كلمات من نور
كلمات النبي وأهل بيته تجليات تنعكس من أنفسهم الزاكية بعد ان تشرق عليها شمس القرآن الكريم . فهي نور من نور الله ، وهدى من هدى الله . تطمئن إليه النفوس المضطربة .. وتستروح على شواطئها الآمنة ، سفن المساكين بعد رحلة مضنية في أمواج الشك والتردد ؛ وفيما يلي نقرأ معاً كلمات النور التي خلّدها التاريخ من أقوال الإمام (ع) .
محتويات [إخفاء]
قد صعدنا ذرى الحقائق
حكم للحياة
مواعظ إلهية
الدعاء : برنامج التحدي
1 ـ في وصيته الرشيدة إلى شيعته يحدد الإمام العسكري (ع) المنهج الذي ينبغي عليهم ان يتبعوه في تلك الظروف الصعبة .
يقول الإمام :
" أوصيكم بتقوى الله ، والورع في دينكم ، والإجتهاد لله وصدق الحديث ، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمد (ص) صلّوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم 1 وأدّوا حقوقهم فان الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل : هذا شيعي فيسرّني ذلك . اتقوا الله وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً ، جرّوا إلينا كل مودة ، وادفعوا عنا كل قبيح ، فانه ما قيل من حسن فنحن أهله ، وما قيل من سوء فما نحن كذلك . لنا حق في كتاب الله ، وقرابة من رسول الله ، وتطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا إلاّ كذّاب . اكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي (ص) فان الصلاة على رسول الله عشر حسنات . احفظوا ما وصيّتكم به ، واستودعكم الله ، وأقرأ عليكم السلام " 1 .
2 ـ ايمان الناس بالقيادة الشاهدة ، عليهم الحاضرة بينهم ، أشدّ صعوبةً على انفسهم ، من ايمانهم بمن مضى من بينهم ، لانهم إذا آمنوا بالإمام الشاهد الحاضر ، تطلب منهم اتباعه وطاعته والتسليم لأمره وما أصعب الطاعة ، والتسليم ، وبالذات إذا اختلفت الرؤى وتناقضت المصالح ، ومن هنا كثرت حالات الوقف عند كثير من أبناء الطائفة كلما مضى إمام ، وقام إمام مقامه ، وكثير ما كان الوقف من قبل الوكلاء الذين تجمعت عندهم أموال الحقوق ، ولعب بأهوائهم ريح الرئاسة وشهوة السلطة .
وقد لحق الإمام العسكري الكثير من الأذى بسبب هؤلاء ، وربما أكثر من الماضين من أئمة الهدى ، كما يظهر من حديث روي عنه يقول فيه :
" ما مُنيَ أحد من آبائي بمثل ما منيت به من شك هذه العصابة فيَّ " .
ولعل مرد هذا الشك ، كان الشك في استمرار الامامة ، لذلك قال الإمام في رد هذا الشك :
" فان كان هذا الأمر أمراً اعتقدتموه ودنتم به إلى وقت ( يبدو انه كان يعني أمر الامامة ) ثم ينقطع ، فللشك موضع ، وان كان متصلاً ما اتصلت أمور الله ، فما معنى هذا الشك " 2 .
وفي كتاب كريم يرسله الإمام إلى واحد من أصحابه الثقاة ، والذي كانت بينه وبين الإمام مراسلات كثيرة ، واسمه إسحاق بن إسماعيل النيسابوري ، نقرأ احتجاج الإمام على الأمامة ، ومدى أهميتها ، تعالوا نتأمل في هذه الرسالة .
