أروى بنت الحارث
أروى بنت الحارث
(أشعار نت)
أروى بنت الحارث بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ، ابنة عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
قال ابن سعد في الطبقات : أمّها تخزيه بنت قيس بن طريف بن عبد العزى بن عامر بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر .
تزوجها أبو وداعة بن صبرة بن سعيد بن سعد بن سهم ، فولدت له : المطّلب ، وأبا سفيان ، وأمّ جميل ، وأمّ حكيم، والربعة بني أبي وداعة .
وهي من ربات الفصاحة والبلاغة والشعر ، كانت أغلظ الوافدات على معاوية بن أبي سفيان ، حيث أسمعته ومن معه كلاماً قارصاً .
قال ابن طيفور في بلاغات النساء : روى ابن عائشة ، عن حماد بن سلمه ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، قال : دخلت أورى بنت الحارث بن عبد المطّلب على معاوية بن أبي سفيان بالموسم وهي عجوز كبيرة ، فلما رآها قال : مرحباً بك يا عمة .
قالت : كيف أنت يا ابن أخي ؟ لقد كفرت، بعد بالنعمة، وأسأت لابن عمّك الصحبة ، وتسميت بغير أسمك ، وأخذت غير حقك ، بغير بلاء كان منك ولا من آبائك في الإسلام . ولقد كفرتم بما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ،
فأتعس الله منكم الجدود ، وأصعر منكم الخدود ، حتى ردّ الله الحقّ إلى أهله ، وكانت كلمة الله هي العليا ، ونبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) هو المنصور على من ناواه ولو كره المشركون .
فكنّا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظاً ونصيباً وقدراً ، حتى قبض الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) مغفوراً ذنبه ، مرفوعاً درجته ، شريفاً عند الله مرضياً ، فصرنا أهل البيت فيكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون ، يذبحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، وصار ابن عمّ سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى ، حيث يقول : يابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ، ولم يجتمع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لنا شمل ، ولم يسهل لنا وعر ، وغايتنا الجنة وغايتكم النار .
قال عمرو العاص : أيتها العجوز الضالة أقصري من قولك ، وغضي من طرفك .
قالت : ومن أنت لا أمّ لك ؟
قال : عمرو بن العاص .
قالت : يابن اللخناء النابغة أتكلمني ؟ ! أربع على ضلعك ، وأعن بشأن نفسك ، فو الله ما أنت من قريش في اللباب من حسبها ، ولا كريم منصبها ، ولقد أدّعاك ستة من قريش كلهم يزعم أنّه أبوك ، ولقد رأيت أمّك أيام منى بمكّة مع كلّ عبد عاهر فأتمّ بهم فإنّك بهم أشبه .
فقال مروان بن الحكم : أيتها العجوز الضالة ساخ بصرك ، مع ذهاب عقلك فلا تجوز شهادتك .
قالت : يا بني أتتكلم ؟ ! فو الله لأنت إلى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم ، وإنّك لشبهه في زرقة عينيك وحمرة شعرك ، مع قصر قامته وظاهر دمامته ، ولقد رأيت الحكم مادّ القامة، ظاهر الأمة وسبط الشعر ، وما بينكما من قرابة إلاّ كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب ، فاسأل أمك عما ذكرت لك فإنّها تخبرك بشأن أبيك إن صدقت . ثمّ التفتت إلى معاوية فقالت : والله ما عرّضني لهؤلاء غيرك ، وإنّ أمك هذه للقائلة يوم أحد في قتل حمزة رحمه الله :
نَـحنُ جَـزَيْناكم بـيوم iiبـدر والحرب يوم الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر أبـي وعـمي وأخي وصهري
شـفيت وحشي غليل iiصدري شـفيت نفسي وقضيت iiنذري
فـشكر وحـشي عليّ iiعمري حـتى تغيب أعظمي في قبري
فأجبتها :
يـا بـنت رقاعٍ عظيم iiالكفر خـزيت فـي بدر وغير iiبدر
صـبحك الله قـبيل iiالـفجر بـالهاشميين الـطوال الزهر
بـكل قـطاع حـسام يـفري حـمزة لـيثي وعلي صقري
إذ رام شـبيب وأبوك iiغدري أعطيتي وحشي ضمير الصدر
هـتك وحـشي حجاب iiالستر مـا لـلبغايا بـعدها من iiفخر
فقال معاوية لمروان وعمرو : ويلكما أنتما عرضتماني لها وأسمعتماني ما أكره .
