8%

رووا أنّه حينما كان في أشدّ الأهوال وأعنفها في صفّين كان يقيم الصلاة في وسط المعركة وسهام الأعداء تأخذه يمينا وشمالا ، وهو غير حافل بها لأنّ مشاعره وعواطفه قد تعلّقت بالله تعالى (1) . وكان الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين عليّ ابن الحسين عليه‌السلام إذا أخذ كتاب عليّ ونظر ما فيه من عبادته قال : من يطيق هذا ، خصوصا في حال صلاته فإنّه يتغيّر لونه. وما أطاق أحد أن يعمل مثل عبادته إلاّ عليّ بن الحسين عليه‌السلام (2) .

وقد روى أبو جعفر ، قال : دخلت على أبي عليّ بن الحسين فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد ، قد اصفرّ لونه من السهر ، ورمضت عيناه من البكاء ، ودبرت جبهته ، وانخرم أنفه من السجود ، وورمت ساقاه وقدماه من الصلاة ، قال أبو جعفر : فلم أملك نفسي حين رأيته بتلك الحالة وهو يبكي فبكيت رحمة له ، فالتفت إليّ فقال : أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة عليّ بن أبي طالب فأعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا ، ثمّ تركها من يده تضجّرا ، وقال : من يقوى على عبادة عليّ بن أبي طالب (3) .

العصمة من الذنوب :

وظاهرة اخرى من نزعات الإمام عليه‌السلام وذاتياته العصمة من كلّ إثم ورجس ، فلم يقترف ـ بإجماع المؤرّخين ـ أي ذنب أو خطيئة ، ولم يشذّ عن سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هديه وسلوكه ، وقد حاول ابن عوف بعد اغتيال عمر أن يقلّده الخلافة وشرط عليه أن يسير بسيرة الشيخين في حكومته فأبى وامتنع ، وأصرّ على متابعة الكتاب والسنّة ، ولو كان من عشّاق الملك وهواة السلطان لأجاب إلى ذلك ، ولمّا أصر عليه الخوارج أن يعلن التوبة لينضمّوا تحت لوائه فأبى لأنّهم هم الذين اقترفوا

__________________

(1) وقعة صفّين : 133.

(2) روضة الكافي : 195. الوسائل 1 : 63.

(3) الإرشاد : 271. بحار الأنوار 37 : 17. وسائل الشيعة 1 : 68.