حديث الغدير

حديث الغدير0%

حديث الغدير مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 43

  • البداية
  • السابق
  • 43 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14631 / تحميل: 3806
الحجم الحجم الحجم
حديث الغدير

حديث الغدير

مؤلف:
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
العربية

11 - أبو يعلى الموصلي، صاحب المسند.

12 - محمّد بن جرير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ المشهورين المعروفين.

13 - أبو حاتم ابن حبّان، صاحب الصحيح.

14 - أبو القاسم الطبراني، صاحب المعاجم الثلاثة.

15 - الحافظ أبو الحسن الدارقطني، الذي كان إمام وقته في بغداد، ويلقّبونه بأمير المؤمنين في الحديث.

16 - الحاكم النيسابوري، صاحب المستدرك.

17 - ابن عبد البر، صاحب الاستيعاب.

18 - الخطيب البغدادي، صاحب تاريخ بغداد.

19 - أبو نعيم الاصفهاني، صاحب حلية الأولياء ودلائل النبوة وغيرهما من الكتب.

20 - أبو بكر البيهقي، صاحب السنن الكبرى.

21 - البغوي، صاحب مصابيح السنّة.

22 - جار الله الزمخشري، صاحب الكشّاف في التفسير.

23 - ابن عساكر الدمشقي، صاحب تاريخ دمشق.

24 - الفخر الرازي، صاحب التفسير المعروف.

25 - الضياء المقدسي، صاحب المختارة.

٢١

26 - ابن الأثير الجزري، صاحب أُسد الغابة.

27 - أبو بكر الهيثمي، الحافظ الكبير، صاحب مجمع الزوائد.

28 - الحافظ المزّي، صاحب كتاب تهذيب الكمال، وهو حافظ كبير من حفّاظهم.

29 - الحافظ الذهبي، صاحب تلخيص المستدرك وغيره من الكتب.

30 - الحافظ الخطيب التبريزي، صاحب مشكاة المصابيح.

31 - نظام الدين النيسابوري، صاحب التفسير المعروف.

32 - ابن كثير الدمشقي، صاحب التاريخ والتفسير.

33 - الحافظ ابن حجر العسقلاني، يلقّبونه بشيخ الإسلام، وهو إنصافاً عالم من علمائهم، يعتمد عليه في النقل وينظر إلى كلماته ككلمات عالم، أنا بنظري إنّ ابن حجر العسقلاني عالم محترم، هذا صاحب فتح الباري في شرح البخاري وغيره من الكتب.

34 - العيني الحنفي، صاحب عمدة القاري في شرح صحيح البخاري.

35 - الحافظ جلال الدين السيوطي، صاحب المؤلفات الكثيرة المعروفة.

٢٢

36 - ابن حجر المكّي، صاحب الصواعق المحرقة في الردّ على الشيعة.

37 - الشيخ علي المتقي الهندي، صاحب كنز العمّال.

38 - الشيخ نور الدين الحلبي، صاحب السيرة الحلبية.

39 - شاه ولي الله الدهلوي، صاحب المؤلفات الكثيرة، هذا يسمّونه بعلاّمة الهند، ويعتمدون على مؤلّفاته وينقلون عنها.

40 - شهاب الدين الخفاجي، رجل محقق محدّث أديب، له شرح على الشفاء للقاضي عياض وله تعليقة على تفسير البيضاوي أيضاً وهما كتابان معتبران.

41 - الزبيدي، صاحب تاج العروس.

42 - أحمد زيني دحلان، صاحب السيرة الدحلانيّة المعروفة.

43 - الشيخ محمّد عبده المصري، صاحب التفسير وشرح نهج البلاغة والآثار الاُخرى.

هؤلاء أشهر مشاهير رواة حديث الغدير في القرون المختلفة.

دواعي عدم نقل الحديث :

وهنا فصلٌ لابدّ من التعرّض له بإيجاز، وذلك أنّه لو يراجع

٢٣

الباحث الحر المنصف أسانيد حديث الغدير وألفاظه، ومتون هذا الحديث، لوجد في متون الحديث قرائن كثيرة تدلّ على أنّ الدواعي إلى عدم نقله أو الموانع عن نقله كثيرة، فمثلاً:

يقول الراوي: رأيت ابن أبي أوفى وهو في دهليز له بعد ما ذهب بصره، فسألته عن حديث، فقال: إنّكم يا أهل الكوفة فيكم ما فيكم، قلت: أصلحك الله إنّي لست منهم، ليس عليك منّي عار، فلمّا اطمأنّ بي قال: أيّ حديث تريد؟ قال: قلت: حديث علي في غدير خم (1) . هذا من الصحابة.

ويقول الراوي: أتيت زيد بن أرقم فقلت له: إنّ خَتَناً لي [ أي صهراً ] حدّثني عنك بحديث في شأن علي يوم غدير خم، فأنا أُحبّ أنْ أسمعه منك، فقال: إنّكم معاشر أهل العراق فيكم ما فيكم، فقلت له: ليس عليك منّي بأس، فقال: نعم، عندما اطمأنّ قال: نعم كنّا بالجحفة إلى آخر الحديث، قال: فقلت له: هل قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: إنّما أُخبرك بما سمعت. هذا الحديث في المسند (2) .

