إلى مَ يهدي المهدي (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله تعالى على حمد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد:
فقد كان يشغلني _عندما اقرأ_ حديث(ان الإمام المهديّ عجّل الله فرجه الشّريف يهدي إلى امر خفي, حيث ورد عن أبي جعفر محّمد بن علي عليه السلام، انّه قال:((إنما سمّي المهدي مهديّا لأنه يهدي لأمر خفيّ))(1) فما هو هذا الامر الخفيّ الذي يهدي اليه مهدي آل محّمد عليهم السلام ؟.
إذ أن هذا الامر واحد, وليس اموراً متعددة كما هو صريح الروايات(ان المهدي يهدي إلى امر خفي)(2),وفي بعضها أنّه يهدي إلى امرٍ مضلولٍ عنه) فعن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:(…وإنما سمّي القائم مهديّا لأنّه يهدي إلى أمر قد ضلّوا عنه)(3).
واذ أنّ بيانه عليه السلام حقيقة الإسلام وهدايته إلى هذه الحقيقة المضلول عنها بشكلها _اذ قد يقال ان المهديّ اليه بالمهديّ عليه السلام هو هذا المعنى_ المطلوب وقد بعد غوارها بسبب الاقصاء المتعمد لتراجمة الدين وقد تناولتها روايات الظهور بشكل صريح وبينّت ما يفعله من هذه الجهة ,فلا يمكن القول أنّ هذا الامر هو الخفي, لكلام الرّوايات عنه بشكل مباشر وصريح حيث بينّت انه يخرج الإسلام من حالة اليبوسة إلى حالة الطّراوة ويعيده طريّا كما في عهد مبلّغه الاوّل وانّه عليه السلام يخرجه من غربته القهريّة بسبب التحكّم المخالف إلى حضوره العالمي بل ويظهره على غيره من دين, فلا يكون المراد بروايات(يهدي إلى أمر خفيّ) هو هذا المعنى أي(إخراج الإسلام من غربته كقولهم عليهم السلام انّ الإسلام بدا غريب(4) وسيعود كما بدا).
فانتهى اليّ(من هذه القرائن ) أنّ هذا الامر المهدى اليه والمضلول عنه ليس هو إظهار طراوة الإسلام وإخراجه من غربته وليس هو اموراً متعددة بل امراً واحداً.
فقلت في نفسي: وهل يعقل أنّ روايات أهل البيت عليهم السلام لم تشر إليه؟ فكيف إذا وصفتهُ بأنهُ قد ضُل عنه وخفي على الناس!
أليس هذا التعبير يناسب كون المعَبّر عنه به موجوداً متناولاً؟
فإنّ معنى خفائه بلاشك ليس مطبقا(وليس هو بمعنى إيجاد المعدوم, بل هو من قبيل احياء المندثر), وإلاّ لما كان هناك معنى للحديث!!!
إذا الرواية تريد الاشارة إلى وجود حالة ممارسة عند ثلّة قليلة(5), وسيهدي المهديّ عليه السلام اكثر النّاس إليها.
فتحتم ان يكون هذا الامر:
1- واحدا, وليس امورا متعددة.
2- انه ليس غربة الإسلام.
لذلك كنت انقّب عن هذا الامر الذي سيهدي اليه المهديّ عليه السلام, علّني اكون غير مهديّ اليه فاهتديَ إليه قبل هداية صاحب الهداية إليه,اذ اني لا أشكُّ إِنّ هذا الأمر عظيم, ولا أشكّ انّه مطلوب قبل الظّهور والاّ لِمَ عبّرت الرواية عنه بانه مهدىّ إليه ,وغير المهتدي إليه سيكون(بقرينة المقابلة) ضالاً عنه.
فكنت كلما مرّ عليّ ذكر الحديث, أحاول أن أهتدي إلى هذا الأمر الخفيّ الذي سيهدي إليه المهديّ(عجّل الله فرجه الشّريف) ويُعرِّف ضلال النّاس عنه.
وبعد فترة من الزمن اجتمعت عندي قرائن أكدت أنّ هذا الأمر الواحد الموجود لابدّ أنْ يكون مغفولا عنه من لدن الغالب من الناس, فعن أبي عبد الله عليه السلام قال:(إذا قام القائم عليه السلام….هداهم إلى أمر قد دثر, فضل عنه الجمهور، الحديث)(6).
