شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

حالة سبايا أهل البيت (ع) حين دخولهم المدينة

0 المشاركات 00.0 / 5

كيف حالة وصفة سبايا أهل البيت (ع) عند دخولهم المدينة المنورة، بعد خروجهم منها بعز ووقار وهم مع الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه، فزينب (س) تنعى الحسين (ع) عند مسجد الرسول (ص)، ونساء بني هاشم لبسن السواد وأقمن العزاء على الحسين (ع)، ورثته أم البنين وعاتكة بنت زيد، وبكاه وحزن عليه الإمام زين العابدين (ع) طوال حياته.

 

صفة حالة السبايا

يصف الشيخ ابن نما الحلّي الحالة بقوله: «ثم دخل زين العابدين (ع) وجماعته دار الرسول (ص) فرآها مقفرة الطلول، خالية من سكانها، خالية بأحزانها، قد غشيها القدر النازل، وساورها الخطب الهائل، وأطلّت عليها عذابات المنايا، وأظلّتها جحافل الرزايا، وهي موحشة العرصات، لفقد السادات…»[1].

وقال السيد محمد بن أبي طالب الكركي: «وشاهد صلوات الله عليه منازل أحبّائه مظلمة لوحشتها، مقفرة لخلوتها، فكأني بلسان حاله قد ناجاها وببيان مقاله ناداها: يا أيتها المنازل التي غابت عنها حماتها، وغيرت صفاتها، وحلّت مرابعها، وأقوت مجامعها، حزني لفقد عمارك سرمد، ووجدي لبعد سمائك لا ينفد، وأنباء مصيبتهم ترسل عبراتي، وأحاديث محنتهم تهيج حسراتي، وديارهم الخالية تحرق قلبي، وربوعهم الخاوية تذهل لبي، وكيف لا يقدح زند الفراق نار الاشتياق في جوانحي وأحشائي، ويفرغ فرط الغرام ثوب السقام على جوارحي وأعضائي…»[2].

 

حالة المدينة بعد دخول حرم الحسين (ع)

قال الخوارزمي: «قالوا: ولما دخل حرم الحسين (ع) المدينة عجت نساء بني هاشم، وصارت المدينة صيحة واحدة…»[3].

وقال ابن فتال النيسابوري: «… حتى دخلوا المدينة، فلم يسمع واعية مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن علي»[4].
رثاء امرأة من بنات عبد المطلب

روى ابن الجوزي بإسناده عن عمار الدهني، عن أبي جعفر قال: «[لما] قدموا المدينة خرجت امرأة من بنات عبد المطلب ناشرة شعرها واضعة كمها على رأسها تلقاهم وتقول:

ماذا تقولون إن قال النبي لكم ** ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي ** منهم أُسارى وقتلي ضرجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم ** أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي»[5].
عند مسجد الرسول (ص)

قال العلامة المجلسي: «روي في بعض مؤلفات أصحابنا: قال الراوي: وأما زينب فأخذت بعضادتي باب المسجد، ونادت: (يا جداه، إنّي ناعية إليك أخي الحسين)، وهي مع ذلك لا تجف لها عبرة، ولا تفتر من البكاء والنحيب، وكلما نظرت إلى علي بن الحسين تجدد حزنها، وزاد وجدها»[6].
لبس السواد وإقامة المأتم

روى البرقي بإسناده عن عمر بن علي بن الحسين، قال: «لما قتل الحسين بن علي لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح، وكنّ لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان علي بن الحسين يعمل لهن الطعام للمأتم»[7].
مكافأة الحرس

لقد شكرت العلويات كل الذين قاموا برعايتهنّ من الشام حتى المدينة، قال الشبلنجي: «وكان الرجل الحارس يسألهم عن حالهم ويتلطف بهم في جميع أمورهم، ولا يشق عليهم في مسيرهم إلى أن دخلوا المدينة.

فقالت فاطمة بنت الحسين لأختها سكينة: قد أحسن هذا الرجل إلينا، فهل لك أن تصليه بشيء؟ فقالت: والله ما معنا ما نصله به إلا ما كان من هذا الحلي، قالت: فافعلي، فأخرجنا له سوارين ودملجين وبعثا بهما إليه فردّهما، وقال: لو كان الذي صنعته رغبة في الدنيا لكان في هذا مقنع بزيادة كثيرة، ولكنّي والله ما فعلته إلا الله، ولقرابتكم من رسول الله (ص)»[8].

