الصوم عند المسيحيين ومفهومه في الحياة المسيحية
الصوم عند المسيحيين
اهتم شراح الكتاب المقدس بالصيام رغم اعترافهم بعدم وجوب فرضه فيه تحديداً آنياً أو كيفياً، ويعتبرونه إلى جانب الصلاة والصدقة أحد الأركان الأساسية لدينهم.
وما جاءت به المسيحية عبر مراحل تأثرها وتطورها يصعب تسميته بشرع سماوي، فالكثير الغالب فيه تشريع كنسي وضعه القساوسة والرهبان وصادقت عليه مجامعهم الكنسية التي عدت قراراتها دات قدسية ملزمة على كل مسيحي، وأن من يخالفها يعد كافراً.
وليس في العهد الجديد وصية تطلب الصوم، إنما يفهم أمره أنه أمر اختياري يلجأ إليه المسيحي عند الحاجة ويقترن بالصلاة والتدلل وليس في الكتاب المقدس ما يحظر التنادي إلى يوم صوم وصلاة في كنيسة من الكنائس ولأجل حاجة ما.
والصوم لم يفرض في الأناجيل كفرض واجب، بل كل ما فيها هو مدح للصيام، مع النهي عن الرياء وإظهار الكآبة فيه، فقد قال الإنجيل : “ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنّهم يغيّرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين”.
“ومتى صمتم فلا تكونوا معبسين كالمرائين، فإنهم ينكرون وجوههم ليظهروا للناس صائمين الحق أقول لكم: إنهم قد نالوا أجرهم، أما أنت فمتى صمت فطيّب رأسك واغسل وجهك، لكي لا تظهر للناس صائماً، بل لأبيك الذي في الخفية، هو الذي يجازيك”.
ولقد كانت سيرة السيد المسيح عبادة لله تعالى، فهو في صلاة مستمرة مع ربه، وصيام غير منقطع، يقول الإنجيل:
“حينئذ اقتاد الروح القدس يسوع إلى البريّة ليجربه إبليس، وبعد أن صام أربعين يوماً وأربعين ليلة جاع أخيراً”.
“ورجع يسوع من الأردن وهو ممتلئ من الروح القدس واقتاده الروح إلى البرية حيث جرّبه إبليس أربعين يوماً، ولم يأكل في تلك الأيام شيئاً …”.
وإنّ المتصفح لسيرة المسيح من خلال ما جاء في الأناجيل يبدو له أنّه أراد للصائمين عدم إظهار صومهم للآخرين؛ لكيلا يصبحوا مرائين به كما يفعل اليهود آنداك، وبما أن الصوم عبادة نسكية وتوجه إلى الله تعالى نجد أن المسيح يحث أتباعه على الصوم ويمدحه، وهذا المديح اعتبره المسيحييون فرضاً كفائياً لا عينياً.
يقول الإنجيل: “ومتى صمتم فلا تكونوا معبسين كالمرائين، فإنّهم ينكرون وجوههم ليظهروا للناس صائمين الحق أقول لكم: إنّهم قد نالوا أجرهم، أما أنت فمتى صمت فطيّب رأسك واغسل وجهك، لكي لا تظهر للناس صائماً، بل لأبيك الذي في الخفية، هو الذي يجازيك”.
ويرى فريق آخر أنّ المسيح لم يفرض عليهم صياماً إلا الصوم الكبير (صوم يوم الكفارة) السابق لعيد الفصح، وهو اقتداء بصوم اليهود المعروف بصوم (كيبور).
وظل المسيحيون الأوائل الذين كانوا ينتمون إلى السلالة الإسرائيلية يصومونه، أما المسيحيون الذين ينتمون إلى أصول أخرى فلم يلحوا في ذلك.
