موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء ٢

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام0%

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مؤلف:
المحقق: باقر شريف القرشي
المترجم: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 287

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

مؤلف: باقر شريف القرشي
المحقق: باقر شريف القرشي
المترجم: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
تصنيف:

ISBN: 964-94388-6-3
الصفحات: 287
المشاهدات: 131404
تحميل: 3087


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 287 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131404 / تحميل: 3087
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الجزء 2

مؤلف:
ISBN: 964-94388-6-3
العربية

عبل الذّراعين شديد القسورة

كليث غابات كريه المنظرة (1)

أضرب بالسّيف رقاب الكفرة

أكيلهم بالسّيف كيل السّندره » (2)

ولم يختلف الرواة في أنّ هذا الشعر للإمام (3) ، وقد حكى هذا الشعر قوّة بأس الإمام 7 وشجاعته ، وتقدّم إليه الإمام فبادره بضربة قدّت البيضة والمغفر ورأسه ، وسقط إلى الأرض صريعا يتخبّط بدمه ، فأجهز عليه وتركه جثّة هامدة ، وبذلك فقد كتب الله النصر للإسلام ، وفتحت حصون خيبر ، وأذلّ اليهود ولقّنهم درسا قاسيا يذكرونه بأسى ولوعة على امتداد التاريخ.

وسرّ النبيّ 6 سرورا بالغا بهذا النصر المبين الذي أعزّ الله به المسلمين وقهر أعداءهم اليهود ، وصادف في ذلك اليوم رجوع جعفر بن أبي طالب من الحبشة ، فقال 6 : « ما أدري بأيّهما أنا أسرّ أبقدوم جعفر أم بفتح خيبر » (4) ؟

غزوة بني قريظة :

وبنو قريظة من شرائح اليهود الذين يشكّلون خطرا على المسلمين ويكيدونهم في وضح النهار وغلس الليل ، وقد هبط جبرئيل على رسول الله 6 بأمر من الله تعالى أن ينازلهم الحرب ويستأصل شأفتهم (5) ، وخفّ النبيّ 6 لحربهم ، وقدّم الإمام أمير المؤمنين أمامه وهو يحمل رايته ، فسار لهم ، فلمّا دنا من

__________________

(1) العبل : الضخم.

(2) السندرة : اختلف في معناها ، فقال ابن الاعرابي : هي المكيال ، والمعنى : أنّي أقتلكم قتلا واسعا كثيرا ، وقال غيره : هي امرأة كانت توفي الكيل ، أي أقتلكم قتلا وافيا.

(3) خزانة الأدب 6 : 65.

(4) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد 4 : 128.

(5) السيرة النبوية ـ ابن هشام 2 : 333.

٤١

حصونهم سمع منهم مقالة قبيحة في النبيّ ، فرجع حتى التقى به وقال له : « يا رسول الله ، لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخباث » ، فقال له : « لم أظنّك سمعت منهم لي أذى؟ » ، قال : « نعم » ، فقال النبي :

« لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا » وحاصرهم النبيّ خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب.

نصيحة كعب لبني قريظة :

وأيقنت بنو قريظة أنّ رسول الله 6 غير منصرف عنهم حتى يناجزهم الحرب فتقدّم إليهم كعب بن أسد بنصيحة لهم قائلا :

يا معشر اليهود ، قد نزل بكم من الأمر ما ترون ، وإنّي عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيّها شئتم؟

وهتفوا جميعا ما هي؟

عرض عليهم نصيحته قائلا :

نتابع هذا الرجل ونصدّقه ، فو الله! لقد تبيّن لكم أنّه نبيّ مرسل ، وأنّه للذي تجدونه في كتابكم ، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم ..

وأشار عليهم بنجاتهم وسلامتهم ، إلاّ أنّهم لم يستجيبوا له وردّوا عليه قائلين :

لا نفارق حكم التوراة أبدا ، ولا نستبدل به غيره ..

وأشار عليهم ثانيا :

فإذا أبيتم عليّ هذه فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثمّ نخرج إلى محمّد وأصحابه مصلتين السيوف ، لم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمّد ، فإن نهلك فهلك ولم نترك وراءنا نسلا نخشى عليه ، وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء ...

٤٢

ورفضوا هذا المقترح قائلين :

ونقتل هؤلاء المساكين فما خير للعيش بعدهم ..

واقترح عليهم ثالثا : فإن أبيتم عليّ هذه فإنّ الليلة ليلة السبت ، وأنّه عسى أن يكون محمّد وأصحابه قد امنونا فيها ، فانزلوا لعلّنا نصيب من محمّد وأصحابه غرّة ..

