آداب الدعاء عند المعصومين
مقدمة
الدعاء حاجة فطرية عند الإنسان ، ومن الطبيعي أن يتعرض الإنسان خلال حياته الاجتماعية المعقدة إلى مشاكل يصعب عليه حلها أحياناً ، ويتعرض أحياناً أخرى إلى حالات حرجة يشعر بأنه هالك لا محالة ، فنراه يلجأ ويتوسل بقوة غَيبيَّة يعتقد أنها قادرة على إنقاذه .
وقد يلجأ إليها حتى الذين لا يؤمنون بها ، فقال الله عزَّ وجل : ( فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلنَاهُ نِعمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلمٍ بَل هِيَ فِتنَةٌ وَلَكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمُونَ ) الزمر : ۴۹ .
أما في حياة المؤمن ، فالدعاء يشكل أساساً متيناً لشخصيته ، لأنه يؤمن بالله تعالى القادر على كل شيء ، والذي بيده ملكوت السماوات والأرض ، فالله هو الرحمن الرحيم ، الذي وسعت رحمته كل شيء ، وهو اللطيف بعباده ، الرؤوف بمخلوقاته ، وهو القادر على ما يريد ، الكريم الذي لم يجعل بينه وبين عبده ما يحجبه عنه سبحانه وتعالى .
فقد جعل أبوابه مفتَّحة لدعاء الداعين ، وقال لعباده : ( ادعُونِي أَستَجِب لَكُم ) غافر : ۶۰ .
والمؤمن يتحبب إلى ربه وخالقه سبحانه بالتحدث إليه ، وطلب المزيد من رضاه ورحمته ، ويسأنس بالدعاء والمناجاة إذا استوحش من الدنيا ، ويتلذذ بالقرب منه تعالى ، والدعاء مناجاة تزول به الهموم والكروب ، وتطمئن النفس باللجوء إلى مَن بيده مقاليد الأمور .
والمؤمن يلجأ إلى الله ويثق بقدراته ، لأن الإنسان كلما ازداد معرفة بالله وعلماً ازداد إيماناً وتضرعاً وطاعةً ، وأكثر الناس معرفة وعلماً بالله سبحانه وتعالى أكثرهم له مسألة وطلباً .
هكذا يقف العارفون بربهم ، أذلاء خاشعين لم تنسهم دنياهم ذكر الله ، ولم تلههم تجارتهم عن المناجاة مع الله ، وهم يعلمون أن الإنسان قد يتعرض للخطأ في معاملاته ، وقد يقترف السيئة فيؤوب إلى ربه منيباً مذعناً معترفاً يطلب التوبة والمغفرة .
فليس أمام العبد الذي أوبقته الذنوب إلا التوبة والإنابة إلى الله والدعاء إليه لأنه لا مفرَّ من الله إلا إليه ، فلنجتهد في مرضاته ، ونعدُّ العدَّة لملاقاته ، عسى أن نحظى بلقائه بوجوه بيضاء مشرقة بالإيمان الصادق والعمل الصالح ، فحاشا لله أن يناجيه العبد ويمدُّ إليه يدَ الاستكانة والمذلة ويرده وهو الكريم الجواد ، فالله تعالى لا يرد السائلين ، وإن أخَّر ذلك إلى حين فلحكمة هو يراها .
فهو الذي أخذ على نفسه أن لا يخيب من دعاه ، وهو بعباده رؤوف رحيم ، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، فَمَن غير الله ندعوه ونتوسل إليه ، وهو أرحم بنا من أبوينا ؟ وقد جربنا ظلم العباد للعباد .
آداب الدعاء
لقد حدَّدت النصوص الإسلامية عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وآل البيت ( عليهم السلام ) آداباً للدعاء ، وقررت شروطاً لابد للداعي أن يراعيها كي يتقرب إلى خزائن رحمة الله تعالى وذخائر لطفه ، ويتحقّق مطلوبه من الدعاء ، وإذا أهملها الداعي فلا تتحقق له الاستجابة المرجوة من الدعاء ، ولا تحصل له نورانية القلب ، وتهذيب النفس ، وسُمُوُّ الروح المطلوبة في الدعاء ، وفيما يلي أهم هذه الشروط والآداب :
الأول : الطهارة
من آداب الدعاء أن يكون الداعي على وضوء ، سيَّما إذا أراد الدعاء عقيب الصلاة ، فقد رَوَى مسمع عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ( يا مسمع ، ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غَمٌّ من غموم الدنيا أن يتوضأ ثم يدخل مسجده ، فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما ؟ ) .
