فلو كان التكليف لأجل ما مضى من النعم لوجب أن يقدر بحسبها،فإن قيل فعلى ما ذا يحمل كلام أمير المؤمنين(عليهالسلام )و فيه إشارة إلى مذهب البغداديين.قيل إنه(عليهالسلام )،لم يصرح بمذهب البغداديين،و لكنه قال:لو عبدتموه بأقصى ما ينتهي الجهد إليه و ما وفيتم بشكر أنعمه،و هذا حق غير مختلف فيه ؛ لأن نعم البارئ تعالى لا تقوم العباد بشكرها و إن بالغوا في عبادته و الخضوع له و الإخلاص في طاعته و لا يقتضي صدق هذه القضية،و صحتها صحة مذهب البغداديين في أن الثواب على الله تعالى غير واجب ؛ لأن التكليف إنما كان باعتبار أنه شكر النعمة السالفة.
فأما ما قاله الناس في ذم الدنيا،و غرورها،و حوادثها،و خطوبها،و تنكرها لأهلها،و الشكوى منها،و العتاب لها،و الموعظة بها،و تصرمها و تقلبها فكثير من ذلك قول بعضهم:
هي الدنيا تقول بملء فيها | حذار حذار من بطشي و فتكي | |
فلا يغرركم حسن ابتسامي | فقولي مضحك و الفعل مبك |
و قال آخر:
تنح عن الدنيا و لا تطلبنها | ولا تخطبن قتالة من تناكح | |
فليس يفي مرجوها بمخوفها | و مكروهها إما تأملت راجح | |
لقد قال فيها القائلون فأكثروا | و عندي لها وصف لعمرك صالح | |
سلاف قصاراها ذعاف و مركب | شهي إذا استلذذته فهو جامح | |
و شخص جميل يعجب الناس حسنه | و لكن له أفعال سوء قبائح |