إنّ الصيام كما تدل عليه الأناجيل كان طوعياً أيام المسيح ، وأصبح بعد رفعه كما يشير إلى ذلك الإنجيل في معرض رده على سؤال تلاميذ يوحنا: “عندئذ دنا إليه تلاميذ يوحنا، وقالوا: لم نحن والفريسيون نصوم، وتلاميذك لا يصومون، فقال لهم يسوع: أويستطيع بنو العرس أن يحدّوا ما دام العريس معهم؟ ولكنها ستأتي أيام يرفع فيها العريس عنهم، وعندئذ يصومون”.
“فقالوا له: إنّ تلاميذ يوحنا يصومون كثيراً ويواظبون على الصلاة وكذلك تلاميذ الفريسيين وأما تلاميذك فيأكلون ويشربون، فقال لهم يسوع: وهل تستطيعون أن تصوموا بني العرس ما دام العريس معهم؟، فستأتي أيام… ومتى رفع العريس عنهم فحينئذ يصومون… في هذه الأيام”.
إنّ سؤال تلاميذ يوحنا يدل على أنّ الصوم ليس بذي إلزام، ولو صح فرضه لبينه النبي عليهم كتشريع محدد في المدة والزمن، وما يجب فيه وما لا يجب من الأطعمة والأشربة، ولكنّه لم يأت بذلك في الإنجيل.
ومدة الصوم الكبير خمس وخمسون يوماً ودعي بالكبير لأنّه يحتوي على ثلاثة أصوام هي :
۱ – أسبوع الاستعداد أو بدل السبوت.
۲ – صوم الأربعين يوماً المقدسة التي صامها المسيح صوماً إنقطاعياً.
۳ – صوم أسبوع الآلام.
وفي هذا الصوم لا يؤكل السمك الذي يؤكل في الصوم الصغير (صوم الميلاد) وذلك زيادة في التقشف والتذلل أمام الله.
ويختلف موعد هذا الصوم، في الكنيسة الأرثوذكسية، من عام إلى آخر بحسب تاريخ يوم عيد القيامة الذي يحدد في أي سنة من السنين بحسب قاعدة حسابية مضبوطة بحيث لا يأتي قبل يوم ذبح خروف الفصح أو معه وإنّما في يوم الأحد التالي له، حسب تعاليم الكنيسة.
ولا بد قي الصوم من الانقطاع عن الطعام لفترة من الوقت، وفترة الانقطاع هذه تختلف من شخص إلى آخر بحسب درجته الروحية واختلاف الصائمين في سنهم واختلافهم أيضاً في نوعية عملهم ولمن لا يستطيع الانقطاع حتى الساعة الثالثة من النهار فإنّ فترة الانقطاع تكون بحسب إرشاد الكاهن.
وأيضاً فإنّ الكاهن هو الذي يحدد الحالات التي تصرح فيها الكنيسة للشخص بعدم الصوم ومن أهمها حالات المرض والضعف الشديد.
أما عن الأسماء التي تعرف بها أسابيع الصوم الكبير، فقد قسمت الكنيسة الصوم الكبير إلى سبعة أسابيع يبدأ كل منها يوم الاثنين وينتهي يوم الأحد، وجعلت لأيام كل أسبوع قراءات خاصة ترتبط بعضها البعض ويتألف منها موضوع عام واحد هو موضوع الأسبوع.
وللشعور بلذة وحلاوة هذا الصوم يجب أن يقترن بالصلاة والصدقة والعمل بكل الوصايا.
وفرض بولس أصواماً على المسيحيين وتشهد بذلك رسالته الثانية إلى أهل كورنتوس. وبعد وفاة بولس بدأت مرحلة جديدة أخرى في التشريع الكنسي للصيام، إذ بان بوضوح تقنين خاص بالصوم محدد الأيام والساعات والأطعمة، خاصة في القرن الرابع الميلادي، والدافع لذلك هو الحاجة إليه وخوفاً من شعور عموم المسيحيين بأنّه لا يؤدي الغرض الذي من أجله ذكر الصيام في الأناجيل بعدما علموا أنّه فرض تطوعي لا إجباري.
