الانتظار الارتقاب التربص والتحسس
بسم الله الرحمن الرحيم
الإنتظار ، الإرتقاب ، التربص ، التحسّس
قال تعالى : (بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)
سأعرض في مقالتي هذه إضاءات في عقيدة الإنتظار وكيفية التحلّى به و تطبيقه في الحياة الفردية والإجتماعية ، وستكون للكلمة خمسة محاور رئيسة تدور حولها الإضاءات كما أنّ لكلّ محور عددا من المقامات التفصيلية :
المحور الأوّل : مدخل قرآني في علّة الإنتظار :
المقام الأوّل : الخلافة الإلهيّة في القرآن :
قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) . الظاهر من الآية المباركة حيث أطلقت فيها كلمة “الجعل” دون “الخلق” أنّه ليس المراد أنّ آدم نفسَه هو خليفة الله في الأرض بل كان خلق آدم لأجل تلك الخلافة التّي سوف يمنحها ويجعلها سبحانه لبعضٍ من وُلده وهم الخُلَّص من عباده وهم الذين يجدر أن يطلق عليهم الإنسانُ الكامل بمعنى الكلمة وهم الذين ورد في شأنهم ( خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه مُحدقين حتَّى منَّ علينا بكم فجعلكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويُذكر فيها اسمه ) وبالطبع هم نور واحد وحقيقة فاردة وإن تكثّروا في عالم الطبيعة ومن هنا نشاهد أنّه سبحانه لم يذكر الخليفة بصورة الجمع فلم يقل خلائف أو خلفاء بل جعلها مفردة وهذه الخلافة هي الأمانة الإلهيَّة بعينها و تعني النيابة عنه تعالى في جميع شئونه وصفاته الجمالية والجلالية وهو أمر عظيم قد ذكره سبحانه في قوله:(إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً)
والسر في تحمله تلك الأمانه يكمن في أنّه مظهر لأسماء الله الجلالية والجلال معاً بخلاف سائر الموجودات حيث أنّها إمّا هي تجليات الجمال كالملائكة أو تجليات الجلال كالجنّ و بعض الحيوانات ولذلك قال سبحانه مخاطباً لإبليس: ( يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَاسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ)
قال الإمام الخميني قدِّس سرُّه: ” فهو تعالى بحسب مقام الإلهية مستجمع للصفات المتقابلة كالرحمة والغضب، و البطون والظهور، و الأوّليَّة والآخريّة، و السخط والرضا، وخليفته لقربه إليه ودنّوه بعالم الوحدة والبساطة مخلوق بيدي اللطف والقهر وهو مستجمع للصفات المتقابلة كحضرة المستخلف عنه. ولهذا اعترض على إبليس بقوله تعالى: ( ما مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيّ) . مع أنّك مخلوق بيد واحدة. فكل صفة متعلقةٌ باللطف فهي صفة الجمال، وكل ما يتعلق بالقهر فهو من صفة الجلال. فظهور العالم ونورانيّته وبهائه من الجمال وانقهاره تحت سطوع نوره وسلطة كبريائه من الجلال وظهور الجلال بالجمال واختفاء الجمال بالجلال. جمالك في كل الحقايق ساير وليس له إلاّ جلالك ساتر ”
وعندما اعترضت أو بالأحرى سألت الملائكة ربّها (…أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) أجابهم سبحانه و( قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
فلم يُنكر سبحانه تلك الأمور أعني الإفساد في الأرض وسفك الدماء كظاهرة سوف تصدر من هذا البشر بل الظاهر أنَّه قد قرَّرها، ولكنه سبحانه بيَّن للملائكة أنَّهم جاهلون بحقيقة الأمر.
ومن هنا ظهرت مقولة مقدّسة قد تحلّت بها الملائكة ألا وهي “الإنتظار” وأعني به انتظار أمر البشر، فهل سيرتقي إلى قمّة الكمال والعروج والهداية أو كما ظنّت الملائكة سيفسد في الأرض ويسفك الدماء؟
المقام الثاني : الإنتظار لغةً واصطلاحاً .
قال صاحب المفردات في مادة نظر: النظر تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، وقد يراد به التأمل والفحص، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص…والنظر الانتظار يقال نظرته وانتظرته و أنظرته.
وأيضاً قال: في مادة “صبر” ويعبّر عن الانتظار بالصبر لما كان حق الانتظار أن لا ينفك عن الصبر بل هو نوع من الصبر، قال: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) أي انتظر حكمه لك على الكافرين.
أقول: ” إنَّ هذا الاستعمال هو استعمال مجازي من باب استعمال اللازم وإرادة الملزوم وهو شائع في كلام العرب. هذا و للانتظار معنىً في الاصطلاح ويعنى به خصوص انتظار “فرج الله” الذي هو فرج حجة الله الإمام الثـاني عشـر المهدي المنتظر روحي و أرواح العالمين له الفداء الذي به يكشف الله الغم و ينفِّس الهم، ومن هذا المنطلق تُبِعت الكلمة بكلمة الفَرَج الذي هو الانكشاف، وهذا المعنى للكلمة هو المقصود منه في أحاديثنا الشريفة.
المقام الثالث : شواهد قرآنية دالة على الإنتظار:
هناك آيات كثيرة تؤكّد على ضرورة الإنتظار وأعنى به (انتظار الأمر) أمر الفرج والمخرج والهداية والكمال ، حيث أنّه من أعظم المقدّسات الإلهية وهو ذروة العشق ففي كتاب إكمال الدين باسناده عن( يَحْيَى بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ قَالَ سَأَلْتُ الصَّادِقَ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) فَقَالَ الْمُتَّقُونَ شِيعَةُ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَ أَمَّا الْغَيْبُ فَهُوَ الْحُجَّةُ الْغَائِبُ وَ شَاهِدُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنْتَظِرِينَ) .
وعند التأمّل في سيرة الأنبياء والأولياء نشاهد أنّ من أهم أمنياتهم و أشدّ آمالهم هو مجيء المهدي عليه السلام الذي به يملأ الله الأرض قسطاً وعدلا ، وكانوا دائماً بصدد هداية الناس إلى أمره الذي هو أمر الله بعينه كما قال تعالى في توصيفهم (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا … ) ومن هذا المنطلق نشاهد أنّ الأنبياء كانوا دائماً يذكرون ذلك الأمر ويشتاقون إليه كما صرّح بذلك القرآن الكريم في مواطن عديدة عن لسان كثير منهم كما ورد عن لسان لوط (ع) (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) ( في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى أبي بصير قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام): ما كان قول لوط: (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ) الا تمنيا لقوة القائم (عليه السلام)، ولا ذكر (ركن) الا شدة أصحابه، لان الرجل منهم يعطي قوة أربعين رجلا وان قلبه لاشد من زبر الحديد، ولو مروا بجبال الحديد لقطعوها لا يكفون سيوفهم حتى يرضى الله عزوجل.)
