أخبار الزمان

أخبار الزمان20%

أخبار الزمان مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 282

أخبار الزمان
  • البداية
  • السابق
  • 282 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 60198 / تحميل: 8814
الحجم الحجم الحجم
أخبار الزمان

أخبار الزمان

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وقيل انه أول من نظر في النجوم بعد آدم عليه السلام.

وفي التوارة ان أدريس عليه السلام احسن خدمة الله فرفعه الله تعالى إليه.

ولما رأى ادريس بني قابيل في المعاصي وعبادة الاصنام سأل الله ان يرفعه إليه، وان يطهره من خطاياه فأجابه إلى ذلك، وأوحى الله إليه ان يلازم الهيكل هو وشيعته اربعين يوما وأوصى ادريس إلى ابنه متوشلخ لان الله أوحى إليه ان اجعل الوصية في ابنك متوشلخ فاني سأخرج من ظهره نبيا يرتضي فعله.

فقيل انه رفع إلى السماء السابعة، وقيل إنه كانت له قصة مع ملك الموت، وقد سأل الله ان يذيقه طعم الموت، ثم سأل الله ان يريه رضوانا ويدخله الجنة، ففعل.

ولم يخرج من الجنة، ورفعه الله وهو ابن مائة وخمسين سنة.

وأما متوشلخ فأقام مع أخوته وبني أخيه، أمام الهيكل يعبدون الله تعالى والنقباء السبعون معهم ولما رفع الله تعالى ادريس عليه السلام كثر الاختلاف بعده والتنازع وأشاع عليه ابليس أنه هلك، وأنه كان كاهنا أراد الصعود إلى الفلك فأحرق، وحزن عليه ولد آدم المتمسكون بدينه حزنا شديدا، وأظهر ان صنمهم الاكبر أهلكه فزاد في عبادة الاصنام وتحليتها والذبائح لها، وعملوا عيدا لم يبق احد إلا حضره وكانت لهم يومئذ سبعة أصنام يغوث ويعوق ونسر (١) وود وسواع ومزية وضمر، وسنذكرها عند ذكر المتعبدات.

وانقطع الوحي بعد إدريس عليه السلام، ومات اولئك النقباء، فكلما مات واحد منهم صور بنوه وأهله صورته في بيت لهم ليذكروه ويستغفروا

__________________

(١) في ب: ونسرا وودا وسواعا.

٨١

له، وكان متوشلخ أراد فساد تلك الصور فامتنعوا عليه، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه لمك ومعنى لمك الجامع، وعهد إليه أبوه ودفع إليه الصحف والكتب المختومة التي كانت لادريس عليه السلام، وكان عمر متوشلخ تسعمائة سنة.

وانتقلت الوصية إلى لمك وهو ابو نوح عليهما السلام، وقد كان رأى أن نارا أخرجت من فيه، فأحرقت العالم ورأى وقتا آخر كأنه على شجرة في وسط بحر لا غير.

ولما ولد له نوح عليه السلام ذكر العلماء والكهان ذلك ليمحويل الملك وعرفوه أن العالم يهلك في زمانه وأنه يكون طويل العمر.

وقد كانوا رأوا أنه طوفان يغرق الارض، فأمر يمحويل أن يبنيا له المعاقل على رءوس الجبال، بنيانا عاليا ليتحصنوا بها، فعملوا منها سبعة معاقل بعدة الاصنام التي كانت لهم وعلى أسمائها، وزبروا عليها شيئا من علومهم ويقال إن الملك عملها لنفسه خاصة.

وكبر نوح عليه السلام فنبأه الله عزوجل وهو ابن خمسين سنة وارسله إلى قومه، وكان من نعته أنه آدم رقيق البشرة، في رأسه طول، عظيم العينين رقيق الساعدين والساقين، كثير لحم الفخذين طويل اللحية عريضها، طويل، جسيم وكان حيا بعد ادريس عليهما السلام، وهو من أهل العزم من الرسل.

وفي بعض الاخبار أن عمره ألف ومائتين وخمسين سنة، وأنه لبث في قومه يدعوهم إلى الايمان ألف سنة إلا خمسين عاما كما قال الله تعالى، وقال من ينكر طول الاعمار على مذهب الفلاسفة ان حياته لبنيه، وكانت شريعته التوحيد والصلاة والصيام والحج ومجاهدة اعداء الله من ولد قابيل، وأمر بالحلال ونهى عن الحرام، ولم يكن فرضت عليه احكام ولا مواريث ولا حدود، وأمر أن يدعو الناس إلى الله تعالى، ويحذرهم عذابه، ويذكرهم آلاءه.

٨٢

وعلى رأس مائتي (١) سنة من عمره هلك يمحويل ملك الكفرة وملك بعده ابنه الدرمشيل، فشدد في عبادة الاصنام، وأعلى أمرها، وجمع الناس إليها، وأخذهم بالتعبد لها، فأظهر نوح عليه السلام دين الله عزوجل، وكان يدور [في] محالهم وأسواقهم وهيا كلهم يدعوهم إلى الله تعالى وكانوا (٢) يطوون ذلك عن مليكهم، ويزجرون مع ذلك نوحا ويهددونه، ويهولون عليه، إلى أن جلت قصته، وعظم أمره، وتحاماه الناس، وتخاطبوا في أمره، إلى ان اتصل ذلك بمليكهم (٣) فأحضره وانتهره، وتقدم إليه أن لا يعاود.

ويقال إن الذي فعل هذا يمحويل، وإنه حبسه، وبعد ثلاث سنين من حبسه هلك يمحويل.

وولي الدرمشيل، فأخرجه من الحبس، وتقدم إليه أن ينتهى عن إفساد الدين وسب الآلهة، فكان لكل صنم من أصنامهم الكبار عيد في وقت من أوقات السنة يحضرون وينحرون له ويطوفون به، فحضر عيد يغوث، فاجتمع الناس إليه من كل مكان، فأتاهم نوح عليه السلام، فقام في وسطهم وناداهم أن قولوا لا إله إلا الله، فوضعوا أصابعهم في آذانهم، وأدخلوا رؤوسهم تحت ثيابهم وسقطت الاصنام عند ندائه عن كراسيها، فوثبوا عليه فضربوه وشجوه، حتى سقط على وجهه وسحبوه إلى قصر الملك حتى ادخلوه عليه، وكان في مجلس مزخرف بأنواع الالوان، وبدائع التصاوير والاصباغ، مفروش برفيع الحرير، على سرير مصفح بالذهب، منظوم بالجوهر.

فلما مثل بين يديه قال له: الم اعهد اليك وانهك عن التعرض لشئ من امور الآلهة، و[ان] تدعوهم إلى ما لا يعروفونه، وزاد امرك حتى سجدت

__________________

(١) في ب: مائتين.

(٢) في ب: وكان.

(٣) في ب: لميلكهم.

أخبار الزمان م (٦)

٨٣

الآلهة، والقيتها عن كراسيها، ومواضع شرفها وعزها؟ من علمك ذلك؟ ومن اين وصل اليك؟

فقال له نوح عليه السلام وهو مخضوب بدمائه: لو كانت آلهة لما سقطت، فاتق الله يا درمشيل، ولا تشرك بالله فانه يراك! فقال له الملك، فكيف قدرت أن تخاطبني بهذا الخطاب! فأمر بحبسه إلى أن يحضر عيد الصنم الآخر، فيذبحه له تقربا به إليه، وأمر برد الاصنام على كراسيها.

وأن الدرمشيل رأى رؤيا هالته في أمر نوح عليه السلام، فأمر باخراجه وتخلية سبيله، وأخبرهم أنه مجنون لا حرج عليه.

وكان في زمانه سويدين الكاهن فعرفهم بأمر الطوفان، وقرب زمانه، وكان يأمر بقتل نوح عليه السلام والله يعصمه منهم.

فولد لنوح بعد خمسمائة سنة من عمره سام وبعده حام وبعده يام وبعده يافث، وطال أمر نوح معهم فلم يؤمن به إلا نفر يسير من العالم، وقيل له أنؤمن بك، واتبعك الارذلون (١) .

وقيل كانوا من أهل صنعته، وكان صلى الله عليه وسلم نجارا، ومضت لهم ثلاثة قرون، قرن بعد قرن، ونوح عليه السلام يذكرهم ويدعوهم إلى الله تعالى فلا يزدادون إلا طغيانا وعتوا وتجبرا واستكبارا، وقتل من كان اتبعه فكان يدعوهم إلى الله سبحانه فأوحى الله إليه (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) فحينئذ يئس منهم ودعا عليهم، فقال (رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا).

وأمر نوح عليه السلام بعمل السفينة وقد قطع الله عن قومه النسل، وكثر عليهم القحط، وقلت عمارتهم وكانوا يستعينون على عبادتهم بأصنامهم ولا تنفعهم.

__________________

(١) في الاصل: الازلون، وقد رسمناها كما وردت في القرآن الكريم.