ولكن الإمام زين العابدين (ع) كافأ بعضهم بأحسن ما يمكن وفوق ما يتصوّر.

روى الطبري الإمامي بإسناده عن أبي نمير علي بن يزيد، قال: «كنت مع علي بن الحسين عندما انصرف من الشام إلى المدينة، فكنت أحسن إلى نسائه وأتوارى عنهم عند قضاء حوائجهم، فلما نزلوا المدينة بعثوا إلي بشيء من حليهن فلم آخذه، وقلت: فعلت هذا الله عزّ وجلّ ولرسوله فأخذ علي بن الحسين لا حجراً أسود أصمّاً، فطبعه بخاتمه، ثمّ قال: خذه وسل كل حاجة لك منه، فوالله الذي بعث محمّداً بالحق لقد كنت أسأله الضوء في البيت فينسرج في الظلماء، وأضعه على الأقفال فتفتح لي، وآخذه بين يدي السلاطين فلا أرى إلا ما أحبّ»[9].
هدم بيوت تتعلق بأسرة الحسين (ع)

ومما يكشف القناع عن سياسة القمع الأموي ما ارتكبوه من هدم لبعض البيوت التي تتعلق بأسرة أبي عبد الله (ع).

قال القاضي نعمان: «وروي عن جعفر بن محمد (ع) أنه قال: وكفّ يزيد عن أموال الحسين، غير أن سعيد بن العاص هدم دار علي بن أبي طالب، ودار عقيل ودار الرباب بنت امرئ القيس وكانت تحت الحسين، وهي أُمّ سكينة»[10].

وهذا هو تأييد آخر لما هو مسلّم في التاريخ، وركزنا عليه وأكدناه مراراً وقلنا إن ما هو يظهر من بعض الكتب من إظهار يزيد الحزن على ما وقع لم يكن إلا كذباً ونفاقاً وزوراً، وإلا فلماذا هذا الفعل الشنيع؟
إقامة العزاء على الحسين (ع)

روى القاضي نعمان عن الإمام جعفر بن محمد (ع) أنه قال:

«نيح على الحسين بن علي سنة كاملة كل يوم وليلة، وثلاث سنين من اليوم الذي أُصيب فيه، وكان المسور بن مخرمة وأبو هريرة وتلك المشيخة من أصحاب رسول الله (ص) يأتون مستترين ومقنعين، فيسمعون ويبكون»[11].

وهذا الخبر يدل على مدى حزن الهاشميين واهتمامهم بعزاء سيد الشهداء (ع)، بحيث حزنوا كأشدّ ما يكون الحزن واللوعة، واستمروا على ذلك، إبقاء لذكر أبي عبد الله واستمراراً لنهجه .
نوح الجن

قال الزرندي: «روى جعفر بن محمد عن أبيه (ع) قال: نيح على الحسین بن علي ثلاث سنين، وفي اليوم الذي قتل فيه، فكان وائلة بن الأصقع ومروان بن الحكم ومسور بن مخرمة وتلك المشيخة من أصحاب رسول الله (ص) يجيئون متقنّعين فيسمعون نوح الجن ويبكون»[12].
رثاء أم البنين

روي عن صاحب رياض الأحزان أنه قال: «وأقامت أُمّ البنين زوجة أمير المؤمنين العزاء على الحسين، واجتمع عندها نساء بني هاشم يندبن الحسين وأهل بيته»[13].

قال أبو الفرج الإصفهاني: «وكانت أُمّ البنين تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي!»[14].

وقال أبو الحسن الأخفش في شرح الكامل: «وقد كانت تخرج إلى البقيع كل يوم ترثيه، تحمل ولده (أي ولد العباس) عبيد الله، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة وفيهم مروان بن الحكم، فيبكون لشجى الندبة.

ومن قولها رضي الله عنها:

لا تدعوني ويك أم البنين ** تذكريني بليوث العرين

كانت بنون لي أدعى بهم ** قد واصلوا الموت بقطع الوتين

تنازع الخرصان أشلاءهم ** فكلهم أمسى صريعاً طعين

ياليت شعري أكما أخبروا ** بأن عباساً قطيع اليمين»[15].
حزن وبكاء الرباب بنت امرئ القيس ورثاؤها

لقد حزنت الرباب زوجة الإمام الحسين (ع) حزناً بالغاً، ووجدت عليه وجداً شديداً، وقد أبدت من الوفاء شيئاً غريباً.