الثاني : الصدقة ، وشمُّ الطيب ، والذهاب إلى المسجد
روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ( كان أبي إذا طلب الحاجة .. قدَّم شيئاً فتصدق به ، وشمَّ شيئاً من طيب ، وراح إلى المسجد ) .
الثالث : الصلاة
ويستحب أن يصلي الداعي ركعتين قبل أن يشرع بالدعاء ، فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم صلى ركعتين ، فأتمَّ ركوعهما وسجودهما ، ثم سلَّم وأثنى على الله عزَّ وجل وعلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم سأل حاجته فقد طلب الخير في مظانِّه ، ومن طلب الخير في مظانِّه لم يخب ) .
الرابع : البسملة
ومن آداب الدعاء أن يبدأ الداعي دعاءه بالبسملة ، لقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( لا يُرَدُّ دعاءٌ أوَّله بسم الله الرحمن الرحيم ) .
الخامس : الثناء على الله تعالى
ينبغي للداعي إذا أراد أن يسأل ربه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة أن يحمد الله ويثني عليه ، ويشكر ألطافه ونعمه قبل أن يشرع في الدعاء .
يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره ، وسبباً للمزيد من فضله ) ، وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا طلب أحدكم الحاجة فَليُثنِ على ربه وليمدحه ) .
وقد أعدَّ الله تعالى لمن يمدحه ويُمَجِّده على حسن آلائه جزيل الثواب بما يفوق رغبة السائلين ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( من تشاغل بالثناء على الله ، أعطاه الله فوق رغبة السائلين ) .
أمّا ما يجزي من الثناء على الله سبحانه قبل الشروع بالدعاء ، فقد روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه سُئل عن ذلك فقال : ( تقول اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، وأنت العزيز الكريم ) .
السادس : الدعاء بالأسماء الحسنى
على الداعي أن يدعو الله تعالى بأسمائه الحسنى لقوله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) الأعراف : ۱۸۰ ، وقوله تعالى : ( أيا ما تدعو قل ادعو الله أول ادعوا الرحمن فله الأسماء الحسنى ) الأسراء : ۱۱۰ .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( لله عزوجل تسعة وتسعون اسماً ، من دعا الله بها استجيب له ) .
يقول بعض أهل العلم : ينبغي للداعي إذا مجَّد الله سبحانه وأثنى عليه أن يذكر من أسماء الله الحسنى ما يناسب مطلوبه ، فإذا كان مطلوبه ( الرزق ) يقول : يا رزاق ، يا وهاب ، يا جواد ، يا مغني ، يا منعم ، يا مفضل ، يا معطي ، يا كريم ، يا واسع ، يا مسبب الأسباب ، يا منان ، يا رزاق من يشاء بغير حساب .
وإن كان مطلوبه ( المغفرة والتوبة ) ، يقول : يا تواب ، يا رحمن ، يا رحيم ، يا رؤوف ، يا عطوف ، يا صبور ، يا شكور ، يا عفو ، يا غفور ، يا فتاح ، يا ذا المجد والسماح ، يا محسن ، يا مجمل ، يا منعم .
وإن كان مطلوبه ( الانتقام ) من العدو يقول : يا عزيز ، يا جبار ، يا قهار ، يا منتقم ، ياذا البطش الشديد ، يا فعال لما يريد ، يا قاصم المردة ، يا طالب ، يا غالب ، يا مهلك ، يا مدرك ، يا من لا يعجزه شيء .
ولو كان مطلوبه ( العلم ) يقول : يا عالم ، يا فتاح ، يا هادي ، يا مرشد ، يا معز ، يا رافع ، وما أشبه ذلك .
وقد ورد في الروايات عن أهل البيت ( عليهم السلام ) تأكيدٌ كثير على الدعاء بالأسماء الحسنى ، وأنَّ الله تعالى يستجيب لعبده المؤمن إذا دعاه بأسمائه الحسنى ، خصوصاً في حال السجود .
السابع : الصلاة على النبي وآله
لابد للداعي أن يصلي على محمد وآله ( عليهم السلام ) بعد الحمد والثناء على الله سبحانه ، وهي تؤكد الولاء لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولأهل بيته المعصومين ( عليهم السلام ) الذي هو في امتداد الولاء لله تعالى ، لذا فهي من أهم الوسائل في صعود الأعمال واستجابة الدعاء .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( لا يزال الدعاء محجوباً حتى يصلى عليَّ وعلى أهل بيتي ) ، وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد وآل محمد ) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( من دعا ولم يذكر النبي ( صلى الله عليه وآله ) رفرف الدعاء على رأسه ، فإذا ذكر النبي ( صلى الله عليه وآله ) رُفع الدعاء ) .