وأيضاً ما ورد عن لسان شعيب (بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) ففي اصول الكافي..باسناده عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال: سأله رجل عن القائم يسلّم عليه بامرة المؤمنين؟ قال: لا ذاك اسم سمى الله به أمير المؤمنين (عليه السلام)، لم يسمّ به أحد قبله ولا يتسمّى به بعده إلا كافر، قلت: جعلت فداك كيف يسلِّم؟ قال: يقولون السلام عليك يابقية الله، ثم قرأ: بقية الله خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين)
المحور الثاني : انتظار الفرج :
المقام الأوّل : أهمّية إنتظار الفرج :
عندما نتمعَّن في الأحاديث المختلفة الصادرة عن المعصومين عليهم السلام نستنتج أنَّ الأعمال كلَّها مع ما فيها من الأهميَّة والاعتبار فهي قليلة الشأن في قبال الانتظار فهو: ( أفضل الأعمال ) فجميع الأعمال العبادية مع ما لها من القدسيَّة والروحانيَّة دون مستوى الانتظار فهو: (أفضل عبادة الأمَّة ) والجدير بالذكر أنَّ هذه العبادة أعني الانتظار قد دخلت في ساحة أهمّ العبادات وهو الجهاد في سبيل الله وصار “أفضل جهاد الأمة” كما في الحديث التالي الصادر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم حيث قال ( أفضل جهاد أمتي انتظار الفرج ) ومن زاوية عرفانيَّة فللانتظار أيضاً مستوى رفيع من العرفان والروحانيَّة حيث صار “أحبَ الأعمال إلى الله” حتَّى وصل المنتظر إلى مستوى الشهيد في سبيل الله.
( قال أمير المؤمنين عليه السلام: انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله، فإن أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّ وجل انتظار الفرج… و المنتظرُ لأمرنا كالمتشحِّطِ بدمه في سبيل الله )
فما هو الأمر المتوقع من المجاهد في سبيل الله حين الجهاد ؟ وما قيمة المجاهد لولا النيّةُ الصادقة المنطلقة من رضا الله ؟ هذا الأمر بنفسه في أعلى مستواه متوفِّرٌ في المنتظر الحقيقي الذي يتمنَّى في كلِّ صباحٍ ومساءٍ أن يعيش في ظلِّ ذلك المعشوق روحي لتراب مقدمه الفداء و لسان حاله: ( فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني شاهراً سيفي مجرداً قناتي ملبياً دعوةَ الداعي في الحاضرِ و البادي ) وهو بقربه إلى الله وشهوده مقامَ ربِّه صار كالشهيد متشحِّطاً بدمه في سبيل الله، وليس للشهيد خصوصيةٌ في الخارج بل الخصوصية والقيمة لمفهوم الشهادة التي تعني الوصول إلى الله وشهود وجه المحبوب، والمنتظِر يؤدِّي نفس الدور حيث يشاهد وجهَ ربه وهو في نفس الوقت يعيش مع الناس. والحديث التالي قد بيَّن السر الذي رفع مستوى الانتظار إلى هذه الدرجة:
( عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين عليه السلام قال: تمتدُّ الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم و الأئمة بعده، يا أبا خالد إنَّ أهل زمان غيبته والقائلين بإمامته المنتظرين لظهوره أفضل أهل كل زمان لأن الله تعالى ذكرُه أعطاهم من العقول و الأفهام و المعرفة ما صارت به الغيبةُ عندهم بمنزلةِ المشاهدة وجَعلهم في ذلك الزمان بمنزله المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله و سلَّم بالسيف، أولئك المخلصون حقاً و شيعتُنا صدقاً و الدعاةُ إلى دين الله سراً و جهراً )
وهناك أحاديث تؤكِّد على أنَّ “انتظار الفرج من الفرج” بل “انتظار الفرج من أعظم الفرج”. (… عن محمد بن الفضيل عن الرضا عليه السلام قال سألته عن شئٍ من الفرج فقال أليس انتظار الفرج من الفرج ؟ إنَّ الله عزَّ و جلَّ يقول فانتظروا إنِّي معكم من المنتظرين ) وهذا المعنى من الانتظار قد اكتسب قسطاً من القدسية والاعتبار بحيث صار من علائم الإخلاص الحقيقي والتشيُّع الصادق ومن مميزات الدعاة إلى دين الله سراً وجهراً و قد ورد في الحديث:(..أولئك المخلصون حقا و شيعتنا صدقا و الدعاة إلى دين الله سرا و جهرا.. )
المقام الثاني: السرّ في أهميّة الإنتظار:
إن التقييم في المنطق الإلهي يختلف تماماً عن التقييم في المنطق المادِّي ومن الخطأ جداً محاولة تقييم القضايا المعنوية الراقية والمفاهيم الروحانية السامية بالمعايير الماديَّة، حيث أن هناك بونًا بعيداً بينهما بل هما في طرفي النقيض، وقد وصل التضادّ بينهما إلى مستوى بحيث لا يمكن أن ينقطع الإنسان إلى المعنويات إلا بالابتعاد الكامل عن المادِّيات، ولا أعنى من الإبتعاد عن المادة هو تركها من رأس بل أعني الزهد فيها وعدم انشغال الذهن بها.
فبما أنّ الله سبحانه هو القدّوس فمن المستحيل أن يتحلّى أمر ما بالقدسيّة إلاّ بارتباطه بالله تقدّس وتعالى، وقدسيةُ الشيء تزيد و تنقص حسب ظهور اسم الله فيه، فلنترك إذاً المجال المادي ولنبحث عن الأفضلية في الساحة الإلهية المعنوية.
وحينما نتحدّث عن انتظار فرجِ الله فلابدّ أن نبحث عن الإسم الذي يندرج فيه الفرج ؟ إنّ الرفج في الحقيقة يندرج تحت اسم “الكاشف” ففي الدعاء: ( يا صريخ المكروبين و يا مجيب المضطرين و يا كاشف الكرب العظيم ) ( يا كاشف الغم) (يا كاشف الكرب العظام ) فماذا بعد الفرج إلا كشف الكربة عن وجه المؤمن برؤية الواقع والأمر، حينما تتحقق تلك الدولة العظيمة التي يعزّ بها الله الإسلام واهله ويذل النفاق و أهله.
فالانتظار إذاً له نتيجتان:
۱- إنَّه بالفعل يُحقِّق “كشف الكربة” بنحو مجمل.
۲- إنَّه عاملٌ جذري أساسي للفرج بظهوره سلام الله عليه حيث يسود الحكمُ الإلهي الأرضَ كلّها.