" سترنا الله وإياك بستره وتولاّك في جميع أمورك بصنعه ، فهمت كتابك برحمك الله ونحن بحمد الله ونعمته ، أهل بيت نرق ّعلى أوليائنا ونسرُّ بتتابع احسان الله إليهم وفضله لديهم ، ونعتدّ بكل نعمة ينعمها الله تبارك وتعالى عليهم ، فأتم الله عليك يا إسحاق وعلى من كان مثلك ـ ممن قد رحمه الله وبصّره بصيرتك ـ نعمته . وقدر تمام نعمته ، دخول الجنة . وليس من نعمة ، وان جل أمرها وعظم خطرها ، الا والحمد لله تقدّست أسماؤه عليها ، مؤدٍ شكرها ، وأنا أقول : الحمد لله أفضل ما حمده حامد إلى أبد الأبد بما منّ الله عليك من رحمته ونجّاك من الهلكة ، وسهّل سبيلك على العقبة . وأيم الله انها لعقبة كؤود ، شديد أمرها ، صعب مسلكها ، عظيم بلاؤها ، قديم في الزّبر الأولى ذكرها . ولقد كانت منكم في أيام الماضي (ع) إلى ان مضى لسبيله وفي أيامي هذه ، أمور كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولا مسدّدي التوفيق .
فاعلم يقيناً يا إسحاق انه من خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً .
يا إسحاق ليس تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ، وذلك قول الله في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذ يقول : ﴿ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ ﴾ 3. وأي آية أعظم من حجة الله على خلقه وأمينه في بلاده وشهيده على عباده من بعد من سلف من آبائه الأولين النبيين وآبائه الآخرين الوصيين ( عليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبركاته ) . فأين يتاه بكم وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم ، عن الحق تصدفون ، وبالباطل تؤمنون ، وبنعمة الله تكفرون ، أو تكونون ممن يؤمن ببعض الكتاب ، ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلاّ خزي في الحياة الدنيا وطول عذاب في الآخرة الباقية ، وذلك والله الخزي العظيم . ان الله بمنّه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم بل رحمة منه ـ لا إله إلاّ هو ـ عليكم ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدوركم وليمحّص ما في قلوبكم ، لتسابقوا إلى رحمة الله ولتتفاضل منازلكم في جنته ، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وايتاء الزكاة والصوم والولاية وجعل لكم باباً تستفتحون به أبواب الفرائض مفتاحاً إلى سبيله ، لولا محمد (ص) والأوصياء من ولده لكنتم حيارى كالبهائم لا تعرفون فرضاً من الفرائض وهل تدخل مدينة الا من بابها ، فلما منَّ عليكم باقامة الأولياء بعد نبيكم ، قال الله في كتابه : ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ... ﴾ 4 ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها ليحلّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشاربكم ، قال : ﴿ ... قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ... ﴾ 5واعلموا انّ من يبخل فأنما يبخل عن نفسه ، والله الغني وأنتم الفقراء ، لا إله إلاّ هو . ولقد طالت المخاطبة فيما هو لكم وعليكم " 6 .
قد صعدنا ذرى الحقائق
3 ـ لم يفتخر الأئمة (ع) بمنصب دنيوي ، أو ثروة وشهرة . انما كان فخرهم بحب الله ، والإنتساب إلى رسوله .. وبالعلم والتقوى . وفيما يلي رائعة منسوبة إلى الإمام العسكري وجدوها بخطه الكريم على ظهر كتاب جاء فيها :
" قد صعدنا ذرى الحقائق باقدام النبوة والولاية ، ونوّرنا السبع الطرائق بأعلام الفتوة ، فنحن ليوث الوغى ، وغيوث الندى ، وفينا السيف والقلم في العاجل ، ولواء الحمد والعلم في لآجل ، وأسباطنا خلفاء الدين ، وحلفاء اليقين ، ومصابيح الأمم ، ومفاتيح الكرم ، فالكليم اُلبس حلّة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء ، وروح القدس في جنان الصاقورة ، ذاق من حدائقنا الباكورة ، وشيعتنا الفئة الناجية ، والفرقة الزّاكية ، صاروا لنا ردءاً وصوناً ، وعلى الظلمة إلباً وعوناً ، وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران " 7 .
