ثمرات الأعواد الجزء ١

ثمرات الأعواد0%

ثمرات الأعواد مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 284

ثمرات الأعواد

مؤلف: علي بن الحسين الهاشمي الخطيب
تصنيف:

الصفحات: 284
المشاهدات: 58444
تحميل: 4176


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 284 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 58444 / تحميل: 4176
الحجم الحجم الحجم
ثمرات الأعواد

ثمرات الأعواد الجزء 1

مؤلف:
العربية

عمّته زينب صارخة باكية واُمّة رملة معولة.

ومنها أنّ محمد بن الحنفية كان إذا حمل على القوم وضايقه العدو أدركه المدد من أبيه بالأبطال والشجعان وإن ناداهم ادركوه، والقاسم حمل على القوم وهو ينظر إلى أصحاب عمّه مجزّرين كالاضاحي وينظر الى عمّه يستغيث فلا يغاث وينظر إلى النسوة بالخيمة وقد علا صرخهن.

ومنها أنّ محمد بن الحنفية تكعكع يوم الجمل لمّا رأى السهام ترشق عليه أراد حتى تنفذ سهام القوم، والقاسم أراد الحسين عليه‌السلام تأخيره عن الحرب مراراً وهو يلحّ على عمّه ويقبل يديه ورجليه وهو يقول: يا عمّاه لا طاقة لي على البقاء وأرى بنو عمومتي وأخوتي مجزرين وأراك وحيداً فريداً، والحسين يقول له: ياابن أخي أنت الوديعة.

قال الأروي: فلم يزل يستأذن عمّه الحسين عليه‌السلام حتى إذن له (1) .

أقول: فلو فكّر الإنسان إلى ما لاقاه القاسم يوم كربلاء لعرف بسالته وشجاعته تجاه العدو لمّا حمل على القوم وجعل يضربهم بسيفه، فهذه أفعاله يوم الطف، وأمّا أقواله فتبهر العقول وذلك هو لمّا ارتجز وهو في الميدان غايته أن يعرّفهم نفسه قائلاً بل مفتخراً:

إن تنكروني فأنا نجل الحسن

سبط النبي المجتبى والمؤتمن

هذا حسين كالأسير المرتهن

بين اناس لا سقوا صوب المزن

__________________

(1) لم نعثر عليه، وأحسبه من مصادر أبناء العامة حيثُ لم يذكره آغا بزرك رحمه الله في الذريعة، وأغلب الظن هو الشيخ إبراهم الآروي شارح مسند الشافعي المطبوع بالهند سنة 1305 هـ.

٢٤١

وكانت همّته أن يقتل حامل راية عمر ابن سعد فبينا هو يقاتل إذ انقطع شسع نعله اليسرى فوقف ليشدّها، فقال عمر بن سعيد بن نفيل الأزدي: والله لأشدنّ عليه وأثكلنّ به اُمّه.

قال حميد بن مسلم: فقلت: سبحان الله وما تريد منه يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه من كل جانب؟! فقال: والله لافعلن ثم حمل عليه فما ولّى وجهه حتى ضرب الغلام بالسيف على رأسه فوقع القاسم لوجه وصاح: أدركني يا عمّاه... فأتاه الحسين عليه‌السلام ورآه يفحص بيديه ورجليه. قال: وحمل على قاتله فقتله ثم رجع إلى القاسم ووقف عليه قائلاً: يا ابن اخي بعداً لقومٍ قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة جدّك وأبوك... ثم قال: يابن أخى عزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا ينفعك أجابته يوم كثر واتره وقل ناصره... ثم حمله على صدره ورجلاه يخطّان في الارض خطاً حتى جاء به الى المخيم ووضعه الى جانب ولده علي الأكبر وهو يقول: يا ابن أخي أنت الوديعة.

(فائدة): القاسم بن الحسن عليه‌السلام لم أقف على تزويجه في كربلاء إلّا في منتخب الطريحي رحمه الله فإنّه يذكر قضية تزويجه نقلاً عن الغير، ولم يثبت هناك من مصدر معلوم، ومن المؤكّد أنّ هذا الخبر مرسل يأباه العقل السليم وتركه أولى من ذكره.

(فائدة): كان القاسم بن الحسن عليه‌السلام أخصّ أولاده، وقد خصّه بالوصايا الأكيدة والنصائح الشديدة، وقد سأل القاسم عمّه الحسين عليه‌السلام ليلة العاشر من المحرم عمّن يقتل، فجعل الحسين عليه‌السلام يخبره، فقال له الحسين عليه‌السلام : وكيف القتل

٢٤٢

عندك يا قرّة عيني؟ فقال: يا عم فو حقّك إنّ القتل عندي أحلى من الشهد؛ فأخبره الحسين عليه‌السلام بقتله فاستبشر القاسم عليه‌السلام (1) .

__________________

(1) انظر مقتل أبي مخنف: 170 - 171، وإبصار العين في أنصار الحسين عليه‌السلام : 36.

ثم حمله على صدره ورجلاه يخطّان في الأرض حتى جاء به إلى المخيم ووضعه الى جنب ولده علي الأكبر وهو يقول يابن أخي أنت الوديعة.