فحاولت أن أبحث عن العظائم التي أغفلها النّاس, فوجدت انّ كثيرا من المبادئ والاخلاقيّات بل والشّرعيات مغفولة. ولكنّني عرفت من خلال جملة من القرائن السّياقيّة وبعض المقاليّة منها أنّها ليست هي هذا الامر, ان المهديّ لابّد أن يهدي إلى أمر كبير عظيم مدثورٍ.
فقلت في نفسي لابدّ أن يكون هذا الامر ليس شرعّيا بمعنى أنّه منحصر في فئة دينّية خاصّة وليس أخلاقيّا لكثرة ما غيب من الاخلاقيات فلابُدّ أن يكونَ أمرا واحدا وإنسانيا بمعنى أنّه مغيب عند أغلب البشر وخاف عليهم لأن أمر أظهاره أنيط بالمهدي(7) الذي يهدي جميع البشر.
ثم ترقّى الأمر عندي بعد التنّقيب في مظانّ حديث أهل بيت البيان والعصمة إلى أنّ هذا الأمر المضلول عنه والمهدي إليه أمر فطريّ وجبلي عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام، قال:(إنمّا سمّي المهديّ مهديّا لأنّه يهدي لأمر خفّي ، يهدي لما في صدور النّاس)(8).
وبعد البحث في جملة مايرتبط بهذه المفردة وجدت أنّ هذا الامر المغفول عنه والمضلول فيه أشدُّ ما سيواجه المهديّ من آل محمد عليه السلام بيانه وإهداء الناس إليه, خصوصا اذا ما عرفنا أنّ زمن ظهوره سيكون في وسط اجتماعيّ مبتلٍ بمرض التّاويل كما نصّت على ذلك الروايات الشّريفة حيث اكّدت على أنّ المهدي سيواجه من النّاس اشّد من الجاهلية التي واجهها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم,ولك أنْ تتصورّ حجم ما سيواجهه المهدي عليه السلام في زمن من المفترض أن يكون فيه النّاس قد وصلوا إلى أعلى مراتب العلم والتمدن, ولكن مع ذلك تجد الروّاية تصف هولاء وما يقومون به باشدّ مما واجهه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, الذي خرج في زمن ولأناس ولا يمكن ايجاد مقايسة بين ما يحملونه من فكر جاهلي وبين ما عند من سيظهر فيهم المهدي عليه السلام, وأنه مع هذا الفارق التمدني تجد الرّواية تصف ما سيلاقيه مهديّ آل محمد من النّاس باشد ممّا لاقاه رسول الله.
ان هذا بلاء بحد نفسه ومحنة كبرى تضاف إلى محن مهدي ال محمد, بل هناك ما يكشف عن عظم هذا الامر وخطره,واليك نص الرواية حتى نبتعد عن التجريدية والتحليلية اكثر:
يقول النعماني(9):
عن الفضيل بن يسار، قال: “سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:((إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل النّاس أشدّ مما استقبله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهال الجاهليّة. قلت: وكيف ذاك؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى النّاس وهم يعبدون الحجارة والصخّور والعيدان والخشب المنحوتة، وإنّ قائمنا إذا قام أتى النّاس وكلهم يتأوّل عليه كتاب الله يحتجّ عليه به…الحديث. فتدبّر الحديث وتأمله كثيرا تجد ما ألمحنا اليه جليّا.
هذا وإذا ما فهمنا ان معنى التاويل:
وهو إرادة العام ومصداق المفهوم مما بطن عن الافهام السّاذجة, تجلى لنا الأمر أكثر في الوقوف على أهميّة هذا الأمر المضلول عنه وخطره.