٨٤

وابتدأ نوح بعمل السفينة، أقام في قطع خشبها من الساج وفي عملها ثلاث سنين، ثم صنع المسامير وأعد كل ما يحتاج إليه ونصبها في رجب، وأمر أن يجعل طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسين ذراعا، وعمقها سبعين ذراعا.

ويقال إنه لم يدر كيف يعملها فأتاه جبريل عليه السلام، وأمره أن يعملها على صورة الدجاجة وكانوا يهزؤن منه وهو يصنعها فيضحكون منه، ويرمونه بالحجارة وجعل بابها في جنبها، فأقامت بعد أن فرغ منها في البر سبعة أشهر إلى أن أخذ من أصحاب نوح الذين كانوا معه ثلاثة رجال فذبحوا الاصنام تقربا ليندفع عنهم القحط فيما زعموا، فحق عليهم العذاب.

وأمر نوح عليه السلام أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين من جميع الحيوان، وكانت الطبقة السفلى للدواب والانعام والوحوش، والثانية للطعام والشراب، والثالثة لهم وكانوا ثمانين نفسا نوح وبنوه عليه السلام سام وحام ويافث، وأهله وناسه، وحملت الملائكة تابوت آدم عليه السلام من خشب فيه جسده، وكان معهم في السفينة، وكان التابوت بتهامة، وكان معه في السفينة (١) .

وركب معه المؤمنون من ولد أبيه وجده إدريس عليه السلام، فلما نزلوا من السفينة بنوا قرية وسموها سوق ثمانين، فهي اليوم تعرف بذلك هناك.

ويقال أنه لما اتصل الخبر بدرمشيل، أن نوحا قد ركب السفينة وحمل زاده قال وأين الماء الذي يحملهم؟ فركب في عدة من أصحابه وسار إلى السفينة، وقد أجمع (٢) على إحراقها، فنادى نوحا عليه السلام فاستجاب له، فقال وأين الماء الذي يحمل سفينتك؟ قال هو يأتيك في مقامك هذا، فقال وهذا أعجب، إنك تقول إنه يكون في أرض يبس ماء غمر يحمل مثل هذه السفينة، انزل منها أنت ومن معك وإلا أحرقتكم أجمعين، فقال له نوح عليه

__________________

(١) هكذا وقع التكرار بالمعني في الاصول.

(٢) في ب: جمع، والاصح ما ذكرناه.

٨٥

السلام ما أكثر اغترارك بالله عزوجل، فعجل الايمان، واخلع أنداد الله تعالى تسلم وترشد، وإلا فالعذاب بين يديك.

فهو في محاورته إذ أتاه من أخبره أن امرأة كانت تخبز في تنور لها، فنبع الماء منه، فقال وما عسى أن يكون من ماء نبع من تنور.

فقال له نوح عليه السلام ويحك إنه علامة السخط، وكذلك أوحى إلي ربي وآية ذلك ان الارض تتخلخل من جميعها فأزل فرسك من موضعه، فان الماء ينبع من تحت قوائمه، فأزال الملك فرسه من موضعه، فإذا الماء ينبع من تحت قوائمه، فسار إلى موضع آخر فكان كذلك، وعادت رسله تخبره أن الماء كثر وفار، فرجع إلى داره ليأخذ أهله وولده ويمضي إلى المعاقل التي كان عملها لنفسه.

وقيل إن علم الطوفان كان عندهم إلا أنه لم يأت وقته. لما أراد الله تعالى وكان قد جعل في تلك المعاقل طعاما، فاراد الصعود إلى الجبال، فإذا الصخور تنحط على رؤسهم من أعلى الجبل، وانفتحت أبواب السماء بما لا يعلم قدره إلا الله تعالى من الماء، فساروا لا يدرون أين يتوجهون ويقال انه كان الماء حارا منتنا.

ويقال إن يام بن نوح ممن سار إلى السفينة مع الدرمشيل، فناداه أبوه (يا بني اركب معنا، ولا تكن مع الكافرين، قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) مع الملك وأصحابه (قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) وقد كان رأى التنور يفور.

وقيل إن السفينة أقامت في الماء خمسين ومائة يوم، وقال قوم من أهل الاثر إنها أقامت أحد عشر شهرا، وقال آخرون كان الطوفان في رجب ووقفت على الجودي في المحرم.

وفي التوارة أن الله تعالى آلى على نفسه أن لا يعذب أمة بعدها بالغرق

٨٦

وكان بين مهبط آدم عليه السلام وبين الطوفان وفور الماء أربعون يوما، فأمر نوح أن تفتح أبواب السفينة، ثم أرسل الغراب لينظر له فمضى ولم يعد إليه، فدعا عليه أن يكون مباعدا، وأن يكون رزقه في الخوف. ثم ارسل الحمامة فرجعت وقد انصبغت رجلاها بالطين، فدعا لها أن تكون إلفا لبني آدم ومنقارها ورجلاها مصبوغة من يومئذ، ولم تكن كذلك قبل ثم أرسلها بعد أيام فرجعت وفي مناقرها ورقة خضراء من الزيتون، وقيل كانت من عشب الارض.

وفي التوراة أن الارض جفت في سبعة وعشرين من الشهر الحادي عشر، ولما تغيب الماء ووقفت السفينة على الجودي أوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام أن يخرج من السفينة هو ومن معه، فأخرج البهائم والهوام.

وقالوا هم الاسد أن يعبث في السفينة فصاح به نوح عليه السلام، فألقى الله الحمى في جسده، وأن النجو آذاهم فلطم الفيل فعطس خنزيرا، فالتقط ذلك النجو [فهو] يعيش منه، وأن الفأر آذاهم فلطم الاسد فعطس هرا.

ونزل نوح عليه السلام من السفينة وبنوه سام وحام ويافث ويحطون، وهو الذي ولد له في السفينة، ولما خرجوا ليستقروا على الارض بنوا قربة سموها سوق ثمانين فسكنوها، فقال لهم الله اكثروا واملاوا الارض واعمروها فقد باركت فيكم، ورفعت اللعنة عن الارض، وآذنت بركاتها وأخرج ثمرها وكلوا مما رزقناكم حلالا طيبا، واجتنبوا الاوثان والميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح لغير الله، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق.

ووجه نوح التابوت الذي فيه جسد آدم عليهما السلام إلى غار الكنز بمكة فدفن فيه.

ولما كثر ولد نوح عليه السلام قسم الارض بينهم، فدب إبليس إليهم ليرمي بينهم العداوة والبغضاء فقال لبني حام ويافث إن اباكم أعطى ساما وولده خير

٨٧

الارض ومنعكم منها وأعلاهم عليكم، ولم يزل بذلك فيهم حتى قتل بعضهم بعضا.

فالآن نبدأ بذكر بني نوح عليه السلام وأنسابهم وتفرقهم في البلدان، وما ولد كل واحد منهم من الامم، فنبدأ بذكر حام، وبعده بذكر يافث، وبعده بذكر يحطون، وبعده بذكر سام، متصلا بالعرب والانبياء صلوات الله عليهم اجمعين.

حام بن نوح عليه السلام

يقول أهل الاثر إن نوحا عليه السلام دعا عليه بتشويه الوجه وسواده، وأن يكون ولده عبيدا لولد سام.

فولد له بعد كنعان كوش، فكان أسود، فهم أن يقتل امرأته فمنعه سام، وذكره دعاء أبيه عليه فغضب، ونزع الشيطان بين الاخوة وحمل بعضهم على بعض، وكان آخر أمر حام أن هرب إلى مصر، وتفرق بنوه، ومضى على وجهه يؤم المغرب حتى انتهى إلى السوس الاقصى، إلى موضع يعرف اليوم بأصيلا، وهو آخر مرسى تبلغه مراكب البحر من نحو الاندلس إلى ناحية القبلة، وليس بعده للمراكب مذهب.

فيقال ان بنيه اغتموا لمكانه، وندموا على تركه، فخرجوا على أثره يطلبونه في النواحي التي قصدها، فيقال ان منهم طوائف وقعت عليه، فكانوا معه إلى ان مات وقطنوا ذلك البلد وسكنوا به وهم أصناف السودان، فكل طائفة من ولده بلغت موضعا في طلبه فانقطع خبره عنهم أقاموا بذلك الموضع وتناسلوا فيه، ولم يصل إليه إلا بنوه فقط.

ولما مات حام خرج بعضهم من ذلك الموضع فأقاموا بمكان البربر، وكان عمر حام أربعمائة سنة واحدى واربعين سنة.

٨٨

ولما مات دفنه (١) بنوه في صخرة منقوبة في جبل أصيلا.