المحور الثالث: الهدف من الانتظار:
المقام الأوّل : التقرّب إلى الله :
لا يخفى على كلِّ من آمن بالله سبحانه أنه ليس في القاموس الإلهي إلاّ ميزان واحد يقاس به الأفضلية وهو الميزان الحقيقي ألا و هو الحق ، وغيرُ الحق لا تعدُّ موازين بل يُترائى أنها موازين فلا حقيقة لها ولا ثِقل فيها، قال تعالي: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ) . (فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ)
والوصول إلى الحق يعني “التقرب إلى الله سبحانه وتعالى”، فينبغي أن يكون هدف المنتظر هو الوصول إلى القرب الإلهي ورضاه جلّ وعلا ، وبذلك يمكننا تقييم أعمالنا ، فوِزانُ الانتظار وزانُ النية التي هي خير من العمل حيث جاء في الحديث: ( نية المؤمن خير من عمله ) لأن هذه النية من ناحيةٍ هي التِّي ترفع مستوى الإنسان ومن ناحية أخرى تلازم العمل بل توجده قال تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً)
فالرؤية المهدوية هي التي تصحح سائر الأعمال من العبادات وغيرها ، وقد ورد في دعاء الندبة (وَ اجْعَلْ صَلَاتَنَا بِهِ مَقْبُولَةً وَ ذُنُوبَنَا بِهِ مَغْفُورَةً وَ دُعَاءَنَا بِهِ مُسْتَجَاباً وَ اجْعَلْ أَرْزَاقَنَا بِهِ مَبْسُوطَةً وَ هُمُومَنَا بِهِ مَكْفِيَّةً وَ حَوَائِجَنَا بِهِ مَقْضِيَّةً )
المقام الثاني : تنمية روحية الرجاء بالله تعالى :
إنَّ من أهم نتائج انتظار الفرج تنميةَ روحيةِ الرجاء بالله في الإنسان المؤمن، حيث يُشاهد أمامَه مجالاً وسيعاً من الفضل والكرم والخير الإلهي الذي سوف تظهر مصداقيَّتُها في تلك الدولة العظيمة المباركة، وهي دولة المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه، تلك الدولة الكريمة التِّي يعزُّ الله بها الإسلام وأهلَه ويذلُّ بها النفاق وأهلَه، ومن الطبيعي أن من يحوز على تلك الرؤية النورانيَّة أن يترفَّع عن الدنيا و زخرفها و مغرياتها وتسويلاتها الشيطانية، وهذا الأمر (أعني تحقير المظاهر الدنيويَّة ) هو أوَّل خطوة يخطوها السالك إلى الله وهي (التخلية ) التِّي تستتبعها (التحلية )، ومثل هذا الإنسان المؤمن قد وصل بالفعل إلى مُستوى من العرفان والعبودية بحيث يكون لسان مقالِه و حالِه وعملِه هو: ( صلِّ على محمدٍ و آل محمد و أثبتْ رجائك في قلبي واقطعْ رجائي عمَّن سواك حتى لا أرجو إلا إيّاك ) ثمَّ يترقَّى في العبوديَّة فيقول: ( بسم الله الذي لا أرجو إلاّ فَضله ) ( يا من ارجوه لكل خير )
هذه الروحية إن تركَّزت في الإنسان المؤمن فسوف تُعمِّق جذورَها فتزيل جميعَ الأشواك والموانع الصادَّة، لتنشرَ فروعَها الطيِّبة وثمارَها الجنيَّة في السماء حتَّى تؤتى أكلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها.
ونظراً إلى الحديث المتواتر (إنَّ أمرَنا صعبٌ مستصعبٌ لا يَحتمله إلا مَلَكٌ مقرَّب أو نبيٌّ مُرسلٌ أو عبدٌ امتَحَن اللهُ قلبَه للإيمان ) نعرف أن الواقع الذي سوف يحققه ولي الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف هو واقع يختلف تماماً عمّا نعيشه نحن في عصرنا الحالي من العيشة المادية الصرفة التي لا تتحلى بالمعنوية و النورانية أصلاً، وقد مَلئَت هذه الدنيا أفكارَنا وأذهاننا بحيث لم تسمح لنا أن نتصور تلك الدولة تصوراً صحيحاً ناهيك عن التصديق بها كما هي، وبالفعل صار هذا الأمر أمراً صعباً مستصعباً علينا.
وعليه: يتأكد علينا أن نجدد النظر في فهم و معرفة تلك الدولة المباركة كي نرغب فيها فنطلبها فننتظرها وفي زيارة الجامعة الكبيرة: ” عارفٌ بحقكم مقر بفضلكم محتمل لعلمكم محتجبٌ بذمتكم، معترفٌ بكم مؤمنٌ بإيابكم، مصدِّقٌ برجعتكم، منتظرٌ لأمركم، مرتقبٌ لدولتكم)
المحور الرابع : قوام الإنتظار من الناحية الباطنية والظاهرية
المقام الأوّل : جانب اليأس وجانب الرغبة في المنتظر:
إنَّ كلمة الانتظار تدُّل على حالتين كامنتين في روح المنتظر، لكل منهما دور مهمّ في معنى الكلمة وهذان الجانبان هما:
۱- الجانب المطلوب والمحبوب للمنتظِر والمتوقَّع الوصول إليه، وهو الخير والبركة وتمكين الدين على الأرض كلِّه، فلو لم يتوقع حدوث حالة جديدة وإيجابية في المستقبل فلا مصداقية للانتظار ولا معنى له.
۲- الجانب غير المطلوب وغير المحبوب الذي يتمثَّل في الحالة الفعلية التي يعيشها المنتظر، تلك الحالة المؤلمة التي يرجو المنتظر الخلاص منها، فلو كان الوضع الفعلي هو الوضع المطلوب فلا معنى للانتظار إذن ولا مبرر له أصلا.
وبعبارة أوضح: هناك تناسب عكسي بين أمرين هما:
۱- اليأس من الحالة الفعليَّة المعاشَة.
۲- الرغبة في الحالة المستقبليَّة المتوقعة.
هذا ما يستفاد من نفس كلمة الانتظار من دون النظر إلى أي أمرٍ آخر خارج عنها وتشهد لهذه الحقيقة الآية الكريمة التِّي وردت في هذا المجال حيث السياق وحيث الأحاديث الدالَّة على ذلك. قال تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)(النمل/۶۲).
الآية الكريمة تشير إلى الجانبين المتواجدين في نفس المضطر:
۱- سوءٌ غير مكشوف وهو السوء المطلق الذي من خلاله نشأت سائر ألوان السوء، وهذا السوء يتمثَّل في أمرٍ واحد وهو أنَّ الخلافة الظاهرية للأرض ليست بيد المُضطَر.
۲- هناك توقُّع ورجاء ورغبة كامنة في نفس المضطر وهي أن تكون الخلافة العامَّة على جميع الأرض له ولمن يقتدي به ويخطو خطاه.
وأمّا الحديث عن شخصيَّة المضطر وأنَّه من هو ؟ فهو خارج عن بحثنا ههنا ولكن قوله تعالى “ويجعلَكم خلفاء الأرض” يُنبأنا عن حقائق أخرى تعرف بالتأمّل.
فلا يمكن للمؤمن ممارسةُ عمليةِ الانتظار إلاّ بعد معرفة أمرين متلازمين:
الأول: وهو الأصل والأهم، ويتمثَّل في “معرفة تلك الخلافة الإلهيَّة” وهذا هو التولِّي الذي يُعدُّ من فروع الدين.
الثاني: وهو تابعٌ وملازم للأصل، وهو “معرفة السوء” الذي يتمثَّل في الواقع الفعلي ومن ثمَّ التبرِّي منه الذي هو أيضاً من فروع الدين.