أما في كيفية الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد روي بالإسناد عن بريدة ، قال : قلنا : يا رسول الله ، قد عُلِّمنا كيف نسلِّم عليك ، فكيف نصلّي عليك ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( قولوا : اللهمَّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وآل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم ، إنّك حميد مجيد ) .
ومن نماذج الصلاة على النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) في الدعاء ما روي بالإسناد عن حريز ، قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : جعلت فداك ، كيف الصلاة على النبي ( صلى الله وآله ) ؟
فقال : ( قل : اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً ، اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته الذين ألهمتهم علمك ، واستحفظتهم كتابك ، واسترعيتهم عبادك ، اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته الذين أمرت بطاعتهم وأوجبت حبهم ومودتهم ، اللهمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته ، الذين جعلتهم ولاة أمرك بعد نبيك صلى الله عليه وعلى أهل بيته ) .
ومن أدب الدعاء عند سيد الساجدين الإمام علي بن الحسين ( عليهما السلام ) أنه يجعل الثناء والصلاة على النبي وآله مفتاحاً لأغلب فقرات الدعاء ، وهذا واضح لمن تأَمَّل الصحيفة السجادية ، وهو المراد بقوله ( صلى الله عليه وآله ) : (لا تجعلوني كقدح الراكب ، إن الراكب يملأ قدحه فيشربه إذا شاء ، اجعلوني في أول الدعاء وآخره ووسطه).
الثامن : التوسل بمحمد وأهل بيته
وينبغي للداعي أن يلج من الأبواب التي أمر الله تعالى بها ، وأهل البيت ( عليهم السلام ) هم سفن النجاة لهذه الأمَّة ، فحريٌّ بمن دعا الله تعالى أن يتوسل إلى الله بهم ( عليهم السلام ) ، ويسأله بحقهم ، ويقدمهم بين يدي حوائجه .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( الأوصياء مني بهم تُنصر أُمتي ، وبهم يمطرون ، وبهم يدفع الله عنهم ، وبهم استجاب دعاءهم ) ، وقال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( من دعا الله بنا أفلح ، ومن دعاه بغيرنا هلك واستهلك ) .
وعن داود الرقي ، قال : إني كنت أسمع أبا عبد الله ( عليه السلام ) أكثر ما يلحُّ به في الدعاء على الله بحق الخمسة ، يعني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) .
ومن نماذج التوسل المروي عنهم ( عليهم السلام ) هو أن تقول : ( اللهم أني أتوجه إليك بمحمد وآل محمد ، وأتقرب بهم إليك ، وأقدمهم بين يدي حوائجي ) .
التاسع : الإقرار بالذنوب
وعلى الداعي أن يعترف بذنوبه مقراً ، مذعناً ، تائباً عمَّا اقترفه من خطايا ، وما ارتكبه من ذنوب ، فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إنما هي مدحة ، ثم الثناء ، ثم الإقرار بالذنب ، ثم المسألة ، إنه والله ما خرج عبد من ذنب إلا بالإقرار ) .
وكان من دعاء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) المروي عن كميل بن زياد : ( وقد أتيتك يا الهي بعد تقصيري وإسرافي على نفسي ، معتذراً نادماً ، منكسراً مستقيلاً ، مستغفراً منيباً ، مقراً مذعناً معترفاً ، لا أجد مفراً مما كان مني ، ولا مفزعاً أتوجه إليه في أمري ، غير قبولك عذري وإدخالك إياي في سعة من رحمتك ، اللهمَّ فاقبل عذري ، وارحم شدة ضري ، وفُكَّني من شدِّ وثاقي ) .
العاشر : المسألة
وينبغي للداعي أن يذكر – بعد الثناء على الله تعالى والصلاة على النبي وآله ( عليهم السلام ) والإقرار بالذنب – ما يريد من خير الدنيا والآخرة ، وأن لا يستكثر مطلوبه ، لأنه يطلب من ربِّ السموات والأرض الذي لا يعجزه شيء ، ولا تنفد خزائن رحمته التي وسعت كل شيء .