ذكر كنعان بن حام

هو أكبر ولد حام وهو أول من غير دين نوح عليه السلام، وألقى العداوة بينه وبين بني جده من الجبابرة والكنعانيين الذين كانوا بالشام، ويقال فراعنة مصر منهم، وجالوت منهم الذي قتله داود عليه السلام فهؤلاء العمالقة، لان العمالقة هم من ولد حام، ومن هؤلاء الكنعانيون الذين قاتلهم موسى عليه السلام، ويوشع بن النون (٢) من بعده، وهم الذين عنى الله عزوجل بقوله (ان فيها قوما جبارين) وكانت خلقهم عظيمة.

وفيما يقال ان كنعان الاصغر رتبهم في ناحية الشام والجزيرة ومن ولده فوسطن وصبرا ونهما وسمساوس، ومن ولده نبيط، والنبيط هو السواد وقيل سموا بذلك لانهم استنبطوا الارض وعمروها وكانوا اصحاب عمارة وتدبير.

ومن ولد سودان بن كنعان امم منهم الاشبان والزنج وأجناس كثيرة تناسلت بالمغرب نحو سبعين جنسا، وهم مختلفون في افعالهم، ولهم ملوك.

ومنهم أجناس يلبسون الجلود وهم عراة، ومنهم من يتزر بالحشيش، ومنهم قوم يعملون لرؤوسهم قرونا من عظام الدواب، وعندهم فأر ابيض يأكلونه ويسمونه من السماء.

ويتزوج الواحد منهم عشرة نسوة يبيت كل ليلة عند اثنتين منهن، فان جامعهن على ما تحب وإلا طلقهن الملك بعد ثالثة.

وربما اجدبوا، فإذا ارادوا ان يستسقوا جمعوا عظاما فكوموها كالتل،

__________________

(١) في ب: دفنوه، وفي جائزة عربية على لغة ضعيفة.

(٢) المعروف في كتب التاريخ أنه يوشع بن نون.

٨٩

ثم اضرموها بالنار، وداروا حولها ورفعوا ايديهم إلى السماء، وتكلموا بكلام فينزل المطر ويسقوا.

فإذا اعرس احدهم لطخوا وجهه بشئ يشبه الحبر، ثم اجلسوه على تل، وجلسوا على تل واجلسوا المرأة بين يديه وجعلوا قصبا مثل القبة، وستروها بشئ من الحشيش، واقاموا حولها ثلاثة ايام يشربون نبيذ الذرة ويلعبون، ثم ينصرفون ويأخذ الزوج امرأته ويسير بها إلى موضع سكناه.

ويلبسون حلق النحاس في ايديهم وآذان نسائهم، ويحمل إليهم الكرداونية التي تصبغ بالحمرة يلبسونها ولا يلبسها منهم إلا الملك.

ولهم شجرة عظيمة يعملون لها عيدا في كل سنة يجتمعون عندها، ويلعبون حولها حتى يسقط عليهم ورقها فيتبركون به ويزينون المرأة بحلق النحاس والودع في شعرها.

ومن ولد سودان الكركر وبهم سميت المملكة، التي هي اعظم ممالك السودان وأجلها قدرا، وكل ملك لهم يعطي ملك الكركر حق الطاعة، وتنسب إلى الكركر ممالك كثيرة.

ومملكة عانة وملكها ايضا عظيم الشأن، ويتصل ببلاد معادن الذهب وبها منهم امم عظيمة، ولهم خط لا يجاوزه من صدر إليهم فإذا وصلوا إلى ذلك الخط جعلوا الامتعة والاكسية علية وانصرفوا، فيأتون اولئك السودان، ومعهم الذهب فيتركونه عند الامتعة وينصرفون، ويأتي اصحاب الامتعة فإن ارضاهم وإلا عادوا ورجعوا فيعود السودان، فيزيدونهم حتى تتم المبايعة كما يفعل التجار الذين يبتاعون القرنفل من اهله سواء [بسواء]، وربما رجع التجار بعد زوالهم (١) مختفين فوضعوا النيران في الارض، فيسيل الذهب فتسرقه التجار. ثم يهربون لان الارض كلها ذهب عندهم ومعدن ظاهر، وربما فطنوا

__________________

(١) في هامش ب: رواحهم، وفوقها اشارة إلى انها نسخة أخرى.

٩٠

لهم فيخرجون في آثارهم، فإن أدركوهم قتلوهم.

وفي صحاريهم معادن الاشبار سسم ويكبر حتى يظهر مثل الحصى الظاهر في الرمل وكل ما يحصل للتجار من الذهب يضربونه بمدينة سجلماسة، وهي مدينة كبيرة فيها أربعة (١) جوامع وشارع يسار منه نصف يوم، وفيها نخيل كثير وفيها يضربون الدنانير.

وتحت يد ملك عانة عدة ملوك وممالك كلها فيها الذهب ظاهر على الارض يستخرجه اهله، ويعملونه مثل اللبن.

ومن الاجناس المشهورة (٢) منهم ملك الدهدم يسار إليها من كركر على شاطئ البحر مغربا من هؤلاء ويحارب بعضهم بعضا، ويأكلون الناس، ولهم ملك كبير تحت يده ملوك، وفي بلدة قلعة عظيمة في صورة امرأة يتأهبون لها ويحجون إليها.

ومملكة الزغاوة واسعة كبيرة، منها على النيل مما يحاذي النوبة، ويحاربون النوبة.

ومملكة توان وهي كبيرة، ويسار فيها يوما واحدا (٣) فيوجد فيها مومياء (٤) في ابيار غير انها تتحرك مثل الزئبق، وهذه الآبار (٥) في بقعة واحدة مقدارها نصف ميل بنوا عليها حصنا وهم يستعملون المومياء.

ويقال البقعة بمغرا من الصحراء، وممالك النوبة وهم من ولد نوبا بن قوط ابن مصر بن حام لانهم لما صار جدهم إلى مصر مع مصر مات مصر وبقي بنوه فتولى امره بعده قبطم وثبت القبط بمصر، وهو من اولاد قبطم بن مصر.

ووجه قبطم اخوته يسعون في البلاد لطلب ممالك وعيش، فخرج نوب بن قوط بأهله وولده وسار على عبر النيل فملكوا هنالك.

__________________

(١) في ب: أربع جوامع.

(٢) في ب: المشهور.

(٣) في ب: يوم واحد.

(٤) في ب: موميا.

(٥) ب: البيار.

٩١

ويقال لمدينتهم العظمى دنقله، وبلادهم بلاد نخل وزرع ومقدار اتساعها شهران، وهم نصارى على دين اليعقوبية.

ويكون هؤلاء مملكة النوبة من ناحية الصعيد، وهم أوسع ملكا وأعظم خطرا وأصفى لونا، ومسيرة ملكهم ثلاثة أشهر ومدينتهم العظمى يقال لها دخلولة وهم أيضا نصارى وملكهم جليل، ولهم لباس وأساورة والذهب وأيضا عندهم يظهر على الارض، ولهم ايضا نخل وكرم وهم أجناس كثيرة ولهم ملوك وبلدهم واسع.

مملكة البجة: وهي تلي النوبة وهي أيضا ممالك عديدة، وهم بين النيل والبحر وفي كل مملكة ملك، فأول ممالك البجة من حد السودان وهي آخر عمل المسلمين، والمسلمون يعملون عندهم في المعادن، ووراء ذلك ممالك ومدن.

وتتصل بهم الحبشة وهم من ولد حبش بن كوش بن حام، وأكبر ممالكهم مملكة النجاشي وهو على دين النصراينة، واسم مدينتهم الكبرى كفر، ولم تزل العرب على قديم الايام تأتي هذه المملكة للتجارات.

وتتصل بمملكة الحبشة مملكة الزنج، وهم على البحر المالح، ولهم ممالك واسعة، وهم من ولد سودان بن كنعان، ولهم أيضا ملوك عدة وممالك، واسم ملكهم الاكبر كوخه يكون بموضع يقال له نكد، وهو على البحر، يحدون أسنانهم حتى ترق، وهم كبار الافواه نظاف الثغور على كثرة أكلهم السمك.

ولهم افيلة يبيعون انيابها من تجار البلدان التي تقرب منهم، ولهم الجزائر التي يخرج منها الودع ويتحلون به، ويبيعونه، وهم أجناس كثيرة، ولهم ممالك.

٩٢

وأما الكوكة فهم أمة لهم أربعة أملاك ملكوا إلى أيلة الحجاز وبنى كل واحد منهم مدينة سماها باسمه، وجعلوا سائر الارض خيما، وقسموها على ثلاثين كورة مقسومة على اربعة أعمال لكل عمل ثمانون كورة، ولكل عمل ملك يجلس في مدينة على منبر من ذهب، وفي كل عمل بربا وهو بيت الحكمة، وهيكل لاحد الكواكب وفيه أصنام ذهب مرتبة له.

وكانت الاسكندرية لهم واسمها راقودة وجعلوا لها خمس عشرة كورة (١) وجعلوا فيها كبار الكهنة ونصبوا في هياكلها من أصناف الذهب أكثر مما في غيرها، وكان بها مائة صنم من ذهب، وقسموا الصعيد ثمانين (٢) كورة على أربعة اقسام.