وهنا قد حان الحديث عن مقولة “الرفض” الذي هو من أركان الإنتظار فنقول :
المقام الثالث: الإنتظار والرفض الإجتماعي :
إنَّه من الضروري لمن يعيش حالة الانتظار أن يعرف مدى إنحراف الواقع الفعلي عن الحقيقة والصواب، وينبغي أن يصل إلى مستوى من الإنزجار والتنفُّر بحيث يحسّ بأنَّه بالفعل سجين في هذه الدنيا مقيّدٌ بأنواع القيود التِّي لا مفكَّ و لا خلاص منها إلاّ بظهور المنجي الحقيقي وهو “الحجة بن الحسن المهدي” عجل الله تعالى فرجه.
وينبغي له أن يشعر بأنَّ المشكلة التِّي يعيشها ليست هي مُشكلةٌ جزئيَّة يمكن التخلُّص منها بسهولة بل هي مُشكلةٌ كبيرة ومعضلةٌ عظمى قد رسَّخت جذورَها في جميع الأرجاء ونشرت سمومَها في كافة الأنحاء، فعندما نلاحظ المجتمع نري بشاعة الظلم و انتشار الجور و ضياع الحقوق و الحرِّيات و اختلاط الحق بالباطل.
فمثلاً نشاهد أنَّ أجهزة الإعلام العالميَّة تجسِّد الباطل كأنَّه الحقّ وتصوِّر الكذب كأنه الصدق، وكلُّ شئٍ حول الإنسان مزيَّف ولكنَّه لا يشعر بهذه المشكلة التي تحيط به، بل يتوهَّم الحريَّة الزائفة، فلا يفكر إذن في تبديل ما هو عليه من الانحراف والإغفال.
فإذاً للتعجيل في فرجه عليه السلام ولإيجاد الداعي في المجتمع يجب أن يعُمُّ، وعلى الأقلّ الشعور بالمظلوميَّة كي يعلم الإنسان ويحس بكلِّ وجوده بأن الظلم قد شمله هو أيضاً و أنَّه يعيش تحت ظلّ تلك الشجرة الخبيثة التّي غرسها من أسَّس أساس الظلم و الجور على أهل البيت عليهم السلام حيث ظهر الفساد في البرِّ والبحر، وبعد انتشار هذا المنطق لا محالة سوف يفكر المنتظِر في إنقاذ نفسه و أهله و مجتمعه من هذه المشكلة.
و للخلاص من هذه المعظلة من رأس ينبغي لنا أن نعرفَ أنَّه لا محيص ولا مناص إلاّ بتوجُّهه عليه السلام، ومن ثمَّ ظهوره ومباشرته للحلّ بأسلوبٍ ملكوتي إلهي.
وعلينا أن نُدرك هذه الحقيقة بجميع وجودنا، و أن ندافع عنها بأرواحنا ودمائنا و أجسادنا وجوارحنا، بحيث لا تمرُّ علينا ساعة بل لحظة واحدة إلا و نشعر بفقدان النور وهيمنة الظلام، وهذه الحالة لا تحصـل إلا بالمعرفـة، أعنى معرفة الله ومعرفتهم عليهم السلام ودولتهم المباركة، فلا بد أن نكون على بصيرة من أمرنا حيث أن الأعمى لا يمكنه أن يدرك النور مهما شُرِح له.
وهذه المعرفة تلازمها معرفة أخرى وهي معرفة أساليب الأعداء الشيطانيَّة ومستوى عداوتهم للحق وانحرافهم عن الواقع وبُعدهم عن الله تعالى.
فعند وصول المؤمن إلى هذه المرحلة من الوعي والإدراك ينبغي له أن يلتزم بواجب هو من أهمِّ الواجبات ألا وهو التبرى من أعداء الله.
ثمَّ إنَّ هذه الحالة النفسية أعني الرفض سوف تكون لها آثار إيجابيَّة في أخلاقه وأعماله تجعله يشتاق إلى ما سيحقَّق من النصر وتمكين الحق، وهكذا سوف يزداد الاشتياق إلى أن ينقلبَ إلى قرارٍ حاسمٍ ومن ثمَّ إرادة جدِّية وطلب مؤكَّد، وحينئذ سوف يراه المهدي عليه السلام: ” متى ترانا ”
ومثل هذا الإنسان سوف يتفاجأ برؤية الإمام عليه السلام فلا يرى نفسَه إلاّ ويعيش دولته العظيمة وظلِّه الملكوتي المبارك: “ونراك وقد نشرت راية الحق ”
*الرفض من العبادات الاجتماعيَّة
من النتائج الخبيثة والآثار السيِّئة التي نشأت جرّاء عزل الدين عن المجتمع وفصلة عن الحُكم خلال قرونٍ متواليةٍ، هو تحريف المفاهيم الدينية وتفسيرها تفسيراً مؤطَّراً بإطار الفرد لا يتخطاه قيد أنملة وكأنَّ الدين لا يمتُّ إلى المجتمع بصلة، وهذه الآفة قد تسرَّبت بشدّة في تقييم المفاهيم الأخلاقية الواردة في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، فقد فُسِّرت جميعها أو أكثرها تفسيراً فردياً وكأنَّها لا علاقة لها بالمجتمع ولا مساس لها بالأمَّة، وكأن الغاية من بعث الرسل وإنزال الكتب هي إيصال الأفراد فحسب إلى الكمال المطلوب.
ومن المؤسف أنَّ هذا النوع من التفسير مع غاية بعده عن روح الإسلام صار كالبديهي عند أكثر المسلمين حتى عند علمائهم، فترسَّخت جذورها في المجتمع الإسلامي إلى حدٍّ أصبح كلُّ من يخالفها من جملة الشاذِّين عن الدين وفي زمرة المنحرفين عن الصراط المستقيم وبالنتيجة من المطرودين والخارجين عن ربقة الإسلام والمسلمين !!
هذا والقرآن بصريح العبارة يبيِّن السرّ في بعث الرسل بقوله:
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)
ومن الواضح أنَّ “للحديد” الذي هو كناية عن القدرة دورٌ مهم وأساسي في بناء المجتمع فهو الساعد الآخر الذي يضمن تنفيذَ قوانين الدين بعد “الإيمان بالله”. ولم يكتف القرآن بذلك بل حرَّضَ كافة المؤمنين على القيام بالقسط فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ)
وعلى ضوئه ينبغي أن لا ننظر إلى المفاهيم الإسلامية من منظار فردي فحسب، بل لا بد أن يكون المنظار الاجتماعي هو الحاكم وهو المخيم عليها.
فالتقوى مثلاً ليس مفهوماً أخلاقياً فردياً فحسب بل هو مفهوم إجتماعي أيضا، فهناك تقوى في الإنسان كفرد وهناك تقوى أهمّ و هو التقوى بمفهومه الاجتماعي الذي يرجع إلى الأمَّة المؤمنة، ولكلٍ أثره الخاص به و جزائه المترتب عليه و ثوابه المنسجم معه. وكذلك مفهوم الإيثار و الإخلاص و الكرم و الجود و الغيرة والشجاعة وغيرها من القيم الإنسانية الإسلامية.
نفس الكلام يتأتّى في المفاهيم المضادَّة و القِيم المنحرفة الشاذَّة كالبخل و الرياء و النفاق و الخيانة و الشره و الجبن وغيرها.