وعليه أيضاً أن لا يستصغر صغيرة لصغرها ، لما روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ( ولا تتركوا صغيرة لصِغَرها أن تدعوا بها ، إن صاحب الصغار هو صاحب الكبار ) ، وروي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : ( ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها ، حتّى يسأله شسع نعله إذا انقطع ) .
ويستحب للداعي إذا كان دعاؤه عبادة خالصة يتقرب بها إلى مولاه أن يسأل ما يبقى جماله من خير القضاء في الآجلة والعاجلة ، وأن تعكس مسألته حالة الافتقار إلى الله تعالى التي يتساوى فيها جميع البشر .
جاء في الحديث القدسي : ( ياعبادي كُلُّكُم ضالٌّ إلا من هَدَيتُه ، فاسألوني الهدى أَهدِكم ، وكُلُّكُم فقير إلا من أغنيتُه ، فاسألوني الغِنى أرزقكم ، وكُلُّكُم مذنب إلا من عافيتُه ، فاسألوني المغفرةَ أغفر لكم ) .
ومن دعاء الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : ( ياذا الجلال والإكرام ، أسألك عملاً تحب به من عمل به ، ويقيناً تنفع به من استيقن به حقَّ اليقين في نفاذ أمرك ، اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد ، واقبض على الصدق نفسي ، واقطع من الدنيا حاجتي ، واجعل فيما عندك رغبتي شوقاً إلى لقائك ، وهب لي صدق التوكل عليك ) .
الحادي عشر : معرفة الله وحسن الظن به سبحانه
قال العلامة الحلي ( رضوان الله عليه ) : من شروط حسن الدعاء علم الداعي كون ما يطلبه بدعائه مقدوراً لمن يدعوه ، وهذا يتضمن أن من دعا الله تعالى يجب أن يكون عارفاً به وبصفاته ، فعلى الداعي أن يوقن برحمة الله اللامتناهية ، وبأنه سبحانه لا يمنع أحداً من فيض نعمته ، وأن باب رحمته لا يغلق أبداً .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( قال الله عزَّ وجل : من سألني وهو يعلم أني أضرُّ وأنفع استجبت له ) ، وقيل للاِمام الصادق ( عليه السلام ) : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟! قال ( عليه السلام ) : ( لأنكم تدعون من لا تعرفونه ) .
وإن حسن الظن بالله من شعب معرفته سبحانه ، فعلى الداعي أن يحسن الظن باستجابة دعائه ، فيجب أن يرى العبد أن ربه صادقاً في قوله تعالى : ( ادعُونِي أَستَجِب لَكُم ) ، وقوله : ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ) .
ويرى أيضاً أنه تعالى لا يخلف الميعاد حتى يُستجاب دعائه ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ) ، وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا دعوت فَأَقبِل بقلبك ، وظُنَّ حاجتك بالباب ) .
الثاني عشر : العمل بما تقتضيه المعرفة
على الداعي أن يعمل بما تقتضيه المعرفة لخالقه ، بأن يفي بعهد الله ويطيع أوامره ، وهما من أهم الشروط في استجابة الدعاء .
عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قال : قال له رجل : جعلت فداك ، إن الله يقول : ( ادعُونِي أَستَجِب لَكُم ) ، وإنَّا ندعو فلا يُستجاب لنا ؟! قال ( عليه السلام ) : ( لأنكم لا توفون بعهد الله ، لو وفيتم لوفى الله لكم ) .
وعن أبي حمزة ، قال : إن الله أوحى إلى داود ( عليه السلام ) : يا داود أنه ليس عبد من عبادي يطيعني فيما آمره إلا أعطيته قبل أن يسألني ، واستجب له قبل أن يدعوني .
الثالث عشر : الإقبال على الله
من أهم آداب الدعاء هو أن يقبل الداعي على الله سبحانه بقلبه ، وعواطفه ، ووجوده ، وأن لا يدعو بلسانه وقلبه مشغول بشؤون الدنيا ، فهناك اختلاف كبير بين مجرد قراءة الدعاء ، وبين الدعاء الحقيقي الذي ينسجم فيه اللسان انسجاماً تاماً مع القلب ، فَتَهتَزُّ له الروح ، وتحصل فيه الحاجة في قلب الإنسان ومشاعره .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن الله عزَّ وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلبٍ ساهٍ ، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن بالإجابة ) .
