لأنَّ المعنى الأساسي للغيبة - كما عرفناه في التاريخ السابق(1) - هو الجهل المطلق بحقيقة شخص المهدي (ع)، فبالرغم من أنَّ الناس يرون الإمام ويُعاشرونه، إلاَّ أنَّهم يعرفونه باسم آخر غير صفته الواقعية، ومن الواضح أنَّ هذا المعنى لا يتغيَّر بوجود النداء، ما لم يُطبِّقه المهدي نفسه على نفسه عند ظهوره.
وكذلك الحال مع الأُطروحة الأُخرى التي رفضناها هناك، وسميَّناها بـ (أُطروحة خفاء الشخص) حتى مع وجود النداء، ولا يرتفع إلاَّ مع الظهور.
المـُلاحظة الثالثة: كم هي الفترة المـُتخلِّلة بين النداء والظهور؟
دلَّت الروايات السابقة على وقوع النداء في ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان(2) ، ولعلَّه هو الشهر الذي قع فيه الكسوف والخسوف على غير المألوف، أو رمضان آخر قريب منه نسبيَّاً.
والمـُلاحَظ أنَّ هذا التوقيت في روايات النداء مُستفيض صالح للإثبات التاريخي، إلاَّ أنَّ هذا التوقيت لم يبلغ إلى هذه الدرجة من الكثرة في روايات الخسوف والكسوف.
وسوف يأتي أنَّ الروايات تدلُّ على حصول الظهور في مساء اليوم العاشر من مُحرَّم الحرام... فإذا استطعنا أن نُبرهن - كما سبق - على قُصر المـُدَّة بين النداء والظهور، تعيَّن القول: إنَّ المـُحرَّم الذي يتمُّ فيه الظهور هو المـُحرَّم الذي يأتي بعد ذلك الرمضان الذي يوجَد فيه النداء، ويفصل بينها - في كل عام - ثلاثة من الأشهُر القمريَّة، فتكون المـُدَّة المـُتخلِّلة ثلاثة أشهُر وسبعة عشر يوماً، وإن كان شهر رمضان تامَّاً.
وستكون هذه المـُدَّة المـُتخلِّلة كافية لتنيبه المؤمنين، واجتماعهم لاستقبال إمامهم وقائدهم عند ظهوره، كما سيأتي.
فهذه المـُلاحظات، عن النداء بالحق، وهو الصالح للإثبات كما عرفنا، وأمَّا النداء بالباطل، فهو غير صالح للإثبات، فلا يُهمُّ التعرُّض إلى تفاصيله.
أخرج الطبرسي في أعلام الورى(3) ، عن عبد الكريم الخثعمي، عن أبي عبد الله
____________________
(1) تاريخ الغيبة الكبرى ص34 وما بعدها.
(2) المصدر ص31ومابعدها.
(3) ص432.