سر من أسرار فاطمة الزهراء (عليها السلام)
ولولا فاطمة لما خلقتکما
الحديث عن سيّدتنا ومولاتنا وشفيعة ذنوبنا وطبيبة قلوبنا فاطمة الزهراء’، وأنّها من سرّ الوجود وهي من الحججّ الإلهية، فلا بدّ أن نعرفها بمعرفة جلالية في أفعالها و أقوالها وجمالیة في صفاتها و سلوکها و کمالیة في ذاتها و سیرتها، ولا بدّ من زيادة المعرفة ؛ لأنّ الفضل لا يكون إلاّ بالمعرفة، فكلّما ازداد الإنسان معرفةً، ازداد حبّاً فإن العارف هو المحبّ و کلما إزداد حبّاً إزداد طاعةً و عملاً، وازداد قرباً من اللّه تعالى: «يَـرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ». فرفع الدرجات في يوم القيامة لأهل العلم والمعرفة، فإذن لنعرف فاطمة الزهراء’بما يمكننا ذلك ولكن قبل هذه المعرفة أذكر بأ نّنا قد ذكرنا معنى الوجود والموجود والفرق بينهما ، فإن الوجود من البدیهیات و أنه الظاهر بنفسه و المظهر لغیره کالنور و الموجود هو الذات أی الماهیة التي ثبت لها الوجود كما ذكرنا دليل العلّة والمعلول ، وأنّ بينهما سنخية ، وبيّنا ما معنى ذلك في محلّه…..
وأمّا الآن فنقول: إنّ قانون العلّة والمعلول أقوى من القوانين الرياضية، وهو الحاكم على كلّ هذا الكون، فبه برهنّا على صحّة ما ورد في الحدیث الشریف (حدیث المعراج) قال الله تعالی لنبیه الأعظم في معراجه: «لولاک لما خلقت الأفلاک و لولا علي لما خلقتک و لو لا فاطمة لما خلقتکما»
فإن هذا الحدیث یطابق قانون العلة و المعلول في العقلیات، فإن رسول الله(ص) هو العلة الغائیة للکون و لکل علة معلول من سنخه فمعلول النبي أمیر المؤمنین علي فهو نفس رسول الله(ص) بنص آیة المباهلة «أنفسنا و أنفسکم» فلولا علي مثل هذا المعلول، لما کان مثله رسول الله(ص) في مقام العلیة الغائیة للکون بأسره، ثم کلاهما النبي و الوصي بمنزلة العلة و لابد من معلول من سنخهما ولیس في الوجود مثل هذا المعلول إلا فاطمة الزهراء فهي الجامعة بین نوري النبوة والإمامة وهي العصمة الکبری فهي بمنزلة المعلول لهما و لولاها لما خلق الله النبي و الوصي علّة غائیة.
هذا وجه عقلي لتفسیر الحدیث المعراجي، ولکي يتّضح المطلب أكثر ويكون بلغة الجمهور سأذكر وجهاً آخر للحديث الشريف حتّى لا يتبادر إلى الذهن أنّ عليّا أفضل من النبيّ(ص) وأنّ فاطمة أفضل منهما، وسيكون بيان ذلك بالمثال الحسّي: الإنسان هو الجرم الذي انطوى فيه العالم المادّي الكبير والعالم المجرّد الأكبر لأنّ جسده من الأرض وروحه وعقله من السماء، فهو ذو بعدين: بُعدٌ سماوي وبعدٌ أرضي، وقد ركّب في بدنه عقل وروح وشهوة، وفي هذا البدن المادّي دماغ الذي هو محطّ العقل، وفيه القلب الذي هو محطّ الروح، وفيه الطحال الذي له دور في تصفية الدم الذي يذهب إلى القلب، فبدن الإنسان حيّ بدماغه ولولا هذا الدماغ لما كان له قيمة تذكر، لأنّ الدماغ هو المدبّر لبدن الإنسان، ولكن لولا القلب لما كان للدماغ دوره الذي وجد من أجله، وليس هذا يعني أنّ القلب أهمّ من الدماغ، بل إنّ الدماغ أهمّ وأشرف من القلب، ولكن للقلب دور يجعل البدن يتحرّك، ذلك البدن الذي سلطانه الدماغ ومدبّره الدماغ، ولكي يبقى البدن مستمرّ الوجود، لا بدّ له من القلب، وهذا القلب الذي يضخّ منه الدم. يحتاج إلى مصفاة تصفّي هذا الدم وليس هناك إلاّ الطحال، فهو الذي يؤدّي هذا الدور، وهذا المثال للتقريب بالحسّ مع العلم أنّ المثال يقرّب من جهة ويبعد من ألف جهة ولا مناقشة في المثال.
