ذكر أزواج النبي محمد وأولاده (ص)
أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، تزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وكانت قبله عند عتيق بن عائذ المخزومي فولدت له جازية ، ثم تزوج أبو هالة الأسدي فولدت له هند بن أبي هالة ، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وربى ابنها هندا .
فلما استوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبلغ أشده – وليس له كثير مال – استأجرته خديجة إلى سوق خباشة ، فلما رجع تزوج خديجة ، زوجها إياه أبوها خويلد بن أسد ، وقيل : زوجها عمها عمرو بن أسد وخطب أبو طالب عليه السلام لنكاحها – ومن شاهده من قريش حضور – فقال : الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل ، وجعل لنا بيتا محجوجا و ( 1 ) حرما امنا يجبى إليه ثمرات كل شئ ، وجعلنا الحكام على الناس ( 2 ) في بلدنا الذي نحن فيه ، ثم إن ابن أخي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب لا يوزن برجل من قريش إلا رجح ، ولا يقاس بأحد منهم إلا عظم عنه ، وإن كان في المال قل فأن المال رزق حائل ، وظل زائل ، وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة ، والصداق ما سألتم عاجله وآجله من مالي .
وكان ( أبو طالب ) ( 3 ) له خطر عظيم ، وشأن رفيع ، ولسان شافع جسيم ، فزوجه ودخل بها من الغد .
ولم يتزوج عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ماتت ، وأقامت معه أربعا وعشرين سنة وشهرا ، ومهرها اثنتا عشرة أوقية ونش ، وكذلك مهر سائر نسائه عليه السلام .
فأول ما حملت ولدت عبد الله بن محمد – وهو الطيب الطاهر – وولدت له القاسم ، وقيل : إن القاسم أكبر وهو بكره وبه كان يكنى . والناس يغلطون فيقولون : ولد له منها أربع بنين : القاسم ، وعبد الله ، والطيب ، والطاهر .
وإنما ولد له منها ابنان وأربع بنات : زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة ( 4 ) .
فأما زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتزوجها أبو العاص ابن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف في الجاهلية ، فولدت لأبي العاص جارية اسمها امامة تزوجها علي بن أبي طالب عليه السلام بعد وفاة فاطمة عليها السلام ، وقتل علي وعنده امامة ، فخلف عليها بعده المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وتوفيت عنده . وأم أبي العاص هالة بنت خويلد ، فخديجة خالته . وماتت زينب بالمدينة لسبع سنين من الهجرة .
وأما رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتزوجها عتبة بن أبي لهب ، فطلقها قبل أن يدخل بها ، ولحقها منه أذى ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( اللهم سلط على عتبة كلبا من كلابك ) فتناوله الأسد من بين أصحابه . وتزوجها بعده بالمدينة عثمان بن عفان ، فولدت له عبد الله ومات صغيرا ، نقره ديك على عينيه فمرض ومات . وتوفيت بالمدينة زمن بدر ، فتخلف عثمان على دفنها ، ومنعه ذلك أن يشهد بدرا ، وقد كان عثمان هاجر إلى الحبشة ومعه رقية .
وأما أم كلثوم فتزوجها أيضا عثمان بعد أختها رقية وتوفيت عنده .
وأما فاطمة عليها السلام فسنفرد لها بابا فيما بعد إن شاء الله .
ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولد من غير خديجة إلا إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مارية القبطية ، ولد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة ومات بها وله سنة وستة أشهر وبعض أيام ، وقبره بالبقيع .
والثانية : سودة بنت زمعة ، وكانت قبله عند السكران بن عمرو فمات عنها بالحبشة مسلما .
والثالثة : عائشة بنت أبي بكر ، تزوجها بمكة وهي بنت سبع ، ولم يتزوج بكرا غيرها ، ودخل بها وهي بنت تسع ، لسبعة أشهر من مقدمه المدينة ، وبقيت إلى خلافة معاوية .
والرابعة : أم شريك التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، واسمها غزية بنت دودان بن عوف بن عامر ، وكانت قبله عند أبي العكر بن سمي الأزدي فولدت له شريكا .