الرابع عشر : الاضطرار إلى الله سبحانه
لابد للداعي أن يتوجه إلى الله تعالى توجه المضطر الذي لا يرجو غيره ، وأن يرجع في كلِّ حوائجه إلى ربه ، ولا ينزلها بغيره من الأسباب العادية التي لا تملك ضراً ولا نفعاً ، فإذا لجأ الداعي إلى ربه بقلب سليم وكان دعاؤه حقيقياً صادقاً جاداً ، وكان مدعوُّه ربَّه وحده لا شريك له ، تحقق الانقطاع الصادق بالاضطرار الحقيقي إلى الله تعالى الذي هو شرط في قبول الدعاء .
ويقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصيته لولده الحسن ( عليه السلام ) : ( وألجئ نفسك في أمورك كلها إلى إلهك ، فإنك تُلجئها إلى كهفٍ حريز ، ومانع عزيز ، فالمسألة لربك ، فإن بيده العطاء والحرمان ) .
روي أن الله تعالى أوحى إلى عيسى ( عليه السلام ) : ( ادعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث ، يا عيسى ، سلني ولا تسأل غيري ، فيحسن منك الدعاء ومني الإجابة ) .
الخامس عشر : تسمية الحوائج
إن الله تعالى محيط بعباده ، يعلم حالهم وحاجاتهم ، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد ، ولكنه سبحانه يحبُّ أن تُبثُّ إليه الحوائج ، وتُسمَّى بين يديه تعالى ، وذلك كي يُقبل الداعي إلى ربه ، محتاجاً إلى كرمه ، فقيراً إلى لطفه ومغفرته .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( أن الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه ، لكنه يحبُّ أن تُبثّ إليه الحوائج ، فإذا دعوت فسمِّ حاجتك ) .
السادس عشر : ترقيق القلب
ويستحب الدعاء عند استشعار رقة القلب وحالة الخشية التي تنتابه بذكر الموت ، والبرزخ ، ومنازل الآخرة ، وأهوال يوم المحشر ، وذلك لأن رقَّة القلب سبب في الإخلاص المؤدي إلى القرب من رحمة الله وفضله .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( اغتنموا الدعاء عند الرقة ، فإنها رحمة ) ، وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( بالإخلاص يكون الخلاص ، فإذا اشتدَّ الفزغ ، فإلى الله المفزع ) ، وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا رقَّ أحدكم فَليَدعُ ، فإن القلب لا يَرقُّ حتى يخلص ) .
وكلما رقَّ قلب الداعي كلما كان مهيئاً لاستقبال ذخائر الرحمة الاِلهية ، وتحقق قصده في الاستجابة ، قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا اقشَعَرَّ جلدك ، ودمعت عينك ، ووجل قلبك ، فدونك دونك ، فقد قصد قصدك ) .
أما القلب القاسي بكثرة الذنوب والمعاصي ، والقلب اللاهي عن ذكر الله ، المتعلق بعرض الدنيا وزخرفها ، فكلاهما مطرودان عن رحاب الله تعالى ورحمته ، ولا يستجاب لهما دعاء ، لأنه ليس ثَمَّةَ انسجام بين القلب واللسان ، فقد جاء في وصية النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) لعليٍّ ( عليه السلام ) : ( لا يقبل اللهُ دعاءَ قلبٍ ساهٍ ) .
وعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( لا يقبل اللهُ عزَّ وجل دعاءَ قلبٍ لاهٍ ) ، وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن الله عزَّ وجل لا يستجيب دعاءً بظهر قلبٍ قاس ) .
السابع عشر : البكاء والتباكي
خير الدعاء ما هيجه الوجد والأحزان ، وانتهى بالعبد إلى البكاء من خشية الله ، الذي هو سيد آداب الدعاء وذروتها ، ذلك لأن الدمعة لسان المذنب الذي يفصح عن توبته وخشوعه وانقطاعه إلى بارئه ، والدمعة سفير رِقَّةِ القلب الذي يؤذن بالإخلاص والقرب من رحاب الله تعالى .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) لأبي بصير : ( إن خفتَ إمراً يكون أو حاجة تريدها فابدأ بالله ومَجِّدهُ واثنِ عليه كما هو أهله ، وصلِّ على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وَسَل حاجتَكَ وتباكَ ولو مثل رأس الذباب ، إن أبي كان يقول : إن أقرب ما يكون العبد من الرب عزَّ وجل وهو ساجد باكٍ ) .
وفي البكاء من خشية الله من الخصوصيات والفضائل ما لا يوجد في غيره من أصناف الطاعات ، فهو رحمة مزجاة من الخالق العزيز لعباده ، تقرِّبُهُم من منازل لطفه وكرمه ، وتتجاوز بهم عقبات الآخرة وأهوالها .
