كلمة موجزة حول حديث أصحابي كالنجوم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
وبعد: فإنّ التكلم على الأحاديث والحكم عليها أمر عظيم عند اهل الحديث، وليس هيّناً – كما يحسبه بعض الناس ممن ينتمي الى العلم – إذ تراهم يحكمون على بعض الاحاديث بأحكام لا تمتّ الى الصواب بصلة، ولا توافق الموازين العلمية المقرّرة، وهذا مما تورّط فيه بعض من لم يُحكم مبادئ علم الحديث والمصطلح.
وقد يُتراءى في بادئ النظر أنّ الحقّ معهم، لكن سرعان ما ينكشف زيفه. وآفة هؤلاء أنّهم يسارعون الى ابطال الحديث والحكم عليه بالوضع والاختلاق بمجرّد الوقوف على بعض طرقه، والاطلاع على كلام من رُوي الحديث من جهته فيه، فيخيّل لهم أن ذلك الحديث باطل في نفس الأمر، من دون تدبّر وامعان واستقصاء لمتونه وطرقه، كما اتفق ذلك لكاتبين في حديث (اصحابي كالنجوم) حيث كتب كلّ منهما مقالاً في هذا الباب، وابطلا الحديث بألفاظه واسانيده المروية من طرق العامة.
وقد نشرت المقالة الأولى في جزء عام 1396 هـ وصدر عن مجمع الذخائر الاسلامية بقم ونشرت الثانية في العدد الأول من مجلة (علوم حديث) الفارسية.
وترى الكاتبين قد استفرغا وسعهما في مقالتيهما لابطال حديث (اصحابي كالنجوم) لكنهما لم يبذلا جهدهما في البحث عنه في كتب اصحابنا الامامية الحديثية، ولا ابديا له) على فرض ثبوته – تأويلاً سائغاً.
هذا، مع أنهما أول من تنالهما سهام الناقدين من مخالفيهم وخصومهم، إذ يطعنون عليهما بثبوته في اصولهم الحديثية، فلذلك أتى بحثهما في هذا الحديث ناقصاً، بل مندك الاساس، خاوي الاصول، لأن على الباحث الموضوعي أن يلمّ بأطراف بحثه من جميع الجوانب.
فاذا كان الحديث قد ورد من طريق الامامية، فلابد من نقده وبيان حاله أولاً – ان كان قابلاً لذلك – ثم الخوض في منازلة الخصم ومناقشته، وإلاّ فلا مناص من الاذعان به والبخوع له، وهذه سيرة جهابذة المحققين من سلفنا الصالح رضي الله عنهم، ومقتضى أدب البحث والمناظرة، لكن أكثر الكتّاب في هذا المجال من المتأخرين قد ذهلوا عن ذلك – والعصمة لأهلها -.
اذا تبيّن لك هذا، فاعلم أن حديث (أصحابي كالنجوم) اخرجه الامام الحافظ ابو جعفر محمد بن الحسن الصفار القمي رحمه الله في كتابه (بصائر الدرجات: ص11) قال: حدثني الحسن بن موسى الخشّاب، عن غياث بن كلوب، عن اسحاق بن عمار، عن جعفر عليه السلام، عن أبيه عليه السلام: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما وجدتم في كتاب الله فالعمل به لازم، لا عذر لكم في تركه، وما لم يكن في كتاب الله وكانت فيه سنة مني فلا عذر لكم في ترك سنتي، وما لم يكن فيه سُنّة مني فما قال اصحابي فخذوه، فإنما مثل اصحابي فيكم كمثل النجوم فبأيها أخذ اهتدي، وبأي اقاويل اصحابي اخذتم اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة. قيل: يا رسول الله ومَن أصحابك؟ قال: أهل بيتي.
وأخرجه الصدوق ابو جعفر بن بابويه القمي رحمه الله تعالى في كتابه (معاني الأخبار ص156): قال: حدثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد ابن الحسن الصفار – وذكره بتمامه -.
ثم علّق عليه بقوله: إنّ اهل البيت عليهم السلام لا يختلفون، ولكن يفتون الشيعة بمرّ الحق، وربما افتوهم بالتقية، فما يختلف من قولهم فهو للتقية، والتقية رحمة للشيعة.
فهذا الحديث صريح في ان المراد باصحابه صلى الله عليه وآله وسلم المذكورين فيه هم أهل البيت الكرام عليهم السلام.
وليس هذا الحديث وتفسيره وارداً عن الامام عليه السلام مورد التقية – كما لا يخفى -.
فهو إذن – وإن لم يكن صحيح الإسناد أو حسنه على حسب اصطلاح المتأخرين – لكنه صالح للاحتجاج به في المناقب والفضائل بلا شبهة، كما هو مقرّر في محله.
وله شاهد رواه أبو سعيد عباد بن يعقوب الرواجني في أصله، عن أبي المقدام عمرو بن ثابت عن أبي جعفر، عن ابيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نجوم في السماء أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت نجوم السماء أتى أهل السماء ما يكرهون، ونجوم من أهل بيتي من ولدي أحد عشر نجماً أمان في الأرض لأهل الأرض أن تميد بأهلها، فإذا ذهبت نجوم أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يكرهون.
هذا، ولو فُرض أنه لم يُبيّن المراد بأصحابه صلى الله عليه وآله وسلم – كما في حديث (اصحابي كالنجوم عند العامة – لكان ينبغي حمله على من اقتفى اثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وابتع هديه وسنته من الصحابة، كسلمان وأبي ذر وعمار والمقداد وحذيفة وأضرابهم، رضي الله عنهم أجمعين، لا الصحابة برمّتهم حتى من نافق منهم أو ارتدّ عن الحق – والعياذ بالله – فان الحصى خير من هؤلاء، فضلاً عن كونهم نجوماً للاهتداء.
وكان يندفع بهذا ما أُعلّ به متن الحديث من مخالفته لواقع حال جمع من الصحابة، وفيهم من ركب رأس العظائم والموبقات، وغيره من الايرادات المذكورة في المقام.
ولو أنّ هذين الفاضلين الكاتبين تنبّها لهذا الأمر ولم يقتصرا على ظاهر لفظ الحديث لما بادرا الى انكاره وردّه، بل وجدا شاهد هذا الجمع فيما اخرجه ابو جعفر الصدوق بابويه رحمه الله تعالى في كتابه (عيون أخبار عليه السلام: ج2، ص87) قال: حدثنا الحاكم ابو علي الحسين بن احمد البيهقي، قال: حدثي محمد بن يحيى الصولي، قال: حدثني محمد بن موسى بن نصر الرازي، قال: حدثني أبي، قال: سُئل الرضا عليه السلام عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم، وعن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: دعوا لي أصحابي. فقال عليه السلام: هذا صحيح، يريد من لم يغيّر بعده ولم يبدّل (الحديث).
وهؤلاء الذين ذكرناهم من الصحابة وغيرهم من اخوانهم ممن لم يغيروا ولم يبدّلوا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاتفاق.
وبالجملة: فما ينبغي أن يتنبّه له كل باحث بحزم، وحاكم على الأحاديث بجزم، هو أن يجمع أحاديث كل باب بأسانيدها ومتونها قبل الحكم عليها، فإنّه قد يتبيّن له بذلك ما لم يكن ظاهراً له من قبل ويكون حكمه أقرب للصواب، كيف لا و(الشاهد يرى ما لا يرى الغائب).
والحمد لله تعالى حق حمده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ من بعده وعلى آله.