(دكسن)

جابه ومدّده ما بين اخوته

بچه عدهم يويلي وهم موته

بس ما سمعن النسوان صوته

اجت رمله تصيح الله واكبر

(نصاري)

يبني امهنّه ابطيب نومك

عريان وامسلبه اهدومك

حرّ الشمس غير ارسومك

لون تنشره ابروحي لسومك

وين الذي ياخذ اعلومك

لبوك الحسن وهلك او گومك

اويلاه يالغسلك ادمومك

اويلاه يبني يوم يومك

(ابوذية)

أنه ردتك ما ردت دنيا ولا مال

تحضرني لو وگع حملي ولا مال

يجاسم خابت اظنوني والآمال

محل الضيج يبني اگطعت بية

(بحراني)

شيبت راسي بالحزن يبني سجام

شيبت راسي بالحزن يبني يجسام

لما رأيتك على الثرى يبني رميّه

حلحلت جسمي وهيّجت حزني عليّه

عگبك يروحي ما دريت اشصار بيّة

ويا هو اليركّبني عگب عينك يجسام

* * *

خلفت والدة ولهى محيّرةً

ترعى نجوم الدجى في الليل بالسهر

٢٤٣

المطلب السادس والأربعون

في ما جرى في يوم التاسع من المحرم

روى صاحب أسرار الشهادة عن سكينة بنت الحسين عليها‌السلام قالت: عزّ ماؤنا يوم التاسع من المحرم حتى كظّنا العطش، فلمّا أمسى المساء عطشت أنا وبعض الفتيات والأطفال فقمت إلى عمّتي زينب كي أخبرها بعطشنا لعلّها قد ادخرت لنا ماء، فوجدتها جالسة في خيمتها وفي حجرها أخي الرضيع وهي تارة تقوم وتارة تجلس وأخي الرضيع يضطرب على يديها اضطراب السمكة في الماء وهو يصرخ وهي تقول: يابن أخي وأنّى لك الصبر وأنت على هذه الحالة يعزّ والله على عمّتك أن تراك عطشاناً.

قالت سكينة: فلمّا سمعت كلامها انتحبت باكية فالتفتت إليَّ وقالت لي: يا ابنة أخي ما يبكيك؟! فقلت لها؟ عمّة أبكي لحال أخي الرضيع. ولم أعلمها بعطشي خشية أن يزيد همّها، ثم قلت لها: عمّة لو أرسلت إلى بعض عيالات الأنصار أن يكون عندهم ماء؟ فقامت وأخذت الطفل بيدها فمرت بخيم عمومته وأولاد عمّه فلم تجد عندهم ماء، فرجعت وقد تبعها بعض أولاده رجاء أن تسقيهم الماء، ثم جلست في خيمة أولاد عمّي الحسن وأرسلت الى خيم الأصحاب لعل عندم ماء، فلم يكن عندهم شيئاً من الماء، فلمّا أيست رجعت إلى خيمتها ومعها ما يقرب من عشرين صبي وصيبة فأخذت بالعويل ونحن

٢٤٤

نتصارخ بالقرب منها، فمرّ علينا رجل من أصحاب أبي الحسين يقال له «برير بن خضير الهمداني» فلمّا سمع بكاءنا رقّ لحالنا وجعل يبكي، فنادى أصحابه وقال لهم:

أصحابي ما رأيكم أيسرّكم أن تموت هذه الصبية عطشاً وفي أيدينا قوائم سيوفنا؟ لا والله لا خير في الحياة بعدهم بل نرد دونهم حياض الموت... أصحابي فاليأخذ كل واحد منا بيد فتاة من هذه الفتية ونهجم على المشرعة قبل أن يهلكوا من الظمأ، وإن قاتلنا القوم قاتلناهم.

فقال له يحيى المازني: إنّ الحرس يمنعونا ويقاتلوننا فإذا أخذنا الأطفال ربّما تنالهم بعض السهام فنكون نحن السبب لذلك، لكن الرأي أن نحمل معنا قربة ونملأها لهم فإن قاتلونا قاتلناهم ومن قتل منا يكون فداء لبنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فقال له برير: شأنك..

ثم أخذوا قربة وساروا قاصدين الفرات وأقبلوا نحو المشرعة، فأحسّ بهم الحرّاس وصاحوا: من هؤلاء؟ فقال لهم برير: أنا برير وهؤلاء أصحابي وقد كظّنا العطش... فقالوا لهم: مكانكم حتى نخبر رئيسنا إسحاق بن حوية (لعنه الله).

ثم إنهم نزلوا إلى المشرعة ونزل برير فلمّا أحس ببرد الماء انتحب باكياً وقال: لعن الله ابن سعد هذا الماء يجري وأكباد الفاطميات تذوب من العطش... ثم صاح: أصحابي أذكروا ما وراءكم واملؤا القربة ولا تشربوا حتى ترووا أكباد الفاطميات.

فقال له أصحابه: والله يا برير لا نشرب قبل أطفال الحسين عليه‌السلام .