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إذا أحب الله عبداً نصب في قلبه نائحةً من الحزن ، فإن الله لا يدخل النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن إلى الضرع ) ، وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( بكاء العيون وخشية القلوب من رحمة الله تعالى ذكره ، فإذا وجدتموها فاغتنموا الدعاء ، ولو أن عبداً بكى في أُمة لرحم الله تعالى ذكره تلك الأمة لبكاء ذلك العبد ) .
وإذا كان البكاء يفتح القلب على الله تعالى ، فإن جُمُودَ العين يُعبِّرُ عن قساوة القلب التي تطرد العبد من رحمة الله ولطفه وتؤدي إلى الشقاء ، وكان فيما أوصى به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) : ( يا علي ، أربع خصال من الشقاء : جمود العين ، وقساوة القلب ، وبُعد الأمل ، وحب البقاء ) .
وما يجب أن يُعلم أن البكاء إلى الله سبحانه فرقاً من الذنوب ، ووصفٌ محبوب ، لكنه غير مجدٍ مع عدم الإقلاع عنها ، والتوبة منها ، قال سيد العابدين الإمام علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : ( وليس الخوف من بكى وجرت دموعه ما لم يكن له ورع يحجزه عن معاصي الله ، وإنما ذلك خوف كاذب ) .
واذا تهيأت للدعاء ولم تساعدك العينان على البكاء ، فاحمل نفسك على البكاء وتشبَّه بالباكين ، متذكراً الذنوب العظام ومنازل مشهد اليوم العظيم ، يوم تُبلى السرائر ، وتظهر فيه الضمائر ، وتنكشف فيه العورات ، عندها يحصل لك باعث الخشية ، وداعية البكاء الحقيقي ، والرقة وإخلاص القلب .
الثامن عشر : العموم في الدعاء
ومن آداب الدعاء أن لا يخصَّ الداعي نفسه بالدعاء ، بل يذكر إخوانه المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ، وهذا من أهم آداب الدعاء ، لأنه يدل على التضامن ونشر المودَّة والمحبة بين المؤمنين ، وإزالة أسباب الضغينة والاختلاف فيما بينهم .
وذلك من منازل الرحمة الإلهية ، ومن أقوى الأسباب في استجابة الدعاء ، فضلاً عن ثوابه الجزيل للداعي والمدعو له ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إذا دعا أحدكم فليعمُّ ، فإنه أوجب للدعاء ) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا قال الرجل : اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم وجميع الأموات ، ردَّ الله عليه بعدد ما مضى ومن بقي من كل إنسان دعوة ) ، وقال ( عليه السلام ) : ( دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب يدرُّ الرزق ، ويدفع المكروه ) .
التاسع عشر : التضرع ومد اليدين
ومن آداب الدعاء إظهار التضرع والخشوع ، فقد قال تعالى : ( واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخفية ) الأعراف : ۲۰۵ ، وقد ذمَّ الله تعالى الذين لا يتضرعون إليه في قوله تعالى : ( ولقد أخذنا بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون ) المؤمنون : ۷۶ .
وعن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن قول الله عزَّ وجل : ( فما استكانوا لربهم وما يتضرعون ) ، فقال ( عليه السلام ) : ( الاستكانة هي الخضوع ، والتضرُّع هو رفع اليدين والتضرُّع بهما ) .
وعن أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يرفع يديه إذا ابتهل ، ودعا كما يستطعم المسكين ، والتضرُّع من أسباب استجابة الدعاء ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إن الله يستحي من العبد أن يرفع إليه يديه فيردَّهُمَا خائبتين ) .
والعلة في رفع اليدين هي إظهار الاستكانة والفاقة بين يديه تبارك وتعالى ، ولليدين وظائف وهيئات في الدعاء تتغير حسب حال الداعي في الرغبة والرهبة ، والتضرُّع ، والتبتُّل والابتهال .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( الرغبة : تبسط يديك وتظهر باطنهما ، والرهبة : بسط يديك وتظهر ظهرهما ، والتضرُّع : تُحَرِّك السبابة اليمنى يميناً وشمالاً ، والتَبَتُّل : تُحَرِّك السبابة اليسرى ترفعها في السماء رسلاً وتضعها ، والابتهال : تبسط يديك وذراعيك إلى السماء ، والابتهال حين ترى أسباب البكاء ) .
