الدين ودوره في الاستقامة في الحياة والنجاح فيها
في مقال العدد الماضي من هذا العمود، تمت الإشارة إلى أهمية استحضار العامل الديني في محو الأمية، والواقع أن العامل الديني ليس له دور في محو الأمية فقط، بل إنه يشمل كل جوانب الحياة عظم شأنها أم صغر، حيث يظهر من خلال دلائل ملموسة أن اعتماد الدين في بناء الإنسان والمجتمع يؤدي إلى نتائج متميزة لا يمكن الحصول على مثيلاتها باعتماد تصورات أخرى غير دينية.
ويمكن أن أذكر للقارئ الكريم حالات في هذا الباب، بعضها قديم وبعضها الآخر معاصر.
– حينما نزلت آية تحريم الخمر، وخُتمت بقوله تعالى : {فهل أنتم منتهون}، قال المسلمون المؤمنون جميعا : >انتهينا يا رب< ولم يعد يقترب منها أحد، لأن الإيمان كان يمنعه من ذلك.
وفي المقابل نلاحظ في العصر الحاضر العديد من الجهات الرسمية وطنية وإقليمية ودولية تتكاثف جهودها في محاربة ما اتفقوا على أنه محرم دوليا، (كالاتجار في المخدرات) ولكنهم لم يفلحوا في ذلك، بل على العكس نلاحظ أن الاتجار في هذه المواد ينمو ويتسع ويكتسح دولاً كانت بعيدة عنها، رغم ما يصرف من أموال وما يبذل من طاقات لمحاصرة الظاهرة…
– قبل بضع سنوات عَقَدت في القاهرة هيئةٌ صحية دولية مؤتمراً دعت له عدداً من علماء الدين، لمناقشة مدى إمكانية الاستفادة من الدين لمحاصرة مُسَبِّبات مرض “السيدا”، ولقد كشفت الهيئة الدولية في هذا المؤتمر بلسان الحال أنها عجزت عن مُحاصرة هذا المرض الخبيث، ولذلك فهي تأمل أن يحقق الدين ما عجز عنه الخبراء والأطباء والساسة على المستوى الدولي.
– تقدّم العديد من القنوات الفضائية برامج متعددة الأشكال والمضامين حول الإدمان على المخدرات، وما تبذله الجهات الرسمية في محاربة الإدمان وإعادة تأهيل المدْمنين نفسيا واجتماعيا، ويلاحظ أن هذه البرامج يحضرها متخصصون في الطب والنفس والاجتماع، وقد لفت نظري في العديد من الحلقات، أن هؤلاء المتخصصين يرون ضرورة استحضار العالم الديني في إعادة تأهيل المؤمنين، وقدّم بعضهم أمثلة عملية من خلال ما جَرى في بعض الدول العربية، حيث قدمت في هذه الحلقات وثائق مصورة عن مدمنين تائبين، كانوا في الماضي مشغولين بحشو أفواههم بأصناف المخدرات، فأصبحوا يشغلون أفواههم بذكر الله وتلاوة القرآن، والإسهام في بناء مجتمعاتهم بعد إعادة إدماجهم في الحياة.
– حالة رابعة عن مشهد في إحدى الدول الأوربية الصغيرة حيث كنت سائحا هناك في أواخر ثمانينيات القرن الميلادي الماضي، دعاني مضيِّفي المغربي صباح يوم أحد للجلوس في مقهى، والجلوس في المقهى يوم الأحد فرصة للجاليات المهاجرة هناك للالتقاء وتبادل أطراف الأحاديث، بعد الجلوس أثار انتباهي أن جُل رواد هذا المقهى مغاربيون وليس فيهم من أبناء البلد الأصليين إلا القليل، فوجئت بعد فترة من الوقت بدخول مجموعة من الأشخاص ذوي هيئة خاصة ومتميزة، طلبوا من الجالسين المغربيين أن يمنحوهم بعضا من وقتهم، فإذا بأحَدِهم يدعو الحاضرين إلى التمسك بآداب الإسلام والالتزام بواجباته والابتعاد عن نواهيه، لقد كا ن هؤلاء “أهل دعوة”، ممن يعتمدون هذا المنهج لدعوة الناس إلى الهدى….
وبينما هم كذلك “اقتحم” المقهى بشكل مثير مجموعة من الشباب المغربيين، وتفرقوا في نواحي المقهى، كل واحد منهم جلس في زاوية معينة، وكأنهم اختبأوا من شيء معين، رميت ببصري خارج المقهى فإذا بي أرى مجموعة من رجال الشرطة واقفين بالباب، أطل بعضهم على المقهى، ثم عاد إلى الخلف وظلوا واقفين هناك بالخارج… خلال ذلك كله استمر “أهل الدعوة” في مخاطبتهم للجالسين دون توقف…
لما استفسرت عن الحدث قيل لي إن مجموعة الشباب مجموعة إجرامية، طاردتها الشرطة، لكن رجال الشرطة لما شاهدوا “أهل الدعوة” أحجمو عن الدخول، اعتقاداً منهم أن هؤلاء “الدعاة” خير من ينقذ هؤلاء الشباب من حمأة الإجرام اعتماداً على تجارب سابقة في هذا المجال.
وأخبرني من كنت جالستهم في ذلك المقهى، أن الشرطة ومسؤولي العدل في ذلك البلد الصغير كثيراً ما يعتمدون على الدعاة والأئمة المسلمين في وعظ المجرمين من أبناء المسلمين و توجيجهم حتى داخل السجون.
عجبت من هذه المشاهد المتتابعة :
أولا لهؤلاء الدعاة الذين لم ينسوا واجبهم رغم غربة المكان والزمان، وذلك قبل أن تُلطّخ الدعوة إلى الله بالمقولات المشوشة الهدامة.
وثانيا لرجال الشرطة لإدراكهم -وهم غربيون مسيحيون- أن عقيدة الإيمان تهزم عقيدة الشر، حتى ولو كان ذلك في بلد لا تقوم شرائعه على مسلمات الإيمان.
وثالثا للحرية التي وجدها هؤلاء الدعاة في بلد أوربي مسيحي، حريةٌ يفتقدها الدعاة بل ومواطنون عاديون في أكثر من بلد عربي أو إسلامي حيث تكمم الأفواه وتُصادر الحريات.
إنه الدين القيم، دين الإسلام الذي يخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر إلى نور الإيمان والتوحيد، ولله در من قال : >لقد جربنا كل النظريات والايديولوجيات في حياتنا، فهلا جربنا ولو مرة واحدة الإسلام وطبقناه في حياتنا حتى نعرف الفرق بين هذا وذاك<، ولو فعلنا ذلك لعلمنا علم اليقين أن للدين دوراً كبيراً في الاستقامة في الحياة والنجاح فيها، لأن قيمه إلهية خالق الكون وما فيه وليست بشرية من صنع المخلوق.