حكم للحياة
خير الدروس تلك التي يستفيد منها الإنسان في حياته وقد أفاض أئمة الهدى المزيد من التعاليم الحياتية لو استوعبناها ، لكنا أسعد الناس في الدنيا وأقربهم إلى رضوان الله في الآخرة . وفيما يلي نتأمل بعض كلمات الإمام العسكري (ع) في هذا الحقل الهام :
" ادفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك ، فان لكل يوم رزقاً جديداً . واعلم ان الإلحاح في المطالب يسلب البهاء ويورث التعب والعناء ، فاصبر حتى يفتح الله لك باباً يسهل الدخول فيه فما أقرب الصنيع من الملهوف ، والأمن من الهارب المخوف ، فربما كانت الغِير نوع من أدب الله ، والحظوظ مراتب ، فلا تعجل على ثمرة لم تدرك ، وانما تنالها في أوانها ، واعلم ان المدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه ، فثق بخيرته في جميع أمورك يصلح حالك ، ولا تعجل بحوائجك قبل وقتها ، فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط ، واعلم ان للسخاء مقداراً ، فان زاد عليه فهو سرف ، وان للحزم مقداراً فان زاد عليه فهو تهور ، واحذر كل ذكي ساكن الطرف ، ولو عقل أهل الدنيا خربت " 8 .
" خير إخوانك من نسي ذنبك وذكر إحسانك إليه " .
" أضعف الأعداء كيداً من أظهر عداوته " .
" حسن الصورة جمال ظاهر ، وحسن العقل جمال باطن " .
" اولى الناس بالمحبة منهم من أمّلوه " .
" من آنس بالله استوحش الناس ، وعلامة الأنس بالله الوحشة من الناس " .
" جعلت الخبائث في بيت والكذب مفاتيحها " .
" إذا نشطت القلوب فأودعوها ، وإذا نفرت فودّعوها " .
" اللحاق بمن ترجو خير من المقام مع من لا تأمن شره " .
" الجهل خصم ، والحلم حكم ، ولم يعرف راحة القلوب من لم يجرّعه الحلم غصص الصبر والغيظ " .
" من ركب ظهر الباطل نزل به دار الندامة " .
" المقادير الغالبة لا تدفع بالمغالبة ، والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشره ، ولا تدفع بالامساك عنها " .
" نائل الكريم يحببّك إليه ويقربك منه ، ونائل اللئيم يباعدك منه ويبغضك إليه " .
" من كان الورع سجيته ، والكرم طبيعته ، والحلم خلّته كثر صديقه ، والثناء عليه ، وانتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه " .
" السَّهر ألذّ للمنام والجوع أزيد في طيب الطعام " . ( رغّب به (ع) على صوم النهار وقيام الليل) " 9 .
" المؤمن بركة على المؤمن وحجة على الكافر " .
" قلب الأحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه " .
" لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض " .
" من تعدّى في طهوره كان كناقضه " .
" ما ترك الحقَ عزيزٌ إلاّ ذلّ ولا أخذ به ذليل إلاّ عزّ " .
" صديق الجاهل تعب " .
" خصلتان ليس فوقهما شيء : الايمان بالله ونفع الاخوان " .
" جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في كبره " .
" ليس من الأدب اظهار الفرح عند المحزون " .
" خير من الحياة ما إذا فقدته بغضت الحياة ، وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت الموت " .
" رياضة الجاهل وردّ المعتاد عن عادته كالمعجز " .
" التواضع نعمة لا يحسد عليها " .
" لا تكرم الرجل بما يشقّ عليه " .
" من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه . ومن وعظه علانية فقد شانه " .
" ما من بلية إلاّ ولله فيها نعمة تحيط بها " .
" ما اقبح بالمؤمن ان تكون له رغبة تذلّه " 10 .
مواعظ إلهية
5 ـ وقال (ع) :
" أورع الناس من وقف عند الشبهة ، أعبد الناس من أقام على الفرائض ،أزهد الناس من ترك الحرام ، أشد الناس اجتهاداً من ترك الذنوب " .