قالت: فسمعه رجل من الحرس فصاح بهم ما كفاكم الورود حتى تحملوا الماء الى هذا الخارجي؟ والله لأخبرن بأمركم إسحاق بن حوية. فقال له برير: اكتم

٢٤٥

عيلنا أمرنا... ثم دنى منه وهو يريد قبضه فولى منهزماً وأخبر إسحاق بذلك، فقال اللعين: إعترضوهم وآتوني بهم وإن أبوا فقاتلوهم.

فلما تعرضوا لهم وصاحوا بهم إن إسحاق بن حوية لا يرضى بحملكم الماء، فلم يلتفتوا، فصاحوا بهم ثانية إنّ فيه إراقة دمائكم، فقال برير: إراقة الدماء أشهى إلينا من إراقة الماء، والله ماذاق منا أحد طعم فراتكم وإنّما همتنا أن نروي أكباد أطفال الحسين، والله لا ندع الماء حتى تراق دماؤنا حول هذه القربة.

فقال أحدهم: إنّ هؤلاء مستميتون على يسير من الماء ولا يجدي لهم نفعاً؟ وقال بعضهم: لا تخالفوا حكم الأمير... ثم أحاطوا بهم فوضع برير وأصحابه القربة على الأرض ووقفوا دونها، وبرير يبكي دونها ويقول: وا لهفتاه على أكباد الفاطمياة، صدّ الله رحمته عمّن صدّ عنكم ياآل بيت رسول الله.

قالت: فحملها رجل منهم على عاتقه فأحسوا الحرس فجعلوا يرشقونهم بالسهام فأصاب حبل القربة سهم حتى خاطه الى عاتقه وسال الدم على ثوبه، فلمّا نظر إلى الدم يسيل من رقبته قال: الحمدلله الذي جعل رقبتي وقاء لقربتي. فلمّا رأى برير إنّ القوم غير تاركيه صاح بأعلى صوته: ويلكم يا أعواه آل أبي سفيان لا تثيروا الفتنة ودعوا أسياف بني همدان في مغامدها - وكان حول الحسين عليه‌السلام جماعة - فقال رجل منهم: إني أسمع صوت برير ينتدب أصحابه تارة ويعضّ القوم اُخرى، فقال لهم الحسين عليه‌السلام : إلحقوا به، فقام أبو الفضل العباس وتبعه بعضهم وركبوا، فلمّا رأوا الحرس إنّ العباس انحدر نحوهم انكشفوا عن برير وأصحابه.

قالت: وجاء برير بالقربة حتى دنا من الخيمة وقال: إشربوا يا آل بيت رسول الله، فتباشرت الأطفال بالماء وصحن الفتيات صيحة واحدة: هذا برير قد جاءنا بالماء، ورمين بأنفسهنّ على القربة هذه تحضنها والاُخرى تضع فؤادها

٢٤٦

عليها والاُخرى تضمّها الى كبدها، ولمّا كثر ازدحام الأطفال على القربة انفلت وكاعها فأريق ماءها، فصحن الفتيات: أُريق الماء يا برير... فرجعن الى الخيمة باكيات صارخات.

قال الراوي: ولما أصبح الصباح وهو يوم عاشوراء جاءت الحوراء زينب إلى أخيها الحسين عليه‌السلام تحمل عبدالله الرضيع فدفعته إلى الحسين وهي باكية وقالت له: أخي خذ طفلك هذا واطلب له قليلاً من الماء، فأخذه الحسين عليه‌السلام وقد غارت عيناه من شدّة العطش حتى جاء به نحو الأعداء.

فدعى الأقوام يا لله للخطب الفضيع

نبئوني أأنا المذنب أم هذا الرضيع

لا حظوه فعليه شبه الهادي الشفيع

لا يكن شافعكم خصماً لكم في النشأتين

اختلف العسكر فيما بينهم، ومنهم من لعن عمر ابن سعد، ومنهم قال: إذا كان ذنب للكبار فما ذنب هذا الطفل؟

فلمّا رأى ابن سعد اختلاف العسكر صاح بحرملة بن كاهل: ويلك يا حرملة اقطع نزاع القوم. قال: ما أصنع؟ قال: إرم الطفل بسهم.

قال حرملة: فوضعت سهما في كبد القوس وتأمّلت أين أرمي الطفل، فرأيت رقبته تلمح على عضد أبيه الحسين عليه‌السلام فرميت الطفل بسهمي وذبحته من الوريد الى الوريد، فلمّا أحسّ الطفل بحرارة السهم أخرج يده من القماط واعتنق أباه الحسين وجعل يرفرف كالطير المذبوح.

ثم ملأ الحسين عليه‌السلام كفه من دمه ورمى به إلى السماء وقال: اللّهمّ لا يكون أهون عليك من فصيل ناقة صالح.

ويروى أنّه قال: «ياربّ إن كنت حبست عنّا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير منه وانتقم لنا من هؤلاء الضالمين». فنودي: دعه يا حسين فإنّ له مرضعاً في الجنة.

٢٤٧

وروي عن الباقر عليه‌السلام أنه قال: لم يقع من ذلك الدم إلى الأرض قطرة واحدة (1) .

