وَالقَطيعَةَ بِالبِرِّ وَالجَزَعَ بِالصَبْرِ وَالهُدى بِالضَّلالَةِ وَالكُفْرَ بِالايمانِ . (وفي المصباح: أو الضلالة بالهدي) (1) .
أقول: هذا الدعاء يحتوي على مضامين عالية وراوية وهو عبد الرحمن بن سيابة أوصاه الصادق عليهالسلام بوصيّة نافعة، يجدر ذكرها: روى عبد الرحمن بن سيابة، قال: لما توفي أبي سيابة أتانا بعض أخلاّ ئه فقرع باب الدار، فخرجت إليه. فعزّاني، ثم سأل هل أورثكم أبوكم شَيْئاً من المال، قلت لا، فناولني كيسا فيه ألف درهم وأوصاني بالمحافظة عليه والاتجار به والارتزاق من ربحه، فابتهجت ومضيت إلى أمي فحدثتها بذلك ثم توجّهت آخر النهار إلى بعض أصدقاء أبي أناشده أن يعيّن لي عملاً من الاعمال، فاختار لي الاتجار بالثياب السابرية، وابتاع لي منها فعينت حانوتا أباشر فيه عملي، فرزقني الله تعالى من ذلك العمل خيراً كَثِيراً، فلما آن أوان الحج وددْت أن أحج فأتيت أمي أخبرها عن قصدي فأشارت عليَّ برد الألف درهم إلى صاحبه.
قال عبد الرحمن: فأعددتها ورددتها إليه فابتهج لذلك كأني قد وهبته الدراهم، وقال لي لعلّها كانت قليلة لم تكفك، فإن شئت زدتك فأخبرته أني قد رمت الحج، ولذلك رددت الدراهم فرحلت إلى مكة وأديت الحجّ، ثم عدت إلى المدينة، وتوجهت إلى الصادق عليهالسلام مع عصبة من الناس، وكان عليهالسلام في تلك الاوان يأذن للنّاس عامّة، فجلست في آخر القوم وكنت حينذاك شابا فأخذ الناس في السؤال عنه، فكان عليهالسلام يجيب على أسئلتهم فينصرفون فجلست حتى قلّوا فأشار عليهالسلام إلى فدنوت منه، فقال: هل لك حاجة؟ قلت: جعلت فداك، أنا عبد الرحمن بن سيابة فسأل عن والدي، فقلت قد توفي، فتوجع وترحّم، فقال: وهل أورثكم شَيْئاً؟ قلت: لا. قال: فكيف تسنّى لك الحج فأخذت أحدثه عليهالسلام بأمر الدراهم. قال عبد الرحمن: فلم يدعني أنتهي من حديثي وقاطعني عليهالسلام قائلاً: إنك قد أتيت حاجا فماذا صنعت بالمال الذي أخذته من الرجل؟ قلت له رددته إليه، فقال: قد أحسنت ثم قال: ألا أوصيك بوصية؟ قلت: بلى. قال: عليك بالصدق وأداء الأمانة حتى تشارك الناس في أموالهم، هكذا، وجمع بين إصبعيه أي إذا لازمت الصدق في قولك، فاجتنبت الكذب ووفيت بالوعد والدين، في الموعد المقرر لأدائه ولم تأكل أموال الناس بالباطل، دفعوا إليك ما طلبت فتكون بذلك شريكا لهم في أموالهم. قال عبد الرحمن: فحفظت الوصية عنه عليهالسلام أي
_________________
1 - الكافي 2 / 590 - 592 ح 31.