وها نحن نركّز معنى التأويل الآنف الذكر بما وجدناه في الذكر الحكيم اذ يشير إلى أن التأويل لحيثية كونه غير معلوم عند الناس, بل ينحصر علمه بما لا يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم ” امكننا من خلال هذا الربط القراني الروائي الوقوف على أنّ هذا المصداق المضلول فيه والخافي بيانه عن الناس لابدّ ان يأتي تأويله في يوم من الايام وإلا لما كان لايجاده من معنى قال تعالى (هل ينظرون إلاّ تأويله يوم يأتي تأويله) اي بيانه الذي هو غايته وقد أشرنا إلى أن معنى التأويل(كذلك في اللغة) رد الشيء إلى الغاية المرادة منه, لذلك نجد(كما أكدّنا) أنّ أشد ما سيواجهه المهدي عند خروجه هو بيان حقيقة ومصداق هذا الأمر الذي سيبين تأويله للناس باعتبار أن الرواية عكست لنا جوّ الظهورِ من حيثُ انتشار التأويل الضلالي الانحرافيّ, فلذلك لن يكون سهلا قبول التأويل المهدوي والبيان المصداقي لهذا الأمر الخفي, لذا وجدنا النعماني ينقل لنا روايةً مفادها أنّ أشد ما سيواجهه المهدي تاويل الناس, فلصعوبة قبول هذا الأمر المضلول عنه وبطئ الاذعان به عكست لنا الرواية ذلك ولمحت من جهة اخرى إلى اهمية هذا الامر وخطره وشموليته.
والان لنقف على حقيقة هذا الامر وبيان هذا المصداق المهدى اليه من قبل حجّة الله في أرضه مهدي آل محمد عليه السلام.
في بحار الأنوار ج 52 – ص 342:
(ثم ينطلق أي المهدي عليه السلام فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نّبيه صلى الله عليه وآله وسلم، والولاية لعلّي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة من عدوه)
وفيه ج 52 – ص 373:
عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال:(…فإذا قام القائم عرضوا كل ناصب عليه فان أقرّ بالإسلام وهي الولاية وإلا ضربت عنقه أو أقرّ بالجزية فأدّاها كما يؤدّي أهل الذمة الخبر).فتكون الولاية هي المدار في تشخيص المؤمن من غيره
وجاء في بصائر الدرجات – لمحّمد بن الحسن الصفار – ص 97:
عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت جعلت فداك ان الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية(عما يتسائلون عن النبأ العظيم) قال, فقال ذلك إلى الي ان شئت اخبرتهم وان شئت لم اخبرهم قال فقال لكني اخبرك بتفسيرها قال فقلت عم يتسائلون, قال فقال هي في أمير المؤمنين عليه السلام قال: “كان أمير المؤمنين يقول:(ما لله آية أكبر منيّ ولا لله من نبأ عظيم أعظم منيّ ولقد عرضت ولايتي على الأمم الماضية فأبت ان تقبلها قال الراوي: قلت له(قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون) قال الإمام: هو والله أمير المؤمنين عليه السلام).
فهنا يظهر جليّا أنّ امير المؤمنين هو النبأ العظيم الذي عرضت ولايته على النّاس, ولكنّه معرض عنه ومغفول وسوف يُهدى اليه, وأنّ أشد ما سيواجهه المهدي عليه السلام من الناسّ هو هدايتهم إلى ولاية عليّ عليه السلام, لأنها أمر جديد وهو على العرب شديد.
وفي البصائر أيضاً ص97:
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:(إن ولايتنا عرضت على السماوات والأرض والجبال و الأمصار).
يظهر منه ان الولاية ليس فقط قد فطر الناس عليها بل انّها قد عرضت على الجميع.
جاء في بحار الأنوار ج 23 – ص 365:
عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله عزّوجل: فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرة الله التي فطر النّاس عليها قال: هي الولاية).
فهنا يظهر جليا ان الفطرة هي الولاية وإنها قد فطر عليها النّاس كلّهم.
وفيه كذلك عن الرضا عليه السلام، عن أبيه، عن جده عليهم السلام في قوله تعالى: ” فطرة الله التي فطر الناس عليها. قال: “هو التوحيد، ومحمّد صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله، وعليّ عليه السلام أمير المؤمنين”، إلى ههنا التوحيد.
وعنهم عليهم السلام في قوله تعالى:( وإذ اخذ ربك من بني آدم ) الآية، قال: (كان الميثاق مأخوذا عليهم لله بالربّوبيّة، ولرسوله بالنّبوة، ولأمير المؤمنين والأئمة بالإمامة).(10)
وفي الحديث: “وعلى ذلك أخذت ميثاق الخلائق ومواثيق أنبيائي ورسلي، أخذتُ مواثيقهم لي بالرّبوبيّة، ولك يا محّمد بالنّبوة، ولعليّ بن أبي طالب بالولاية”.(11)
وعن أبي عبد الله عليه السلام: في قول الله عزّ وجل:((فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها)) قال: “التوحيد ، ومحمد رسول الله وعلي أمير المؤمنين عليه السلام.(12) ”
وعن أبي الحسن عليه السلام قال: “ولاية علي مكتوبة في جميع الصحف ولن يبعث الله تعالى نبيا إلا بنبوة محمد ووصيه علي عليه السلام(13), ولم يبعث الله نبياً إلا بنبوة محمد ووصيه علي عليهما السلام.