ثم جاء به إلى المخيم، استقبلته سكينة قائلة: أبه لعلك سقيت أخي الماء وجئتنا ببقيته؟ فقال لها الحسين عليه‌السلام : بنيّة خذي أخاك مذبوحاً... فلمّا رأته صاحت: وا أخاه وا عبدالله... وجاءت إليه أُمّه فرأته والسهم مشكوك في نحره صاحت: وا ولداه...

ومذ رأته أمه أنشأت

تدعوا بصوت يصدع الجلمدا

تقول عبدالله ما ذنبه

منفطماً آب بسهم الردى

لم يمنحوه الورد بل صيّروا

فيض وريده له موردا

وقال الآخر:

وكل رضيع يغتذى دّر اُمّه

ويرضع من ألبانها ثمّ يفطم

سوى أنّ عبدالله كان رضاعه

دماه وغذّته عن الدرّ أسهم

تبسّم لم جاء سهم حتفه

وكلّ رضيع للحلوبة يبسم

تخيّله ماءاً ليروي غليله

ففاض عليه الغمر لكنّه دم (2)

__________________

(1) مقتل أبي مخنف: 173.

(2) أقول: ساعد الله قلب الحسين عليه‌السلام لما نظر إلى رضيعه كأني بلسان حاله:

(ابوذية)

مياتم للحزن ننصب ونبني

فجعني حرملة ابسهمه ونبني

الطفل عاده يفطمونه ونبني

انفطم يا ناس بسهام المنيه

(نصاري)

تلّگة احسين دمّ الطفل بيدة

شحالة الينچتل ابحضنة اوليدة

سال وترس چفّة من وريدة

وذبّه للسما وللگاع ما خر

٢٤٨

(فائدة):

أقول: كان تبسمه لشيء آخر وهو أنّه لمّا أحس بحرارة السهم فتح عينه فرأى جدّته الزهراء عليها‌السلام فاتحة باعها ترحّب به فتبسّم لها.

وأمّا أُمّه الرباب فكأنّي بها:

هاي اُمّك يعبدالله انطفت عيني

يا ظيها العلى دربي يجدّيني

سهم الصابك الماذيك ماذيني

ابنحرك ما نبت يبني نبت بحشاي

يا زهرة الدنية الشلت راسي بيك

لبوك احسين عين او عين تربي ليك

حسبت احساب سالم ومك اتربّيك

ومك سالمه او تخلف عليَّ ارباي

(تخميس)

فمذ لاحّ السهم النحر ودّت لو أنّها

تشاطره سهم الردى وتساهمه

أقلّته بالكفّين ترشف ثغره

وتلثم نحراً قبلها السهم لاثمه

٢٤٩

المطلب السابع والأربعون

في ما جرى في ليلة العاشر من المحرم

روى صاحب الدمعة الساكبة: أنّه كان أخص الناس بالحسين عليه‌السلام وأكثرهم ملازمة «نافع بن هلال الجملي» (1) ، وكان رجلاً حازماً بصيراً بالسياسة، قال:

__________________

(1) يجري على بعض الألسن ويذكر في بعض الكتب هلال بن نافع البجلي وهو غلط صرف وهو نافع بن هلال الجملي، كما هو مذكور في كتب التراجم والأنساب والرجال، والجملي ينسب إلى جمل بطن من مذحج، ذكره محمد بن مسلم بن قتيبة في كتاب المعارف، وما رأيت في كتب المقاتل هلال بن نافع بل نافع بن هلال بن نافع وهو مذكور في الناحية انتهى.

وذكره الشيخ محمد السماوي رحمه الله نافع بن هلال الجملي في إبصار العين، وكان نافع سيّداً شريفاً سريّاً شجاعاً وكان قارئاً كاتباً ومن حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وحضر معه حربه الثلاث في العراق، وخرج الى الحسين عليه‌السلام فلقيه في الطريق.

قال أبو مخنف: كان نافع قد كتب إسمه على أفواق نبله فجعل يوم العاشر من المحرم يرمي أعداء الله، فقتل إثني عشر منهم سوى من جرح حتى إذا فنيت نباله جرد سيفه وحمل عليهم وهو يقول:

أنا الهزبر الجملي

أنا على دين علي

فوثبوا عليه وأطافوا به يتضاربون حتى كسروا عضديه ثم أخذوه أسيراً الى ابن سعد فأمر ابن سعد بقتله، فجرد الشمر سيفه وقتله رحمه الله، انتهى.

انظر: المعارف لابن قتيبة: 105 - 106، ورجال الشيخ: 80 / 2، وإبصار العين للسماوي: 86، ومقتل أبي مخنف: 134.