ورفضوا ذلك وقالوا : نفسد سبتنا علينا ، ونحدث فيه ما لم يحدث من كان قبلنا إلاّ من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ.

ولم ينصاعوا لرأيه وأصرّوا على جهلهم (1) .

نزولهم على حكم الرسول :

وضاق بنو قريظة ذرعا وسدّت عليهم جميع النوافذ فنزلوا على حكم رسول الله 6 وما يراه فيهم.

تحكيم سعد :

وأوكل النبيّ 6 أمرهم إلى سعد بن معاذ ، وكان من أجلاّء الصحابة ، لا تأخذه في الله لومة لائم وكان جريحا ، فحمل إلى رسول الله 6 فقام إليه وسائر الصحابة تكريما وقالوا له :

يا أبا عمرو ، إنّ رسول الله 6 قد أمر مواليك لتحكم فيهم ..

فقال سعد : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ، إنّ الحكم فيهم لما حكمت ...

نعم.

وحكم سعد فيهم بقتل رجالهم وتقسيم أموالهم وسبي نسائهم وذراريهم.

وهو حكم عادل في هؤلاء اليهود الذين هم مصدر فتنة وفساد في الأرض.

__________________

(1) السيرة النبوية ـ ابن هشام 2 : 235 ـ 236.

٤٣

وأقرّ النبيّ 6 حكم سعد ، وقال له :

« لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرفعة » (1) .

ونفّذ الإمام أمير المؤمنين 7 حكم الاعدام في هؤلاء الأشرار ، فقد حصد رءوسهم بسيفه.

غزوة بني النضير :

وبنو النضير من فصائل اليهود الذين أترعت نفوسهم بالبغض والعداء إلى الرسول 6 ، وقد سار إليهم في جماعة من أصحابه ، في طليعتهم الإمام أمير المؤمنين 7 وذلك لأخذ دية منهم كانت قد اتّفق معهم عليها ، وجلس النبيّ 6 إلى جانب جدار من بيوتهم ، فخلا بعضهم ببعض وتآمروا على أن يلقي بعضهم صخرة من السطح على رأس النبيّ ، واستجاب عمرو بن جحاش لذلك ، وأخذ معه الصخرة ، فنزل الوحي من السماء على النبيّ 6 يخبره بذلك ، فسارع قائما وترك أصحابه في مجالسهم وقفل راجعا إلى المدينة ، وفي ذلك يقول السبكي :

وجاءك الوحي بالذي أضمرت بنو

النضيرة وقد همّوا بإلقاء صخرة (2)

وسارع الإمام 7 إلى اليهودي الذي حاول اغتيال الرسول 6 فقتله ، وهربت العصابة التي معه ، فطلب الامام من الرسول ملاحقتهم فأذن له ، وزوّده بكوكبة من جيشه فلحقوهم قبل دخول حصنهم وقتلوهم ، وكان ذلك السبب في فتح حصونهم ، وانبرى جماعة من الشعراء كان منهم حسّان بن ثابت فنظّموا في

__________________

(1) السيرة النبوية ـ ابن هشام 2 : 239 ـ 240.

(2) إنسان العين 2 : 176.

٤٤

شعرهم الحادثة ، وأثنوا على الإمام 7 على ما بذله من جهد شاقّ في فتح حصون بني النضير.

غزوة وادي القرى :

ولمّا فتح النبيّ 6 حصون خيبر أتى وادي القرى ، وقد سكنه اليهود ، فعرض عليهم الإسلام فأبوا واختاروا قتاله ، فقاتلهم المسلمون ، وقتل منهم أحد عشر رجلا قد قتل الإمام بعضهم ، وفتح الله للنبيّ 6 ديارهم ، وغنم المسلمون أموالهم ، وترك لهم ما في أيديهم من الأرض والنخيل ، وعاملهم بها مثل معاملته لأهل الخيبر (1) .

الإمام وفتح اليمن :

وأرسل النبيّ 6 الإمام 7 مع كتيبة عسكرية إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام أو الحرب ، وأخذ الإمام يجدّ في السير لا يلوي على شيء لينفّذ رسالة الرسول 6 .

دعاء الإمام :

وكان الإمام 7 قد دعا بهذا الدعاء الشريف حين توجّهه إلى اليمن ، وهذا نصّه :

« اللهمّ إنّي أتوجّه إليك بلا ثقة منّي بغيرك ، ولا رجاء يأوي بي إلاّ إليك ، ولا قوّة أتّكل عليها ، ولا حيلة ألجأ إليها إلاّ طلب فضلك ، والتّعرّض لرحمتك ، والسّكون إلى أحسن عادتك ، وأنت أعلم بما سبق لي في وجهي هذا ممّا أحبّ وأكره ، فأيّما أوقعت عليّ فيه قدرتك ، فمحمود فيه بلاؤك متّضح فيه قضاؤك ، وأنت تمحو ما

__________________

(1) إنسان العين 3 : 68 ـ 69.

