وَبِالمُؤْمِنينَ إخْوانا وَبِالكَعْبَةِ قِبْلَةً . لم يجمع الله بينه وبين الكفّار في جهنم (1) .
أقول: يستفاد من آيات وأحاديث كثيرة أنّ المسلم عليه أن يجتنب عن مودّة الكفار، والتحابب والميل إليهم، والتشبّه بهم وسلوك طريقهم. قال الله تعالى: ( قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرَأؤُاْ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله وَبَداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ العَداوَةُ وَالبَغْضاءُ أَبَداً ) (2) .
وروى الصدوق عن الصادق عليهالسلام قال: أوحى الله إلى نبي من الأنبياء، قل للمؤمنين: لا تلبسوا لباس أعدائي ولا تطعموا مطاعم أعدائي ولا تسلكوا مسالك أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي (3) . ولذلك نرى المنع في كثير من الأحاديث عن أعمال خاصّة اجتنابا عن التشبّه بالكفار. كما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله قال: حُفّوا الشوارب واعفوا اللحى ولا تتشبهوا بالمجوس واليهود (4) .
وقال أيضا: إنّ المجوس جزّوا لحاهم ووفّروا شواربهم وإنّا نحن نجزّ الشوارب ونعفي اللحى (5) ، ولمّا بلغ دعوة النبي صلىاللهعليهوآله الملوك، كتب كسرى إلى عامل اليمن بأذان أن يبعث النبي صلىاللهعليهوآله إليه فبعث كاتبه بانويه ورجلاً آخر يقال له خرخسك إليه صلىاللهعليهوآله ، وكانا قد دخلا على رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما وقال ويلكما من أمركما بهذا، قالا أمرنا بهذا ربنا - يعنيان كسرى - فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لكن ربي أمرني باعفاء لحيتي وقصّ شاربي (6) .
واعلم أن الله تعالى قال في سورة هود: ( وَلا تَرْكَنُوا إِلى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَالَكُمْ مِنْ دُونِ الله مِنْ أَوَْلياَء ثُمَّ لاتُنْصَرُونَ ) (7) ، وكلمة الركون فسرها المفسرون بالميل القليل فإذا كان هذا مقتضى الميل الخفيف فكيف الشديد منه، وقال بعضهم: إنّ الرّكون إليهم هو الدخول معهم في ظلمهم، واظهار الرضا بفعلهم، وإبداء الموالاة لهم. وروي عن أهل البيت عليهمالسلام : إنّ الركون هو مودتهم ونصحهم وإطاعتهم (8) .
_________________
1 - البحار 93 / 217 عن ثواب الاعمال: 26 وأمالي الصدوق.
2 - الممتحنة: 60 / 4.
3 - الفقيه 1 / 252، علل الشرايع 2 / 348.
4 - من لا يحضره الفقيه 1 / 130، معاني الاخبار: 291.
5 - من لا يحضره الفقيه 1 / 130.
6 - البحار 20 / 390 مع اضافات عن محمّد بن اسحاق.
7 - هود: 11 / 113.
8 - تفسير كنز الدقائق 6 / 251 عن تفسير علي بن ابراهيم القمي 1 / 338.