الفرج بعد البلاء
هلاكُ الظالمين سنةٌ من سنن الله تعالى في هذه الحياة ، قال تعالى:﴿ وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ﴾ 1. و يتمثل الظلم بصيغتين أساسيتين: ظلم الإنسان لنفسه بالمعاصي و الضلال والفساد، و ظلم الإنسان لغيره بالتسلُّط و العدوان و القهر، و هو يتراكم في الحالتين ليؤدي إلى البلاءات المختلفة، كما يؤدي إلى الهلاك في هذه الدنيا.
هناك أنواع من البلاءات تصيب الناس بسبب سلوكهم، حيث لكل عمل أثرٌ في هذه الحياة الدنيا، فإذا كانت أعماله صالحة أنتجت الأثر الصالح، و إذا كانت فاسدة أنتجت الأثر السيء، فضلاً عمّا يترتب على كلٍّ من هذه الأعمال في الآخرة من جنةٍ أو نار.
روي عن محمد ابن الحنفية، عن علي بن أبي طالب(ع)، عن رسول الله(ص):"إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء"
قيل: يا رسول الله و ما هي؟
قال: إذا كانت المغانم دِوُلا2، و الأمانة مغنماً 3، و الزكاة مغرماً 4، و أطاع الرجل زوجته، و عقَّ أمه، و برَّ صديقه، و جفا أباه، و كان زعيم القوم أرذلهم و أكرمه القوم مخافة شره، و ارتفعت الأصوات في المساجد 5، و لبسوا الحرير، و اتخذوا القينات 6، و ضربوا بالمعازف، و لعنَ آخر هذه الأمة أولها، فليرتقب عند ذلك الريح الحمراء أو الخسف أو المسخ 7" 8. إنَّ ما أوردته الرواية من نتائج الفساد كالإصابة بالريح الحمراء أو الخسف أو المسخ إنما هي نماذج من الابتلاءات التي قد تترجم بصيغ مختلفة سواءً أكانت من العوامل الطبيعية كالزلازل و البراكين و الأمراض، أو من العوامل البشرية في الأوضاع النفسية و الصحية و الاجتماعية، و بالتالي فإن نتيجة الانحراف الإنساني بلاءات لا تحصى و لا تعد، ثم تنتهي إلى الهلاك.
هذه البلاءات تنطبق على كل الأمم، أكانوا من المشركين أو من أهل الكتاب أو من المسلمين، و إذا ما ازداد الانحراف و الفساد، و وصل إلى ذروته و شمولية انتشاره على الأرض، عندها لا أمل بالإصلاح و استمرارية الحياة إلاَّ بظهور الإمام المهدي(عج)، الذي يتمكن بما أعطاه الله تعالى إياه، و بما و عدناه به، من أن ينشر العدل في الأرض، و يعيد الإسلام بنقائه إلى مسرح الحياة، و توجَّه ضربة قاسية للظلم و الظالمين. قال رسول الله(ص): " كائنٌ في أمتي ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل، و القذة بالقذة، و أنَّ الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يُرى، و يأتي على أمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلاَّ اسمه، و لا يبقى من القرآن إلاَّ رسمه، فحينئذ يأذن الله تبارك و تعالى له بالخروج، فيُظهر الله الإسلام به، و يجدده، طوبى لمن أحبهم و تبعهم، و الويل لمن أبغضهم و خالفهم، و طوبى لمن تمسك بهداهم" 9.
و بما أنَّ آخر الزمان ثم قيام يوم القيامة قريبٌ من عصر الظهور، حيث لا يكون الفاصل الزمني طويلاً بين ظهور دولة المهدي(عج) و قيام الساعة بعدها، فإنَّ انتشار الفساد و اشتداد البلاء على الأرض يشابه في تفاصيله ما يؤشر إلى الظهور أو يؤشر إلى قيام الساعة، و هذا ما نجده في الروايات التي تتحدث عن قيام الساعة بسبب انتشار الفساد، كما تحدثت روايات أخرى عن ظهور الإمام(عج) عند انتشار الفساد. روى الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين علي(ع)، قال: سمعته يقول: "يظهر في آخر الزمان و اقتراب الساعة - و هو شرُ الأزمنة- نسوةٌ كاشفات عاريات، متبرجات من الدين (خارجات)، داخلات في الفتن، مائلات إلى الشهوات، مسرعات إلى اللذات، مستحلاتٌ للمحرمات، في جهنم داخلات" 10.
لذا كلما زاد الفساد في الأرض، و انتشرت البلاءات الكثيرة، فإنَّها من مؤشرات عصر ظهور الإمام المهدي(عج)، فلا يصيبنَّ أحدٌ اليأس أو الإحباط من سطوة الكفر و الرذيلة، أليس الصبح بقريب، فلنعمل لننجو، و لندعُ الله تعالى أن يعيننا، لنصبر و نتحمل و نعمل، لنتجاوز مرحلة الابتلاءات التي تحيط بنا بانتظار الفرج 11.
______________
1. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 59، الصفحة: 300.
2. جمع دُوَلَة بالضم والفتح, ما يُتداول من المال, و يمنع منه الضعفة و الفقراء قهراً و غلبة.
3. أي غنيمة يذهبون بها و يغتنمونها .
4. أي يشق عليهم أداؤها و يعدون اخراجها غرامة يغرمونها و مصيبة يصابونها .
5. بالخصومات أو بالبيع و الشراء و نحوها مما نهُي عنه في المساجد .
6. المغنيات اما المعازف فهي الدفوف و الملاهي.
7. زعم أن مسخها إنما يكون بالقلوب لا بالصور .
8. الخصال - الشيخ الصدوق - ص 500 - 501
9. القندوزي، ينابيع المودة ، ج3، ص: 283.
10. الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص:390.
11. المصدر : موقع سماحة الشيخ نعيم قاسم حفظه الله.