٤٥

تشاء وتثبت وعندك أمّ الكتاب.

اللهمّ فاصرف عنّي مقادير كلّ بلاء ، ومقاصر كلّ لأواء ، وأبسط عليّ كنفا من رحمتك وسعة من فضلك ، ولطفا من عفوك حتّى لا أحبّ تعجيل ما أخّرت ولا تأخير ما عجّلت ، وذلك مع ما أسألك أن تخلفني في أهلي وولدي ، وصروف حزانتي بأحسن ما خلفت به غائبا من المؤمنين في تحصين كلّ عورة وستر كلّ سيّئة ، وحطّ كلّ معصية ، وكفاية كلّ مكروه ، وارزقني على ذلك شكرك وذكرك ، وحسن عبادتك ، والرّضا بقضائك ، يا وليّ المؤمنين ، واجعلني وما خوّلتني وولدي ، ورزقتني من المؤمنين والمؤمنات في حماك الّذي لا يستباح ، وذمّتك التي لا تخفر ، وجوارك الّذي لا يرام ، وأمانك الّذي لا ينقض ، وسترك الّذي لا يهتك ، فإنّه من كان في حماك وذمّتك وجوارك وأمانك وسترك كان آمنا محفوظا ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ » (1) .

وحكى هذا الدعاء مدى اعتصام الإمام 7 بالله تعالى والتجائه إليه وانقطاعه الكامل لإرادته ومشيئته.

إسلام همدان :

وانتهى الإمام مع الوفد العسكري إلى اليمن والتقى بزعماء اليمانيّين ووجوههم ، وعرض عليهم دعوة النبيّ 6 ، وشرح لهم محاسن الإسلام وما تنشده مبادئه من القيم الكريمة والمثل العليا ، وقد بهر اليمانيّون بكمال الإمام وفضله وأدبه فاستجابوا لدعوته ، وأعلنت همدان بأسرها الإسلام والتمسّك بقيمه ، وبذلك فقد كان الإمام رسول السلام الذي نجح في فتح اليمن بلا حرب (2) .

__________________

(1) مهج الدعوات : 94.

(2) أمالي المرتضى 1 : 292.

٤٦

فتح مكّة :

وكتب الله تعالى النصر المبين لعبده ورسوله محمّد 6 ، فقد أذلّ القوى المعادية من القرشيّين واليهود ، وامتدّت دولته على كثير من مناطق الجزيرة العربية ، فقد سادت فيها كلمة الإسلام ورفعت عليها راية التوحيد.

وقد رأى النبيّ 6 أنّه لا يتحقّق له النصر الحاسم والفتح المبين إلاّ بفتح مكّة التي هي قلعة الشرك والإلحاد والتي حاربته حينما كان فيها وحينما نزح عليها.

وسار النبيّ 6 بجيش مكثّف قوامه عشرة آلاف جندي مسلّح أو يزيد على ذلك ، وهو مزوّد بجميع آلات الحرب ، وقد أحاط اتّجاهه إلى مكّة بكثير من الكتمان ، فلم تعلم القطعات من جيشه اتّجاهها ، فقد خاف النبيّ أن تستعد قريش لمحاربته إن علمت بمسيرة جيوشه لاحتلال بلدهم فتراق الدماء في البلد الحرام ، فأخفى ذلك عليهم حتى يفاجئهم بجيشه فلا يتمكّنوا على مناهضته.

رسالة حاطب لقريش :

وكتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم فيه بتوجّه النبيّ 6 لاحتلال بلدهم ، وأعطى الكتاب إلى امرأة وأوصاها بالكتمان الشديد ، وجعل لها جعلا إن هي أوصلت الرسالة إلى القرشيّين ، فجعلت الكتاب في شعر رأسها وأخفته حتى لا يعلم به أحد ، ونزل الوحي على رسول الله 6 وأحاطه علما بالكتاب ، فاستدعى أخاه الإمام أمير المؤمنين 7 والزبير بن العوّام وأمرهما بالقبض على المرأة وأخذ الكتاب منها ، وسارع الإمام مع الزبير في السير حتى أدركا المرأة ، فسألاها عن الكتاب ، فأنكرت ذلك ، فصاح بها الإمام وزجرها قائلا :

« إنّي أحلف بالله ما كذب رسول الله 6 ولا كذّبنا ، لتخرجنّ الكتاب أو لنكشفنّك » ، فاستولى عليها الرعب وخافت فأخرجت الكتاب من شعر رأسها

٤٧

وأعطته للإمام ، وخفّ الإمام مع الزبير مسرعين إلى النبيّ فسلّماه الكتاب ، فدعا بحاطب ، فلمّا مثل عنده قال له :

« ما حملك على هذا؟ » .