وبدأت الكنائس المسيحية بفرض أيام للصوم تختلف مددها بين كنيسة وأخرى ويرتبط بعضها بحوادث جرت على المسيح كيوم القبض عليه من قبل الحاكم الروماني لفلسطين ويوم صلبه – كما يرى المسيحيون – ويوم مبعثه.
ما هو مفهوم الصوم في الحياة المسيحية
قبل أن نستفيض في الحديث عن الصوم المقبول لدى الله – بحسب رؤية المسيحيين – يجب أن نعرف أنّ هناك صوماً مرفوضاً من الله نقرأ عنه في سفر اشعياء: “وَيَسْأَلُونَ: مَا بَالُنَا صُمْنَا وَأَنْتَ لَمْ تُلاَحِظْ، وَتَذَلَّلْنَا وَلَمْ تَحْفِلْ بِذَلِكَ؟ إِنَّكُمْ فِي يَوْمِ صَوْمِكُمْ تَلْتَمِسُونَ مَسَرَّةَ أَنْفُسِكُمْ وَتُسَخِّرُونَ جَمِيعَ عُمَّالِكُمْ. وَهَا أَنْتُمْ تَصُومُونَ لِكَيْ تَتَخَاصَمُوا وَتَتَشَاجَرُوا فَقَطْ، وَتَتَضَارَبُوا بِكَلِمَاتٍ أَثِيمَةٍ. إِنَّ مِثْلَ صَوْمِكُمُ الْيَوْمَ لاَ يَجْعَلُ أَصْوَاتَكُمْ مَسْمُوعَةً فِي الْعَلاَءِ. أَيَكُونُ الصَّوْمُ الَّذِي أَخْتَارُهُ فِي إِذْلاَلِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ يَوْماً، أَوْ فِي إِحْنَاءِ رَأْسِهِ كَالْقَصَبَةِ، أَوِ افْتِرَاشِ الْمِسْحِ وَالرَّمَادِ؟ أَتَدْعُو هَذَا صَوْماً مَقْبُولاً لَدَى الرَّبِّ؟ …”.
وهنا نجد أنّ الصوم المرفوض من الله هو الصوم الشكلي المظهري الغير نابع من أعماق القلب، فهذا صوم يمارسه الإنسان لكي يظهر صائماً وقد حذر المسيح من هذا الصوم قائلاً: “ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنّهم يغيّرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين. الحقَّ أقول لكم إنهم قد استوفوا أَجْرَهم”.
وهناك علّة أخرى في هذا الصوم تجعله أكثر رفضاً من الله وهو أنّ الصائم إنّما يصوم ويُوجد لنفسه مسرّة في يوم الصوم، وبكل أشغاله يسخر غيره حتى يفقد الصوم فاعليته في حياة الإنسان الصائم، بل كثيراً ما يؤدي هذا الصوم إلى الخصومة والنزاع والضرب بكلمة الشر.
أما الصوم المقبول فيكمل به الحديث في سفر أشعياء بالقول: “أَلَيْسَ الصَّوْمُ الَّذِي أَخْتَارُهُ يَكُونُ فِي فَكِّ قُيُودِ الشَّرِّ، وَحَلِّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقِ سَرَاحِ الْمُتَضَايِقِينَ، وَتَحْطِيمِ كُلِّ نِيرٍ؟ أَلاَ يَكُونُ فِي مُشَاطَرَةِ خُبْزِكَ مَعَ الْجَائِعِ، وَإِيْوَاءِ الْفَقِيرِ الْمُتَشَرِّدِ فِي بَيْتِكَ. وَكُسْوَةِ الْعُرْيَانِ الَّذِي تَلْتَقِيهِ، وَعَدَمِ التَّغَاضِي عَنْ قَرِيبِكَ الْبَائِسِ؟”.