ويكره أن يرفع الداعي بصره إلى السماء ، لما روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : ( مَرَّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) على رجل رافع بصره إلى السماء يدعو ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( غُضَّ بصرَك ، فإنك لن تراه ) .
العشرون : الإسرار بالدعاء
فيستحب أن يدعو الاِنسان خُفية ليبتعد عن مظاهر الرياء التي تمحق الأعمال وتجعلها هباءً منثوراً ، فقال تعالى : ( ادعو ربكم تضرعا وخفية ) الأعراف : ۵۵ .
وقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( دعوة العبد سِراً دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية ) ، وفي رواية أخرى عنه ( عليه السلام ) : ( دعوة تخفيها أفضل عند الله من سبعين دعوة تظهرها ) .
الواحد والعشرون : التريُث بالدُعاء
ومن آداب الدعاء أن لا يستعجل الداعي في الدعاء ، بل يدعو مترسلاً ، وذلك لأن العجلة تنافي حالة الإقبال والتوجه إلى الله تعالى ، وما يلزم ذلك من التضرُّع والرقة ، كما أن العجلة قد تؤدي إلى ارتباك في صورة الدعاء أو نسيان لبعض أجزائه .
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن رجلاً دخل المسجد فصلى ركعتين ، ثم سأل الله عزَّ وجل ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( عجَّل العبد ربه ) ، وجاء آخر فصلى ركعتين ثم أثنى على الله عزَّ وجل وصلى على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( سَل تُعطَ ) .
الثاني والعشرون : عدم القنوط
وعلى الداعي أن لا يقنط من رحمة الله ، ولا يستبطىء الإجابة فيترك الدعاء ، لأن ذلك من الآفات التي تمنع ترتب أثر الدعاء ، وهو بذلك أشبه بالزارع الذي بذر بذراً فجعل يتعاهده ويرعاه ، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله .
فعن أبي بصير ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ( لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عزَّ وجل ما لم يستعجل فيقنط ويترك الدعاء ) ، فقلتُ : كيف يستعجل ؟ قال ( عليه السلام ) : ( يقول قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الاِجابة ) .
وعليه يجب على الداعي أن يفوِّض أمره إلى الله ، واثقاً بربه ، راضياً بقضائه سبحانه ، وأن يحمل تأخر الإجابة على المصلحة والخيرة التي حباها إياه مولاه ، وأن يبسط يد الرجاء معاوداً الدعاء لما فيه من الأجر الكريم والثواب الجزيل .
جاء في وصية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لولده الحسن ( عليه السلام ) : ( فلا يقنطك إبطاء إجابته ، فإن العطية على قدر النية ، وربما أُخرت عنك الاِجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل ، وأجزل لعطاء الآمل ، وربما سألت الشيء فلا تؤتاه وأُوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً ، أو صرف عنك لما هو خير لك ، فَلَرُبَّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته ) .
الثالث والعشرون : الإلحاح بالدعاء
وعلى الداعي أن يواظب على الدعاء والمسألة في حال الاِجابة وعدمها ، لأن ترك الدعاء مع الإجابة من الجفاء الذي ذَمَّهُ تعالى في محكم كتابه بقوله : ( ثم وإذا مس الإنسان ضر دعا ربّه منيباً إليه خوّله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل ) الزمر : ۸ ، وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لرجل يَعِظُهُ : ( لا تكن ممن إن أصابه بلاء دعا مضطراً ، وإن ناله رخاء أعرض مغتراً ) .
أما في حال تأخر الإجابة فيجب معاودة الدعاء وملازمة المسألة ، لفضيلة الدعاء في كونه مخُّ العبادة ، ولأنه سلاح المؤمن الذي يقيه شر أعدائه من الشيطان ، وحُبُّ الدنيا ، وهوى النفس والنفس الأمَّارة ، ولربما كان تأخير الإجابة لمصالح لا يعلمها إلا من يعلم السر وأخفى ، فيكون الدعاء خيراً للعبد في الآجلة ، أو يدفع عنه بلاءً مقدراً لا يعلمه في العاجلة .
ولعل تأخير الإجابة لمنزلته عند الله سبحانه ، فهو يحب سماع صوته والإكثار من دعائه ، فعليه أن لا يترك ما يحبه الله سبحانه ، فقد روي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) أنه قال : ( إن المؤمن يسأل الله عزَّ وجل حاجة فيؤخر عنه تعجيل إجابته حُباً لصوته واستماع نحيبه ) .