وأبدى حاطب معاذيره للرسول 6 قائلا : يا رسول الله ، إنّي مؤمن بالله ورسوله ، ما غيّرت ولا بدّلت ، ولكن ليس لي في قريش أصل ولا عشيرة ، فصانعتهم عليه ».

وقبل النبيّ 6 معاذيره ، ونزلت الآية الكريمة في حقّه : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) الآية (1) » (2) .

في رحاب مكّة :

وسارعت الجيوش الإسلامية لا تلوي على شيء حتى انتهت إلى مشارف مكّة وأهلها غافلون لا يعلمون شيئا ، فقد أحاط النبيّ 6 مسيرته بكثير من التعتيم حفظا على السلام وعدم إراقة الدماء ، وأمر النبيّ جيشه بجمع الحطب ، فجمعت كميات هائلة ، فلمّا اختلط الظلام أمر بإشعال النار فيه ، فكان لهبها يرى في مكّة ، وفزع أبو سفيان وأوجس في نفسه خيفة منها ، فقال لبديل بن ورقاء ـ وكان إلى جانبه ـ :

ما رأيت كالليلة نيرانا قطّ؟

وبادر بديل قائلا :

وهذه والله! خزاعة حمشتها الحرب ..

وسخر أبو سفيان منه وراح يقول له :

__________________

(1) التحريم : 1.

(2) السيرة النبوية ـ ابن هشام 2 : 398.

٤٨

خزاعة أذلّ وأقلّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها واستولى عليه الفزع والخوف ، واطمأنت نفسه أنّها جيوش المسلمين جاءت لاحتلال مكّة.

العباس وأبو سفيان :

ولمّا علم العباس بقدوم الجيوش الإسلامية لاحتلال مكّة ، أوجس في نفسه خيفة على قومه القرشيّين ، وأخذ يحدّث نفسه قائلا : واصباح قريش ، والله! لئن دخل رسول الله 6 مكّة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه أنّه لهلاك قريش إلى آخر الدهر وجهد على أن يجد شخصا فيأتي إلى مكّة فيخبر أهلها بمكان رسول الله 6 فيخفّوا إليه ليطلبوا منه الأمن ، وبينما هو غارق في تيار من الهواجس والخوف على قومه إذ بصر بأبي سفيان فهتف به :

يا أبا حنظلة ...

وعرفه أبو سفيان فسارع قائلا :

أبو الفضل ..

نعم ..

فداك أبي وأمّي.

ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله في الناس واصباح قريش ...

وذعر أبو سفيان وجمد دمه ، وخاف على نفسه وقومه فبادر قائلا :

ما الحيلة فداك أبي وأمّي؟

وسارع العباس يدلّه على الطريق الذي يحافظ به على دمه قائلا له : والله! لئن ظفر بك رسول الله 6 ليضربنّ عنقك ، فاركب على عجز هذه البغلة حتى آتي بك إلى رسول الله 6 فأستأمنه لك.

فأردفه خلفه ، فكان كلّما مرّ على نار من نيران المسلمين قالوا : من هذا؟ فإذا

٤٩

رأوا بغلة رسول الله 6 ، قالوا : عمّ رسول الله ، وبصر به عمر بن الخطّاب فعرفه ، فصاح :

هذا أبو سفيان عدوّ الله ...

ثمّ صاح ثانيا :

الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ، ووجم أبو سفيان واضطربت خلجات قلبه وهام في تيارات من الهواجس ، وخاف على نفسه وقومه الذين لم يبقوا في قاموس الإساءة والمكروه شيئا إلاّ صبّوه على النبيّ وأصحابه.

وجرت مناوشات كلامية بين العباس وعمر في شأن أبي سفيان ، وبادر العباس إلى رسول الله 6 فأحاطه علما بأسر أبي سفيان ، فأمره النبيّ أن يذهب به إلى رحله ويأتي به عند الصباح ، وبات أبو سفيان ليلته مع العباس وهو وجل مضطرب قد أنفق ليله ساهرا.

أبو سفيان بين يدي النبيّ :

ولمّا اندلع نور الصبح أقبل العباس ومعه أبو سفيان ، فلمّا مثلا أمام النبيّ التفت إلى أبي سفيان فقال له :

« ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أنّه لا إله إلاّ الله ...؟ ».

