2%

ولا يخفانا في هذا الصدد، أنَّ تطبيق الحُكم الإسلامي على المعادن يجعلها مملوكة للأفراد لا للدولة، بخلاف القوانين الوضعية التي تعتبرها جميعاً ملكاً للدولة، كما أنَّه يجعلها مُنتشرة بأيدي الآلاف لا بأيدي عدد قليل من الناس.

وذلك، بأن نفترض أنَّ الدولة المهدوية هي التي توفِّر آلات الاستخراج الضخمة، مع تطبيق الحُكم الإسلامي القائل: إنَّ كل مَن استخرج شيئاً من المعدن يجب عليه أن يدفع خُمسه إلى الفقراء، وهو يملك المقدار الباقي، فيُنتج أنَّ آلاف العمَّال العاملين في المعادن سوف يملكون كمِّيات ضخمة من المعدن المـُستخرَج، وملايين من الفقراء سوف تنسدُّ حاجاتهم عن طريق دفع خُمس المقدار المـُستخرَج إليهم.

فإذا ضممنا إلى ذلك الحُكم الإسلامي القائل: بأنَّه لا يجوز للمـُستخرِج أن يزيد مقدار ما يستخرجه وما يملكه من المعدن، على قوت سنته، عرفنا أنَّه ليس من حقِّ أيِّ فرد من العاملين في المعدن أن يُثرى على حساب الآخرين، وإنَّما بمُجرَّد أن تصل ثروته إلى حدٍّ مُعيَّن، يفي بحاجته السنوية له ولعياله بما يُناسب حاله اجتماعياً، منعته الدولة عن الحصول على مقدار الزائد من المعدن، فإمَّا أن يعتزل العمل ويسمح لغيره بالاستخراج، لكي يملك من المعدن بهذا المقدار أيضاً، أو أن يعمل ويكون الناتج للدولة مباشرة.

وعلى أيِّ حال، فالدولة تملك الكمِّية الفائضة من المعادن عن كمِّيات العمَّال، وهي كمِّيات كبيرة، قد تزيد على ما ملكه العمَّال جميعاً بأضعاف كثيرة، وهذه الكمِّيات تستخدمها الدولة في صناعاتها وسدِّ احتياجات العمل فيها.

ومن هنا؛ تكون المعادن تحت الحُكم العادل قد أفادت - بطريق مباشر وغير مباشر - ملايين الناس، وأغنت ملايين العوائل في العالم.

الجهة السادسة: في السياسة المالية للدولة المهدوية، كما أشارت الأخبار، واقتضتها القواعد الإسلامية العامة.

وأول ما يواجهنا في الأخبار المـُستفيضة من الفريقين، هو ما نصَّت عليه من وفرة المال وكثرته، بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، وأنَّ الأفراد كلَّهم يكونون من الغنى المالي، بحيث قد يكون للرجل زكاة أو صدقة، فيبحث عن الفقير لكي يُعطيها فلا يجد، فيعرضها على الناس فيرفضون أخذها استغناءً، وأنَّ الإمام المهدي (ع) يعرض الأموال أمام الناس، ويُعلن التوزيع المجَّاني، لكي يحمل كل فرد منهم ما يستطيع حمله، إلاَّ أنَّ الناس لا يرغبون به ولا يأخذون منه شيئاً،