والخامسة : حفصة بنت عمر بن الخطاب ، تزوجها بعد ما مات زوجها خنيس بن عبد الله بن حذافة السهمي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد وجهه إلى كسرى فمات ولا عقب له ، وماتت بالمدينة في خلافة عثمان .
والسادسة : أم حبيبة بنت أبي سفيان ، واسمها رملة ، وكانت تحت عبيد الله بن جحش الأسدي فهاجر بها إلى الحبشة وتنصر بها ومات هناك ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعده ، وكان وكيله عمرو بن أمية الضمري .
والسابعة : أم سلمة ، وهي بنت عمته عاتكة بنت عبد المطلب .
وقيل : هي عاتكة بنت عامر بن ربيعة من بني فراس بن غنم ، واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ، وهي ابنة عم أبي جهل .
وروي : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إلى أم سلمة : أن مري ابنك أن يزوجك ، فزوجها ابنها سلمة بن أ بي سلمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو غلام لم يبلغ ، وأدى عنه النجاشي صداقها أربعمائة دينار عند العقد . وكانت أم سلمة من آخر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفاة بعده ، وكانت عند أبي سلمة بن عبد الأسد وأمه برة بنت عبد المطلب ، وهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان لام سلمة منه زينب وعمر ، وكان عمر مع علي عليه السلام يوم الجمل وولاه البحرين وله عقب بالمدينة ، ومن مواليها شيبة بن نصاح إمام أهل المدينة في القراءة ، وخيرة أم الحسن البصري .
والثامنة : زينب بنت جحش الأسدية ، وهي ابنة عمته ميمونة بنت عبد المطلب ، وهي أول من مات من أزواجه بعده ، توفيت في خلافة عمر ، وكانت قبله عند زيد بن حارثة فطلقها زيد ، وذكر الله تعالى شأنه وشأن زوجته زينب في القرآن ، وهي أول امرأة جعل لها النعش ، جعلته لها أسماء بنت عميس يوم توفيت ، وكانت بأرض الحبشة رأتهم يصنعون ذلك ( 5 ) .
التاسعة : زينب بنت خزيمة الهلالية ، من ولد عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة ، وكانت قبله عند عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب .
وقيل : كانت عند أخيه الطفيل بن الحارث ، وماتت قبله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان يقال لها : أم المساكين .
والعاشرة : ميمونة بنت الحارث ، من ولد عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة ، تزوجها وهو بالمدينة ، وكان وكيله أبو رافع . وبنى بها بسرف حين رجع من عمرته على عشرة أميال من مكة ، وتوفيت أيضا بسرف ودفنت هناك أيضا . وكانت قبله عند أبي سبرة بن أبي العامري .
والحادية عشر : جويرية بنت الحارث ، من بني المصطلق ، سباها فأعتقها وتزوجها ، وتوفيت سنة ست وخمسين .
والثانية عشر : صفية بنت حيي بن أخطب النضري ، من خيبر ، اصطفاها لنفسه من الغنيمة ثم أعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها ، وتوفيت سنة ست وثلاثين .
فهذه اثنتا عشرة امرأة دخل بهن رسول الله ، وقد تزوج إحدى عشرة منهن وواحدة وهبت نفسها له .
وقد تزوج صلوات الله عليه وآله عالية بنت ظبيان وطلقها حين أدخلت عليه .
وتزوج قتيلة بنت قيس أخت الأشعث بن قيس ، فمات قبل أن يدخل بها ، فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بعده . وقيل : إنه طلقها قبل أن يدخل بها ثم مات صلوات الله عليه وآله .
وتزوج فاطمة بنت الضحاك بعد وفاة ابنته زينب ، وخيرها حين أنزلت آية التخيير ( 6 ) فاختارت الدنيا وفارقها ، فكانت بعد ذلك تلقط البعر وتقول : أنا الشقية اخترت الدنيا .
وتزوج سنى بنت الصلت فماتت قبل أن تدخل عليه .
وتزوج أسماء بنت النعمان بن شراحيل فلما أدخلت عليه قالت : أعوذ بالله منك فقال : 0 قد أعذتك الحقي بأهلك ) . وكان بعض أزواجه علمتها ذلك فطلقها ولم يدخل بها .