ثمّ قال لها معاوية : عفا الله عما سلف ، يا خالة هات حاجتك .
قالت : مالي أليك حاجة ؛ وخرجت عنه .
فقال معاوية لأصحابه : والله لو كلمها من في المجلس جميعاً لأجابت كلّ واحد بغير ما تجيب به الآخر ، وإنّ نساء بني هاشم لأفصح من رجال غيرهم .
وبعث لها قبل رحيلها فأكرمها وعادت إلى المدينة .
وفي رواية قال لها معاوية : يا عمة أقصدي قصد حاجتك، ودعي عنك أساطير النساء .
قالت : تأمر لي بألفي دينار ، وألفي دينار ، وألفي دينار .
قال : ما تصنعين يا عمة بألفي دينار ؟
قالت : أتشري بها عيناً خرارة في أرض خوراة ، تكون لولد الحارث بن عبد المطّلب .
قال : نعم الموضع وضعتيها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟
قالت : أزوج بها فتيان عبد المطّلب من أكفائهم .
قال نعم الموضع وضعتيها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟
قالت : أستعين بها على عسر المدينة وزيارة بيت الله الحرام .
قال : نعم الموضع وضعتيها ، هي لك نعم وكرامة .
ثمّ قال : أمّا والله لو كان عليّ ما أمر لك بها .
قالت : صدقت ، إنّ علياً أدّى الأمانة ، وعمل بأمر الله وأخذ به . وأنت ضيعت أمانتك ، وخنت الله في ماله ، فأعطيت مال الله من لا يستحقه ، وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها وبيّنها فلم تأخذ بها ، ودعانا إلى أخذ حقنا الذي فرض الله لنا ، فشُغل بحربك عن وضع الأمور مواضعها . وما سألتك من مالك شيئاً فتمن به ، إنما سألتك من حقنا ، ولا نرى أخذ شيء غير حقنا ، أتذكر علياً فض الله فاك ، وأجهد بلاءك ثمّ علا بكاؤها وقالت :
ألا يـا عين ويحك iiأسعدينا ألا وابـكي أمـير iiالمؤمنينا
رُزينا خير من ركب iiالمطايا وفارسها ومن ركب iiالسفينا
ومن لبس النعال أو iiاحتذاها ومـن قـرأ المثاني والمئينا
إذا استقبلت وجه أبي iiحسن رأيـت البدر راع iiالناظرينا
ولا والله لا أنـسـى iiعـلياً وحسن صلاته في iiالراكعينا
أفي الشهر الحرام فجمعتمونا بـخير الناس طُرا iiاجمعينا
فأمر لها معاوية بستة آلاف دينار ، وقال لها : يا عمة أنفقي هذه في ما تُحبين فإذا احتجتني فاكتبي إلى أبن أخيك يحسن صفدك، ومعونتك إن شاء الله .
ومن شعرها قالت ترثي أباها :
عـيني جـودا بـدمع غير iiممنون إذ أنـهما لا بـدمع الـعين يشفيني
إنـي نـسيت أبـا أروى iiوذكرته عـن غـير مـا بغضة ولا iiهون
ومـال زال أبيض مكراماً iiلأسرته رحب المحاسن في خصب وفي لين
مـن آل عـبد مـنافٍ إن iiمـهلكه ولـو بقيت رغوب الدهر iiيعصيني
مـن الـذين مـتى ما تغش iiناديهم تـلقى الـحضارمة الشم iiالعرانين
روى ذلك أيضاً ابن عبد ربة ـ في العقد الفريد ـ ضمن الوافدات على معاوية عن العباس بن بكار ، قال : حدثني عبد الله بن سليمان المدني وأبو بكر الهذلي : أن أروى بنت الحارث بن عبد المطّلب دخلت على معاوية وهي عجوز ، فلما رآها معاوية قال : مرحباً بك وأهلاً يا عمة . . .
وقال الزر كلي في أعلامه : إنها توفيت حدود سنة خمسين هجرية