نعم هناك بعض المفاهيم، وهي قليلة، يتغلَّبُ عليها الجانب الفردي كما أن هناك مفاهيمَ يتغلب عليها الجانب الاجتماعي، مع ذلك لا يعني هذا أن نتمسك بها كمفاهيم خاصّة فرديَّة.
والمتأمل في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة سوف يذعن بما قلناه ولا بأس بذكر مثال واحد و هو ما ورد في سورة الشعراء في آياتٍ ثمانية عن لسان عددٍ من الأنبياء: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ)
وكذلك في سورة الزخرف فهذا الخطاب هو خطابٌ للمجتمع البعيد عن واقع الدين، وليس الخطاب متوجِّهٌ إلى الأفراد خاصَّةً.
ومن هذا المنطلق نقول لو أن القيم الأخلاقية أو المفاهيم الاعتقادية رسخت في عدد من الأفراد حق الرسوخ ولكن لم تتجسد تلك المفاهيم في الأمة الإسلامية كأمَّة فهل يجدي ذلك نفعا للأمة ؟ وهل يرتفع الضرر عن الأمة ؟ من الواضح أن ذلك لا يجلب منفعة للأمَّة كما أنه سوف لا يدفع شراً عنها بل الآفة حينئذٍ سوف تتسرَّب إلى الأفراد أيضًا مهما حاولوا التخلُّص منها ! قال تعالى:
(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)
و قال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
وذلك حيث لا استثناء في القانون الإلهي، بل لو دققنا النظر وتعمقنا في الأمر لوصلنا إلى حقيقة أخرى قد استترت عن الكثير وهي: أنه من الصعب أن نحكم بصلاح فرد وهو يعيش في أمة فاسدة، ذلك الفرد الذي لم يوصل نفسَه إلى مستوى القيادة والإشراف على أمَّته أو لم يهجرهم هجراً جميلاً كي يسلم من آفاتهم !!
وربما نستلهم هذا الأمر من الآيتين السابقتين:
فبالنسبة إلى الآية الأولي نلاحظ أنَّ الذين نجَوا هم الذين “ينهون عن السوء”، وأمّا الذين ظلموا وهُمْ الفسّاق، سواء المظهِر لفسقِه أو الساكت عن الجريمة، فإنَّ الله سوف يأخذهم بعذابٍ بئيس.
وبالنسبة إلى الآية الثانية نشاهد أنَّ غير الظالمين أيضاً قد شملتهم الفتنة و ذلك لأنَّ الاستسلام للظلم هو ظلمٌ أيضاً.
*الرفض الاجتماعي
وههنا وبصريح العبارة نقول: أنَّ التكليف الرئيس الذي يُمثِّل أهم التكاليف في عصر الغيبة هو ما أشرنا إليه سابقاً وهو “الرفض” ولكن هذا التكليف ليس هو تكليفاً فردياً فحسب بل هو تكليفٌ اجتماعي، فيلزم على المؤمن أن يكون رفضُه رفضاً ينطلق من منطلق شرعي إلهي حتى يتقرب به إلى الله فيكون عبادةً من نمط العبادات الاجتماعية التي تخيِّم على جميع العبادات الفردية.
ولأجل أن يتَّسم الرافض للمجتمع الفاسد بوسامٍ إلهي ينبغي له أن يمارس الأمور التالية:
الأول: البناء الفردي
و هو السعي للتقرب إلى الله سبحانه و تعالى بالتلبس بلباس التقوى الذي هو خير لباسٍ حتَّى يرتفع مستوى رفضه هذا من السلب المطلق الذِّي هو (لا) إلى سلبٍ يتضمَّن إيجاباً، وعندئذ سوف يكون رفضُه رفضاً مقدَّساً له معنى ومفهوم رسالي عميق، فليس كلُّ “لاءٍ” هي بالفعل لاء المذمومة، بل هذه “اللاء” التي يعتقد بها المنتظر الحقيقي هي أفضل من ألف “نعم”، إن صحَّ القياس بينهما !!
فهذا الرفض ليس من السكوت المذموم الذي هو حالةٌ سلبيةٌ جوفاءُ تُعرقل الإنسان والمجتمع، كلاّ ! بل هو حالةُ صراخٍ ليس مثلها صراخ (ويكفيك نموذجاً سكوت عليٍّ عليه السلام طوال خمسة وعشرين سنة) وهذه الحالة هي الحالة التكاملية التِّي تبني الإنسان وترفع من مستواه إلى الأعلى وتجعله يتكامل شيئاً فشيئاً من دون الوقوف عند حدٍّ، وكذلك تُنمِّي المجتمع وترفع مستواه وتجعله يعيش عيشة عزيزة لا يعتريها ذلٌّ وهوان ولا تحتوشه آفةٌ وخذلان.
المحور الخامس : كيفيات الإنتظار ، وصفات المنتظرين :
المقام الأوّل : الإرتقاب :
الإرتقاب:
قال تعالى عن لسان شعيب: (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) وفي اللغة (الرقيب الحافظ وذلك إما لمراعاته رقبةَ المحفوظ وإما لرفعه رقبته قال تعالى: (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) وقد وردت أحاديث استعملت فيها هذه الكلمة بمعنى الانتظار منها: ما ورد في نهج البلاغة عن عليٍّ عليه السلام قال: ( و من ارتقب الموت سارع في الخيرات ) منها: في كتابه عليه السلام لمحمَّد بن أبي بكر ( إرتَقبْ وقت الصلاة فصلِّها لوقتها و لا تعجلْ بها قبلَه لفراغٍ و لا تُؤخِّرها عنه لشغل..) وقد وردت أحاديث في جري الآية المباركة على مقولة الإنتظار (ففي تفسير العياشي عن محمد بن الفضيل عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن انتظار الفرج من الفرج؟ قال: ان الله تبارك و تعالى يقول: وَ ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ.)
كما أنّ في كتاب كمال الدين و تمام النعمة باسناده الى احمد بن محمد بن أبى نصر قال: قال الرضا عليه السلام: ما أحسن الصبر و انتظار الفرج أما سمعت قول الله عز و جل يقول: «وَ ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ» و قوله عز و جل: «فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ» فعليكم بالصبر فانه انما يجيء الفرج على اليأس، فقد كان الذي من قبلكم أصبر منكم.) وفي زيارة الجامعة الكبيرة نخاطب أئمتنا عليهم السلام (مُؤْمِنٌ بِإِيَابِكُمْ مُصَدِّقٌ بِرَجْعَتِكُمْ مُنْتَظِرٌ لِأَمْرِكُمْ مُرْتَقِبٌ لِدَوْلَتِكُمْ )
أقول : من خلال المعنى اللغوي للإرتقاب و الأحاديث الواردة في هذا المجال نستنتج : أن الإنتظار كما يفهم من نفس الكلمة حيث أنها مشتقّة من النظر ، إنّما هو رؤية مقدّسة ينبغي أن يمتلكها المؤمن ، دون الارتقاب فهو عمل خارجي وحركة ميدانية لابدّ وأن تتحقّق في المجتمع ، فوزان الارتقاب بالنسبة إلى الإنتظار وزان العمل (كالصلاة) بالنسبة إلى النيّة ، فلا صلاة بلا نيّة ولا معنى للنية من غير الصلاة ، كذلك لا ارتقاب من دون انتظار ولا معنى للإنتظار من دون الارتقاب ، فلو كان الارتقاب بمعنى رفعة الرقبة كما ورد في المعنى اللغوي للكلمة ، فيعني ذلك المرتقب يكون دائماً رافع الرقبة وهو كناية عن الإستعداد الكامل والتهيئة المستمرّة حيث أن الإنسان الرافع رقبته مستعدّ للعمل غير متخاذل بخلاف الإنسان المطرق رأسه إلى الأسفل، و يدلّ على الفرق الذين ذكرناه ما ورد في الزيارة الجامعة (منتظر لأمركم) فالإنتظار له ارتباط بأمر الأئمة عليهم السلام (مرتقب لدولتكم) والإرتقاب له علاقة بدولتهم الكريمة.