ولم يعرض النبيّ 6 إلى ما عاناه من صنوف التنكيل والاضطهاد من أبي سفيان وقومه ، فقد أسدل الستار على ذلك لنشر الوئام وإفهامه بروح الإسلام التي لا تعرف الانتقام من الأعداء وراح أبو سفيان يتضرّع إلى النبيّ ويطلب منه العفو قائلا :

بأبي أنت وأمّي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، والله! لقد ظننت أنّه لو كان مع الله إله غيره لأغنى عنّي ..

٥٠

والتفت إليه النبيّ بلطف ورفق قائلا :

« ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أنّي رسول الله؟ ».

ولم يستطع أن يقرّ أبو سفيان بذلك ، فقد أترعت نفسه بالكفر والالحاد والنفاق ، فلم يستطع أن يخفي ما انطوى عليه ضميره وراح يقول :

بأبي أنت وأمّي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ، أمّا هذه فإنّ في النفس منها شيئا حتى الآن ...

وانبرى العباس لأبي سفيان ينذره ويتهدّده إن لم يستجب لدعوة الرسول قائلا : ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك ..

ولم يجد الخبيث بدّا فأعلن الإسلام بلسانه على كره خوفا من حدّ السيف ، وانطوى قلبه على الكفر والنفاق.

ألطاف النبيّ على أبي سفيان :

ووسعت رحمة النبيّ 6 أبا سفيان الذي هو ألدّ أعدائه وخصومه ، والذي أثار عليه الأحزاب وقاد الجيوش لحربه ، فقبل إسلامه المزيّف ، ولم يقابله بالمثل ، وقد أعطى النبيّ 6 بذلك مثلا لرحمة الإسلام وإيثاره للسلم.

والتفت العباس إلى النبيّ فطلب منه أن يسدي يدا على أبي سفيان قائلا :

يا رسول الله ، إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر فاجعل له شيئا؟

و استجاب الرسول لدعوة العبّاس ، وقال :

« نعم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ».

٥١

وربح أبو سفيان هذه الكرامة كما ربح لقومه العفو العامّ الذي لم يحدث له مثيل في جميع فترات التاريخ ، فقد غمرهم الرسول بألطافه وهم الذين جرّعوه ألوانا قاسية من المحن والخطوب.

أبو سفيان في مضيق الوادي :

وأمر النبيّ 6 العباس بحبس أبي سفيان في مضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمرّ عليه جنود الله فيراها حتى يحذّر قريشا من مناهضة النبيّ 6 ، وحبسه العباس في المضيق ، واجتازت عليه الكتائب وهي تحمل رايات النصر ، وكلّما مرّت عليه كتيبة سأل عنها فيعرّفه العباس بها ، واجتازت عليه كتيبة مدجّجة بالسلاح فقال للعباس :

يا عباس ، من هذه؟

سليم ..

ما لي ولسليم.

واجتازت عليه كتيبة أخرى فقال للعباس :

يا عباس ، ما هذه؟

مزينة ..

ما لي ولمزينة ..

ولمّا انتهت الكتائب مرّ عليه النبيّ 6 في كتيبة خضراء ، وهي في منتهى القوّة ، فقد شهرت السيوف على رأس الرسول ، وأحاطت به صناديد أصحابه ، فبهر أبو سفيان وقال للعباس :

من هذه الكتيبة؟

هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار ...

٥٢

ولم يملك أبو سفيان إعجابه وراح يقول للعباس :

ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما ...

فردّ عليه العبّاس قائلا :

يا أبا سفيان ، إنّها النبوّة ...

فهزّ أبو سفيان رأسه العفن وقال بسخرية :

نعم إذن (1) .

وما كان هذا الجاهلي ليفقه الإسلام ، وإنّما كان يفقه الملك والسلطان ، ثمّ أمر النبيّ بإطلاق سراح أبي سفيان ، فأطلق ، وولّى إلى مكّة.

نداء أبي سفيان :

وانطلق أبو سفيان مسرعا يسبق الجيش إلى مكّة وهو رافع عقيرته ينادي بأعلى صوته :

يا معشر قريش ، هذا محمّد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ..

فهبّت قريش قائلة :

وما تغني عنّا دارك؟

وهتف فيهم ثانيا :

من أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ..

فسكن روع القرشيّين وسارعوا إلى دورهم وإلى المسجد.

معارضة هند :

وانبرت هند زوج أبي سفيان وهي مذعورة قد ملأت نفسها بالألم والحزن ،

__________________

(1) السيرة النبوية ـ ابن هشام 2 : 403 ـ 404.

٥٣

فجعلت تثير عواطف القرشيّين وتستهين بزوجها قائلة : اقتلوا الحميت (1) الدنس قبّح من طليعة قوم.