" انكم في آجال منقوصة وأيام معدودة ، والموت ياتي بغتة ، من يزرع خيراً يحصد غبطة ، ومن يزرع شراً يحصد ندامة ، لكل زارع ما زرع ، لا يسبق بطيء بحظه ، ولا يدرك حريص ما لم يقدّر له ، من أعطى خيراً فالله أعطاه ، ومن وقي شراً فالله وقاه " .
وجاء في رسالته الكريمة إلى الفقيه المشهور بابن بابويه جاء فيها :
" اما بعد أوصيك يا شيخي ، ومعتمدي ، وفقيهي ـ أبا الحسن علي بن الحسين القمي ، وفقك الله لمرضاته وجعل من صلبك أولاداً صالحين برحمته .
بتقوى الله ، واقام الصلاة ، وايتاء الزكاة ، فانه لا تقبل الصلاة من مانعي الزكاة .
وأوصيك بمغفرة الذنب ، وكظم الغيظ ، وصلة الرحم ، ومواساة الاخوان ، والسعي في حوائجهم في العسر واليسر ، والحلم عن الجهل ، والتفقه في الدين ، والترتيب في الأمور والتعهد للقرآن ، وحسن الخلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الله عزّ وجلّ ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ 11واجتناب الفواحش كلها . وعليك بصلاة الليل ـ ثلاث مرات ـ ومن استخف بصلاة الليل فليس منا .
فاعمل بوصيتي ، وأمر شيعتي حتى يحملوا عليه ، وعليك بانتظار الفرج ، فان النبي (ص) قال : " أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج " . ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي (ص) انه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً . فاصبر يا شيخي ، وأمر جميع شيعتي بالصبر ، ﴿ ... إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ 12.
والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة الله وبركاته وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير 13 .
الدعاء : برنامج التحدي
6 ـ وكانت الأدعية المأثورة عن أهل بيت الوحي (ع) ، تعتبر دائماً برنامج التحدي ضد كل الوان الفساد الثقافي والإجتماعي والسياسي .. أو ليس الدعاء يقرب القلب من الرب ، ويعرج بروح المؤمن إلى آفاق معرفة الله . والإنسان كلما ازداد معرفة بالله ، ازداد ايمانا به وازداد ـ بالتالي ـ التزاماً بالشرائع الإسلامية ، والتي من أبرز مصاديقها الثورة ضد الطغاة والإستقامة والصبر في مواجهتهم . وعدم التسليم لوسائل التطويع عندهم من الترغيب والترهيب والتضليل . .
وكانت كلمات الدعاء عند أهل البيت والتي توارثوها عن رسول الله (ص) كأغنى كنز وأثمن ركاز ، كانت دائرة معارف إلهية فيها آيات الحكمة ومناهج التربية وبصائر في السياسة ، ورؤى في الثقافة . .
والدعاء الذي علمه الإمام الحسن العسكري للقميين ، والذي انتشر بينهم كمنشور سياسي ، ووثيقة جهادية ، وبرنامج حركي ، ونهج رسالي في تلك المرحلة الحساسة . هذا الدعاء يعتبر اليوم من كنوز معارف أهل البيت ، ويجدر بنا ان نتعاهده ليل نهار حتى نزداد معرفة ويقيناً وصلابةً وهدى ..
دعنا نرتل كلمات هذا الدعاء معاً ونتأمل فيها :
" الحمد لله شكراً لنعمائه ، واستدعاءً لمزيده ، واستجلاباً لرزقه ، واستخلاصاً له ، وبه دون غيره ، وعياذاً من كفرانه والالحاد في عظمته وكبريائه ، حمد من يعلم ان ما به من نعمائه فمن عند ربه ، ، وما مسه من عقوبته فبسوء جناية يده ، وصلى الله على محمد عبده ورسوله ، وخيرته من خلقه ، وذريعة المؤمنين إلى رحمته ، وآله الطاهرين ، ولاة أمره .