ولو سألت عن المدّة التي ينبغي أن يرتقب المؤمن فيها دولة الحق لقلت : أن قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) يبيّن مدى ذلك فالحقب يعني الدهر و الزمان و تنكيره يدل على وصف محذوف و التقدير حقباً طويلا. قال في مجمع البيان: أي لا أزال ، و الحقب الدهر و الزمان و جمعه أحقاب قال الزجاج: و الحقب ثمانون سنة .وفي المفردات : الصحيح أن الحقبة مدة من الزمان مبهمة .
هذا ، وهل لنا الإكتفاء بالارتقاب ؟ أقول : كلا بل هناك أمر آخر لابدّ وأن يلازم الارتقاب و هو:
المقام الثاني : التربّص :
التربّص كما ورد في قوله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنْ اهْتَدَى) وفي الحديث (…عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال سألت أبي عن قول الله عز و جل فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَ مَنِ اهْتَدى قال: الصراط السوي هو القائم ، و المهدي من اهتدى إلى طاعته و مثلها في كتاب الله عز و جل وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى قال إلى ولايتنا) وفي تفسير قوله تعالى (… فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) ورد الحديث عن الامام الباقر عليه السلام (..التَّرَبُّصُ انْتِظَارُ وُقُوعِ الْبَلاءِ بِأَعْدَائِهِمْ )
المقام الثالث : التحسس :
(يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ)
وهي مرحلة ميدانية حسّاسة تستدعي الدقّة الفائقة في فهم مجريات الأحداث والأمور للوصول إلى زمن المعشوق الإلهي أعني وليّ الله الأعظم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء .
ففي قضيّة التمهيد لظهور الإمام الحجّة (عجّل الله فرجه الشريف) لابدَّ وأن نعرف أنّ هناك مراحل مختلفة حسب الأزمنة والحالات ، وعلى أساس ذلك نشاهد تنوُّع الأحاديث حيث تأمر بعضها بالجلوس والسكوت في مرحلة ، و الحركة في مرحلة أخرى، کما في حديث (سدير الصيرفي) حيث خاطبه أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قائلاً: يَا سَدِيرُ الْزَمْ بَيْتَكَ وَ كُنْ حِلْساً مِنْ أَحْلَاسِهِ وَ اسْكُنْ مَا سَكَنَ اللَّيْلُ وَ النَّهَارُ فَإِذَا بَلَغَكَ أَنَّ السُّفْيَانِيَّ قَدْ خَرَجَ فَارْحَلْ إِلَيْنَا وَ لَوْ عَلَى رِجْلِكَ ) وكذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وآله (تَجِيءُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ كَأَنَّ قُلُوبَهُمْ زُبَرُ الْحَدِيدِ فَمَنْ سَمِعَ بِهِمْ فَلْيَأْتِهِمْ فَبَايَعَهُمْ وَ لَوْ حَبْواً عَلَى الثَّلْجِ)
وأبلغ حجّة في بيان المرحلتين أعني (مرحلة)السكوت و (مرحلة) التحسس ما نجده في موقف النبي يعقوب (ع) مع بنيه :
ففي بداية الأمر حيث جاء بنوه وقالوا : (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) ففي هذه المرحلة قال : (… بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) فهذا النمط من الصبر رغم كونه جميلاً ولكن كان متلازماً مع السكوت والسكون حيث لم يجدِ التحرّك والقيام، بخلاف المرحلة الأخرى من الصبر حين قال لهم أكبر أخوتهم (ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ) (وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) هنا نشاهد أن التعبير الذي استخدمه النبي يعقوب (ع) هو نفس التعبير السابق حيث قال (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ) ولکن الموقف قد اختلف تماماً حيث قال (…عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)
وهنا قد التجأ يعقوب إلى البكاء (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) بحيث قد أوشك إلى الهلاك ، ولذلك توجّه إليه بنوه و (قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ) فيا ترى ما هذا النمط من البكاء ؟ إنّه بكاء العشق والإنجذاب واللقاء الذي ينطلق من العلم بالمستقبل المشرق و يندفع من الاعتقاد بالله سبحانه لذلك (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) فكانت نتيجة هذا الصبر و البكاء والإلتجاء إلى الله تعالى أمراً مهمّا وهو التحسس حين خاطب الأب بنيه و قال لهم (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ)
فأفضل الأعمال في هذه المرحلة هو التحسس وأعنى به البحث عن الإمام حتى الوصول إلى مرحلة الإحساس به ، كما حدث لأخوة يوسف (ع) ، والتحسس لا ينافي الإنتظار بل هو عين الانتظار بمستواه الراقي والإرتقاب في مرحلته المتكاملة ، والتحسس هو الذي يتطلب الثورة والإنطلاق والتحرّك حتى مرحلة العثور .
أمّا السؤال الذي يطرح نفسه هو : لماذا و في هذه المرحلة بالخصوص هذا النمط من التكليف أعني التحرّك والتحسس؟
والجواب هو: أنّ في هذه المرحلة تكون الشواهد و العلامات قد بدأت بالظهور، تلك العلامات التي تؤكّد على وجود يوسف في مكان معيّن وهو (مصر) بل في منصب خاص وهو (الحكم) ، هذه العلامات هي التي فرضت على الأب أن يدفع الأبناء دفعاً فوريّاً إلى التحسّس والبحث بجدّ وعدم اليأس والتهاون في الأمر وهذه الشواهد هي :
۱-إصرار يوسف على مجيء أخيه من أبيه (..قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ ) والتجاؤه في ذلك إلى التشويق (..أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ ) ثمّ التهديد (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِي).
۲- إنّه وضع بضاعتهم في رحالهم بحيث أنّهم و بمجرّد أن (… فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) وأصرّوا على أخذ بنيامين معهم وأصرّوا على ذلك (.. قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ).
۳- أنّ يوسف قد أولى الإهتمام الخاص بأخيه من أبيه بنيامين وذلك حينما (دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ)
۴- وأيضاً موضوع السقاية حيث (جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ).