وراح أبو سفيان يحذّر قريشا من مغبّة عصيانه ويحذّرهم من بطش المسلمين.

دخول النبي مكّة :

وسارعت جيوش المسلمين لدخول مكّة وهي فرحة مستبشرة بهذا النصر ، فإنّها لم تلق أيّة مقاومة من قريش ، وقد حمل الراية سعد بن عبادة ، وهو يلوّح بها في الفضاء ويهتف : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحلّ الحرمة ..

فسمعها عمر بن الخطّاب ـ كما يقول ابن هشام ـ فسارع إلى النبيّ 6 قائلا :

يا رسول الله ، اسمع ما قال سعد؟

فأمر النبيّ 6 بأخذ اللواء من سعد وإعطائه إلى الإمام أمير المؤمنين 7 ، فأخذه وأدخله إدخالا رقيقا ، ورفع صوته قائلا :

« اليوم يوم المرحمة ، اليوم تصان الحرمة ».

وعمّت الفرحة الكبرى جميع أوساط القرشيّين ، وأيقنوا أنّ النبيّ لا يؤاخذهم بما اقترفوه تجاهه من التنكيل والاعتداء.

النبي في الكعبة :

وسارع النبيّ 6 بعد دخوله مكّة إلى بيت الله الحرام ، فأغلق بوجهه عثمان ابن طلحة باب الكعبة وصعد على سطحها ، وأبى أن يدفع إليه المفتاح ، وبادر إليه الإمام 7 فلوى يده وأخذ المفتاح منه وفتحها للنبيّ 6 ، فصلّى فيها ركعتين (2) ثمّ

__________________

(1) الحميت : الشديد الدناسة.

(2) صبح الأعشى 4 : 269.

٥٤

سلّم المفتاح له ، و قال له : « يا عثمان ، اليوم يوم برّ ووفاء » (1) .

تطهير البيت من الأصنام :

ولمّا دخل النبيّ 6 البيت الحرام كان أوّل عمل قام به تحطيمه وإزالته للأصنام والأوثان التي اتّخذها القرشيّون آلهة يعبدونها من دون الله تعالى ، والتي تنمّ عن جهلهم وانحطاطهم الفكري ، وقد كانت الأصنام المعلّقة على الكعبة ثلاثمائة وستين صنما ، ولكلّ حيّ من العرب صنم خاصّ بهم.

و كان على جهة باب البيت المعظّم الصنم الأعلى لقريش وهو هبل ، فجعل النبيّ 6 يطعن بقوسه في عينه ، وهو يقول : « جاء الحقّ وزهق الباطل ، إنّ الباطل كان زهوقا » ثمّ أمر بتحطيمه وتطهير البيت منه ، وقد شقّ ذلك على أبي سفيان وغيره من عتاة القرشيّين ، ثمّ اعتلى النبيّ 6 على منكب الإمام 7 لتكسير الأصنام ، فعجز الإمام عن النهوض به ، فقال له الرسول :

« إنّك لا تستطيع حمل ثقل النّبوّة ، فاصعد أنت » ، فاعتلى الإمام على كاهل رسول الله 6 و قال الإمام : « لو شئت لنلت افق السّماء » ، وأقبل على الأصنام فجعل يقلعها ويرمي بها إلى الأرض ، ولم يبق إلاّ صنم خزاعة وكان موتدا بأوتاد من حديد ، فقال له الرسول : « عالجه » ، فعالجه الإمام وهو يقول :

« جاء الحقّ وزهق الباطل ، إنّ الباطل كان زهوقا » ، فعالجه حتى تمكّن منه فقذفه حتى تكسّر (2) ، وبذلك فقد تطهّر البيت الحرام من أصنام قريش على يد بطل الإسلام وقائد مسيرته الظافرة لقد حطّم الإمام الأصنام كما حطّمها جدّه إبراهيم خليل الله ، وقد نظم الشاعر الملهم محمّد بن أحمد الكتاب المعروف بـ « المفجع »

__________________

(1) السيرة النبوية ـ ابن هشام 2 : 412.

(2) إنسان العين 3 : 99 ـ 100.