٢٥٠

ولما كانت الليلة العاشرة من المحرم خرج الحسين عليه‌السلام في نصف الليل خارج الخيام حتى ابتعد، فتقلد نافع سيفه وخرج في أثره، فنظر الحسين عليه‌السلام الى ورائه فرآه، قال: أنافع هذا؟ قال: نعم سيّدي، قال عليه‌السلام : يا نافع ما أخرجك في هذا الليل؟ قال: سيّدي أزعجني خروجك الى معسكر هذا الطاغي الباغي، فقال: يا نافع خرجت اتفقّد هذا التلاع مخافة أن تكون مكاناً لهجوم الخيل يوم تحملون ويحملون، قال نافع: ثم رجع وهو قابض على يساري وهو يقول: والله وعد لا خلف فيه... ثم قال: يا نافع ألا تسلك ما بين هذين الجبلين وتنجو بنفسك؟ فوقع نافع على قدمي الإمام يقبّلهما وهو يقول: إذاً ثكلتني أُمّي.. سيدي إن سيفي بألف وفرسي بمثله فوالله الذي من عليَّ بهذا الموقف معك لا افارقك حتى يكلا عن فري وجري.

قال نافع: ثم فارقني ودخل خيمة اُخته الحوراء زينب، فوقفت بباب الخيمة ورجوت أن يسرع الحسين عليه‌السلام في خروجه، فاستقبلته زينب ووضعت له متّكأ وجلس يحدثها سرّاً، فما لبث إن اختنفت بعبرتها وصاحت: وا أخاه وا حسيناه.. أخي اشاهد مصرعك وابتلى برعاية هذه المذاعير في النسوة؟ يعزّ والله عليَّ مصرعك ومصرع هؤلاء الفتية الصفوة.

ثم قالت له: أخي هل استعملت أصحابك من نيّاتهم فإنّي أخاف أن يسلّموك عند الوثبة واصطكاك الأسنّة؟ فقال لها الحسين عليه‌السلام : أما والله يا زينب لقد لهزتهم وبلوتهم وليس فيهم إلّا الأسوش الاقعس، يستأنسون بالمنيّة دوني كاستئناس الطفل بمحالب أُمّه.

فلما سمع نافع بكى وقال: اي والله. ثم إنّ نافع رجع الى خيمته وجعل

٢٥١

طريقه على خيمة حبيب بن مظاهر الأسدي فوجده جالساً وبيده سيفه مصلّت وهو يصلحه ويقول:

أيّها الصارم استعد جوابا

لسؤالي إذا العجاج أثيرا

فدخل عليه نافع فسلّم، فرد حبيب السلام عليه، فقال له حبيب: أنافع هذا؟ قال: نعم، قال: يا نافع ما أخرجك في هذا الليل؟ قال نافع: فحكيت له القصة إلى أن بلغت إلى قول الحسين عليه‌السلام لاُخته الحوراء زينب: يستأنسون بالمنية دوني كاستئناس الطفل بمحالب أُمّه.

فقال حبيب: اي والله لو لا انتظاره لهم لعاجلتهم بسيفي هذا ما ثبت قائمه بيدي، فقال نافع: يا حبيب إني قد فارقت الحسين عليه‌السلام وهو عند اخته العقيلة زينب وهي في حال وجل ورعب وأظن إن النساء قد أفقن وشاركهن بالحسرة والزفرة فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجههن بكلام يسكن قلوبهن ويذهب رعبهن؟ فقال: طوع إرادتك يا نافع.

ثم خرج حبيب ناحية ونافع الى جنبه ونادى:

يا أصحاب الحمية ويا ليوث الكريهة... فتطالعوا (1) من منازلهم كالليوث الضارية، يقدمهم أبوالفضل العباس عليه‌السلام رام عمامتة من على رأسه، وهو يقول: ما تريد يا بن مظاهر؟ لمثل هذا ادّخرني والدي، فقال حبيب لبني هاشم: ارجعوا إلى مضاربكم لا سهرت عيونكم.

ثم إنّه خطب أصحابه وقال: أصحابي هذا نافع يخبرني بكيت وكيت وقد خلّف اُخت سيدكم وبقايا عيالاته وأهل بيته يتشاكين ويتباكين، أصحابي

__________________

(1) في بعض الرواياة: فتطالع الأنصار والهاشميون....

٢٥٢

أخبروني عمّا أنتم عليه؟ فجردوا صوارمهم ورموا عمائمهم إلى الأرض وقالوا: يا حبيب والذي منّ علينا بهذا الموقف لئن زحف القوم إلينا لنحصدنّ رؤوسهم بأسيافنا ولنلحقنهم بأشياخهم أذلّاء صاغرين ولنحفظنّ وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أبنائه.

قال حبيب: إذاً هلمّوا معي... ثم قام حبيب يمشي وتبعه أصحابه حتى جاء ووقف بين أطناب الخيم ونادى: السلام عليكم يا أهلنا، السلام عليكم يا فخرنا، السلام عليكم يا سادتنا ويا معشر حرائر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذه صوارم فتيانكم آلو أن لا يغمدوها إلا في رقاب أعدائكم، وهذه أسنّة غلمانكم آلو أن لا يركزوها إلّا في صدور أعدائكم.

فخرجت إليهم [الحوراء] زينب وهي ملتحفة بملحفة اُمّها فاطمة الزهراء عليها‌السلام فبكت وبكت النسوة، فنادتهم امرأة من الأنصار: حاموا أيها الطيبون عن الطيبات حرائر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال: فاستقرّت عيالات الحسين تلك الليلة إلّا أنّه لم تنم لهم عين قط.

