علم الإمام اللاحق من الإمام السابق
أهل البيت (ع) ليسوا كسائر المجتهدين والفقهاء يعتمدون على الرأي والاجتهاد، وليس من الصحيح تسميتهم بالمجتهدين لأن المجتهدين يُخطئون ويصيبون في قواعد التصور وفي قواعد السلوك وفي قواعد التشريع استناداً إلى طرقهم في الاستنباط التي تعلّموها من غيرهم من المجتهدين.
وهم(ع) ينقلون لنا ما تعلموه من آبائهم الذين تعلموا سنة رسول الله (ص) إماماً عن إمام عن الإمام علي (ع) عن رسول الله (ص)، فهم يتوارثون علم رسول الله (ص) أو يتعلمونه من الأئمة الذين سبقوهم، ولهذا فإن حديثهم هو حديث رسول الله (ص).
قال الإمام جعفر الصادق (ع): (حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (ص)، وحديث رسول الله قول الله عزّ وجلّ)(1) .
وتوارث العلم يكون تارة بطريقة التسليم كأن يسلّم الإمام السابق الإمام اللاحق ما عنده من كتب ورثها عن أبيه وجدّه عن رسول الله (ص) ككتاب علي (ع) وكتاب الجامعة، أو يكون التوارث بالتعليم، وكلا الأمرين حاصلان.
وتوارث العلم سنة إلهية، فكل نبي يرث النبي الذي سبقه وكل إمام يرث الإمام الذي سبقه.
قال الإمام محمد الباقر (ع): (إنّ العلم الذي نزل مع آدم (ع) لم يرفع، والعلم يتوارث، وكان علي (ع) عالم هذه الأمة، وإنه لم يهلك مِنّا عالم قط إلاّ خلفه من أهله من علم مثل علمه، أو ما شاء الله)(2) .
والتوارث قد يكون بتوارث الأصول ثم تطبيقها على الفروع وهذا هو المفهوم من بعض الأحاديث.
قال المفضل بن عمر: قال أبو عبد الله (ع): (إنّ سليمان ورث داود، وإنّ محمداً ورث سليمان، وإنّا ورثنا محمداً، وإنّ عندنا علم التوراة والإنجيل والزبور، وتبيان ما هي الألواح).
قلت: إنّ هذا لهو العلم؟
قال: (ليس هذا هو العلم، إن العلم الذي يحدث يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة)(3).
وعن ضريس الكناسي قال: كنت عند أبي عبد الله (ع) وعنده أبو بصير، فقال أبو عبد الله (ع): (إن داود ورث علم الأنبياء، وإن سليمان ورث داود، وإن محمداً (ص) ورث سليمان، وإنّا ورثنا محمداً، وإنّ عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى).
فقال أبو بصير: إنّ هذا لهو العلم.
فقال: (يا أبا محمد ليس هذا هو العلم، إنما العلم ما يحدث بالليل والنهار يوماً بيوم وساعة بساعة)(4).
والحدوث بالليل والنهار هو إشارة إلى التعليم من قبل الإمام السابق أو أخذ الأصول والتفرع فيها بما يناسب الظروف الجديدة التي يعيشها الإمام (ع)، وقد وردت روايات تؤكد على أنّ الإمام السابق يعلّم الإمام اللاحق، وقد تظافرت الروايات في ذلك.
وقد يكون التوارث حقيقياً وهو انتقال الكتب العلمية من الإمام السابق إلى الإمام اللاحق.
قال الإمام جعفر الصادق (ع): (إنّا لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين، ولكنها آثار من رسول الله (ص) نتوارثها كابراً عن كابر نكنزها كما يكنز الناس ذهبهم وفضتهم)(5).
وقال (ع): (إنّ عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس وإن الناس ليحتاجـون إلينــا، وإن عنـدنا كتابـاً إمــلاء رسول الله (ص) وخط علي (ع) صحيفة فيها كل حلال وحرام)(6).
وعن الإمام محمد الباقر (ع) قال: (قال رسول الله (ع) لأمير المؤمنين علي (ع): اكتب ما أملي عليك، قال علي (ع): يا نبي الله وتخاف النسيان؟ قال: لست أخاف عليك النسيان وقد دعوت الله أن يحفظك فلا ينسيك لكن اُكتب لشركائك، قال: ومن شركائي يا نبي الله؟ قال: الأئمة من ولدك)(7).
وقال الإمام جعفر الصادق (ع): (إنّ الكتب كانت عندعلي (ع) فلما سار إلى العراق استودع الكتب أم سلمة، فلما مضى علي (ع) كانت عند الحسن (ع)، فلما مضى الحسن (ع) كانت عند الحسين (ع)، فلما مضى الحسين (ع) كانت عند علي بن الحسين (ع) ثم كانت عند أبي)(8).
وبوراثة العلم المباشرة أو عن طريق التعلم أصبح أئمة أهل البيت (عليهم السلام) خزّان علم رسول الله (ص) وما ورد في القرآن الكريم من علوم، فهم أعلم من غيرهم بالكتاب والسنة، وبهذه الأعلمية وبهذه المؤهلات أصبحوا مرجعية علمية للمسلمين على اختلاف مذاهبهم ونحلهم، لأنهم لا يفتون كالآخرين برأيهم المنفصل عن القرآن والسنة النبوية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ـ الكافي 1: 53.
[2] ـ الكافي 1: 222.
[3] الكافي 1: 221.
[4] ـ الكافي 1: 255.
[5] ـ بصائر الدرجات: 319.
[6] ـ الكافي 1: 241.
[7] ـ بصائر الدرجات: 187.
[8] ـ بصائر الدرجات: 182.