٥٥

هذه المأثرة للإمام 7 بقوله :

وله من أبيه ذي الأيد اسما

عيل شبه ما كان عنّي خفيّا

إنّه عاون الخليل على الكعب

ة إذ شاد ركنها المبنيّا

ولقد عاون الوصيّ حبيب الل

ه إذ يغسلان منها الصفيّا

رام حمل النبيّ كي يقطع الأصنا

م من سطحها المثول الحبيّا (1)

فحناه ثقل النبوّة حتّى كاد

يناد تحته منئيّا (2)

فارتقى منكب النبيّ علي

صنوه ما أجلّ ذا المرتقيّا

فأماط الأوثان عن ظاهر الكعب

ة ينفي الأرجاس عنها نفيّا

ولو أنّ الوصيّ حاول مسّ النجم

بالكفّ لم تجده قصيّا (3)

إنّ تحطيم الأصنام وتطهير الكعبة منها أقسى ضربة موجعة للقرشيّين الذين تفانوا في عبادة الأوثان ، كما كان أعظم انتصار رائع للإسلام الذي جاء لتحرير العقول ونشر الوعي بين الناس ، فقد باءت بالفشل والخزي جميع المقاومات والاعتداءات على الإسلام ، وها هو يرفع رايته وينشر مبادئه العملاقة في ديارهم.

خطاب النبيّ :

وأحاطت جماهير أهالي مكّة بالرسول الأعظم 6 وهي تنتظر بفارغ الصبر ما يواجهونه منه ، فهل ينزل بهم العقاب الصارم ويقابلهم بالانتقام من جرّاء ما صبّوه عليه وعلى أتباعه المستضعفين من صنوف الخطوب والكوارث ، أو إنّه سيعفو عنهم ويقابلهم بالصفح الجميل؟ واعتلى الرسول 6 منصّة الخطابة واستمال الجمع إلى

__________________

(1) المثول : جمع ماثل ، أي المنتصب. الحبي : جمع حاب ، أي المرتفع.

(2) منئيا : أي مثقلا.

(3) معجم الأدباء 17 : 202.

٥٦

أذن صاغية ، فعرض 6 في خطابه إلى توحيد الله والثناء عليه وإلى نصره لدينه وهزيمته للمشركين ثمّ قال :

« يا معشر قريش ، إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهليّة وتعظيمها بالآباء. النّاس من آدم ، وآدم من تراب » ، ثمّ تلا قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) (1) .

« يا معشر قريش ، ما ترون أنّي فاعل بكم؟ ».

فهتفوا جميعا بلسان واحد :

خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم ...

فأصدر رسول الرحمة العفو عنهم قائلا : « اذهبوا فأنتم الطّلقاء » (2) .

وتمثّلت الرحمة والشرف والكرامة بجميع ما تحمل هذه الألفاظ من معنى في هذا العفو ، فلم يقابل أولئك الجفاة الجناة بالمثل وأعرض عمّا لاقاه منهم من صنوف الإساءة والأذى ، ولم يؤاخذهم بجرائمهم وآثامهم التي تقتضي أن يعدم رجالهم ويستصفي أموالهم ، ولا يترك لهم أي أثر أو وجود على الأرض.

غزوة حنين :

وفزعت هوازن كأشدّ ما يكون الفزع حينما وافتهم الأنباء بفتح النبيّ 6 مكّة ، وخضوع القبائل القرشية لحكم الإسلام ، فانبرى مالك بن عوف وهو زعيم هوازن فجمع قبيلته ، واستنجد ببعض القبائل العربية الاخرى وفي طليعتها ثقيف ،

__________________

(1) الحجرات : 13.

(2) السيرة النبوية ـ ابن هشام 2 : 412.

٥٧

فعرض عليهم الأخطار الهائلة التي ستواجههم من اتّساع الإسلام ، وأنّ النبيّ 6 سيزحف بجيوشه لاحتلالهم ، فآمن الجميع بدعوته واستجابوا لقوله ، وزحفت هوازن ومن تابعهم من القبائل لحرب النبيّ 6 ، وأوصاهم مالك بن عوف وهو القائد العامّ لجيوشهم فقال لهم : إذا رأيتموهم ـ أي المسلمين ـ فاكسروا جفون سيوفكم ، ثمّ شدّوا شدّة رجل واحد (1) .

ولمّا انتهت أنباؤهم إلى النبيّ 6 أوفد للقياهم عبد الله الأسلمي ، وأمره بالتعرّف على أنبائهم ، فمضى ، وعلم أنّهم مصمّمون على حرب النبيّ ، فقفل راجعا إلى مكّة ، وأخبر النبيّ بذلك ، فزحف بجيشه البالغ عدده اثني عشر ألفا ، وكان فيهم من لم يخاط الإسلام قلبه كأبي سفيان بن حرب وأمثاله من المنافقين والطامعين في الغنائم والأسلاب.

وتحرّك جيش النبيّ 6 من مكّة وقد وزّع الرايات على قادة جيشه ، وأعطى لواء المهاجرين إلى الإمام أمير المؤمنين 7 ، وسارعت جيوش المسلمين تطوي البيداء لا تلوي على شيء ، فانتهت إلى وادي حنين (2) .