ولكن نريد أن نقول: إنّ هذه الأعضاء كلّ واحد منها له دوره الخاصّ، وقولنا: لولا العقل لما كان الجسد، ولولا القلب لما كان العقل، ولولا الطحال لما كان القلب، لا يعني أنّ القلب أفضل من العقل أو أنّ الطحال أفضل منهما، فليس المقام لبيان الأفضلية، فإنّ الأفضلية محفوظة بينها، وهكذا المعنى في الحديث الشريف: «لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما».
ثمّ إنّ الإمام هو عقل عالم الإمكان أو قلبه، كما ورد في الرواية التي ذكرت محاججة هشام بن الحكم مع ذلك الرجل في البصرة عندما قال له: ما هو أثر العين ؟ قال: ننظر بها، وما هو أثر الاُذن ؟ قال: نسمع بها، وما هو أثر القلب ؟ قال: نميّز به الحقّ من الباطل، فقال هشام: هكذا هو الإمام، فالإمام سرّالوجود وبه ثبتت السماوات والأرض، ولولاه لساخت الكائنات والأرض بأهلها، ومعنى سرّ الوجود أي باطن الوجود، فلذلك يعبّر عن الخفي بالسرّ أي الباطن وليس الظاهر، وعندما نقول للميّت: قدّس سرّه، أي قدّس اللّه نفسه، والنفس أمر خفي فتكون سرّاً، كما يقال في المثل: ( الولد على سرّ أبيه )، أي على خلق ونفس أبيه، وهكذا أهل البيت^سرّ الوجود أي باطن الوجود.
أيّها الإخوة الأعزّاء: نحن الآن في عصر الغيبة الكبرى، عصر الغربلة والبلبلة والامتحان والشبهات والتشكيك، فالتزموا الدعاء لكي تنجوا من هذه الهزّات الفكرية، ولكي تبتعدوا عن الشكّ باللّه ورسوله وأهل البيت سيّما صاحب الأمر(عج)، فعليكم بدعاء الغريب الذي مطلعه: «اللهمّ عرّفني نفسك…» لأنّ من لم يعرف اللّه تعالى سوف يجهل رسول اللّه، ويجهل الحجّة فيقع في الضلال، فيموت ميتة الجاهلية، لأنّ من لم يعرف إمام زمانه يموت ميتةالجاهلية، فلا بدّ من معرفة الحجج^ الذين عددهم بعدد الأسباط وبعدد الحواريين، حيث إنّ عددهم اثنا عشر خليفة وكلّهم من قريش كما ورد في الصحيحين عند الجمهور، فإمام الزمان هو الحجّة الثاني عشر، وهو الإمام المنتظر الذي يملأ الأرض قسطا وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وأبوه الإمام الحسن العسكري الحجّة الحادي عشر عليهالسلام يقول: «نحن حجج اللّه واُمّنا فاطمة حجّة اللّه علينا»، فإن فاطمة حجّة الحجج.
ولذلك قال الإمام الحجّة المنتظر(عج): إنّي أقتدي باُمّي فاطمة لما لها من الفضل والعظمة التي يقرّ بها جميع الأنبياء، بل هي ليلة القدر كما ورد ذلك في حديث مسند في بحار الأنوار، ومذكور كذلك في تفسير البرهان وتفسير نور الثقلين، ففاطمة الزهراء’ إنّما سمّيت بذلك لأنّ الناس فطموا عن معرفتها، فكيف لا تكون كذلك وهي اُمّ أبيها، أي مقصودة أبيها فكان يشمّ نحرها ويقبّل يدها ويقول الرسول الأعظم بعظمته وعلمه: فداها أبوها، فإن دلّ هذا على شيء فإنّما يدلّ على أنّها سرّ الوجود ولا يستقيم أمر لأحد سواء كان عالماً أو شاعراً أو خطيباً أو أديباً إلاّ أن يقرّ بفضلها ومحبّتها، وأن يعرفها بما أمكنه معرفتها، وهي التي فطم الناس عن حقيقة معرفتها، لأ نّها كفؤ لعليّ عليهالسلام، ولا يعرف علي عليهالسلام إلاّ اللّه ورسوله… وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الناس فطموا عن معرفتها، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى.