ملتم فيها ميلة كنتم فيها عندى غير محمودين ، ولئن ردّ عليكم أمركم إنّكم لسعداء وما علىّ إلاّ الجهد! ولو أشاء أن أقول لقلت ، عفا اللّه عمّا سلف.
174 ـ ومن كلام له عليه السّلام
وقد ساله ذعلب اليمانى(1) فقال : هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام : أفأعبد ما لا أرى؟ فقال : وكيف تراه؟ فقال :
لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان قريب من الأشياء غير ملامس(2) ، بعيد منها غير مباين ، متكلّم لا برويّة ، مريد لا بهمّة ، صانع لا بجارحة ، لطيف لا يوصف بالخفاء ، كبير لا يوصف بالجفاء(3) ، بصير لا يوصف بالحاسّة ، رحيم لا يوصف بالرّقّة. تعنو الوجوه
__________________
(1) الذعلب ـ بكسرتين بينهما سكون ـ فى الأصل الناقة السريعة ، ومثله الذعلبة ثم نقل إلى العلمية كما نقلوا بكرا من الفتى من الابل ، ونحو ذلك كثير ، و «اليمانى» بياء واحدة مخففة ، ولا تشدد إلا فى ضرورة الشعر ، ومثله الشآمى ، وأصلهما بمنى وشأمى ، نسبة إلى اليمن والشأم ، فحذفوا إحدى الياءين وعوضوا منها ألفا بعد حرفين من الكلمة
(2) الملامسة والمباينة على معنى البعد المكانى من خواص المواد ، وذات اللّه مبرأة من المادة وخواصها ، فنسبة الأشياء إليها سواء ، وهى فى تعاليها ، فهى مع كل شىء ، وهى أعلى من كل شىء ، فالبعد : بعد المكانة من التنزيه ، والروية : التفكر والهمة : الاهتمام بالأمر بحيث لو لم يفعل لجر نقصا وأوجب هما وحزنا ، والجارحة : العضو البدنى
(3) إذا وصفت العرب شيئا باللطافة فانما تعنى أنه صغير الحجم واللّه سبحانه لطيف لكن بمعنى غير هذا المعنى ، فهو لطيف بمعنى أنه لا تراه العيون لعدم صحة رؤيتها إياه ، فلما شابه اللطيف من الاجسام فى استحالة رؤيته أطلق عليه