فبوجود هذه العلامات ماذا ينبغي ان يفعل الأب ؟ صار تكليفه أن يقول لهم (..َ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ثمّ يحرّضهم ويدفعهم إلى التحسس الفوري من ولي الله كما هو المستفاد من أداة العطف (فاء) الدالة على الفورية فيقول: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ)
*العلامات المهدوية في الوضع الراهن:
إن الثورة الإسلامية المباركة قد اجتازت ثلاثين عاماً وهي في حال التقدّم والرقي من الإنتصارات العظيمة التي حققتها في شتّى المجالات السياسية والعلمية والتقنية والعسكرية من حيث العدّة والعُدّة ، والإنتشار السريع في أوساط المسلمين بل المستضفين في العالم بحيث صار الناس أفواجا افواجاً يعتنقون المذهب الحق من دون أن يخافوا في الله لومة لائم فلا يبقى شك في قرب ظهوره عجلّ الله فرجه،بل هذه العلامات تدلّ على أن الوقت قد حان للتحسّس من ولي الله حتّى العثور عليه وقد حان أن تطبّق الآية المباركة (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) فمن أراد الإمام الحجّة ينبغي له أن ينطلق إليه ويستبق الخيرات کما قال يعقوب )اذْهَبُوا)، وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : (فليرحل معنا) ولا يحتاج التحسس إلى اليقين بل الإحتمال يكفي ، كما احتمل يعقوب (ع) وجود ابنه في مصر فقال (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ) فالتحسس يعني البحث الذي يؤول و ينتهي به إلى اللمس والإحساس الحقيقي .
وبذلك قد وُضِّح لنا كيف أننا نعيش زمن التكليف بالتحسس من ولي الله حتّى لقاؤه الشريف ، وهذا التكليف العظيم يتطلّب أموراً :
۱- تزكية النفس ورفع الحجب المانعة للوصال:
فأخوة يوسف عندما تركوا التكبّر والغرور والأنانية ولم يأتوا في هذه المرّة إلى مصر للحصول على الطعام بل كانت رحلتهم هذه من أجل الوصول إلى يوسف نفسه ، حينئذ حَضَوا بعزيز مصر فعرّف نفسه لهم . فالفناء في الإمام هو الشرط الرئيس للعثور عليه كما قال الإمام الحسين عليه السلام : (من كان فينا باذلا مهجته) وقال تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) فينبغي رفع کافة الحجب حتّى نتمکن من رؤيته. وأغلظ حجاب هنا هو حجاب الأنانية الناشئة من حبّ الذات، فأخوة يوسف بمجرد أن قرّروا أن يبعدوا عن أنفسهم هذا الحجاب نشاهد أن يوسف قد عرّف نفسه لهم .
۲-ضرورة معرفة الحق ويمييزه من الباطل:
فالتحسس يتطلّب المعرفة والتعبئة لذا ينبغي من جميع الشيعة بل المسلمين من دون استثناء أن يذهبوا و يتحسّسوا من الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ، وحينذٍ سوف يحسُّوا به قطعاً ، ومن أراد أن يكون من هذه المجموعة ينبغي له الابتعاد عن الدنيا الدنية وزخرفها و زبرجها ويولي أشدّ الإهتمام بإمامه، بحيث يكون الإمام هو المحور والأصل في تفكّراته وفي أعماله، ويكون تابعاً محضاً له وحينئذٍ له أن يقول : (…يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)
بقى سؤال آخر وهو: من هو أخو الإمام في هذا العصر ؟ ذلك الأخ الذي يدّلنا عليه؟
أقول في الجواب: هذا الأخ لابد وأن تنسجم نواياه و تصرّفاته مع رؤية إمامه ويكون بصدد تهيئة الأرضية لخروج الإمام (عجّل الله فرجه الشريف) ، فهل نعلم جهة أقرب إلى الإمام المهدي (روحي فداه) من الدولة الإسلامية المباركة المتمثّلة في وليّها الفقيه الإمام الخامنئي ( حفظه الله) ؟ فممّا لا شك فيه أنّ الطريق للوصول إلى حجّة الله في أرضه هو الطريق عينه الذي رسمه روح الله الموسوي الخميني (قدّس سرّه) ، و تبعه تلميذه وابنه البار السيد الإمام الخامنئي (حفظه الله) … وقد أكّدت عدد من الآيات المباركة وكثير من الأحاديث إلى ذلك نشير إلى بعضها :
قال تعالى : (.. وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)
۱- في مجمع البيان روى ابوهريره ان اناسا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله قالوا: يا رسول لله من هؤلاء الذين ذكرالله في كتابه؟ وكان سلمان الى جنب رسول الله صلى الله عليه واله فضرب عليه السلام يده على فخذ سلمان فقال: هذا وقومه، والذى نفسى بيده لوكان الايمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس) .
۲- عن يعقوب بن قيس، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا بن قيس وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ عنى أبناء الموالي المعتقين».
۳ روى أبو بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال: «إِنْ تَتَوَلَّوْا، يا معشر العرب يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ يعني الموالي».
وقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )
۱- (عن سليمان بن هارون قال: قال الله: لو ان أهل السماء و الأرض اجتمعوا على ان يحولوا هذا الأمر من موضعه الذي وضعه الله فيه ما استطاعوا، و لو ان الناس كفروا جميعا حتى لا يبقى أحد لجاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون هم من أهله، ثم قال اما تسمع الله يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ )
۲-(في تفسير على بن إبراهيم قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قال: هو مخاطبة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم الذين غصبوا آل محمد حقهم و ارتدوا عن دين الله فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ نزلت في القائم و أصحابه الذين يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ).
۳- (في مجمع البيان و روى عن على عليه السلام انه قال يوم البصرة، و الله ما قوتل أهل هذه الاية حتى اليوم و تلا هذه الاية،)
۴-(روى ان النبي صلى الله عليه و آله سئل عن هذه الاية فضرب بيده على عاتق سلمان فقال هذا و ذووه، ثم قال: لو كان الدين معلقا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس، و قيل: هم أمير المؤمنين عليه السلام و أصحابه حين قاتل من قاتله من الناكثين و القاسطين و المارقين ).
وقال تعالى ( ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(الأنعام/۸۸). (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ)
۱- عن سليمان بن هارون العجلي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إن صاحب هذا الأمر محفوظ له أصحابه، لو ذهب الناس جميعا أتى الله له بأصحابه. و هم الذين قال الله عز و جل: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ، و هم الذين قال الله فيهم: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ)
وأمّا الأحاديث فكثيرة نكتفي بحديث واحد : أحاديث قم ، والرجل الموعود منه : فعن الإمام الكاظم عليه السلام قال: (رجل من قم ، يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف، لا يملون من الحرب ولايجبنون، وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقين) ولعلّ الحديث يشير إلى قوله عزّ من قائل : (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
سائر صفات المنتظرين :
مضافاً إلى الصفات التي تحدثنا عنها لابدّ للمنتظر أن يتّصف بصفات أخرى أبرزها:
۱-الصبر:
وهذه الصفة هي أهم تلك الصفات، لأنَّها في الواقع هي الضمان لاستمرار الرفض.
