قوله: ( فيجفلون عنه إجفال الغنم )، أي يهربون ويفرُّون. يُقال: جفل البعير إذا ندّ وشرد، وجفل القوم إذا أسرعوا الهرب(1) .
قوله: ( فلا يبقى منهم إلاَّ الوزير وأحد عشر نقيباً )، الوزير: حَبَأُ الملك الذي يحمل ثقله ويُعينه برأيه وتدبيره(2) ، وقد كان الوزير في الدول السابقة واحداً توكَل إليه مهمَّات الدولة، وهو بإزاء رئيس الدولة الحديثة.
والوزير أيضاً: المعاون، يُقال: هو وزيره، أي معاونه(3) .
والنقيب: شاهد القوم وضمينهم وعريفهم.
ونقيب الأشراف: مَن يُنقِّب عن أحوالهم ( إسلامية )(4) .
ويبدو من سياق الحديث أنَّه بمنزلة الوزير في الدولة الحديثة.
قوله: ( كما بقوا مع موسى بن عمران )... فيه إشارة إلى قوله تعالى:( وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا... ) (4) الخ الآية.
والآية واضحة في أنَّ هؤلاء النُّقباء أفضل أصحاب موسى (ع)، غير أنَّها لا تدلُّ على أنَّهم نتجوا عن تمحيص سابق فشل فيه غيرهم، كما هو ظاهر الخبر... إلاَّ أنَّ الآية لا تنفي ذلك على أيِّ حال، وقد علمنا من القواعد العامة أنَّ هذه الأهمِّية والعُمق في الإخلاص لا يكون إلاَّ نتيجةً لتمحيص عميق، يمرُّ به المجتمع، فينجح فيه القليل ويفشل فيه الكثير.
الجهة الثالثة: في مُحاولة فَهْم عام لهذه الأخبار:
يدلُّ مجموع هذه الأخبار، على أنَّ أسباب التمحيص ومناشئه عديدة:
المنشأ الأول: ظهور المهدي شابَّاً موفَّقاً، مع أنَّ الناس يحسبونه شيخاً كبيراً.
وقد سبق أن حلَّلنا ذلك، وقلنا: إنَّه إنَّما يحدث في الأوساط البعيدة عن الفكر الديني، وعن التعمُّق... لوضوح أنَّه لا معنى لهذا التوقُّع في المهدي (ع) طبقاً لكلا
____________________
(1) انظر أقرب الموارد.
(2) ذات المصدر.
(3) المصدر نفسه.
(4) المائدة: 12.