فرار المسلمين :

وكانت هوازن قد أعدّت خطّة رهيبة ومحكمة للايقاع بالمسلمين ، فقد احتلّت وادي حنين وكمنت في شعابه ومضايقه ، فلمّا اجتازت عليهم جيوش المسلمين ، ولم يكونوا على علم بما دبّر لهم ، وثبت عليهم هوازن من كلّ زاوية في الوادي ، فجفل المسلمون وانهزموا هزيمة منكرة لا يلوي أحد منهم على أحد ،

__________________

(1) السيرة النبوية ـ ابن هشام 2 : 439.

(2) وادي حنين : موضع قريب من مكّة ، وقيل : هو واد قبل الطائف بجنب ذي المجاز ، وقال الواقدي : بينه وبين مكّة ثلاث ليالي ، جاء ذلك في معجم البلدان 2 : 313.

٥٨

وانحاز رسول الله 6 ذات اليمين ، وجعل يدعو المسلمين إلى الثبات والصبر على الجهاد وعدم الفرار قائلا :

« أيّها النّاس ، إليّ أنا رسول الله محمّد بن عبد الله » (1) .

بسالة الإمام :

وأبدى الإمام أمير المؤمنين 7 من البسالة ما لا يوصف ، فقد أخذ يجول في الميدان يجندل الأبطال ، وينزل بهم أفدح الخسائر ، وقد أجمع الرواة أنّه كان من أصلب المدافعين عن النبيّ 6 (2) ، وناول الإمام 7 النبيّ 6 قبضة من التراب ، فرمى بها وجوه المشركين من هوازن وغيرهم (3) ، والتحم الإمام مع المشركين التحاما شديدا ، وقد التحق به مائة رجل من فرسان المسلمين فقاتلوا قتالا أهونه الشديد ، و لمّا رأى النبيّ 6 ذلك قال :

« أنا النّبي لا كذب

أنا ابن عبد المطّلب »

الآن حمى الوطيس (4) ، واشتدّ الحرب ، فسقطت الرءوس والأيدي.

شماتة أبي سفيان وصفوان :

وسرّ المنافقون بهزيمة المسلمين وطاروا فرحا ، وأبدى أبو سفيان رأس المنافقين شماتته بذلك فقال : لا تنتهي هزيمتهم ـ أي هزيمة المسلمين ـ دون البحر.

كما أبدى المنافق صفوان بن أميّة شماتته بانهيار جيش المسلمين قائلا :

__________________

(1) الكامل في التاريخ 2 : 178.

(2) مجمع الزوائد 6 : 180.

(3) تاريخ بغداد 4 : 334. مجمع الزوائد 6 : 182.

(4) الوطيس : هو التنّور ، وقيل : هي الحجارة التي يوقد عليها النار ، وهو كناية عن اشتداد الحرب.

٥٩

الآن بطل السحر (1) .

هزيمة المشركين :

ولمّا بلغت قلوب المسلمين الحناجر وزلزلوا زلزالا شديدا وساد عليهم الجزع والخوف نصر الله تعالى رسوله الكريم فقتل من المشركين سبعون رجلا من أبطالهم وانهزم الباقون شرّ هزيمة ، ولاحقتهم جيوش المسلمين فأشاعت فيهم القتل وأسرت جماعة منهم (2) ، وكان النصر المؤزّر على يد بطل الإسلام وحامي حوزته الإمام أمير المؤمنين 7 ، وبذلك فقد انتهت هذه المعركة التي كانت من أعنف المعارك ومن أشدّها هولا وقسوة ، وبها قد انتصر الإسلام انتصارا حاسما وهابته جميع قبائل الشرك.

الغنائم :

وبعد ما وضعت الحرب أوزارها ارتحل الرسول 6 من أرض المعركة إلى الجعرانة ، فأتته وفود هوازن طالبين منه أن يردّ عليهم ما أخذ منهم ، فخيّرهم بين أبنائهم ونسائهم وبين أموالهم ، فاختاروا أبناءهم ونساءهم ، وانبرى زهير أبو حرد من بني سعد فقال : يا رسول الله ، إنّما في الحظائر عمّاتك وخالاتك ، وحواضنك اللاّتي كنّ يكفلنك ، ولو أنّا أرضعنا الحارث بن أبي شمر الغسّاني أو النعمان بن المنذر لرجونا عطفه ، وأنت خير المكفولين ، ثمّ قال :

امنن علينا رسول الله في كرم

فإنّك المرء نرجوه وندّخر

امنن على نسوة قد عاقها قدر

ممزّق شملها في دهرها غير (3)

__________________

(1) الكامل في التاريخ 2 : 178.

(2) السيرة النبوية ـ ابن هشام 4 : 66.

(3) الكامل في التاريخ 2 : 182.

٦٠