قال ابن الأثير: «وكان مع الحسين امرأته الرباب بنت امرئ القيس، وهي أُمّ ابنته سكينة، وحملت إلى الشام فيمن حمل من أهله، ثم عادت إلى المدينة، فخطبها الأشراف من قريش، فقالت: ما كنت لأتخذ حمواً بعد رسول الله (ص)، وبقيت بعده سنة لم يظلّها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً»[16].

وقال ابن كثير: «ولما قتل الحسين (ع) بكربلاء كانت (رباب) معه فوجدت عليه وجداً شديداً… وقد خطبها بعده خلق كثير من أشراف قريش، فقالت: ما كنت لأتخذ حمواً بعد رسول الله (ص)، ووالله لا يؤويني ورجلاً بعد الحسين سقف أبداً، ولم تزل عليه كمدة حتى ماتت. ويقال: إنها عاشت بعده أياماً يسيرة، فالله أعلم»[17].

وذكر بعض المؤرخين أنها رثته رثاء حزيناً فقالت فيه:

«إن الذي كان نوراً يستضاء به ** بكربلاء قتيل غير مدفون

سبط النبي جزاك الله صالحة ** عنا وحبيت خير الموازين

قد كنت جبلاً صعباً ألوذ به ** وكنت تصحبنا بالرحم والدين

من لليتامى ومن للسائلين ومن ** يغني ويأوي إليه كلّ مسكين

والله لا أبتغي صهراً بصهركم ** حتى أغيب بين الرمل والطين»[18].
رثاء عاتكة بنت زيد

قيل: إنه بلغ من وفاء أزواج الإمام الحسين (ع) أن زوجته السيدة عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تنوح عليه، وقد رثته بذوب روحها قائلة:

«واحسيناً فلا نسيت حسينا ** أَقْصَدَتْه أسِنَّةُ الأعداء

غادروه بكربلاء صريعاً ** لا سقى الغيثُ بعده كربلاء»[19].

هذا، ولكن نسبت هذه الأبيات – مع تفاوت يسير ـ إلى رباب زوجة الإمام الحسين، وأنها رثت بها الحسين (ع) في الشام بعدما أخذت رأسه وقبلته ووضعته في حجرها وقالتها[20].
أُمّ سلمة تردّ الأمانات إلى أهلها

روى الشيخ الكليني بإسناده عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (ع) قال: «إن الحسين صلوات الله عليه لما صار إلى العراق استودع أُمّ سلمة رضي الله عنها الكتب والوصية، فلما رجع علي بن الحسين دفعتها إليه»[21].

وقال المسعودي: «فلما قرب استشهاد أبي عبد الله (ع) دعاه (أي علي بن الحسين)، وأوصى إليه، وأمره أن يتسلّم ما خلّفه عند أم سلمة ـ رحمها الله – مع مواريث الأنبياء والسلاح والكتاب»[22].

وهذا أيضاً مما يدلّ على مدى جلالة وعظمة أُمّ سلمة رضوان الله عليها، بحيث إنها كانت مؤتمنة عند الرسول وآله إلى آخر أيام حياتها، والأشياء التي حفظتها هي الأشياء التي لابد أن تكون عند حجّة الله في الأرض في كل زمان.
فاطمة بنت الحسين (ع) ترد الأمانات إلى أهلها

روى الشيخ الكليني بإسناده عن أبي الجارود، عن أبي جعفر قال:

«إن الحسين بن علي لما حضره الذي حضره دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين، فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصية ظاهرة، وكان علي بن الحسين مبطوناً معهم لا يرون إلا أنه لما به، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين، ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا يا زياد.

قال: قلت: ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك؟ قال:

فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدُّنيا، والله إن فيه الحدود، حتى أن فيه أرش الخدش»[23].

ويبدو أن هذه غير الأمانات التي قامت بردّها أُم سلمة، فيظهر أن الإمام (ع) قسم الأمانات والوصية وبعض المواريث إلى قسمين، فجعل بعضها بيد ابنته فاطمة، والآخر بيد أُمّ سلمة، لكي يسلّماهما من بعده إلى حجة الله في أرضه. هذا وعقولنا قاصرة عن إدراك ذلك تفصيلاً.
استمرار بكاء وحزن الإمام زين العابدين (ع)

روى الشيخ الصدوق عن جعفر بن محمد الصادق (ع) أنه قال:

«البكاءون خمسة آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد، وعلي بن الحسين، فأما آدم فبكى على الجنّة حتى صار في خديه أمثال الأودية، وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره، وحتّى قيل له: (تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ)[24].

وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن، فقالوا: إما أن تبكي بالنهار وتسكت بالليل، وإما أن تبكي بالليل وتسكت بالنهار، فصالحهم على واحد منهما، وأمّا فاطمة بنت محمد (ص) فبكت على رسول الله (ص) حتى تأذى بها أهل المدينة، وقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء، فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف.

وأما علي بن الحسين فبكى على الحسين عشرين سنة أو أربعين سنة، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتّى قال له مولى له: جعلت فداك يابن رسول الله، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنّما أشكو بنّي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما لا تعلمون، إنِّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة»[25].

وقال السيد ابن طاووس: «فاسلك أيها السامع بهذا المصاب مسلك القدوة من حملة الكتاب، فقد روي عن مولانا زين العابدين (ع) ـ وهو ذو الحلم الذي لا يبلغ الوصف إليه ـ أنّه كان كثير البكاء لتلك البلوى، عظيم البثّ والشكوى، فروي عن الصادق (ع) أنه قال: إن زين العابدين بكى على أبيه أربعين سنة، صائماً نهاره، قائماً ليله، فإذا حضره الإفطار جاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه، فيقول: كُل يا مولاي فيقول: قتل ابن رسول الله جائعاً، قتل ابن رسول الله عطشاناً، فلا يزال يكرّر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه، ويمتزج شرابه منها، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عزّوجل»[26].
دور الإمام زين العابدين (ع) في استمرار الرسالة

إن الإمام (ع) قد أدّى في دوره بأحسن ما يمكن بالنسبة إلى استمرار الرسالة الحسينية وتثبيت دعائمها وثمرتها وتربية النفوس عليها، وذلك بعدة أمور:
1ـ تثبيت أمر الإمامة

إن السلطة الغاشمة والزمرة الحاكمة أرادت وأحبت أن ترى انخماد كل شيء بعد مقتل الحسين (ع)، ولكن الإمام (ع) بدوره أثبت أن الإمامة أمر خارج عن نطاق إرادة البشر، وأنها أمر إلهي يلازمها لطف رباني وعناية ربّانيّة مخصوصة، وبذلك يحمل ما جرى بينه (ع) وبين عمه محمد ابن الحنفية[27].
2ـ تربية الناس

إن الإمام (ع) بما أنه يمتلك قوة وموهبة إلهية، فقد قام بتربية الناس، وذلك عبر كلماته ومواعظه التي ربما كانت تلقى في يوم الجمعة وفي مسجد رسول الله، ومعلوم أن حضور الناس في يوم الجمعة يختلف عما سواه.

روى ورام بن أبي فراس عن سعيد بن المسيب أنه قال: «كان علي بن الحسين يعظ الناس ويزهدهم في الدُّنيا ويرغبهم في الآخرة بهذا الكلام في كل جمعة في مسجد الرسول»[28].
3ـ بثّ المعارف الإلهية

لما كان الإمام (ع) يعيش في ظروف سياسية شاقة جداً، فمن الطبيعي أنه ما كان يسعه أن يحضر الساحة بالنحو المطلوب، ولذلك نرى أنه (ع) قدم ثروة علمية عظيمة في قالب الدعاء، وهو يعالج أموراً عديدة في جوانب مختلفة كالمجال التربوي والعرفاني والاجتماعي والسياسي .
4ـ الإمام ومسألة أخذ الثأر من قتلة الإمام

إن المتتبع في التاريخ ربما يحصل على قرائن وشواهد عديدة على قيادة الإمام مسألة أخذ ثأر قتلة الإمام الحسين (ع)، وتفصيل ذلك خارج عن عهدة هذا المقال، بل إننا نجد أنه كان يهتم في هذه المسألة في دعائه المستمر ليلاً ونهاراً.

ومما يدل على مدى تأثير الإمام (ع) وهو ملاحظة ردود فعل السلطة، نذكر بعضها:
1ـ إيذاؤهم له وشتمه على المنبر

ذكر سبط ابن الجوزي عن ابن سعد أن والي المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي كان يؤذي علي بن الحسين ويشتم علياً على المنبر وينال منه[29].