وتزوج مليكة الليثية ، فلما دخل عليها قال لها : ( هبي لي نفسك ) ، فقالت : وهل تهب الملكة نفسها للسوقة ، فأهوى صلى الله عليه وآله وسلم بيده يضعها عليها فقالت : أعوذ بالله منك ، فقال : ( لقد عذت بمعاذ ) فسرحها ومتعها .
وتزوج عمرة بنت يزيد ، فرأى بها بياضا فقال : ( دلستم علي ) وردها .
وتزوج ليلى بنت الخطيم الأنصارية فقالت ( 7 ) : أقلني ، فأقالها ( 8 ) .
وخطب امرأة من بني مرة فقال أبوها : إن بها برصا ، ولم يكن بها ، فرجع فإذا هي برصاء .
وخطب عمرة فوصفها أبوها ، ثم قال : وأزيدك إنها لم تمرض قط ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ( ما لهذه عند الله من خير ) . وقيل : انه تزوجها ، فلما قال ذلك أبوها طلقها .
فهذه إحدى وعشرون امرأة .
ومات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عشر ، واحدة منهن لم يدخل بها . وقيل : عن تسع : عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة ، وأم حبيبة ، وزينب بنت جحش ، وميمونة ، وصفية ، وجويرية ، وسودة . وكانت سودة قد وهبت ليلتها لعائشة حين أراد طلاقها وقالت : لا رغبة لي في الرجال وإنما أريد أن أحشر في أزواجك ( 9 ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) في نسخة ( م ) زيادة : وأنزلنا .
( 2 ) في نسخة ( م ) زيادة : وبارك لنا .
( 3 ) لم يرد في نسختي ( ق ) و ( ط ) وأثبتنا من نسخه ( م ) .
( 4 ) تعد نسبة زينب ورقية وأم كلثوم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كبنات له من المسائل التي أخذت جانبا من الأخذ والرد ، وبين القبول والرفض .
فعلى الرغم من ذهاب البعض إلى كونهن من بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة بفاطمة الزهراء عليها السلام ، فإن هناك آراء جدية تجزم بأنهن ربائبه ولسن بناته .
وليس هذا الرأي بمستحدث ، بل إن له جذوره القديمة والتي يعود بعضها إلى زمن الشيخ المفيد رحمه الله تعالى ، والتي يشير إليها ما ذكره في أجوبة المسائل الحاجبية ( 17 ) ، حيث قال : وسأل فقال : الناس مختلفون في رقية وزينب ، هل كانتا ابنتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أم ربيبتيه ؟
وعموما فإن هذا الموضوع قد خضع لدراسات علمية متينة لعل أوسعها ما كتبه السيد جعفر مرتضى العاملي حول هذا الموضوع يراجع على صفحات مجلة تراثنا الفصلية التي تصدرها مؤسسة آل البيت عليهم السلام في عددها الخاص بالذكرى الألفية لوفاة الشيخ المفيد رحمه الله تعالى .
( 5 ) روت المصادر المختلفة ان أول من صنع لها النعش هي فاطمة الزهرا . عليها السلام ، ولما كانت وفاتها عليها السلام أسبق من وفاد زينب رحمها الله فان في ذلك تأكيدا لهذا الأمر .
انظر : الكافي 3 : 251 / 6 ، الفقيه 1 : 124 / 597 ، علل الشرائع 1 : 185 / 2 ، التهذيب 1 : 469 / 1539 و 1540 ، كشف الغمة 1 : 503 ، مستدرك الحاكم 3 : 162 .
( 6 ) الأحزاب : 28 – 29 .
( 7 ) لي نسخة ( ط ) في زيادة : ضربت ظب هرة ، فقال . أكلك الأسود ، ثم تزوجها فقالت . . .
( 8 ) في نسخة ( ط ) زيادة : فأكلها الذئب .
( 9 ) انظر : المناقب لابن شهرآشوب 1 : 159 ، سيرة ابن هشام 4 : 3 29 ، الوفا بأحوال المصطفى 2 : 645 ، تاريخ الطبري 3 : 160 ، الكامل في التاريخ 2 : 307 ، دلائل النبوة للبيهقي 7 : 282 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 22 : 200 / 20 .