اللهم : انك ندبت إلى فضلك ، وأمرت بدعائك ، وضمنت الأجابة لعبادك ، ولم تخيب من فزع إليك برغبته ، وقصد إليك بحاجته ، ولم ترجع بداً طالبة صفرا من عطائك ، ولا خائبة من نحل هباتك ، وأي راحل رحل إليك فلم يجدك قريباً ، ووافد وفد عليك فاقطعته عوائق الرد جودك . بل أي محتف ، لم يمهه فيض جودك ، وأي مستنبط لمزيدك دون استماحه سجال عطيتك .
اللهم : وقد قصدت إليك برغبتي ، وقرعت باب فضلك يد مسألتي ، وناجاك بخشوع الاستكانة قلبي ، ووجدتك خير شفيع لي إليك ، وقد علمت ما يحدث من طلبتي قبل ان يخطر بفكري ، أو يقع في خلدي ، فصل اللهم دعائي إياك باجابتي ، واشفع مسألتي بنجح طلبتي .
اللهم : وقد شملنا زيغ الفتن ، وستولت علينا غشوة الحيرة ، وقارعنا الذل والصغار ، وحكم علينا غير المأمونين في دينك ، وابتز أمورنا معادن الأبن ممن عطل حكمك ، وسعي في اتلاف عبادك ، وافساد بلادك ، اللهم وقد عاد فيئنا دولة بعد القسمة ، وأمارتنا غلبة بعد المشورة ، وعدنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة ، فاشتريت الملاهي والمعارف بسهم اليتيم والأرملة ، وحكم في ايثار المؤمنين أهل الذمة ، وولي القيام بأمورهم فاسق كل قبيلة ، فلا ذائد يذودهم عن هلكة ، ولا راع ينظر إليهم بعين الرحمة ، ولا ذو شفعة يشبع الكبد الحري من مسغبة ، فهم أولوا ضرع بدار مضيعة ، وأسراء مسكنة ، وخلفاء كآبة وذلة 14 .
اللهم : وقد استحصد زرع الباطل ، وبلغ نهايته واستحكم عوده ، واستجمع طريده وخذرف وليده وبسق فرعه ، وضرب بجرانه .
اللهم : فاتح له من الحق حاصده ، تصدع قائمه ، وتهشم سوقه وتحب سنامه ، وتجدع مراغمه ليستخفي الباطل بقبح صورته ، ويظهر الحق بحسن حليته .
اللهم : ولا تدع للجور دعامة إلاّ قصمتها ، ولا جنة إلاّ هتكتها ، ولا كلمة مجتمعة إلاّ فرقتها ، ولا سرية ثقل الا خففتها ، ولا قائمة علو إلاّ حططتها ، ولا رافعة علم إلاّ نكستها ، ولا خضراً إلاّ أبرتها .
اللهم : فكور شمسه ، وحط نوره واطمس ذكره وارم بالحق رأسه ، وفض جيوشه ، وأرعب قلوب أهله .
اللهم : ولا تدع منه بقية إلاّ أفنيت ، ولا بنية إلا سويت ، ولا حلقة إلاّ قصمت ، ولا سلاحاً إلاّ أكللت ، ولا حداً ولا كراعاً إلاّ اجتحت ولا حاملة علم إلاّ نكست .
اللهم : وأرنا أنصاره عباديد بعد الألفة ، وشتى بعد اجتماع الكلمة ، ومقنعي الرؤوس بعد الظهور على الأمة .
واسفر لنا عن نهار العدل ، وأرناه سرمداً لا ظلمة فيه ، ونوراً لا شوب معه ، واهطل علينا ناشئته ، وانزل علينا بركته وادل له ممن ناواه وانصره على من عاداه .
اللهم : واظهر الحق ، واصبح به في غسق الظلم ، وبهم الحيرة .
اللهم : واحيي به القلوب الميتة ، واجمع به الأهواء المتفرقة والاراء المختلفة ، وأقم به الحدود المعطلة . والأحكام المهملة ، واشبع به الخماص الساغية ، وأرح به الأبدان اللأغبة المتعبة ، كما الهجتنا بذكره ، واخطرت ببالنا دعاءك ، ووفقتنا للدعاء إليه ، وحياشة أهل الغفلة عنه ، وأسكنت في قلوبنا محبته ، والطمع فيه ، وحسن الظن به لإقامة مراسيمه .
اللهم : فآت لنا منه على أحسن يقين ، يا محقق الظنون الحسنة ، ويا مصدق الآمال المبطئة ، اللهم واكذب المثالين عليك فيه ، واخلف به ظنون القانطين من رحمتك والآيسين منه .
اللهم : اجعلنا سبباً من أسبابه ، وعلماً من أعلامه ومعقلاً من معاقله ، وانصر وجوهنا بتحليته ، وأكرمنا بنصرته ، واجعل نيتنا خيراً تظهرنا لنا به ، ولا تشمت بنا حاسدي النعم ، والمتربصين بنا حلول الندم، ونزول المثل ، فقد ترى يا رب براءة خلو ساحتنا ، وخلو ذرعنا من الإضمار لهم على أحنة ، والتمني لهم وقوع جائحة وما تنازل من تحصينهم بالعافية ، وما اخبالنا من اتهاز الفرصة ، وطلب الوثوب بنا عند الغفلة 15 .
اللهم : وقد عرفتنا من أنفسنا ، وبصرتنا من عيوبنا خلالاً نخشى ان تقعد بنا عن اشتهار إجابتك ، وأنت المتفضل على غير المستحقين ، والمبتدئ بالإحسان على السائلين ، فأت لنا من أمرنا على حسب كرمك وجودك وفضلك ، وامتنانك انك تفعل ما تشاء ، وتحكم ما تريد انا إليك راغبون ، ومن جميع ذنوبنا تائبون ..
اللهم : والداعي إليك ، والقائم بالقسط من عبادك ، الفقير إلى رحمتك ، المحتاج إلى معونتك على طاعتك ، إذ ابتدأته بنعمتك وألبسته أثواب كرامتك ، وألقيت عليه محبة طاعتك ، وثبت وطأته في القلوب من محبتك ، ووفقته للقيام بما أغمض فيه أهل زمانه من أمرك ، وجعلته مفزعاً لمظلوم عبادك ، وناصراً لمن لا يجد غيرك ، ومجدداً لما عطل من أحكام كتابك ، ومشيداً لما دثر من أعلام دينك ، وسنن نبيك عليه وآله سلامك ، وصلواتك ، ورحمتك ، وبركاتك ، فاجعله اللهم في حصانة من بأس المعتدين ، وأشرق به القلوب المختلفة من بغاة الدين وبلغ به أفضل ما بلغت به القائمين بقسطك من اتباع النبيين ، اللهم وأذلل به من لم تسهم له في الرجوع إلى محبتك ، ومن نصب له ، العداوة ، وارم بحجرك الدافع من أراد التأليب على دينك بإذلاله وتشتيت أمره ، واغضب لمن لا ترة له ، ولا طائلة ، وعادي الأقربين والأبعدين منا عليه ، لا مناً منه عليك 16 .
اللهم : فكما نصب نفسه غرضاً فيك للأبعدين ، وجاد ببذل مهجته لك في الذب عن المؤمنين ، ورد شر بغاة المرتدين المريبين حتى أخفى ما كان جهر به من المعاصي ، وأبدى ما كان نبذه العلماء وراء ظهورهم مما أخذت ميثاقهم على ان يبينوه للناس ولا يكتموه ، ودعا إلى افرادك بالطاعة ، والا يجعل لك شريكاً من خلقك يعلو أمره على أمرك ، مع ما يتجرعه فيك من مرارات الغيظ الجارحة بحواسي القلوب ، وما يعتوره من الغموم ، ويفزع عليه من احداث الخطوب ، ويشرق به من الغصص التي لا تبتلعها الحلوق ، ولا تحنو عليها الضلوع ، من نظرة إلى أمر من أمرك ، ولا تناله يده بتغييره ، ورده إلى محبتك، فاشدد اللهم أزره بنصرك ، وأطل باعه في ما قصر عنه ، من أطراد الراتعين في حماك ، وزده في قوته بسطة من تأييدك ، ولا توحشنا من أنسه ، ولا تخترمه دون أمله من الصلاح الفاشي في أهل ملته ، والعدل الظاهر في أمته . . . اللهم : وشرف بما استقبل به من القيام بأمرك ليرى موقف الحساب مقامه ، وسر نبيك محمد صلواتك عليه وآله برؤيته ومن تبعه على دعوته ، واجزل على ما رأيته قائماً به من أمرك ثوابه ، وابن قرب دنوه منك في حياته ، وارحم استكانتنا واستخذاءنا لمن كنا نقمعه به إذا فقدتنا وجهه ، وبسط أيدي من كنا نبسط أيدينا عليه لنرده عن معصيته ، وافترقنا بعد الإلفة والإجتماع تحت ظل كنفك ، وتلهفنا عند الغوث محل ما اقعدتنا عنه من نصرته ، واجعله اللهم في أمن مما يشفق عليه منه ، ورد عنه من سهام المكائد ما يوجهه أهل الشنآن إليه وإلى شركائه في أمره ، ومعاونيه على طاعة ربه الذين جعلتهم سلاحه وحصنه ، ومفزعه وأنسه ، الذين سلوا عن الأهل والأولاد ، وجفوا الوطن ، وعطلوا الوتير من المهاد ، ورفضوا تجارتهم ، واضسرّوا بمعايشهم وفقدوا في أنديتهم بغير غيبة عن مصيرهم ، وخالطوا البعيد ممن عاضدهم على أمرهم ، وقلوا القريب ممن صدّ عن وجهتهم فائتلفوا بعد التدابر والتقاطع في دهرهم ، وقطعوا الأسباب المتصلة بعاجل حطام الدنيا ، فاجعلهم اللهم في أمن من حرزك وظل كنفك ، ورد عنهم بأس من قصد إليهم بالعداوة من عبادك ، واجزل لهم على دعوتهم من كفايتك ومعونتك وأمدهم بتأييدك ونصرك ، وازهق بحقهم باطل من اراد إطفاء نورك ، اللهم واملأ بهم كل أفق من الآفاق وقطر من الأقطار قسطاً وعدلاً ، ومرحمة وفضلاً ، واشكرهم على حسب كرمك وجودك ، وما مننت به على القائمين بالقسط من عبادك ، وادخرت لهم من ثوابك ما يرفع لهم به الدرجات . إنك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد ... " 17 18 .
___________
1. a. b. المصدر : ( ص 372 ) .
2. بحار الأنوار : ( ج 75 ، ص 372 ) .
3. القران الكريم: سورة طه (20)، الآية: 125 و 126، الصفحة: 320.
4. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 3، الصفحة: 107.
5. القران الكريم: سورة الشورى (42)، الآية: 23، الصفحة: 486.
6. المصدر : ( ص 374 ـ 376 ) .
7. المصدر : ( ص 378 ) .
8. المصدر : ( ص 378 ـ 379 ) .
9. المصدر : ( ص 377 ـ 378 ) .
10. المصدر : ( ص 374 ) وقد حذفنا من المصدر كلمة ( وقال ) التي تكررت عند كل كلمة .
11. القران الكريم: سورة النساء (4)، الآية: 114، الصفحة: 97.
12. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 128، الصفحة: 165.
13. حياة الإمام الحسن العسكري : ( ص 80 ـ 81 ) .
14. يبين الإمام في هذا المقطع الحالة المزرية التي بلغتها الأمة ، وأسباب الفساد فيها .
15. تأمل كيف ينمي هذا الدعاء في نفوس المؤمنين التطلع إلى جهاد الطاغوت والمبادرة بمقاومته .
16. يربي هذا المقطع من الدعاء المؤمنين على الالتفاف حول القيادة الرشيدة والطاعة التامة لها .
17. مهج الدعوات : ( ص 63 ـ 67 ) .
18. الإمام العسكري ( عليه السلام ) قدوة و أسوة ، آية الله السيد محمد تقي المدرسي ، الناشر : مكتب آية الله المدرسي ، القطع : رقعى ، الطبعة الخامسة .