وقال القاضي نعمان: «وولي هشام بن إسماعيل المخزومي المدينة، فنال علي بن الحسين (ع) من الأذى والمكروه عظيماً»[30].

وهكذا كان دأب سائر الولاة، وإن كانت تختلف أحياناً شدّةً وضعفاً.
2ـ قصد قتل الإمام أو سمه

روى الطبري الإمامي بإسناده عن إبراهيم بن سعد قال: «لما كانت واقعة الحرّة وأغار الجيش على المدينة وأباحها ثلاثة وجه بَرْدَعَة الحمار صاحب يزيد بن معاوية (لعنه الله) في طلب علي بن الحسين (ع) ليقتله أو يسمه…»[31].
دور زينب الكبرى (س) في استمرار الرسالة

لم تترك زينب الكبرى هذه الرسالة إلى آخر حياتها، لذا كان لها مواقف بطولية في مواطن عديدة، ومن تلك المواطن هي المدينة المنوّرة، فقد أخذت بدورها العظيم تجاه هذه المأساة بحيث إنّها كانت تحرّض الناس على أخذ ثأر الحسين، وخطبت بالناس في ذلك، وأثرت، بحيث لم تتمكن السلطة أن تتحمّل وجودها بالمدينة، وقامت بنفيها عنها.

والمستفاد من بعض النصوص أن يزيد لعنه الله هو الذي أشار بنقلها عن المدينة، فقد رُوي عن عبيد الله بن أبي رافع أنه قال: «سمعت محمداً أبا القاسم بن علي يقول: لما قدمت زينب بنت علي من الشام إلى المدينة مع النساء والصبيان ثارت فتنة بينها وبين عمرو بن سعيد الأشدق والي المدينة من قبل يزيد، فكتب إلى يزيد يشير عليه بنقلها من المدينة، فكتب له بذلك، فجهزها هي ومن أراد السفر معها من نساء بني هاشم إلى مصر، فقدمتها لأيام بقيت من رجب»[32].

وهذا يدل على مدى تأثير زينب الكبرى (س) في المجتمع، بحيث أحست الزمرة الفاسدة الحاكمة بالخطر، وقامت بنفيها عن المدينة.

الاستنتاج

أن سبايا أهل البيت (ع) بعد دخولهم المدينة المنورة، شاهدوا بيوت أحبائهم خالية مظلمة موحشة، فعجّت نساء بني هاشم بالبكاء والنحيب ولبسن السواد وأقمن العزاء على الحسين (ع)، ورثته أم البنين وعاتكة بنت زيد، وامرأة من بنات عبد المطلب، وبكاه وحزن عليه الإمام زين العابدين (ع) طوال حياته، وكان للإمام زين العابدين (ع) دور في استمرار الرسالة.

الهوامش

[1] ابن نما الحلّي، مثير الأحزان، ص114.

[2] المجدي، تسلية المجالس، ج2، ص464.

[3] الخوارزمي، مقتل الخوارزمي، ج2، ص76.

[4] فتّال النيشابوري، روضة الواعظين، ج1، ص192.

[5] ابن الجوزي، الرد على المتعصب العنيد، ص51.

[6] المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص198، ح37.

[7] البرقي، المحاسن، ص420.

[8] الشبلنجي، نور الأبصار، ص132.

[9] الطبري، دلائل الإمامة، ص201، ح119.

[10] القاضي المغربي، شرح الأخبار، ج3، ص269، ح1173.

[11] القاضي المغربي، دعائم الإسلام، ج1، ص227.

[12] الزرندي، نظم درر السمطين، ص224.

[13] ریاض الأحزان، ص60، على ما في هامش شرح الأخبار، ج3، ص186.

[14] الإصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص90.

[15] شرح الكامل على ما في هامش شرح الأخبار، ج3، ص186.

[16] ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص88.

[17] ابن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص212.

[18] أنظر: الإصفهاني، الأغاني، ج16، ص147.

[19] الحموي، معجم البلدان، ج4، ص505، رقم 10176.

[20] تاريخ الفرماني على ما في هامش شرح الأخبار، ج3، ص178.

[21] الكليني، الكافي، ج1، ص242.

[22] المسعودي، إثبات الوصية، ص145.