والصبر ههنا يختلف عن الصبر في المواطن الأخرى، فهذا النوع من الصبر في الواقع هو الصبر الحقيقى الذي هو كالأم لسائر موارد الصبر حيث اشتماله على جميع أنواع الصبر التي نطقت بها أحاديثنا الشريفة، وهي ثلاثة كما في الحديث الذي نقله المحدِّث الكليني قدِّس سرُّه:
( بإسناده عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: الصبر ثلاثة صبرٌ عند المصيبة، وصبرٌ على الطاعة، وصبرٌ عن المعصية )
ثمَّ ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله درجاتٍ أخروية لكلٍّ من هذه الأصناف الثلاثة.
ولكنَّ الصبر الملازم للانتظار قد شمل هذه المراحل الثلاثة وذلك لأنَّه:
هناك أعظم مصيبة ابتلى بها المؤمن المنتظر وهي مصيبة فقدان قائده الروحي و إمامه الثاني عشر الحجَّة بن الحسن المهدي عجَّل الله تعالى فرجه الشريف، فهو يعيش حالةَ اليتم، وهذه المعضلة العظمى بطبيعتها تتطلَّب الصبر. وهناك طاعة تتجسد في التبري من كل ما ومن هو يزاحم هذه الروحيَّة ( أعني روحيَّة الانتظار )
(فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ)
وهناك معاصٍ محيطة بهذا الإنسان المؤمن إحاطة كاملةً، و هي القضايا التي تقصم الظهر من التسويلات الشيطانية و المُغريات المادِّية المنتشرة على مستوى وسيع بحيث لا يلتفت الإنسان يميناً أو يساراً إلاّ وهي تبرز أمامَه خصوصاً في عصرنا الحالي حيث الأقمار الصناعية وحيث شبكة الإنترنت و أيضاً أجهزة الإعلام التّي مهمَّتُها الرئيس نقل الفساد إلى العالم الثالث.
فالمنتظر للدولة المباركة سوف يعيش كلَّ تلك المغريات طوال حياته، فيشاهد بأمّ عينيه أنَّه يسير إلى جهة و العالم أجمع يسيرون إلى جهة أخرى مضادَّةٍ له تماماً، ومن ناحية أخرى يشاهد أنَّ جنود الشيطان وأهل الدنيا يمثِّلون السواد الأعظم فهم الملأ الذين يملئون أعيُن الناس فهو إذن الشاذ بينهم.
ومن المؤسف جدّاً أنَّ أرباب الدنيا ربَّما ينطلقون من منطلق النصيحة والإصلاح والحبّ في مسيرتهم الباطلة حيث يُتراءى أنهّا حركة إصلاحية بل إسلامية يتقرب بها إلى الله، ومن الصعب أن يقتنعوا بخطئهم أو يحتملوا ذلك.
فمن الواضح أنَّ هذا الأمر سوف يجعل المؤمن المنتظر الصابر يعيش حالةً أخرى صعبة و هي حالة “الغربة”، ولا تتلخَّص هذه الحالة في الغربة الاجتماعية، بل هناك غربة أصعب من ذلك ألا وهي الغربة الفكرية والأيديولوجية التي تؤكد عليها الأحاديث الشريفة وتجعلها من صفات وعلائم المنتظر الحقيقي كالحديث التالي:
( على بن موسى الرضا عليه السلام قال: بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء قيل يا رسول الله ثم يكون ماذا ؟ قال ثم يرجع الحق إلى أهله )
۲: التصابر:
فماذا يفعل إذاً هذا الصابر كي يستقيم في صبره ولا يهون ؟ لابدّ وأن ينتقل من مرحلة “الصبر” إلى مرحلة أرقى وهي “التصابر” و ذلك كي يخلق الصبر في الآخرين حتَّى ينسجموا معه فلا يرى نفسه وحيداً فيستمرَّ في مسيرته ويصمد في مواقفه حتى تحقُّق تلك الدولة العالميَّة المباركة، وهذه الحقيقة ظاهرة في سورة العصر فهي التِّي ترسم الطريق للمؤمنين المنتظرين قال تعالى: (وَالْعَصْرِ) أي قسماً بالعصر، ربَّما يكون المقصود من العصر في هذه السورة هو عصر الحجَّة عجلّ الله تعالى فرجه الشريف. أو ما ذكره الإمام قدِّس سرُّه حيث قال: ” يقال: أن العصر هو الإنسان الكامل، وهو إمام الزمان سلام الله عليه أي عصارة جميع الموجودات، أي قسماً بعصارة جميع الموجودات، قسما بالإنسان الكامل “
أقول: ولا منافاة بين التفسيرين.
(إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ)
هذا الإنسان الذي قد حُكم عليه بالخسران المطلق هو الإنسان الذي يعيش خارج العصر أي يعيش حالة الغيبة.
والإنسان المذكور هنا يشمل جميعَهم (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
والاستثناء بطبيعته يدلُّ على النُدورة والغربة، فالنادر من الناس والقليل منهم يتَّسمون بهذه السمات الأربعة المتوالية، التِّي ترجع بالأخير إلى صفة فاردة وهي “انتظار الفرج” على ضوء ما قدمنا.
والسؤال المطروح هنا هو إلى متى الصبر والتواصي به ؟ و هل لمجتمعٍ أن يعيش الراحة والطمأنينة و الهدوء في آخر المطاف ؟و إن كان الجواب سلباً فأين حكمة الله البالغة وأين لطفه الشامل وأين كرمه الجميل ؟
أقول: “لابدَّ من وصول الإنسان المؤمن المتَّسم بتلك الصفات إلى مرحلة نهائية وهي مرحلة الكمال، على ما تدلُّ عليه السورة المباركة “.
صفات أخرى: الأحاديث الشريفة قد ذكرت صفاتاً للمنتظر وهي:
“الحزن – التسليم – اليأس – طول السجود وقيام الليل واجتناب المحارم – الدعوة إلى دين الله سراً وجهراً – حسن العزاء وكرم الصحبة – حسن الجوار وبذل المعروف وكف الأذى وبسط الوجه والنصيحة والرحمة للمؤمنين وأداء الأمانة إلى البر والفاجر ”
و على ضوء ما شرحنا ينبغي أن نعرف بأن صفات المنتظر ليست هي صفات فرديَّة فحسب، بل الفردُ ينبغي عليه أن ينطلق منها في بادئ الأمر لتستوعب كافَّة زوايا المجتمع الذي يعيشه، وتتفاعل بها الأمَّة حتى تعمُّ فائدتها. فالانتظار وما يترتب عليه من الصبر والحزن وحسن العزاء واليأس ووو.. كلها لا بد أن تتجسد في المجتمع ولا تنحصر في الفرد، ومع تجسُّدها في المجتمع سوف يقترب الفرج و ينكشف الضرّ إنشاء الله.
وليُعلمْ أنَّ تعجيل الفرج يتناسب مع الانتظار شدَّةً وضعفاً، ولهذا صرحت الآية المباركة: (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) فقربُ نصر الله متناسبٌ مع طلب النصر “متى نصر الله” وهذا الطلب الأكيد لا يحصل إلاّ بعد اليأس ممّا في أيدي الناس ، قال تعالى:(حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)
اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعينا حتى تسكنه ارضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا ارحم الراحمين