وعليه ، فيجب الإلحاح بالدعاء في جميع الأحوال ، ولما في ذلك من الرحمة ، والمغفرة ، واستجابة الدعوات ، وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( رحم الله عبداً طلب من الله عزَّ وجل حاجَةً فَأَلَحَّ في الدعاء ، استجيب له أو لم يستجب ) .
وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن الله عزَّ وجل كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة ، وأحبَّ ذلك لنفسه ، إن الله عزَّ وجل يحب أن يُسأل ويُطلب ما عنده ) .
الرابع والعشرون : التقدُم في الدعاء
ومن آداب الدعاء أن يدعو العبد في الرخاء على نحو دعائه في الشدة ، لما في ذلك من الثقة بالله ، والانقطاع إليه ، ولفضله في دفع البلاء ، واستجابة الدعاء عند الشدة ، فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( من سَرَّهُ أن يُستجابَ له في الشدة ، فليكثر الدعاء في الرخاء ) .
وكان من دعاء الإمام السجاد ( عليه السلام ) : ( ولا تجعلني ممن يبطره الرخاء ، ويصرعه البلاء ، فلا يدعوك إلا عند حلول نازلة ، ولا يذكرك إلا عند وقوع جانحة ، فيضرع لك خدَّه ، وترفع بالمسألة إليك يده ) .
الخامس والعشرون : التختم بالعقيق والفَيرُوزَج
ويستحب في الدعاء لبس خاتم من عقيق أو من فيروزج ، وذلك لقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( ما رُفِعَت كفٌّ إلى الله عزَّ وجل أحبُّ إليه من كفٍّ فيها عقيق ) ، ولقوله ( عليه السلام ) : ( قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قال الله عزَّ وجل : إني لأستحي من عبدٍ يرفع يدَه وفيها خاتم فيروزج فأَرُدَّهَا خائبة ) .
السادس والعشرون : الآداب المتأخرة عند الدعاء
وهناك جملة آداب متأخرة عن الدعاء ، أَكَّدَت عليها النصوصُ الاِسلامية ، وفيما يلي أهمها :
۱ – أن يقول الداعي : ( ما شاء الله لا قوة إلا بالله ) :
فيستحب أن يقال بعد الدعاء : ( ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ) ، وفي هذه الكلمة فضل عظيم لما تنطوي عليه من إقرار العبد بالمشيئة المطلقة ، وانقطاعه عن جميع الأسباب ، وتعلّقه بحول الله وقوته ، فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا دعا رجل فقال بعدما دعا : ما شاء الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، قال الله عزَّ وجل : استَبسَلَ عبدي واستَسلَمَ لأمري ، اقضوا حاجتَهُ ) ، وعنه ( عليه السلام ) : ( ما من رجل دعا فختم دعاءه بقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، إلا أجيب صاحبه ) .
۲ – أن يصلي الداعي على النبي وآله ( عليهم السلام ) :
فقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( من كانت له إلى الله عزَّ وجل حاجة فليبدأ بالصلاة على محمد وآله، ثم يسأل حاجته ، ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد، فإن الله عزَّ وجل أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط).
۳ – أن يمسح الداعي وجهه ورأسه بيديه :
فمن الآداب المتأخرة عن الدعاء أن يمسح الداعي وجهه ورأسه بيديه ، فروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار إلا استحيا الله عزَّ وجل أن يردَّها صفراً حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء ، فإذا دعا أحدكم فلا يَرُدُّ يده حتى يمسح على وجهه ورأسه ) ، وفي دعائهم ( عليهم السلام ) : ( ولم ترجع يد طالبة صفراً من عطائك ، ولا خائبة من نحل هباتك ) .
۴ – أن يقول الداعي في حالة استجابة دعائه : ( الحمد لله الذي بعزته تتم الصالحات ) وأن يصلي صلاة الشكر .
۵ – أن يقول الداعي في حالة عدم استجابة دعائه : ( الحمدُ لله على كلِّ حال ) وأن لا يسأم من الدعاء .
الخاتمة
فالدعاء يُعدُّ صفحة مشرقة من صفحات التراث الإسلامي ، فهو من حيث الفصاحة والبلاغة آية من آيات الأدب الرفيع ، ومن حيث المضمون وسيلة لنشر تعاليم القرآن ، وآداب الإسلام ، وتلقين أصول العقيدة ، وكذلك هو تهذيب للنفوس وسبب لصفائها ، وعامل في تنمية نزعاتها الخيرة ، لتصل إلى درجات الطاعة والفضيلة .