البطالة والفقر ناقوس خطر
لكل إنسان في هذه الحياة حاجات ومستلزمات يسيّر بها أموره، وكلما سهل عليه تلبية هذه الحاجات كان أقرب إلى الاستقامة، وإذا صعب عليه تلبية حاجاته الضرورية فإنه يكون أقرب للانحراف لأن حاجاته قد تدفعه لسلوك سيئ لتوفير متطلبات حياته.
إن مختلف الأنظمة والتشريعات تحاول أن تكفل للإنسان سبل الوصول إلى حاجاته في هذه الحياة، لعلمها بأن ذلك قد يحدو بالإنسان إلى السير في طرق الفساد، والإسلام بتشريعاته، وخصوصًا في المجال الاقتصادي، يريد أن يؤمّن حاجات الناس ويوفر لكل إنسان حاجاته أو على الأقل الحد الأدنى من حاجاته. الإسلام يحذر، كما يحذر العقلاء والمفكرون من أن وجود الفقراء والمعوزين الذين لا تتوافر لهم احتياجات حياتهم يفقد المجتمع أمنه واستقراره. يقول الامام علي(ع) : «لا تلم إنسانًا يطلب قوته»، فمن لا يقدر على ذلك يكن مرشحًا لأن تصدر منه الأخطاء والجرائم «فمن عدم قوته كثرت خطاياه»، والإمام هنا يعطي وصفًا للحالة والنتائج المتوقعة، ولا يعني ذلك القبول والتشريع.
على المجتمعات أن تفكر في أن الإجرام له جذور من أهمها البطالة والفقر. قد يتحمل الإنسان الفقر في بلد فقير، ولكن إذا كان البلد ثريًا وهو يرى هدر الأموال والثروات، ويرى نفسه بلا مسكن وبلا عمل، عندها تصبح أبواب الإجرام مفتوحة له على مصاريعها.
قبل أيام منّ الله تعالى على أحد الشباب بالهداية، فأتى أحد العلماء كي يعطي الحق الشرعي لكنه قال للعالم: لقد كنت في الماضي عاطلًا عن العمل، وكنت أعيش الفقر والحاجة، فانخرطت في سلك الإجرام والسرقة، وفي ذمتي أموال للآخرين، فكيف أعيد لهم المال؟ هل أقول لهم هذا ما سرقته منكم؟ الشاهد هنا أن الفقر سبّب انخراطه في السرقة.
سمعنا ما حصل من انتفاضة في تونس قبل أيام من قبل العاطلين عن العمل، والجمهور المتعاطف معهم، وكانت الشرارة أن شابًا جامعيًا في منطقة (سيدي بوزيد) صار يبيع الخضار بسبب عدم توافر الوظيفة المناسبة، وجاءه ذات يوم أحد موظفي البلدية يمنعه من بيع بضاعته، ثم قام بنثر البضاعة وصفع الشاب على وجهه. عاد الشاب إلى بيته محبطًا وقرر أن ينتحر وجاء أمام المحافظة وأشعل النار في جسمه أمام الناس.
الانتحار ليس مشروعًا ولكن سبب انتحاره هو فقره. وبعد أيام انتحر شاب آخر في تونس أيضًا وقد صرخ بأعلى صوته وهو يمسك سلكًا كهربائيًا: «كفاية بطالة كفاية فقر».
المشكلة لا تخص تونس وحدها، ففي الجزائر مظاهرات واحتجاجات مشابهة، وكل البلاد العربية تعيش على بركان ثائر، وتقارير منظمة العمل العربية تشير إلى أن أزمة البطالة منتشرة في الوطن العربي وأن نسبتها تصل إلى ۱۴ في المئة ويعني ذلك وجود ۱۷ مليون عاطل عن العمل. أوليس هذا مجال لتكون خلايا الإرهاب والإجرام؟
إذا كان الإنسان في بلد فقير فقد يتحمل ذلك لان أغلب الناس مثله، ولكن ما حال من يعيش في بلد غني، في المملكة العربية السعودية يوجد ثمانية مليون ونصف المليون من العمالة الأجنبية يعملون في البلد، بينما نجد أبناء البلد عاطلين عن العمل؟ لسنا ضد العمالة الأجنبية فهم أتوا بحثًا عن قوتهم، وهذا حق مشروع، ولكن نتساءل كيف لا يتوافر العمل للمواطن؟ ومن المسؤول؟
الجهة الأولى هي السياسات الاقتصادية حيث تمنح تأشيرات بشكل غير منظم، والأخرى هو القطاع الخاص حيث تشتد فيه الأنانية وعدم التقدير، يريد من ابن البلد أن يقبل براتب الأجنبي مع فارق الظروف المعيشية، كما أن ما يستلمه المواطن يعزز اقتصاد البلد، بينما الأجنبي يعزز اقتصاد بلده، في العام المنصرم صدّرت العمالة الأجنبية إلى بلادها ۹۰ مليار ريال! الأمر الآخر هو دور الأهل في تأهيل أبنائهم لسوق العمل.