاملة المجهول مالكه باعتبار تعذّر الوصول إليه روحي له الفداء، إذ معرفة المالك باسمه ونسبه دون شخصه لا تجدي، بل لعلّ حكمه حكم مجهول المالك باعتبار تعذّر الوصول إليه للجهل به فيتصدّق به حينئذ، ويكون ذلك وصولاً إليه على حسب غيره من الأموال التي يمتنع إيصالها إلى أصحابها.(17)
يلاحظ عليه: أنّه يصحّ إذا كان المال، ملكاً لشخصه، فالتصدّق يكون من إحدى الطرق إلى وصول المال إليه، ولكنّه مالك له بما أنّه إمام وحاكم ومدير للمجتمع وحيثيّة الإمامة قيد تقييدي، وعلى هذا، لا يكون التصدّق طريقاً موصلاً للمال إلى صاحبه
وقد روى أبو علي بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث ـ عليه السَّلام :- إنّا نؤتى بالشيء فيقال هذا كان لأبي جعفر ـ عليه السَّلام ـ عندنا فكيف نصنع؟ فقال: «ما كان لأبي ـ عليه السَّلام ـ بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب اللّه وسنّة نبيّه».(18)
5- تصرف فيما فيه رضاه
هذا القول ممّا أبدعه صاحب الجواهر هو صرفه فيما نعلم أنّه راض بصرفه فيه، قال قدَّس سرَّه : حسن الظن برأفة مولانا صاحب الزمان روحي له الفداء يقتضي بعدم مؤاخذتنا في صرفه على المهم من مصارف الأصناف الثلاثة الذين هم عياله في الحقيقة بل ولا في صرفه في غير ذلك من مصارف غيرهم ممّا يرجح على بعضها.
وحاصله: أنّه لو كان صاحب الأمر ظاهراً بين الناس، مبسوط اليد، وكانت الأسهم الستة مجتمعة عنده، فلا شكّ أنّه يقوم برفع حاجات الأصناف الثلاثة لكونهم محرومين من الزكاة التي عدّت في الروايات من أوساخ أيدي الناس، وقد عرفت أنّ الخمس أزيد بمراتب ممّا يصرف في حقّهم، كما يقوم بصرفه في ترويج الشريعة، في كلّ عصر بما يلائمه ويناسبه، فتأسيس الحوزات العلمية ذكوراً ونساء، وتربية الطلاب وبعثهم إلى الأكناف لتعليم الناس وإرشادهم ونشر الكتب المفيدة على أصعدة مختلفة، ككبح جماح الكفر والإلحاد، ونشر مفاهيم الإسلام وتعاليمه كلّ أمر يعدّترويجاً للشريعة وإقامة للدين، وسبباً لإقبال الناس إلى الحقّ وابتعادهم عن الباطل ـ كلّ ذلك ـ من الأُمور التي نعلم جزماً بكونها مطلوبة عنده، ونعلم أنّه ـ عليه السَّلام ـ راض لصرف حصّته كذلك.
وهذا النوع من الأمر لا يمكن أن يحد بحدّ خاص حيث تختلف صور قيامه به حسب اختلاف الأزمان وعبْر الأجيال فبناء المساجد والحسينيات، وتعمير المدارس وتأسيسها لغاية نشر الدين من الأُمور التي لا شكّ في رضاه في صرفه فيها خصوصاً إذا توقف بناؤهاعلى صرف سهم الإمام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الوسائل: الجزء 6، الباب 33 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1.
2- الوسائل: الجزء 6، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث 3; والباب 32، الحديث 1،2،9.
3- الوسائل: الجزء 18، الباب 22 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.
4- الفقيه: 3/9 برقم 29.
5- نظام القضاء في الشريعة الإسلامية الغراء:1/160.
6- الجواهر:16/106.
7- الجواهر:16/105.
8- العروة الوثقى: فصل أصناف المستحقين للزكاة، المسألة 10.
9- الوسائل: الجزء 6، الباب 13 من أبواب مستحق الزكاة، الحديث 1، 4.
10- العروة الوثقى، كتاب الزكاة، فصل أصناف المستحقين للزكاة، المسألة 2.
11- الحدائق الناضرة:12/437ـ 444.
12- النهاية:200ـ 201.
13- الحدائق: 12/448.
14- الوسائل: الجزء 6، الباب 3 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1، 2.
15- الوسائل: الجزء 6، الباب 50 من أبواب الصدقة، الحديث 3.
16- الوسائل: 10/456، الباب 97 من أبواب المزار، الحديث 5.
17- الجواهر:16/177.
18- الوسائل: الجزء6، الباب 2 من أبواب الأنفال، الحديث 6.