قال: وقام الحسين عليه‌السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دويّ كدوي النحل ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد.

سمة العبيد من الخشوع عليهم

لله أن ضمّتهم الأسحار

وإذا ترجّلت الضحى شهدت لهم

بيض القواضب أنّهم أحرار

بيّض الله وجوههم لقد بذلو الجد والجهد دون سيدهم حتى كان الرجل منهم يتلقى السيوف والسهام والنبال بصدره ونحره بل كانوا يتسابقون إلى القتال،

٢٥٣

فهذا مسلم بن عوسجة نصر الحسين عليه‌السلام حيّاً وأوصى به ميتأً (1) .

قال ابن سعد في طبقاته: مسلم بن عوسجة كان صحابياً ممن رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (2) .

وذكر غيره قال: كان مسلم بن عوسجة فارساً شجاعاً له في المغازي مواقف مشهورة، وفي الفتوح الإسلامية مواطن مشهودة، وكان ممّن كاتب الحسين ووفى له، ولمّا دخل عبيدالله بن زياد الكوفة وسمع به مسلم بن عقيل خرج اليه لمحاربته فعقد لمسلم بن عوسجة على ربع مذحج وأسد، ولابي تمامة على ربع تميم وهمدان، ولعبيد الله بن عمر بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة، وللعباس بن جعدة الجدلي على أهل المدينة، فانهدوا إليه حتى حبسوه في قصره ثم إنّه فرّق الناس بالتخذيل عنه، قال أبو جعفر: وبعد أن قبض مسلم بن عقيل اختفى مسلم بن عوسجة ولمّا بلغه أنّ الحسين عليه‌السلام قد نزل كربلاء فرّ بأهله إلى الحسين عليه‌السلام فوافاه بكربلاء وفداه بنفسه.

قال أهل السير وأرباب المقاتل: لمّا التحم القتال حملت ميمنة عمر بن سعد (لعنه الله) على ميسرة الحسين عليه‌السلام وفي ميمنة ابن سعد عمرو بن الحجاج الزبيدي وفي مسيرة الحسين عليه‌السلام زهير بن القين البجلي، وكانت حملتهم نحو الفرات فاضطربوا ساعة، وكان مسلم بن عوسجة في الميسرة، فقاتل قتالاً شديداً لم يسمع بمثله قط، فكان يحمل على القوم وسيفه مصلت بيمينه وهو يقول:

__________________

(1) ممّن ذكر في ناحية المقدسة، انظر بحار الأنوار: 101 / 269، وهو أول قتيل من أنصار الحسين عليه‌السلام ، انظر تارخ الطبري: 5 / 369، وبحار الانوار: 45 / 69.

(2) طبقات ابن سعد.

٢٥٤

إن تسألوا عنّي فإنّي ذو لبد

وإنّ بيتي في ذُرى بني أسد

فمن بغاني حائد عن الرّشد

وكافر بدين جبّار صمد

ولم يزل يضرب فيهم بسيفه حتى عطف عليهم مسلم بن عبدالله الضبابي وعبدالرحمن بن خشكارة البجلي فاشتركا في قتله، وثارت لشدّة الجلاد غبرة عظيمة فلمّا انجلت الغبرة إذ هم بمسلم صريعاً، فمشى لمصرعه الحسين عليه‌السلام وكان به رمق الحياة فقال له الحسين: رحمك الله يا مسلم ثم تلى ( فَمِنْهُم مّن قَضَى‏ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلاً ) (1)

ثم دنا منه حبيب وقال له: عزّ عليَّ مصرعك يا أخي يا مسلم أبشر بالجنّة، فقال له مسلم قولاً ضعيفاً: بشرّك الله بالخير، فقال له حبيب: لو لم أعلم أني بالأثر لأحببت أن توصني بجميع ما أهمك، فقال له: أخي اُوصيك بهذا الغريب - وأشار بيده الى الحسين عليه‌السلام - فقال له حبيب: والله لأنعمنّك عيناً.

أوصى ابن عوسجة حبيباً قائلاً

فقاتل دونه حتى الحمام تذوقا

نصروه أحياء وعند مماتهم

يوصي بنصرته الشفيق شفيقاً

قال الراوي: فما كان بأسرع من أن فاضت نفسه فصاحت جاريته: واسيّداه وا ابن عوسجتاه، فتباشر أصحاب عمر بن سعد بذلك فقال لهم شبث بن ربعي: ثكلتكم اُمّهاتكم إنّما تقتلون أنفسكم بإيديكم وتذلّون أنفسكم لغيركم، أتفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة؟ أما والذي اسلمت له لرب لموقف له قد رأيته في المسلمين كريم لرأيته يوم «سلق آذربايجان» قتل ستة من المشركين قبل أن تلتئم

__________________

(1) سورة الأحزاب 33: 23.

٢٥٥

خيول المسلمين، أفيقتل منكم مثله وتفرحون بمثله؟! (1)

قال الراوي: والتفتت جاريته إلى غلامه فقالت له: كفن مولاك مسلماً؛ فقال لها: أكفن مسلماً وسيدي ومولاي الحسين لا يكفنه أحد؟! لا كان ذلك أبداً (2) .