وكان عدد [مدن] مصر الداخلة في كورها ثلاثين مدينة فيها جميع العجائب والكور مثل اخميم وقفط وقوص والفيوم.

ذكر يافث بن نوح

وأما ولد يافث بن نوح فقال اصحاب التاريخ ان جميع اللغات اثنان وسبعون لغة منها سبع وثلاثون في ولد يافث: وثلاث وعشرون في ولد حام، واثنتا عشرة في ولد سام، فذكروا ان ولد يافث من ظهره سبعة وثلاثون لكل واحد منهم لغة يتكلم بها هو ونسله.

وكان في قسم ولد يافث أرمينية وما جاوزها إلى الابواء، فمنهم الاشبان والروس والبرجمان والخرز والترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج وفارس ومزنان وأصحاب جزائر البحر والصين والبغار وأمم لا تحصى.

ذكر يأجوج ومأجوج

فأما يأجوج ومأجوج فانه لا يقدر على استقصاء ذكرهم لكثرة عددهم،

__________________

(١) في ب: خمسة عشر.

(٢) في ب: ثمانون.

٩٣

وقد زعم ان مقدار ربع الارض مسيرة مائة وعشرين سنة.

فذكروا أن تسعين منها ليأجوج ومأجوج واثني عشر للسودان، وثمانية للروم، وثلاثة للعرب، وسبعة لبقية الامم.

وسمى أصحاب التاريخ يأجوج ومأجوج أربعين أمة مختلفي الخلق والقدود، في كل امة منها ملك ولهم زي ولغة، فمنهم من طوله الشبر والشبران وأطول من ذلك، ومنهم المشوهون، ومن يفترش إحدى أذنيه ويتغطى بالاخرى، ومن له ذنب وقرن وأنياب بارزة، ومنهم من مشية وثب ويأكلون الحيتان والناس والخشاش والطير كله والرخم والحدأة، وبعضهم يغير على بعض.

ومنهم من لا يتكلم إلا همهمة وفيهم شدة وبأس، وأكثر طعامهم الصيد، وكانوا يغيرون على الامم التي تليهم ويخربون بلدانهم، حتى عمل ذو القرنين السد وهم يستفتحونه آخر الزمان كما قال الله عزوجل.

وربما أكل بعضهم بعضا، والزلازل عندهم كثيرة، وذكر أن عندهم أمم تعرف المناسك.

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج هل بلغتهم دعوتك؟ فقال «جزت ليلة أسري بي عليهم فدعوتهم فلم يستجيبوا».

ذكر الصقالبة

وأما الصقالبة فهم عدة أمم، فمنهم النصارى، و[من] يقولون بالمجوسية ويعبدون الشمس، ولهم بحر حلو يجري من ناحية الشمال إلى الجنوب، ولهم أيضا بحر يجري من المشرق إلى المغرب حتى يتصل ببحر آخر يجئ من ناحية البلغر، ولهم أنهار كثيرة، وهم كلهم في ناحية الشمال، وليس لهم

٩٤

بحر مالح لان بلدهم بعيد عن الشمس، فماؤهم حلو، وما قرب من الشمس مالح، وما جاوزهم من الشمال لا يسكن لبرده وكثرة زلازلة، وأكثر قبائلهم مجوس يحرقون أنفسهم بالنار ويتعبدون لها.

ولهم مدن كثيرة وبلاد، ولهم كنائس فيها أجراس معلقة يضربونها كالنواقيس.

ومنهم أمة بين الصقابة والافرنج على دين الصابئين، يقولون بعبادة الكواكب، ولهم عقول وصناعات لطيفة من كل فن، وهم يحاربون الصقالبة وبرجان والترك.

ولهم سبعة (١) أعياد في السنة بأسماء الكواكب، وأجلها عندهم عيد الشمس.

ذكر اليونانيين

وأما اليونانيون فهم الروم الاولى من ولد يونان بن يافث بن نوح وهم حكماء الامم، ولهم النجامة، والحساب، والهندسة، والطب، وصناعات المنطق، والصناعات اللطيفة، وكل حكم مذكور.

وكانت الاندلس والاسكندرية ومن جاورهم من الامم يدينون بطاعتهم إلى أن غلب عليهم رومي بن ديقطون من ولد عيصو بن إسحاق بن ابراهيم عليهما السلام، لان عيصو لما فارق أخاه يعقوب سار إلى العدوة القريبة، وهي مساكن الروم اليوم فغلب عليها، وهم الذين بنوا رومية وإليهم تنسب وهم بنو الاصفر.

وكان آخر ملوك اليونانين ايلاوبطره (٢) بنت بطليموس صاحب كتاب

__________________

(١) في ب: سبع.

(٢) هي كيلو بطره.

٩٥

الحكمة والطلسمات، ثم رجع الملك إلى الروم، وقد كان ملك قبلهما منهم كثير.

ومنهم الحكماء الذين تكلموا في علم الفلك والهندسة والطب والحساب والموسيقي والمرائي العجيبة والطلسمات والحيل والروحانية والزيجات (١) وكل حكمة.

وكان أبقراط منهم وأبقراط الثاني وهرمس وسقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس واقليدس وجالينوس وجماعة يطول الكتاب بذكرهم.

ذكر الصين

وقطع قوم من بني عامر بن يافث إلى ناحية الصين، وكان زعيمهم قد عمد إلى مراكب على حكاية سفينة جده نوح عليه السلام فركب هو وأهله وولده فيها، وقطع البحر إلى الصين، فعمروه وبنوا المدن وعملوا الحكم ودقاق الصناعات ولطيفها، وأثاروا معادن الذهب فيها، وملكوا ثلاثمائة سنة.

وملك بعده ابنه صاني مائتي سنة، وبه سمي الصين، فجعل جسد أبيه في تمثال ذهب، وأقاموا يطوفون به وهو على سرير من ذهب، فصار ذلك رسم كل ملك يملكهم، وصوروا صورهم في هياكلهم، وهم على دين الصابئين ثم عبدوا الذرة، بعد ذلك اقتداء بالهند ومن ذلك عبدوا ملوكهم، وكانوا يجعلون أجسادهم في تماثيل ذهب ويسجدون لها.

ومنهم حكماء تكلموا في الفلك والطب والصنعة وكثير من علوم الهند، وبلد الصين واسع يقال إن فيه ثلثمائة مدينة ونيفا عامرة سوى القرى والرساتيق وبها عجائب كثيرة، ومن خرج في البحر قطع سبعة (٢) بحار

__________________

(١) في ب: ولجزيات.

(٢) في ب: سبع.

٩٦

لكل بحر منها ريح ولون سمك ليس لما يليه.

أولها بحر فارس وملكهم اليوم اليعقوفز وهو في مدينتهم العظمى التي يقال لها انصوا، وبينها وبين خانقوا التي تتراءى لها مراكب التجار ثلاثون يوما.

ومن سيرتهم أن عمال الملك وأصحاب خراجه وجيوشه خدم، وذلك أن المرأة إذا لم تكن محصنة وأرادت الفجور رفعت أمرها إلى الملك تذكر حالها فيدفع إليها خاتم نحاس من خواتم الملك فجعلته في عنقها ولبست المصبغات، وعملت ما شاءت علانية، وإذا ولدت الذكور خصوا واستعملهم الملك في داره واعماله وان ولدت أنثى كانت على رسم امها.

وأهل الصين بيض إلى الصفرة فطس، ومن سنتهم أن احدهم إذا تظلم إلى الملك من بعض عماله كشف عن أمره، فان كان صادقا أنصفه وعاتب ظالمه، وإن كان كاذبا ضرب بالخشبة ضربا شديدا لاجترائه على عمال الملك بالكذب.

ومن سنتهم أنه إذا أراد خادم من خدم الملك شيئا ضرب جرس كبير يدخل الناس دورهم، ويخلون له الطرقات لئلا يرونه.

ومن سنتهم ان تقسم المدينة قسمين، فيكون الملك واهل بيته وعماله وحشمه في القسم الواحد، والعامة والرعية واسواقهم في النصف الآخر، لا يدخل احد منهم إلى ناحية الملك.

ومن سنتهم ان يورثوا الانثى أكثر من الذكر، ولهم عند حلول الشمس الحمل عيد كبير يأكلون فيه ويشربون سبعة أيام.

واشرف حليهم من قرون الكر كند، وهو الموشان، لانها إذا استوت ظهر فيها صور عجيبة مختلفة فيتخذون منها مناطق تبلغ المنطقة اربعة آلاف مثقال من ذهب.

والذهب عندهم كثير حتى يتخذون منه لجم دوابهم وسلاسل كلابهم، ولهم ثياب الحرير المنسوجة بالذهب.

٩٧

ذكر الاهتردة

وأما الاهتردة فهم من ولد عامر بن يافث نزلوا بين الروم والافرنج ومملكتهم واسعة، وملكهم جليل القدر ولهم مدن كثيرة وأكثرهم اليوم نصارى، ومنهم من لا دين له وهم يحاربون الافرنج والصقالبة الذين يجاورونهم ويطردونهم، وزيهم زي الروم، ومنهم صنف يحرقون أنفسهم.

ذكر الافرنج

وأما الافرنج فهم ايضا من ولد يافث ومملكتهم واسعة كبيرة، ولهم ممالك يجمعها ملك واحد ومدينتهم الكبرى يقال لها دريوه، وهم ايضا نصارى وهم اليوم اربع عشرة قبيلة ووراءهم اجناس اخرى وأكثر اعتدائهم إلى الصقالبة، ولهم اتساع مملكة، وهم يحاربون الروم والاهتردة، ومنهم متجر وفيهم نصارى، ومجوس وزنادقة، ومنهم من يحرق نفسه.

مملكة الاندلس

الاندلس اربع وعشرون مدينة يملكهم ملك واحد إلا ان دينهم دين الصائبة، ولهم في هياكلهم أصنام للكواكب ثم انصرفوا عن ذلك وتنصروا وكانت لهم معرفة، وحكم وكان في دار مملكتهم بيت إذا ولي منهم ملك أقفل على بابه قفلا، إلى ان ولي ملكهم لذريق ولم يكن من اهل الملك فطلب ان يفتح اقفال ذلك البيت وكانت عدتها اربعة وعشرين قفلا، فاجتمعوا إليه وسألوه ان لا يفعل وبذلوا له على ذلك جميع ما في أيديهم من الاموال فأبى الا فتحها، فلما رأوا منه الجد تشاءموا به وتركوه، ففتح الاقفال ودخل البيت

٩٨

فوجد فيه صور العرب على الخيل والجمال، وعليهم العمائم الحمر وبأيديهم الرماح الطوال والقس وكتاب فيه «إذا فتح هذا البيت غلب على هذه البلاد قوم على صور هولاء» ففتحت الاندلس في تلك السنة والتي بعدها تولى فتحها طارق بن زياد مولى موسى بن نصير في سنة اثنتين وتسعين ايام الوليد بن عبد الملك، وقتل ملكهم لذريق وسباهم وغنم، ووجد في ذلك البيت مائدة سليمان عليه السلام وكانت من ذهب عليها اطواق جوهر مفصلة، ووجد المرآة العجيبة الغريبة التي ينظر فيها إلى الاقاليم السبعة وهي مدبرة من أخلاط، ووجد فيها آنية سليمان من الذهب، والزبور منسوخا بخط يوناني جليل بين ورقات ذهب مفصلا بجوهر، ووجد فيه اثنين وعشرين مصحفا محلاة كلها بالذهب منها التوراة ومصحفا آخر محلى بفضة فيه منافع الاشجار والاحجار، وعمل الطلسمات، وكان مصحف فيه عمل الصبغة وأصباغ اليواقيت، ووجد فيه فقاعة كبيرة من حجر مملوءة اكسيد الكيميا مختومة بالذهب، فحمل ذلك كله إلى الوليد بن عبد الملك.

لما فتحت الاندلس نزلها المسلمون وتفرقوا في مدنها، وتملكوا أكثرها إلى ان صار إليها عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك في سنة ثمان وثلاثين ومائة فغلب عليها وتملكها فذريته إلى اليوم فيها.

ذكر مملكة البرجان

وأما البرجان فهم من ولد يونان بن يافث وهي مملكة كبيرة واسعة وهم يحاربون الروم والصقالبة والخزر والترك، وأشد [الامم] حربا لهم الروم.

وبين القسطنطينية وبلاد برجان خمسة عشر يوما، ومملكة برجان مسيرة

أخبار الزمان م (٧)

٩٩

عشرين يوما في ثلاثين يوما، وعلى عمل برجان كله سياج وعليه شبه الشباك من الخشب فهو كالسور على الخندق والقرى دون السياج.

وأهل برجان مجوس، وليس لهم كتاب، ودوابهم التي للحرب راتعة أبدا في مرج لا يركبها أحد منهم إلا في وقت الحرب، وان وجدوا رجلا قد ركب دابة حربية في غير وقت قتلوه، وإذا خرجوا للحرب اصطفوا صفوفا فجعلوا اصحاب النشاب أمامهم، وجعلوا خلفهم جميع العيال والذرية.

وليس لبرجان دنانير ولا دراهم وإنما تبايعهم وترويجهم بالبقر والغنم، وإذا وقع بينهم وبين الروم الصلح أدت برجان إلى الروم جواري وغلمانا من بني الصقالبة ومن شبههم.

وإذا مات لاهل برجان ميت عمدوا إلى ما ترك من خدم وحاشية، فجمعوهم وأوصوهم بوصايا وأحرقوهم مع الميت، ويقولون نحرقهم نحن في الدنيا فلا يحرقون في الاخرة.

ولهم ناووس عظيم إذا مات الميت أنزلوه فيه وانزلوا معه امرأته وحشمه فيبقون هناك حتى يموتوا.

ومن سنتهم إذا أذنب عبد أو أخطأ وأراد مولاه أن يضربه انبطح من قبل نفسه ولم يمسكه أحد فيضربه مولاه ما أحب، فان قام من غير أن يأذن له مولاه وجب عليه القتل، ومن سنتهم أن يورثوا النساء أكثر من الرجال.

ذكر مملكة الترك

وأما الترك فهم من ولد يافث بن نوح عليه السلام، وهم أجناس كثيرة،

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

التّعريف بالصّالحاني

والصّالحاني كثيراً مّا ينقل عنه الشّهاب أحمد ويصفه بالأوصاف الحميدة والألقاب الجليلة، مثل « الإمام العالم الأديب الأريب المحلّى بسجايا المكارم، الملقّب بين الأجلّة الأئمة الأعلام بمحيي السنّة وناصر الحديث ومجدّد الإسلام، العالم الرباني والعارف السبحاني » « الذي سافر ورحل وأدرك المشايخ، وسمع وأسمع وصنّف في كلّ فن، وروى عنه خلق كثير، وصحب بالعراق أبا موسى المديني الإمام ومن في طبقته ».

واعتمد على روايته ونصَّ على تسنّنه العلّامة سلامة الله الهندي في كتابه ( معركة الآراء ).

وله ترجمة في كتاب ( شدّ الأزار ) قال: « الشيخ سعد الدين أبو حامد محمود بن محمّد الصالحاني الأديب، سافر الحجاز وأدرك مشايخ ذاك العهد وصحب في العراق أبا موسى المديني ومن في طبقته، ثم سكن شيراز. وأسمع الحديث وصنّف الكتب في كلّ فن، وروى عنه خلق كثير، وعاش سبعين سنة ما تأذّى أحد منه قط، وكان صاحب فراسة. توفّي في ربيع الأوّل سنة ٦١٢ وقبره عند قبر أبي السائب، رحمة الله عليهم »(١). .

(٢٦)

رواية أبي السعادات ابن الأثير

ورواه أبو السعادات المبارك بن محمّد المعروف بابن الأثير الجزري

__________________

(١). شدّ الأزار في حطّ الأوزار عن زوار المزار: ١٣٩.

١٨١

الشافعي: عن « عمران بن حصين. قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب النبي - صلّى الله عليه وسلّم - فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفرٍ بدأوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -.

ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه.

ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا.

فأقبل إليهم رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم، والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! إنّ عليّاً منّي وأنا من علي وهو ولي كلّ مؤمن بعدي.

أخرجه الترمذي »(١). .

من مصادر ترجمة ابن الأثير

وهذه طائفة من مصادر ترجمة ابن الأثير صاحب جامع الأصول:

١ - الكامل في التاريخ ١٢ / ١٢٠.

__________________

(١). جامع الاُصول ٨ / ٦٥٢ ٦٥٢ رقم ٦٤٩٢.

١٨٢

٢ - وفيات الأعيان ٤ / ١٤١.

٣ - المختصر في أخبار البشر ٣ / ١١٨.

٤ - العبر في خبر من غبر ٥ / ١٩.

٥ - معجم الأدباء ٦ / ٢٣٨.

٦ - طبقات السبكي ٥ / ١٥٣.

٧ - بغية الوعاة ٢ / ٢٧٤.

وقد ذكرنا ترجمته عن هذه وغيرها في ( حديث الطير ).

(٢٧)

رواية أبي القاسم الرّافعي

ورواه إمام الدين أبو القاسم عبد الكريم بن محمّد الرافعي القزويني، كما في ( كنز العمّال ) و ( مفتاح النجا ) و ( معارج العلى ) و ( القول المستحسن ) قال المتقي الهندي:

« سألت الله - يا علي - فيك خمساً فمنعني واحدةً وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمّتي فأبى عليّ، وأعطاني فيك أنّ أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معك لواء الحمد، وأنت تحمله بين يديّ تسبق به الأوّلين والآخرين، وأعطاني فيك أنّك وليّ المؤمنين بعدي.