وهنا نرى أنّ الصوم المقبول بل المختار هو الصوم الناتج من القلب المُسلّم ليد الرب والخاضع والمطيع لمشيئة الله والممتلئ بالثمر الصالح والسلوك المستقيم، فأساس الأمر أنّ الله ينظر إلى القلب وليس إلى المظاهر الخارجية، فهو ينظر إلى الداخل وليس إلى الخارج.
فإن كان الداخل، أي قلب الإنسان، نقياً بنعمة الله، يقبل الله صوم الإنسان وصلاته وعبادته، لذلك أضاف المسيح صفة أخرى هامة لهذا الصوم المقبول حينما قال: “وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك. لكي لا تظهر للناس صائماً بل لأبيك الذي في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء يجازيك علانية”.
ويشير المسيح إلى أنّ ما يؤكد صدق وأمانة الإنسان الصائم أنه لا يريد أن يظهر للناس صائماً بل هو يتذلل في الخفاء أي قلبياً أمام الله الذي هو: “فاحص القلب مختبر الكل”.
ونلاحظ أيضاً قول المسيح: “أبوك الذي يرى في الخفاء”.. فكلمة أبوك تشير إلى العلاقة الحقيقية الوثيقة بين الصائم والله فهي علاقة الأب بابنه، فحينما تقود هذه العلاقة الإنسان في سلوكه بقداسة وبصلاة وصوم حينئذ يكافئ الله مثل هذا الإنسان علانية. كما ذكر أيضاً أشعياء النبي بعض هذه المكافآت فقال: “حينئذٍ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعاً ويسير برك أمامك ومجد الرب يجمع ساقتك. حينئذٍ تدعو فيجيب الرب. تستغيث فيقول هاأنذا. إن نزعت من وسطك النير والإيماءَ بالأصبع وكلام الإثم وأنفقت نفسك للجائع وأشبعت النفس الذليلة يشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر ويقودك الرب على الدوام ويشبع في الجدوب نفسك وينشط عظامك فتصير كجنَّة ريَّاً وكنبع مياهٍ لا تنقطع مياههُ. ومنك تُبنَى الخِرَب القديمة. تقيم أساسات دور فدور فيسمونك مرمم الثغرة مرجع المسالك للسكنى”.
ويعبر أيضاً بولس عن مقدار ما يستمتع به الإنسان الذي له علاقة وشركة حيَّة وحقيقية مع الله إذ يقول: “وسلام الله الذي يفوق كلَّ عقلٍ يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع”.
ولكن متى يصوم الإنسان عند المسيحية؟
من دراستنا لكتابهم نجد أنّ الصوم مرتبط بعدة أمور نذكر بعضاً منها:
أولاً: مرتبط بالتوبة والرجوع إلى الله وطلب رحمته
كما قال يوئيل النبي: “قدّسوا صوماً نادوا باعتكافٍ اجمعوا الشيوخ جميع سكّان الأرض إلى بيت الرب إلهكم واصرخوا إلى الرب”. وأيضاً يكمل يوئيل النبي كلامه قائلاً: “ولكن الآن يقول الرب ارجعوا إلى بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح. ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنهُ رؤوف رحيمٌ بطئُ الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر.
لعلهُ يرجع ويندم فيُبقي وراءَهُ بركة تقدمة وسكيباً للرب إلهكم. اضربوا بالبوق في صهيون قدّسوا صوماً نادوا باعتكاف. اجمعوا الشعب قدّسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الأطفال وراضعي الثديّ ليخرج العريس من مخدعهِ والعروس من حَجلَتها. ليبكِ الكهنة خدام الرب بين الرواق والمذبح ويقولوا اشفق يارب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار حتى تجعلهم الأمم مَثَلاً. لماذا يقولون بين الشعوب أين إلههم”.
وهكذا نرى أنّ “ذبائح الله هي روحٌ منكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقرهُ”.