وا صريعاً عالج الموت بلا

شدّ لحيين ولا مدّ ردا

غسّلوه بدم الطعن وما

كفنوه غير بوغاء الثرى (3)

__________________

(1) مقتل أبي مخنف: 136 - 138.

(2) إبصار العين للسماوي: 61.

(3) وزينب عليها‌السلام :

(نصاري)

عسه الويّاي كون الصار ويّاك

عسه بحشاي سهم الصاب بحشاك

عسه لعضاي خيل الداست اعضاك

يخويه او روحي الروحك فده الها

ولا واحد صديج البيه غيرة

ولا حاضر جريب امن العشيرة

يسوي الجثت ابن امي حفيره

چفنها الذاري او دمها غسها

(دكسن)

يا ناس ضيّعت البصيره

وحيّرني زماني اشلون حيره

ابن والدي ماله عشيره

ولا من گرابه البيه غيره

يسوون لبن امّي حفيره

(تخميس)

وأمين الله أدمى خدّه

وجميع الرسل تبكي فقده

وأبوه النوح أمسى ورده

لو رسول الله يحيى بعده

قعد اليوم عليه للعزا

٢٥٦

المطلب الثامن والاربعون

في حالة الحسينعليه‌السلامليلة العاشرة من المحرم

عن سكينة بنت الحسين: أنّه لما كانت الليلة العاشرة من المحرم - وكانت ليلة مقمرة - كنت جالسة في الفسطاط، وإذا أنا ببكاء ونحيب، فسكت خوفاً من أن يعلمن النسوة، فخرجت وأن أطأ أثوابي فأتيت إلى خيمة أبي الحسين فرأيته جالساً وأصحابه حوله، وهو يقول لهم:

«أصحابي أنتم جئتم معي لعلمكم بأنّي أذهب الى جماعة بايعوني قلباً ولساناً، والآن تجدونهم قد استحوذ عليهم الشيطان ونسوا ذكر الله، وقد لبّوا لقتلي وقتل من معي، فمن يكره نصرتنا فليذهب في هذه الليلة، ومن بقي ونصرنا بنفسه يكون معنا في الدرجات العالية من الجنان، ولقد أخبرني أبي عن جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّ ولدي الحسين يقتل بطفّ كربلاء، إلا ومن نصره فقد نصرني ونصر ولده القائم، ومن نصرنا بلسانه فإنّه في حزبنا يوم القيامة».

قالت سكينة: والله ما تمّ كلامه حتّى تفرق منه أصحابه من عشرة ومن عشرين حتى لم يبق معه إلّا ما ينقص عن الثمانين، ورأيت أبي وقد أطرق برأسه، فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت ورفعت طرفي الى السماء وقلت:

«اللّهمّ إنّهم خذلونا فاخذلهم، ولا تجعل لهم في الأرض مساكناً، وسلّط عليهم الفقر ولا تنلهم شفاعة جدّنا».

٢٥٧

ثم رجعت إلى الفسطاط وأنا أهمل دموعي، فنظرت إليّ عمّتي اُم كلثوم فقالت: مالك؟! فحكيت لها ما رأيت، فصاحت: وا جدّاه... وا محمّداه... وا أباه... وا عليّاه... وا حسناه... وا حسيناه... وا قلة ناصراه... وكيف الخلاص من الاعداء وليت الأعادي يقتلوننا بدلاً عن أخي الحسين عليه‌السلام .

قالت سكينة: فاجتمعن النسوة وبكين، فسمع أبي بكاءنا فخرج من الفسطاط وقال: ممَّ هذا البكاء؟ فقربت إليه عمتي وقالت له: أخي ردنا إلى حرم جدنا؟ فقال: يا اُختاه كيف لي بذلك وقد أحاط بنا الأعداء؟ فقالت: أخي هل ذكّرتهم محل جدك وأبيك وجدّتك وأخيك؟ فقال: بلى ذكرتهم فلم يذكروا، ووعظتهم فلم يتّعظوا، وليس لهم رأي سوى قتلي، ولابدّ أن تريني على التراب جديلاً، ولكن يا أختاه اوصيكنّ بالصبر والتقوى.

وروى ابن شهر آشوب: إنّه لمّا كان وقت السحر خفق الحسين عليه‌السلام خفقة واستيقظ وقال: أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟ قالوا: وما الذي رأيت يابن رسول الله؟ قال: رأيت كلاباً قد شدت عليَّ لتنهشني وفيها كلب أبرص ورأيته أشدّها عليّ، وأظنّ أنّ الذي يتولى قتلي رجل أبرص من هؤلاء القوم، ثم رأيت بعد ذلك جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول لي: يا بني أنت شهيد آل محمد، وقد استبشر بك أهل السماوات فاليكن إفطارك عندي الليلة، وهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ من دمك في قارورة خضراء، فهذا ما رأيت.