الخطيب، والرافعي، عن علي »(١). .

وهذا نصُّ رواية الرافعي: « إبراهيم بن محمّد بن عبيد بن جهينة أبو إسحاق الشهرزوري ثنا عبيد الله سعيد بن كفير بن عفير، ثنا إبراهيم بن

__________________

(١). كنز العلماء ١١ / ٦٢٥ رقم ٣٣٠٤٧.

١٨٣

رشيد أبو إسحاق الهاشمي الخراساني، حدّثني يحيى بن عبد الله بن حسين ابن حسن بن علي بن أبي طالب، حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليرضي‌الله‌عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:

سألت الله - يا علي - فيك خمساً، فمنعني واحدة وأعطاني أربعاً، سألت الله أنْ يجمع عليك اُمّتي فأبى عليَّ، وأعطاني فيك: أنّ أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، معي لواء الحمد وأنت تحمله بين يديّ، تسبق به الأوّلين والآخرين. وأعطاني أنّك أخي في الدنيا والآخرة. وأعطاني أن بيتي مقابل بيتك في الجنّة. وأعطاني أنك وليّ المؤمنين بعدي »(١). .

ترجمة الرّافعي

والرافعي إمام، فقيه، محدّث، رجالي توجد ترجمته في:

١ - تهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢٦٤.

٢ - طبقات السّبكي ٨ / ٢٨١.

٣ - النجوم الزاهرة ٦ / ٢٦٦.

٤ - مرآة الجنان ٤ / ٥٦.

٥ - العبر ٥ / ٩٤.

٦ - سير أعلام النبلاء ٢٢ / ٢٥٢ وهذه خلاصة ما قال:

« الرّافعي، شيخ الشّافعيّة، عالم العجم والعرب، إمام الدين، كان من العلماء العاملين، يذكر عنه تعبد ونسك وأحوال وتواضع، إنتهت إليه معرفة المذهب.

__________________

(١). التدوين في ذكر أهل العلم بقزوين ٢ / ١٢٦.

١٨٤

قال ابن الصلاح: أظن أنّي لم أر في بلاد العجم مثله، كان ذا فنون، حسن السيرة جميل الأمر.

وقال أبو عبد الله محمّد بن محمّد الإسفراييني الصفار: هو شيخنا، إمام الدين، ناصر السنّة صدقاً، أبو القاسم، كان أوحد عصره في الأصول والفروع، ومجتهد زمانه، وفريد وقته في تفسير القرآن والمذهب، كان له مجلس للتفسير وتسميع الحديث بجامع قزوين، صنّف كثيراً، وكان زاهداً ورعاً، سمع الكثير.

قال الإمام النواوي: هو من الصالحين المتمكّنين، كانت له كرامات كثيرة ظاهرة.

وقال ابن خلّكان: توفي في ذي القعدة سنة ٦٢٣ ».

وستأتي ترجمته في قسم الدلالة أيضاً.

(٢٨)

رواية أبي الحسن ابن الأثير

ورواه عز الدين أبو الحسن ابن الأثير صاحب اُسد الغابة، بترجمة مولانا أمير المؤمنينعليه‌السلام حيث قال:

« أنبأنا إبراهيم بن محمّد وغير واحد، بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا جعفر بن سليمان الضّبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله فأقبل إليهم رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم، والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ

١٨٥

عليّاً منّي وأنا من علي وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي »(١). .

فهو يرويه في سياق فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وعن مشايخه، بأسانيدهم إلى الترمذي وتلك شواهد على صحّة الحديث وثبوته عنده واعتنائه به

من مصادر ترجمة ابن الأثير

وصاحب ( اُسد الغابة ) من أكابر الحفاظ المعتمدين وتوجد ترجمته في كلمات كبار العلماء، في المصادر المعتمدة مثل:

وفيات الأعيان ٣ / ٣٤٨.

وتذكرة الحفّاظ ٤ / ١٣٩٩.

وطبقات السبكي ٥ / ١٢٧.

وطبقات الحفّاظ ؟؟؟؟؟؟؟.

والعبر ٥ / ١٢٠.

والمختصر ٣ / ١٦١.

وقد أوردنا ترجمته بالتفصيل في حديث الطير.

كلمات في مدح اُسد الغابة

وكتاب ( اُسد الغابة في معرفة الصحابة ) من الكتب المعتمدة المقبولة:

قال ابن قاضي شهبة: « صنّف كتاباً حافلاً في معرفة الصحابة، جمع فيه بين: كتاب ابن مندة، وكتاب أبي نعيم، وكتاب ابن عبد البرّ، وكتاب أبي

__________________

(١). أُسد الغابة ٣ / ٦٠٤.

١٨٦

موسى في ذلك، وزاد وأفاد، وسمّاه أُسد الغابة في معرفة الصحابة »(١). .

وقال ابن الوزير: « وهو أجمع كتابٍ في هذا المعنى »(٢). .

وقال كاشف الظنون: « واستدرك ما فات على من تقدّمه، وبيِّن أوهامهم قاله الذهبي في تجريد أسماء الصحابة، وهو مختصر أُسد الغابة »(٣). .

(٢٩)

رواية أبي الربيع ابن سبع الكلاعي

ورواه أبو الرّبيع سليمان بن موسى الكلاعي البلنسي المعروف بابن سبع، في كتابه ( شفاء الصّدور )(٤). عن بريدة بن الحصيب، كما جاء في ( أسنى المطالب للوصّابي اليمني ) حيث قال:

« وعنه في روايةٍ اُخرى: إن خالد بن الوليد قال: إغتنمها يا بريدة فأخبر النبي - صلّى الله عليه وسلّم - ما صنع. فقدمت ودخلت المسجد ورسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في منزل، وناس من أصحابه على بابه، فقال: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خيراً، فتح الله على المسلمين، فقالوا: ما أقدمك؟ فقلت: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم. قالوا: فأخبر النبيّ فإنّه يسقط من عينه، ورسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يسمع الكلام، فخرج مغضباً فقال:

ما بال القوم ينتقصون علياً؟! من أبغض علياً فقد أبغضني، ومن

__________________

(١). طبقات الشافعية ٢ / ٨١.

(٢). الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم.

(٣). كشف الظنون ١ / ٨٢.

(٤). أسنى المطالب - مخطوط.

١٨٧

فارق علياً فقد فارقني، إنّ عليّاً منّي وأنا منه، خُلِق من طينتي وخُلِقتُ من طينة إبراهيم وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. يا بريدة، أما علمت: أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنه وليّكم بعدي؟

أخرجه ابن جرير في تهذيب الآثار، وابن أسبوع الأندلسي في الشفا ».

ترجمة ابن سبع الكلاعي

وأبو الربيع الكلاعي من أكابر الحفاظ الثقات:

١ - الذهبي: « الكلاعي، الإمام العالم، الحافظ البارع، محدّث الأندلس وبليغها أبو الربيع كان إماماً في صناعة الحديث، بصيراً به، حافظاً حافلاً، عارفاً بالجرح والتعديل، ذاكراً للمواليد والوفيات، يتقدّم أهل زمانه في ذلك، وفي حفظ أسماء الرجال خصوصاً من تأخّر زمانه »(١). .

٢ - وقال: « أبو الربيع الكلاعي، سليمان بن سالم البلنسي، الحافظ الكبير، صاحب التصانيف وبقيّة أعلام الأثر بالأندلس »(٢). .

٣ - وقال: « الإمام العلّامة، الحافظ المجود، الأديب البليغ، شيخ الحديث والبلاغة بالأندلس، وكان من كبار أئمة الحديث »(٣). .

٤ - اليافعي: « الحافظ، أبو الربيع الكلاعي، سليمان بن موسى البلنسي، صاحب التصانيف، وبقيّة أعلام الأثر في الأندلس. قال الأبّار:

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٤١٧.

(٢). العبر ٥ / ١٣٧.

(٣). سير أعلام النبلاء ٢٣ / ١٣٤.

١٨٨

وكان قد فاق وتقدّم على أقرانه، عارفاً بالجرح والتعديل، ذاكراً للمواليد والوفيات، لا نظير له في الاتقان والضّبط »(١). .

٥ - السيوطي: « أبو الربيع، الإمام الحافظ البارع، محدّث الأندلس وبليغها سليمان بن موسى وكان إماماً في صناعة الحديث، بصيراً به، حافظاً عارفاً »(٢). .

٦ - محمّد بن يوسف الشامي: « أو أبا الربيع، فالثقة الثبت سليمان ابن سالم الكلاعي »(٣). .

٧ - المقري: « وكانت وقعة اينجة التي قتل فيها الحافظ أبو الربيع الكلاعي رحمه ‌الله تعالى يوم الخميس لعشر بقين من ذي الحجة سنة ٦٣٤، ولم يزل رحمه ‌الله تعالى متقدّماً أمام الصّفوف زحفاً إلى الكفّار مقبلاً على العدو وكان رحمه ‌الله تعالى حافظاً للحديث، مبرّزاً في نقده، تام المعرفة بطرقه، ضابطاً لأحكام أسانيده، ذاكراً لرجاله »(٤). .

(٣٠)

رواية الضياء المقدسي

ورواه ضياء الدين محمّد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي في كتاب ( المختارة ) كما جاء في ( أسنى المطالب للوصابي ): « عن ابن عباس -رضي‌الله‌عنه - إن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال لبريدة: إن عليّاً

__________________

(١). مرآة الجنان حوادث: ٦٣٤.

(٢). طبقات الحفّاظ: ٥٠٠.

(٣). سبل الهدى والرشاد. مقدمة الكتاب ١ / ٤.

(٤). نفح الطّيب ٦ / ٢٦٣.

١٨٩

وليّكم بعدي فأحبَّ عليّاً فإنّه يفعل ما يؤمر به.

أخرجه الحاكم في المستدرك والضياء في المختارة »(١). .

كتاب المختارة للضياء

ورواية الضياء المقدسي هذا الحديث الشريف في كتابه ( المختارة ) من أقوى الأدلة على صحته وثبوته، ومن أمتن الحجج على ردّ أهل العناد والمكابرة، وقطع ألسنتهم ودحض أباطيلهم ذلك، لأنّ الضياء قد التزم في كتابه هذا بالصحّة، وأذعن بذلك المحقّقون ووافقوه على صحة أخباره، حتّى جعل بعضهم تصحيحه أعلى من تصحيح الحاكم، ورجّح كتابه على المستدرك.

قال كاشف الظنون: « المختارة في الحديث، للحافظ ضياء الدين محمّد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي، المتوفى سنة ٦٤٣. التزم فيه الصحة، فصحّح فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها. قال ابن كثير: وهذا الكتاب لم يتم، وكان بعض الحفّاظ من مشايخنا يرجّحه على مستدرك الحاكم. كذا في الشذا الفيّاح »(٢). .

وقال الشيخ حسن زمان في القول المستحسن:

« قال الشيخ الكردي في الاُمم: هي الأحاديث التي يصلح أن يحتجَّ بها، سوى ما في الصحيحين وقالوا: كتابه أحسن من مستدرك الحاكم.

وقال الزركشي في تخريج أحاديث الرّافعي: إن تصحيحه أعلى من

__________________

(١). أسنى المطالب للوصابي - مخطوط.

(٢). كشف الظنون ٢ / ١٦٢٤ - ١٦٢٥.

١٩٠

تصحيح الحاكم، وإنه قريب من تصحيح الترمذي وابن حبان.

ووافقه ابن حجر والسّخاوي.

والسيوطي أشرك صحيحه بالصحيحين في إطلاق اسم الصحّة على جميع ما فيه.

وممّن يعتمده: الحافظ المزّي، والمنذري، وعماد الدين ابن كثير، في كثيرين ».

ترجمة الضّياء المقدسي

وقد أطنب القوم وأطالوا في الثناء على الضياء المقدسي ومدحه وإطرائه:

١ - الذهبي: « الضياء، الإمام العالم الحافظ الحجة، محدّث الشام شيخ السنّة. سمع ما لا يوصف كثرة، وحصّل أُصولاً كثيرةً، ونسخ وصنّف وليّن وجرح وعدّل، وكان المرجوع إليه في هذا الشأن.

قال تلميذه عمر بن الحاجب: شيخنا أبو عبد الله، شيخ وقته ونسيج وحده، علماً وحفظاً، وثقةً وديناً، من العلماء الربانيين، وهو أكبر من أنْ يدل عليه مثلي، كان شديد التحرّي في الرّواية، مجتهداً في العبادات، كثير الذكر، منقطعاً متواضعاً سهل العارية. رأيت جماعةً من المحدّثين ذكروه فأطنبوا في حقّه ومدحوه بالحفظ والزهد. سألت الزّكي البرزالي عنه فقال: ثقة جليل حافظ ديّن.

قال ابن النجار: حافظ متقن حجّة، عالم بالرجال، ورع تقي، ما رأيت مثله في نزاهته وعفّته وحسن طريقته.

١٩١

وقال الشريف ابن النابلسي: ما رأيت مثل شيخنا الضياء »(١). .

٢ - الذهبي أيضاً: « والشيخ الضياء الحافظ أحد الأعلام أفنى عمره في هذا الشأن، مع الدين والورع، والفضيلة التامّة، والثقة والإتقان، إنتفع الناس بتصانيفه والمحدّثون بكتبه، فالله يرحمه ويرضى عنه »(٢). .

٣ - الذهبي أيضاً: « الشيخ الإمام الحافظ، القدوة، المحقّق، المجوّد، بقيّة السّلف حصّل الاُصول الكثيرة، وجرّح وعدّل، وصحّح وعلّل، وقيّد وأهمل، مع الديانة والأمانة، والتقوى والصيانة، والورع والتواضع، والصّدق والإخلاص، وصحّة النقل، ومن تصانيفه المشهورة »(٣). .

ومن مصادر ترجمته:

الوافي بالوفيات ٤ / ٦٥.

والبداية والنهاية ١٣ / ١٦٩.

والنجوم الزّاهرة ٦ / ٣٥٤.

وشذرات الذهب ٥ / ٢٢٤.

وطبقات الحفّاظ ؟؟؟؟؟؟؟.

(٣١)

رواية محمّد بن طلحة

ورواه أبو سالم محمّد بن طلحة القرشي الشافعي، مصححاً إيّاه ومحتجّاً به وهذه عبارته: «إعلم - أظهرك الله بنوره على أسرار التنزيل،

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٤٠٥.

(٢). العبر ٥ / ١٧٩.

(٣). سير أعلام النبلاء ٢٣ / ١٢٦.

١٩٢

ومنحك بلطفه تبصرة تهديك إلى سواء السبيل -: أنّه لمـّا كان من محامل لفظة المولى الناصر، كان معنى الحديث: من كنت ناصره فعليٌّ ناصره. فيكون النبي قد وصف عليّاً بكونه ناصراً لكلّ من كان النبي ناصره، فإنّه ذكر ذلك بصيغة العموم. وإنّما أثبت النبي - صلّى الله عليه وسلّم - هذه الصفة - وهي صفة الناصرية لعلي - لمـّا أثبتها الله عزّ وجلّ لعلي، فإنّه نقل الإمام أبو إسحاق الثعلبي يرفعه بسنده في تفسيره إلى أسماء بنت عميس قالت:

لمـّا نزل قوله تعالى:( وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) سمعت رسول الله يقول: صالح المؤمنين علي بن أبي طالب. فلمـّا أخبر الله فيما أنزله على رسوله أنّ ناصره هو الله وجبرئيل وعلي، ثبتت صفة الناصرية لعلي، فأثبته النبي اقتداءً بالقرآن الكريم في إثبات هذه الصفة له.

ثم وصفه بما هو من لوازم ذلك بصريح قوله - فيما رواه الحافظ أبو نعيم في حليته بسنده -: إن عليّاً دخل فقال: مرحباً بسيّد المسلمين وإمام المتّقين. فسيادة المسلمين وإمامة المتّقين لمـّا كانت من صفات نفسه وقد عبّر الله تعالى عن نفس علي بنفسه، وصفه بما هو من صفاتها، فافهم ذلك.

ثم لم يزل يخصّه بعد ذلك بخصائص من صفاته، نظراً إلى ما ذكرنا. حتى روى الحافظ أيضاً في حليته بسنده عن أنس بن مالك قال قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لأبي برزة - وأنا أسمع -: يا أبا برزة، إنّ الله عهد إليّ في علي بن أبي طالب أنّه راية الهدى ومنار الإيمان، وإمام أوليائي ونور جميع من أطاعني. يا أبا برزة، علي بن أبي طالب أميني غدا في القيامة، وصاحب رايتي في القيامة، وأميني على مفاتيح خزائن رحمة ربّي،

١٩٣

وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين، من أحبّه أحبّني ومن أبغضه أبغضني، فبشّره بذلك.

فإذا وضح لك هذا المستند، ظهرت حكمة تخصيصه عليّاً بكثيرٍ من الصّفات دون غيره، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

وقد روى الأئمة الثقات: البخاري، ومسلم، والترمذي، في صحاحهم بأسانيدهم، أحاديث اتّفقوا عليها، وزاد بعضهم على بعضٍ بألفاظٍ اُخرى، والجميع صحيح:

فمنها: عن سعد بن أبي وقاص قال: إنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - خلّف عليّاً في غزوة تبوك على أهله، فقال: يا رسول الله، تخلّفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي. قال ابن المسيّب: أخبرني بهذا عامر بن سعد، عن أبيه. فأحببت أن أشافه سعدا، فلقيته فقلت له: أنت سمعته من رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم؟ فوضع أصبعيه على اُذنيه وقال: نعم، وإلّا استكّتا.

وقال جابر بن عبد اللهرضي‌الله‌عنه : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي.

وروى مسلم والترمذي بسنديهما: إن معاوية بن أبي سفيان أمر سعد ابن أبي وقاص قال: ما منعك أنْ تسبَّ أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلن أسبّه، لأنْ تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من حمر النعم:

سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول له - وخلّفه في بعض مغازيه فقال -: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا

١٩٤

نبي بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. فتطاولنا إليها فقال: ادعوا لي علياً، فاُتي به أرمد، فبصق في عينيه ودفع إليه الراية، ففتح الله عليه.

ولمـّا نزلت هذه الآية:( نَدْعُ أَبْنائَنا وَأَبْنائَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللّهم هؤلاء أهلي.

ونقل الترمذي بسنده عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب

فأقبل إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال: ما تريدون من علي! إنّ عليّاً منّي وأنا من علي وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١). .

فقد رأيت كيف يذكر ابن طلحة هذا الحديث في معرض الإستدلال والاحتجاج إلى جنب أحاديث أُخرى ويقول: « والجميع صحيح »؟

من مصادر ترجمة ابن طلحة

وابن طلحة يعدّ من كبار فقهاء الشافعية ومحدّثيهم، وقد ذكروه وأثنوا عليه في غير واحد من كتبهم. فراجع منها: مرآة الجنان.

والعبر ٥ / ٢١٣.

وطبقات السبكي ٨ / ٦٣.

__________________

(١). مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: ٤٦ - ٤٨.

١٩٥

وطبقات ابن قاضي شهبة ؟؟؟؟؟.

والبداية والنهاية ١٣ / ١٨٦.

والنجوم الزاهرة ٧ / ٣٣.

والوافي بالوفيات ٣ / ١٧٦.

(٣٢)

رواية الكنجي الشّافعي

ورواه أبو عبد الله محمّد بن يوسف الكنجي الشّافعي، بأسانيده في غير موضع من كتابه، حيث قال:

« الباب التاسع عشر: في غضب النبي - صلّى الله عليه وسلّم - لمخالفة حكم علي -رضي‌الله‌عنه -:

أخبرنا أحمد بن شمذويه الصريفيني بها وأحمد بن محمّد بن سيد الأواني بها، قالا: أخبرنا عمر الدينوري، أخبرنا الكروخي، أخبرنا أبو عامر محمود بن القاسم الأزدي وغيره، أخبرنا الجراحي، أخبرنا المحبوبي، أخبرنا أبو عيسى الحافظ، حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، واستعمل عليهم علياً فأقبل عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - ثم قال:

ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ من بعدي، فلا تخالفوه في حكمه.

رواه أبو عيسى الحافظ كما أخرجناه.

١٩٦

وأخبرتني - كتابةً - عجيبة بنت الحافظ أعلى من هذا السند، غير أنّ أصل سماعي منها لم يحضرني وقت الإملاء.

وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مناقب عليعليه‌السلام ، عن عبد الرزاق وعفان، عن جعفر بن سليمان، غير أنّ في حديث عبد الرزاق: فأقبل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الرابع - وقد تغيّر وجهه - فقال: دعوا عليا، دعوا عليّا، دعوا عليا، إن عليّا منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي. الباقي سواء »(١). .

وقال الكنجي: « روى إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل في مسنده قصة نوم علي على فراش رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - في حديثٍ طويل. وتابعه الحافظ محدّث الشام في كتابه المسمّى بالأربعين الطوال.

فأمّا حديث الإمام أحمد، فأخبرنا: قاضي القضاة حجة الإسلام أبو الفضل يحيى ابن قاضي القضاة أبي المعالي محمّد بن علي القرشي قال: أخبرنا حنبل بن عبد الله المكّبر، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحصين، أخبرنا أبو علي الحسن بن المذهّب، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدّثنا أبي.

وأمّا الحديث الذي في الأربعين الطوال فأخبرنا به: القاضي العلّامة مفتي الشام، أبو نصر محمّد بن هبة الله ابن قاضي القضاة شرقاً وغرباً أبي نصر محمّد بن هبة الله بن محمّد بن جميل الشيرازي، قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن، أخبرنا الشيخ أبو القاسم هبة الله بن محمّد بن عبد الواحد الشيباني، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن محمّد التميمي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، حدّثنا عبد الله بن

__________________

(١). كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ١١٣.

١٩٧

أحمد بن محمّد بن حنبل، حدّثني أبي.

حدّثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، حدّثنا أبو بلج، حدّثنا عمرو ابن ميمون قال: إنّي لجالس إلى ابن عباس، إذ أتاه تسعة رهطٍ

هكذا رويته من مسند الإمام أحمد. وهذا حديث بطوله وإن لم يخرج في الصحيحين بهذا السياق لكن أكثر ألفاظه متّفق على صحتها.

ورواه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في خصائص علي، عن محمّد ابن المثنى، عن يحيى بن حماد، بطوله كما أخرجناه سواء »(١). .

ترجمة الكنجي

وأبو عبد الله فخر الدين محمّد بن يوسف الكنجي، إمام، محدّث، فقيه، متكلّم، أديب كما وصفه أرباب التواريخ والتّراجم فلاحظ:

١ - تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٤٤١.

٢ - الذيل على الروضتين: ٢٠٨.

٣ - ذيل مرآة الزمان ١ / ٣٦٠.

٤ - البداية والنهاية ١٣ / ٢٢١.

٥ - النجوم الزاهرة ٦ / ٨٠.

٦ - الوافي بالوفيات ٥ / ٢٥٤.

٧ - كشف الظنون ٢٦٣، ١٤٩٧، ١٨٤٤.

غير أنّ القوم نقموا عليه ميله إلى مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد كان هذا هو السّبب المهم في استشهاده في وسط جامع دمشق - حيث

__________________

(١). كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: ٢٤١ - ٢٤٤.

١٩٨

كان يملي كتابه في مناقب أمير المؤمنينعليه‌السلام - على يد النواصب بصورة شنيعة وقد جاء هذا في جميع تراجمه، نكتفي بكلام واحد، وهو الصفدي:

« الفخر الكنجي - محمّد بن يوسف بن محمّد بن الفخر الكنجي، نزيل دمشق، عُني بالحديث، وسمع ورحل وحصّل. كان إماماً محدّثاً، لكنّه كان يميل إلى الرفض، جمع كتباً في التشيّع، وداخل التتار، فانتدب له من تأذّى منه، فبقر جنبه بالجامع في سنة ٦٥٨. وله شعر يدل على تشيّعه وهو:

وكان علي أرمد العين يبتغي

دواء فلمـّا لم يحسّ مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلةٍ

فبورك مرقيّاً وبورك راقيا

وقال سأعطي الراية اليوم فارساً

كميّاً شجاعاً في الحروب محاميا

يحبُّ الإله والإله يحبُّه

به يفتح الله الحصون كما هيا

فخصَّ بها دون البريّة كلّها

علياً وسمّاه الوصيَّ المؤاخيا ».

(٣٣)

رواية محبّ الدين الطبري

ورواه أبو العباس أحمد بن عبد الله الطبري في كتابيه غير مرة:

ففي ( الرياض النضرة ) في مناقب أمير المؤمنين:

« عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية واستعملها علياً. قال: فمضى على السرية فأصاب جاريةً فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب النبي - صلّى الله عليه وسلّم - قالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفرٍ بدأوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وسلّموا عليه ثم انصرفوا

١٩٩

إلى رحالهم، فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله، فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر إنّ عليّاً صنع كذا وكذا، فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه.

ثم قام الثالث، فقال مثل مقالته فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا. فأقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي - ثلاثاً -؟ إنّ علياً منّي وأنا منه، وإنّه وليّ كلّ مؤمن بعدي.

خرّجه الترمذي - وقال: حسن غريب - وأبو حاتم.

وخرّجه أحمد وقال فيه: فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الرابع - وقد تغيّر وجهه - فقال: دعوا علياً، علي منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي »(١). .

وفيه:

« عن بريدة قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سريةً، وأمّر عليها رجلاً وأنا فيها، فأصبنا سبياً، فكتب الرجل إلى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إبعث لنا من يخمّسه. قال: فبعث عليّاً وفي السّبي وصيفة وهي أفضل السّبي. قال: فخمّس وقسّم. قال: فخرج ورأسه يقطر. قلنا: يا أبا الحسن ما هذا؟ قال: ألم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السّبي، فإنّي قسّمت وخمّست فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي، ثم صارت في آل علي.

فكتب الرجل إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

__________________

(١). الرياض النضرة في مناقب العشرة: ٣ / ١٢٩.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282