المستشرقون وشبهة أن الحج بدعة اخترعها الوهم العربي
لا شك في أنّ الإنسانية بدأت مؤمنة موحدة ، تلتزم منهج الله الذي أتى على لسان آدم أبي البشر ، ثم توالت الرسالات الإلهية توضح الحق وطرائق الخير ، كلّما تباعد الناس وتشاغلوا بِمُتَعِ الحياة الرخيصة .
قال الله تعالى : ( إنَّا أرْسَلْنَاكَ بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا وإنْ مِنْ أُمّةٍ إلاَّ خلاَ فيها نذير ) فاطر : ۲۴ .
ومن المقطوع به أنّ المنطقة العربية ومكَّة – على وجه الخصوص – قد عرفت شريعةَ إبراهيم وشريعة إسماعيل ، وأنّ الحج هو ملّة إبراهيم الذي بنى الكعبة ورفع قواعدها مع ولده إسماعيل ( عليهما السلام ) .
وقال تعالى أيضاً : ( وعهِدْنَا إلَى إبراهيمَ وإسماعيلَ أنْ طهِّرَا بيْتِيَ للطائِفِينَ والعاكفينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ ) البقرة : ۱۲۵ .
ومع تطاول الزمن وتباعد العهد بدأ الناس يبتدِعون في دين الله وأَغوتهم الشياطين فحرفوا وبدّلوا ، فوضع العرب الأصنام في جوف الكعبة ، وطاف البعض منهم وهم عراة ، وحرّموا على أنفسهم مآكل ومطاعم قدموا بها من خارج الحرم ، ومنعوا المحرم أن يدخل داره من بابها المعتاد ، وغير ذلك كثير .
فلمّا جاء الإسلام محا آثار الجاهلية ، فحطّم الأصنام ، وأصبح المبدأ الإسلامي أن لا يطوف أحد بالبيت وهو عريان .
فقال الله تعالى : ( وليسَ البرُّ بأنْ تأتُوا البيوتَ منْ ظهورِها ولكن البرَّ منِ اتَّقَى وأْتُوا البيوتَ منْ أبوابِها واتقوا اللهَ لعلكم تُفلحونَ ) البقرة : ۱۸۹ .
فالحج تشريعٌ إلهيٌّ على لسانِ رسل الله ، وليس بدعةً اخترعها الوهم العربي في جاهليته .
وللحج حكمةٌ بالغةٌ تعْجَزُ عنها أقلامُ الباحثينَ ، ويكفي فيها على المستوى الفردي التَّجردُ من حُطَامِ الدنيا والإخلاص لله وحده ، وصفاءُ القلب واستشعار الملأ الأعلى ، وعلى المستوى العام التعارف الإسلامي والتقاء كافة المسلمين وأهل الفكر على كلمة سواء ، هي : ( لبيك اللهم لبيك ) .