وفي الخرائج والجرائح للراوندي، روي عن زين العابدين عليه‌السلام أنه قال: لمّا كانت الليلة العاشرة من المحرم قام أبي الحسين في أصحابه خطيباً، فقال:

«يا أصحابي إنّ هؤلاء يريدونني دونكم، ولو قتلوني لم يصلوا إليكم، فالنجاة النجاة وأنتم في حلٍّ مني فإنّكم إن أصبحتم معي قتلتم كلّكم».

٢٥٨

فقالوا: لا نخذلك ولا نختار العيش بعدك.

فقال عليه‌السلام : إنّكم تقتلون حتى لا يفلت منكم أحداً.

فقالوا: الحمد لله الذي شرفنا بالقتل معك.

ثم أنّه دعا لهم، وقال: ارفعوا رؤوسكم وانظروا؛ فجعلوا ينظرون الى منازلهم في الجنّة.

ويروى أنّه قال في آخر خطبته: «أصحابي.. بنو عمومتي.. أهل بيتي ألا ومن كانت في رحله امرأة فاليبعث بها إلى أهلها، فإنّ نسائي تسبى وأخاف على نسائكم السبي». فقام من بينهم حبيب بن مظاهر الأسدي وأقبل إلى خيمته فتبسّمت زوجته في وجهه، فقال لها: دعينا والتبسّم قومي والحقي ببني عمّك من بني أسد، فقالت: لم يابن مظاهر؟ أهل فعلت معك مكروهاً؟ قال: حاشا لله، ولكن أما سمعت غريب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطبنا في هذه الساعة؟ قالت: بلى، ولكن سمعت في آخر خطبته همهمة لا أعرفها؟ قال: خطبنا وقال: ألا ومن كانت في رحله امرأة فليبعث بها الى أهلها، فلمّا سمعت الحرة نطحت رأسها بعود الخيمة وقالت: ما أنصفتني يابن مظاهر أيسرّك أنّ زينب يسلب إزارها وأنا أتزيّن بإزاري؟! أم يسرّك أنّ سكينة يسلب قرطها وأنا أتزين بقرطي؟! لا كان ذلك أبداً، بل أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء. فلمّا سمع منها ذلك رجع الى الحسين عليه‌السلام فرآه جالساً ومعه أخوه العباس فسلّم عليهما وجلس، وقال: أبت الأسديّة أن تفارقكم.

أبت المروة أن تفارق أهلها

وأبى العزيز أن يكون ذليلا

فقال الحسين عليه‌السلام : جزاكم الله خير الجزاء، ثم قام الحسين عليه‌السلام ومعه أخوه العباس وأقبل الى خيمة السجّاد - وكان حينئذ مريض - وعنده عمّته زينب تمرّضه، فمّا نظر إلى أبيه قد أقبل نادى: عمّتاه سنّديني إلى صدرك فإنّ أبن

٢٥٩

رسول الله قد أقبل. فسنّدته إلى صدرها فجعل الحسين والعباس يسئلانه عن حاله وعن مرضه والسجّاد يحمد الله ويشكره ثم قال: أبه أمقاتل أنت هؤلاء القوم في مكاننا هذا؟ قال: نعم يا بني، فقال: أبه دعنا نرحل عن مكاننا هذا؟ فقال له العباس: يابن أخي أتحب أن ترحل من هذا المكان؟ قال: نعم يا عم، فقال له: أمهلنا إلى غداة غد نرحل بأجمعنا فيصير الأمر إليك فلمّا سمعت زينب أختنقت بعبرتها وقامت، فقال لها الحسين عليه‌السلام : إلى أين يا قرّة عيني؟ فقالت: أخي أنا ماضية إلى خيمتي أبكي بيني وبين ربّي.. أخي إنّ كلام العباس قطع نياط قلبي.

ثم إنّ الحسين عليه‌السلام قام وتوضّأ ودخل إلى الخيمة قد صنع له محرابا، ولم يزل تلك الليلة قائماً وقاعداً، وراكعاً وساجداً إلى الصباح، وأمّا أصحابه فإنّهم إغتسلوا ولبسوا أكفانهم وباتوا تلك الليلة ولهم دويّ كدويّ النحل، ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد ينتظرون الصباح.

ادركوا بالحسين أكبر عيد

فغدوا في منى الطفوف أضاحي (1)

__________________

(1) وذلك بعد أن خطبهم ليلة العاشوراء وأراهم منازلهم من الجنّة لمّا عرف منهم الثبات وكانوا في حالة من الإستبشار بلقاء الله عزّوجلّ وحب الشهادة بين يدي الحسين عليه‌السلام ، وكان لبنات الرسالة وخصوصاً زينب عليها‌السلام مع الحسين عليه‌السلام لقاء خاص.

زينب لفت يم حسين

لاچن گابعه بالهم

تگلّة يا ضوه عيوني

عليمن هالفزع ملتم

تعنّت ليه للخيمة

او تفسّر والصخر ونتها

طبّت گعدت اگباله

او عالخد تهل دمعتها

تگلة اعليك ضلع اُمّك

المظلومه او مصيبتها

سولفلي يماي العين

لا تخفي عَلَي يحسين

عليمن هالفزع صوبين

٢٦٠