وليس معنى ذلك أنَّ البشر جميعاً يكونون لأول وهْلَة، على هذا المستوى العالي، بل معناه توفير الطريق لأن ينال كل فرد من هذا الهدف بمقدار قابليَّاته الشخصية، وبمقدار ما يؤدِّي من إطاعة وتضحيات في سبيل الحق والعدل.
وهو من هذه الناحية يُشبه ما رأيناه في التخطيط السابق على الظهور، فإنَّه كان يستهدف - فيما يستهدف إليه - تعميق الثقافة الإسلامية في الأمَّة(1) ، وتقوية الإرادة الإيمانية تجاه المشاكل، وقد رأينا كيف يأخذ الناس من هذه الأهداف بمقدار قابليَّاتهم ومقدار ما يؤدُّونه من تضحيات، وكيف يُنتج هذا التخطيط تكاملهم التدريجي البطيء.
غير أنَّ هذا التخطيط الجديد يختلف عن سابقه في نتيجته، فإنَّه بينما رأينا في التخطيط السابق أنَّه لم يتَّصف بالنجاح الحقيقي خلاله إلاَّ عدد قليل نسبيَّاً، فإنَّ هذا التخطيط الجديد سيشمل بالنجاح أكثر الأفراد، وسيصل في المدى البعيد كل الأفراد إلى المستوى المطلوب، بالتدريج البطيء.
وسيأتي في مستقبل هذا البحث أنَّ المجتمع البشري، نتيجة للتدابير الآتية التي تضعها الدولة العالمية، سيمرُّ بمرحلتين من العصمة:
المرحلة الأُولى: أن يكون الأفراد غير معصومين، ولكنَّ الرأي العام المـُتَّفق عليه بينهم معصوماً، وقد أشرنا في التاريخ السابق(2) إلى ذلك مُختصراً، وسيأتي في مُستقبل البحث ما يزيده إيضاحاً.
المرحلة الثانية: أن يكون كل الأفراد معصومين... بتلك العصمة القائمة على أساس العدل الكامل مفاهيميَّاً وتشريعيَّاً، الذي كان ولا زال - في تلك الفترة - مُطبقَّاً منذ عهد بعيد، وسيأتي ما يوضِّح ذلك أيضاً.
الجهة الثالثة: في التعرُّف على تفاصيل التخطيط الإلهي العام لما بعد الظهور وأُسسه العامة بمقدار الإمكان، تلك التفاصيل والأُسس التي يُمكنها أن تُحوِّل المجتمع الذي عرفنا نقاط ضعفه في الجهة الأُولى، إلى الصفات الكبرى التي حملنا عنها فكرة كافية في الجهة الثانية.
____________________
(1) يسير هذا العُمق إلى جنب الشعور الديني... ومن هنا لم يكن وجود هذا العُمق في الثقافة الإسلامية لدى عدد كبير في الأُمَّة، مُنافياً مع وجود الضحالة من هذه الجهة لدى عدد كبير أيضاً، كما أشرنا غير بعيد، في النقطة الثالثة من نقاط الضعف.
(2) تاريخ الغيبة الكبرى ص481.