[23] انظر: المسعودي، إثبات الوصية، ص142

[24] يوسف، 85.

[25] الصدوق، الخصال، ص272، ح15.

[26] ابن طاووس، اللهوف، ص233.

[27] أنظر: الطبرسي، الاحتجاج، ج2، ص147، وص151.

[28] ابن أبي فراس، تنبيه الخواطر، ص366.

[29] ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص328.

[30] القاضي المغربي، شرح الأخبار، ج3، ص260، ح1162.

[31] الطبري، دلائل الإمامة، ص198، ح112.

[32] العبيدلي، أخبار الزينبات، ص117.

مصادر البحث

1ـ ابن أبي فراس، ورّام، تنبيه الخواطر ونزهة الخواطر، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثانية، 1368 ش.

2ـ ابن الأثير، علي، الكامل في التاريخ، بيروت، دار صادر، طبعة 1386 ه‍.

3ـ ابن الجوزي، عبد الرحمن، الردّ على المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد، تحقيق محمّد كاظم المحمودي، قم، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، الطبعة الأُولى، 1435 ه‍.

4ـ ابن الجوزي، يوسف، تذكرة الخواص، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الأُولى، 1418 ه‍.

5ـ ابن طاووس، علي، اللهوف في قتلى الطفوف، قم، أنوار الهدى، الطبعة الأُولى، 1417 ه‍.

6ـ ابن كثير، إسماعيل، البداية والنهاية، تحقيق علي شيري، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأُولى، 1408 ه‍.

7ـ ابن نما الحلّي، محمّد، مثير الأحزان، النجف، منشورات المطبعة الحيدرية، طبعة 1369 ه‍.

8ـ الإصفهاني، أبو الفرج، الأغاني، بيروت، دار إحياء التراث العربي، بلا تاريخ.

9ـ الإصفهاني، أبو الفرج، مقاتل الطالبيين، قم، مؤسّسة دار الكتاب، الطبعة الثانية، 1385 ه‍.

10ـ البرقي، أحمد، المحاسن، تصحيح وتعليق جلال الدين محدّث، قم، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثانية، 1371 ه‍.

11ـ الحموي، ياقوت، معجم البلدان، بيروت، دار إحياء التراث العربي، طبعة 1399 ه‍.

12ـ الخوارزمي، الموفّق، مقتل الحسين (ع)، تحقيق محمّد السماوي، قم، أنوار الهدى، الطبعة الثانية، 1423 ه‍.

13ـ الزرندي، محمّد، نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين، مكتبة الإمام أمير المؤمنين (ع) العامّة، الطبعة الأُولى، 1377 ه‍.

14ـ الشبلنجي، مؤمن، نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار (ص)، قم، منشورات الشريف الرضي، الطبعة الأُولى، 1380 ه‍.

15ـ الصدوق، محمّد، الخصال، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، قم، مؤسّسة النشر الاسلامي، طبعة 1403 ه‍.

16ـ الطبرسي، أحمد، الاحتجاج، النجف، دار النعمان، طبعة 1386 ه‍.

17ـ الطبري، دلائل الإمامة، محمّد، قم، مؤسّسة البعثة، الطبعة الأُولى، 1413 ه‍.

18ـ العبيدلي، يحيى، أخبار الزينبيات، تحقيق فارس حسون كريم، طبعة 1428 ه‍.

19ـ فتّال النيشابوري، محمّد، روضة الواعظين وبصيرة المتعلّمين، قم، انتشارات الشريف الرضي، الطبعة الثانية، 1375 ش.

20ـ القاضي المغربي، النعمان، دعائم الإسلام، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي، القاهرة، دار المعارف، 1383 ه‍.

21ـ القاضي المغربي، النعمان، شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار (ع)، تحقيق محمّد الجلالي، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1414 ه‍.

22ـ الكليني، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388 ش.

23ـ المجدي، محمّد، تسلية المُجالس وزينة المَجالس، تحقيق فارس حسّون كريم، قم، مؤسّسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأُولى، 1418 ه‍.

24ـ المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه‍.

25ـ المسعودي، علي، إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب، قم، انتشارات انصاريان، الطبعة الأُولى، 1417 ه‍.

مصدر المقالة

الشاوي، علي، مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة، قم، مركز الدراسات الإسلامية، طبعة 1421 ه‍.

مع تصرف بسيط.
 

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية