بطلان التكتف (وضع اليد اليمنى على اليسرى) في الصلاة
لنا ان نسال عن أصل التكتّف في الصلاة هل هو سُنّة أم بدعة ؟
ابتداء الحقيقة ان إجماع مذاهب المسلمين ينصب في عدم وجوب التكتّف في الصلاة وإنما وقع الخلاف بينهم : هل التكتّف مستحبٌّ في الصلوات الواجبة والمستحبّة على رأي الحنفيّة والشافعيّة والحنابلة ، أو هو جائز في الصلاة المستحبة ومكروه في الصلاة الواجبة كما عليه مالك أو التكتّف أمرٌ مخيَّر كما رواه النوويّ عن الأوزاعيّ ؟
ونقل النوويّ في كتابه ( المجموع ۳۱۱:۳ ) أنّ عبدالله بن الزبير والحسن البصريّ والنَّخعيّ وابن سِيرين كانوا يَرَون الإرسال ( أي إسبال اليدين في الصلاة ) ويمنعون التكتّف.
معروف ان إنّ العلماء من مختلف الفرق الإسلاميّة قد اتّفقوا على أنّ العبادات (( توقيفيّة )) فلا يصح إثباتُ شيءٍ منها إلاّ من خلال الدليلٍ وطريقها الوحيد فقط القران الكريم والسُّنّة الشريفة فإذا جاء الدليل القرآنيّ أو الروائي على جزئيّة شيء في عبادةٍ من العبادات يصح، وإلاّ فإنّ إدخالَ أيِّ جزءٍ في العبادة على أنّه جزء إنما هو عمل حرام بشكل قطعي و من البدعة وبالتالي يكون من الإفتاء بغير ما أنزل الله تعالى وأمر وهذا عند جميع العقلاء من الفقهاء.
قال تعالى : (( بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ {البقرة/۹۰} ))
وقال جل في علاه : ((إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ {المائدة/۴۴} ))
ولو رجعنا للمصادر نجد ان من فرض على المصلي التكتّف في الصلاة قد استدلّ بثلاثُ روايات:
الرواية الأولى ـ عن سهل بن سعد قال:
(( كان الناسُ يُؤمَرونَ أن يضع الرجلُ اليدَ اليُمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة ))
مناقشة : يا تُرى مَن هو الذي امر الناس في حديث سهلٍ هذا ؟!
هل هو النبيّ صلّى الله عليه وآله، أم الصحابة ام شخص مجهول ؟
هذا مجازفةً لا تَخفى على أي عاقل خاصّةً عندما يجري تطبيقُ هذا على كلّ الحالات مِن كلّ الصحابة، فكيف لنا إثباتُ أنّ قوله يَدُلّ على النبيّ صلّى الله عليه وآله هو الآمر بذلك ؟
لم يكن هنا قَطْع أو دليل على أنّ الأمر صدر عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، ولم يبيّن احد منهم من اصدر الأمر وبناء على الموازين الإسلامية لا يصحّ الاحتجاج بحديث سهل بن سعد من هذه الناحية .
الرواية الثانية ـ عن وائل بن حَجَر :
(( أنّه رأى النبيَّ صلّى الله عليه وآل رفع يديه حين دخل في الصلاة مكبِّراً، ثمّ التحَفَ بثوبه ثمّ وضع يده اليمنى على اليسرى، فلمّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثمّ رفعهما، ثمّ كبّر فركع ))
مناقشة : هذا الحديث يحكي سُنّةً مُجمَلةٌ لا يظهر إطلاقا فيها تمييز شيء من الوجوبُ او الاستحباب والإباحة، كما لم يحدد فيها حال الاختيارُ عن الاضطرار.
والظاهر أنّ عمل النبيّ صلّى الله عليه وآله ربّما كان لغرضٍ آخَرَ غيرِ بيان الأمر الشرعيّ..
فالراوي يقول: « ثمّ التحَفَ بثوبه ثمّ وضع اليدَ اليمنى على اليسرى »،
فلعلّ عمل النبيّ صلّى الله عليه وآله كان للسيطرة على الثوب دون سقوطه ويدلل لذلك قول الراوي بعد ذاك: « فلمّا أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ».
الرواية الثالثة ـ عن عبد الله بن مسعود:
(( أنّه كان يصلّي، فوضع يدَه اليسرى على اليمنى! فرآه النبيُّ صلّى الله عليه وآله فوضع يدَه اليمنى على اليسرى ))
ايها العقلاء هل من المعقول أن يكون صحابيٌّ جليل وعالم كعبد الله بن مسعود لا يميّزُ يُمناه عن يُسراه ؟!
ناهيك عن ان هذه الرواية أنّ في سندها هشيم بن بشير، وهو مشهور بالتدليس عندهم فتأمل .
ثم ان بعض علمائهم استُدِلوا على وجوب التكتف لما لم تسعفهم السنة النبوية لجئوا الى طريق استحساني !!!
كقولهم: وضعُ اليد على اليد أسلم للمصلّي من العَبَث وأفضل في التضرّع !!!
ومن المتيقن ان شريعة الله تعالى لا تخضع لاستحسان الناس وأذواقهم ومزاجهم بل هم ينبغي أن يخضعوا للشريعة الإلهية والسنة المحمدية فقط وليس لنتاج عقولهم فانه أذا أُدخل في الدين ما يشتهيه الناس ويستحسنون إذاً لمسخت الشريعة وطغت البدعُ!
والمهم أنّ المسلمين قد عاشوا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ثلاثاً وعشرين سنة، ورأوه بحضورهم يصلّي معهم كلَّ يوم عدة مرّات في صلواته الشريفة ، سواء صلاة جماعةً وفراداً ، فكيف يبقى شكّ أنّه تكتّف أو أنّه أرسل يديه في صلاته؟!
ثم اشتهرت بين المسلمين رواياتٍ معارِضةٍ للتكتّف وداحضة له حتّى قال القرطبيّ ـ من علماء أهل السنّة ـ: (( إنّه قد جاءت آثارٌ ثابتة نُقِلَتْ فيها صلاتُه عليه الصلاة والسلام، ولم يُنقَلْ فيها أنّه صلّى الله عليه وآله كان يضع يده اليمنى على اليسرى ))
وبع الفحص البسيط نجد أنّ الأحاديث المستندة في التكتّف إمّا ضعيفةٌ سَنَداً، أو غير تامّةٍ الدِّلالة، وإمّا مُعارَضةٌ بأحاديث ثابتة لدى المسلمين لا تَذكُر في صلاة النبيّ صلّى الله عليه وآله تكتّفاً أو تكفيراً.
واواضح ان الروايات المعارضة للتكتّف في الصلاة رواها كثير من علماء السنة و المحدّثين منهم:
البيهقيّ في ( السنن الكبرى ۱۰۵:۲ / ح ۲۵۱۷ )،
وأبو داود في ( السنن ـ باب افتتاح الصلاة / ح ۷۳۰ )
والترمذيّ في ( سننه ۱۰۵:۲ / ح ۳۰۴ ـ باب صفة الصلاة )..
ثم هذا الأمر ما أوضحه أهل البيت عليهم السّلام، وهم أدرى الناس بسنة جدهم ( ص ) فمثلا نذكر بعض الروايات :
روى محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر أو الصادق عليهما السّلام في مَن يضع يده في الصلاة ـ اليمنى على اليسرى : ذلك التكفير، لا يُفعَل.
روى الصدوق عن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام أنّه قال: لا يجمع المسلم يدَيه في صلاته وهو قائمٌ بين يدَيِ الله عزّوجل، يتشبّه بأهل الكُفْر! ـ يعني المجوس.
وروى زُرارة أنّ الإمام الباقر عليه السّلام قال: عليك بالإقبال على صلاتك، ولا تُكفِّرْ؛ فإنّما يَصنعُ ذلك المجوس.
ناهيك إننا ننقل أراء علماء المذاهب الأربعة وهي كالأتي :
الحنفية: إنّ التكتّف مسنون وليس بواجب، والاَفضل للرجل أن يضع باطن كفّه اليمنى على ظاهر كفّه اليسرى تحت سرّته، وللمرأة أن تضع يديها على صدرها.
الحنابلة: أنّه سنّة والاَفضل أن يضع باطن يمناه على ظاهر يسراه، ويجعلها تحت السرة.
الشافعية: أنّه يُسَنُّ للرجل والمرأة، والاَفضل وضع باطن يمناه على ظهر يسراه تحت الصدر وفوق السرة، ممّا يلي الجانب الاَيسر.
المالكية: بأنّه جائز ، ولكن يندب ارسال اليدين في صلاة الفرض.
وقد نقل عن المالكيّة في ((صحيح مسلم: ۱| ۳۸۲، موَسسة عزّ الدين، بيروت ۱۴۰۷٫)) أنّ بعضهم استحبّه وبعضهم استحبّ الإرسال وكرهه، وبعضهم خَيّر بين الوضع والإرسال ؟!
ورغم أنّ علماء أهل السنّة اتّفقوا على عدم وجوبه، فان المسألة تثير زوبعة في الأوساط الإسلامية حيث أنّ الشيعة أجمعهم تبعاً لأئمّة أهل البيت، يرسلون الأيدي في الصلاة ولكن كثيراً من أهل السنّة ينظرون إليهم بنظر الاستغراب، و يعدّونهم مبتدعين بتركهم هذا العمل حتى صارت ذريعة بين أهل السنّة للضرب والشتم وسفك الدم.
وننقل شهادة احد كبار علمائهم يقول محمد صالح العثيمين (دروس وفتاوى في الحرم المكّي ص ۲۶٫) : (( لقد جرى في سنة من السنين مسألة في «منى» على يدي ويد بعض الاخوان، وقد تكون غريبة عليكم، حيث جيىَ بطائفتين، وكل طائفة من ثلاثة أو أربـعة رجـال، وكل واحدة تتهم الاخرى بالكفر واللعن ـ وهم حُجّاج ـ وخبر ذلك أنّ إحدى الطائفتين، قالت: إنّ الا َُخرى إذا قامت تصلّـي وضعت اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر، وهذا كفر بالسنّة، حيث إنّ السنّة عند هذه الطائفة إرسال اليدين على الفخذين، والطائفة الا َُخرى تقول: إنّ إرسال اليدين على الفخذين دون أن يجعل اليمنى على اليسرى، كفر مبيح للّعن، وكان النزاع بينهم شديداً.
ثمّ يقول: فانظر كيف لعب الشيطان بهم في هذه المسألة التي اختلفوا فيها، حتّى بلغ أن كفَّر بعضهم بعضاً بسببها التي هي سنّة من السُّنن فليست من أركان الاِسلام ولا من فرائضه، ولا من واجباته، غاية ما هنالك إنّ بعض العلماء يرى أنّ وضع اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر هو السنّة وآخرين من أهل العلم يقولون: إنّ السنّة هو الارسال، مع أنّ الصواب الذي دلّت عليه السنّة هو وضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى ))
وأيرا يا عرعور ويا أتباعه راجعوا مصادركم و لا تخفوا الحقيقة ومنها :
البيهقيّ في ( السنن الكبرى ۱۰۵:۲ / ح ۲۵۱۷ )،
وأبو داود في ( السنن ـ باب افتتاح الصلاة / ح ۷۳۰ )
والترمذيّ في ( سننه ۱۰۵:۲ / ح ۳۰۴ ـ باب صفة الصلاة )..
وأخيرا ايضا نذكر هذه الحقيقة في رواياتهم :
((جاء وفد من الفرس جاء الى عمر بن الخطاب والبعض يقول أسرى فتكتفو أمامه فقال لهم لماذا فعلتم ذلك قالو إجلال وإكرام لك وتعظيم فاستحسن الخليفه وجعلها في الصلاه وقال الله اجل ان يفعل ذلك له واكرم فجعل التكتف سنه ))
فيا ( عرعور ) ويا أتباع ( عرعور ) من أولى بالإتباع محمد ( ص ) ام هذا الرجل ؟؟