ثانياً: الصوم مرتبط بطلب رحمة الله بكل لجاجة في المصائب والأوقات الصعبة
مثلما حدث أيام مردخاي بعدما أقنع هامان الشرير الملك بإبادة اليهود “وأرسلت الكتابات بيد السعاة إلى كل بلدان الملك لإهلاك وقتل وإبادة جميع اليهود من الغلام إلى الشيخ والأطفال والنساء في يوم واحد في الثالث عشر من الشهر الثاني عشر أي شهر آذار”.. “ولما علم مردخاي (عبد الله التقي) كل ما عُمِل شقَّ مردخاي ثيابه ولبس مسحاً برماد وخرج إلى وسط المدينة وصرخ صرخة عظيمة مُرَّة”، ويقول الكتاب: “وفي كل كورة حيثما وصل إليها أمر الملك وسنَّتُهُ كانت مناحة عظيمة عند اليهود وصوم وبكاء ونحيب. وانفرش مسح ورماد لكثيرين”.
وماذا كانت النتيجة؟
أباد الله هامان الشرير وعلَّقه على صليبه ورد الغضب عن شعبه وصدر الأمر لليهود أن يكونوا مستعدين لهذا اليوم الذي تقرر قبلاً إهلاكهم فيه لينتقموا من أعدائهم.
ويكمل الكتاب القصة بهذه الأقوال: “وخرج مردخاي من أمام الملك بلباس ملكي اسمانجوني وأبيض وتاج عظيم من ذهب وحلَّة من بزٍّ وارجوان. وكانت مدينة شوشن متهلّلة وفرحة. وكان لليهود نور وفرح وبهجة وكرامة. وفي كل بلاد ومدينة كل مكانٍ وصل إليهِ كلام الملك وأمرهُ كان فرح وبهجة عند اليهود وولائمِ ويوم طَيِّب. وكثيرون من شعوب الأرض تهوَّدوا لأن رعب اليهود وقع عليهم”.
ثالثاً: الصوم مرتبط بالتذلل لطلب القوة الروحية الإيمانية للانتصار على قوة الشر
فحينما لم يقدر تلاميذ المسيح أن يخرجوا شيطاناً من غلام قدموه للمسيح “فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان فشُفي الغلام من تلك الساعة. ثم تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا لماذا لم نقدر نحن أن نُخرجهُ. فقال لهم يسوع لعدم إيمانكم. فالحقَّ اقول لكم لو كان لكم إيمانٌ مثل حبَّة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل ولا يكون شيءٌ غير ممكنٍ لديكم. وأما هذا الجنس فلا يخرج إلاّ بالصلاة والصوم”.. لذلك إن كان في حياتنا أيّ انهزام أمام العدو فعلينا أن نتذلل ونتواضع تحت يد الله القوية بالصوم والصلاة لكي يرفعنا الله في حينه.
رابعاً: الصوم مرتبط بالخدمة والمهام الجليلة التي يكلفنا بها الرب
فنحن نقرأ في سفر الأعمال: “وكان في انطاكية في الكنيسة هناك أنبياء ومعلّمون… وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذٍ وصلّوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما” وبالفعل إذ انطلقا استخدمهما الرب بقوة فبشرّا وتلمذا كثيرين ويقول الكتاب أيضاً عنهما أنهما كانا “يشددان أنفس التلاميذ ويعظانهم أن يثبتوا في الإيمان وأنه بضيقاتٍ كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله. وانتخبا لهم قسوساً في كل كنيسة ثم صلّيا بأصوامٍ واستودعاهم للرب الذي كانوا قد آمنوا به”.
وهكذا نرى دائماً بركات التذلل أمام الرب الإله والسلوك بالتواضع أمامه “لذلك يقول يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة. فاخضعوا لله. قاوموا إبليس فيهرب منكم. اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم. نقّوا أيديكم أيها الخطاة وطهّروا قلوبكم يا ذوي الرأيين. اكتئبوا ونوحوا وابكوا. ليتحول ضحككم إلى نوحٍ وفرحكم إلى غمٍ. اتضعوا قدام الرب فيرفعكم”.