من هذا الحديث يتضح لنا أمران:
1 _ ما هو محل بحثنا هنا, وهو أن الامر المهديُ إليه بالإمام المهدي عليه السلام امر فطري وقد أخذ عليه الميثاق بل وأنه مكتوب في جميع صحف الانبياء.
2 _ أن هناك ترابطاً بين هذا الخبر الآنف الذكر وبين الخبر الذي رواه المجلسي في بحاره عن أن المهدي يهدي لأمر خفي, ثم أعقبها بأنه يستخرج التوراة وسائر الكتب(الصحف) ويحكم بين أهل الاديان بما فيها, فهذا الخبر الذي سنذكره بعد هذه النقطة مع الخبر الذي ذكرناه آنفاً يوضح لنا قضية مفادها أن السر في إستخراج الإمام لهذه الكتب والصحف أن الإمام عليه السلام يحكم أو يحكم بما في هذه الصحف ويلزم بها من يدينونها, والذي فيها هو هذا الأمر الخفي الذي سيهدي إليه المهدي.
واليك رواية استخراج تلك الكتب:-
جاء في البحار- للعلامة المجلسي – ج 51 – ص 29:
عن أبي جعفر عليه السلام:(…إذا قام قائمنا فإنّه يقسّم بالسّوية ويعدل في خلق الرّحمان البرّ منهم والفاجر, فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن عصاه فقد عصى الله, فإنما سمي المهديّ لأنه يهدي لامر خفيّ, يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار بأنطاكية, فيحكم بين أهل التّوراة بالتّوراة ، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزّبور بالزّبور، وبين أهل الفرقان بالفرقان،.. الخبر) قال الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة في خطبة صفة خلق آدم عليه السلام -في بيان رسالة الأنبياء-: “فبعث فيهم رسله, وواتر إليهم أنبياءه, ليستأدوهم ميثاق فطرته, ويذكّرونهم منسيّ نعمته, ويحتجّوا عليهم بالتبّليغ”.
وهنا يجدر بي التّنبيه إلى أمر مهم قد يقول البعض أن فيه تطرفاً بيانياً وحياداً عن جادّة الموضوعية في البحث, حاصله ان هذا الامر يمثل في حركة الإمام المهدي الاصلاحيّة المحور من الدائرة والعلة من الظهور المهدوي الاصلاحي فحيث ان الروايات تبيّن لنا ان المهدي, انما يخرج لينشر العدل ويظهر الدين, نجدها تؤكد على أن هذا الاظهار ذو خصوصية خاصة, وذو أمر خفيّ سيهُدى اليه.
انّنا نفهم هذه الحقيقة اذا ما وقفنا على أن حقيقة الامامة في النّظام الديني هي أُسّ الإسلام وبها يقوُّم الدين ويقوُّم الانسان وهي المحرّك الاجلى لنيل الكمال المنشود, وحيث ان المهدي إنّما يخرج, ليخُرِج الناس من ظلم الجور إلى بحبوحة العدل وحكومة الدّين. وحيث أنّ هذا لا يكون إلا بدستور الأمامة لمكانتها كما هو ظاهر النصوص, ننتهي بهذا البيان إلى أن هذا الأمر المخفيّ والمغفول عنه والذي سيظهره المهدي هو إحكام الأمامة والرجوع إليها فبعد أن يقوم مهدي آل محمد ببيان المصداق الجليّ(وهو الإمام) لاخراج الناس من الظلمات إلى النور, وبعد أنْ ينجلي لدى الناس حقيقة هذا الأمر ويعطوه حقّه في سياسة العباد والبلاد, سينحسر الظلم ويرتفع الجور ويخِّيم العدل ويدب القسط في مناحي الحياة.
اذن فالنّاس لو عرفت هذا الأمر(كما هي مهمة الإمام الذي سيخرج ليعرّف الناس ويهديهم إلى هذا الامر وهو الامامة) واعطته دوره الواقعي في إدارة الكون والعباد لوصل النّاس إلى السّعادة المنشودة.(14)
من هنا نفهم حقيقة أخرى اذ يتجلى لنا معنى محورية الامامة في معرفة العدل, وأن العدل يدور معها وهي محطّ رحاله فهذا المعنى قد يكون مثاليا بعض الشيء(لمن كان بعيداً عن الادب الوجداني) لكنه إذا ما قورن بدور الائمة الواقعيّ والمعُّد لهم ربانياً سيزول هذا التوهم بالرمي بالتطرف والحديث المثالي عن الامامة خصوصاً مع البيان السّابق الذي يظهر الرّبط الجلّي بين كونهم العدل المشتهر وبين كون هذا العدل لايتم الابهم.
فخلاصة ما تبيّن سابقا يمكن ان ينقّط في ثلاثة امور هي:
1- انّ هذا الأمر المغفول عنه أمر موجود وعام وفطري, ولا يمنع من فطريته وعمومّيته غفلة الناس عنه.
2- ان هذا الامر من أشد ما سيواجهه المهدي عليه السلام عند خروجه بسبب جاهلّية التأويل.
3- ان عّلة أدخار المهدي وتسميته بالمهدي لإنّه يهدي إلى هذا الأمر الخفيّ, فعلّة تسمية المهديّ بالمهديّ وتلقيبه بهذا اللّقب هو لأنه سيهدي للرقي ويكتنف هذا مصاعب جّمة رغم فطريّته, لذلك كان آخر أمر في حركة البشريّة هو إعطاء هذا الأمر اهميتّه ودوره الرياديّ للأرتقاء بالبشرية في سلّم الكمال إلى مستواها المطلوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهذا الأمر غير مختص بفئة من البشر دون اخرى بل سيظهر أنه علة العدل العالمي ومحور إنتشار القسط الرباني فلا يقال ان البحث ها هنا يضيق دائرة المهدوية بفئة دون غيرها.
(2) علل الشرائع للشيخ الصدوق الجزء الاول ص161.
(3) الارشاد للشيخ المفيد الجزء الثاني ص383 سيرة القائم عند قيامه.
(4) ولا يقال انه يهدي إلى العدل فإنه فضلاً عن تسليط الضوء عليه ومعروفيته لدى القاصي والداني فهو لا يكاد يتحقق إلا بالأمر الخفي الذي سيهدي اليه المهدي كما ستقف عليه.
(5) وهذا لا يعني انعدام الفائدة من الظهور المبارك لولي الله الأعظم عند هذه الثلة المهتدية بل ان كمال المعرفة وكمال الأنقياد سيتجلى لهم بأتم صورة وأنصع بيان وفي هذا ما لا يخفى من الفوائد الجمّة على سير الحركة التكاملية لهذه الثلة المهتدية, وليس معنى إهتدائهم إلى قبس من هذا النور الشعشعاني عدم انوجاد الجديد بالظهور عندهم, فليس الظهور أمر مستدركاً لهم لما ذكر ولما خفي عنا وهو كثير, قد إختص الله تعالى به نفسهُ وأولياءه.
(6) الارشاد الشيخ المفيد الجزء الثاني ص383.
(7) ان البحث قائم على اساس دراسة صفة واحدة من صفات الإمام المهدي عليه السلام, وهي لماذا سمي المهدي مهدياً, اما غيرها من الصفات فهي تقتضي اشياء اخرى فمثلا صفة القائم أو لقب القائم لانه يقوم بالعدل والقسط والى آخره, لذلك اقتضى التنويه.
(8) دلائل الامامة لمحمد بن جرير الطبري(الشيعي) ص466.
(9) في الغيبة ص307.
(10) مختصر بصائر الدرجات ص167.
(11) بحار الأنوار ج15 ص18.
(12) بصائر الدرجات ص98.
(13) المحتضر حسن بن سليمان الحلي ص211.
(14) ان الوصول إلى العادة يحتاج إلى معرفتها حقيقة, ومعرفة الطريق الموصل اليها ومعرفة الواسطة في الأيصال, وتحكيم الواسطة في تسليم القياد لها لكي تتمكن من ايصال الفرد اليها.