قارنوا هذا الحديث الوارد في المسند عن زيد بن أرقم، مع

__________________

(1) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي: 16.

(2) مسند أحمد 4 / 368.

٢٤

الحديث الذي قرأناه في أوّل البحث عن زيد بن أرقم، إنّه لم يرو هنا هذه القطعة في ذيل الحديث، لكنْ هناك قال: نزلنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بواد يقال له غدير خم إلى آخره، قال: « فمن كنت مولاه، فإنّ عليّاً مولاه، اللهمّ عاد من عاداه ووال من والاه ». وهذا أيضاً في المسند (1) .

فأحمد يروي الحديثين بفاصل أوراق معدودة، في أحدهما لا يذكر زيد بن أرقم هذه القطعة الأخيرة من الحديث لهذا الشخص، لكنْ هناك للشخص الآخر يروي هذه الجملة أيضاً.

وسأقرأ لكم حديثاً آخر عن المعجم الكبير للطبراني، سترون أنّ زيد بن أرقم يروي هذه القطعة أيضاً لذلك الراوي الآخر.

يقول الراوي أيضاً: قلت لسعد بن أبي وقّاص - الذي هو من رواة حديث الغدير، ومن كبار الصحابة، وأحد العشرة المبشرة كما يقولون -: إنّي أُريد أنْ أسألك عن شيء، وإنّي أتّقيك - يظهر التقيّة موجودة بينهم حتّى من أنفسهم هم - قال: سل عمّا بدا لك فإنّما أنا عمّك، قال: قلت مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيكم يوم غدير خم، فجعل سعد يحدّثه بالحديث (2) .

__________________

(1) مسند أحمد 4 / 372.

(2) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 620.

٢٥

لكنّ الراوي عندما يريد أن يسأله يقول: اُريد أن أسألك عن شيء وإنّي أتّقيك.

أُنظر إلى الظروف المحيطة بقضيّة حديث الغدير، وكيف كانوا يريدون التوصّل إلى هذا الحديث بهذه الأساليب.

يقول الراوي عندما وقف شخص على حلقة فيها زيد بن أرقم قال: أفي القوم زيد؟ قالوا: نعم هذا زيد، فقال: أُنشدك بالله الذي لا إله إلاّ هو يا زيد، أسمعت رسول الله يقول لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: نعم، فانصرف الرجل.

وكأنّه عندما يريد أن يسأل زيداً لابدّ وأنْ يحلّفه حتّى يحكي له الواقع كما سمع من رسول الله. هذا الحديث في المعجم الكبير للطبراني.

فإلى هنا انتهينا ممّا يتعلّق بسند حديث الغدير ومتن حديث الغدير.

إثبات التواتر اللفظي لحديث الغدير :

ورأينا أنّ هذا الحديث حديث متواتر، بل لقد تجاوز حدّ التواتر بأضعاف مضاعفة، والتواتر كما تعلمون على أقسام:

٢٦

تارة التواتر لفظي.

وتارة التواتر إجمالي.

وتارة التواتر معنوي.

وبقرينة ذكر القوم هذا الحديث في كتبهم المتعلّقة بالأحاديث المتواترة يظهر أنّ هذا الحديث بهذا اللفظ متواتر، وهذا شيء مهم، لأنّهم في كتب الحديث وعلم دراية الحديث - إذا راجعتم - يقولون بأنّ التواتر اللفظي قليل جدّاً، حتّى أنّهم يحصرون التواتر اللفظي بحديث إنّما الأعمال بالنيّات فقط، وربّما أضافوا إلى هذا الحديث حديثاً آخر، هكذا يدّعون، ويقولون بأنّ الأحاديث الواصلة إلينا من رسول الله هي وإن كانت متواترة إلاّ أنّها متواترة معنى أو إجمالاً، هذا في أكثر الأحاديث الواصلة إلينا التي يمكننا أن ننسبها إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقطع واليقين.

إلاّ أنّ حديث الغدير بهذا اللفظ متواتر، وهذا شيء له أهميّته، ولابدّ من الدقّة في هذه النقطة فإنّها أمر مهم.

فانتهينا إذن، من لفظ الحديث ومتنه، وانتهينا من سنده، وأنّه متواتر قطعاً.

وقد نصّ الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب كتاب التحفة الإثنا عشرية.

٢٧

هذا الكتاب الذي طبع مختصره بالعربية بقلم الآلوسي البغدادي، ونشره بعض أعداء الدين مع تعاليق شحنها بالسباب والشتائم وبالشحناء والبغضاء لأهل البيت ولشيعتهم.

يقول المولوي عبد العزيز الدهلوي في كتابه التحفة الإثنا عشرية: إنّ الحديث إذا وصل حدّ التواتر وأصبح قطعي الصدور عن رسول الله، كان بمنزلة آية قرآنيّة، فكما أنّ القرآن الكريم مقطوع الصدور من الله سبحانه وتعالى، ولا ريب في أنّ هذا القرآن مقطوع الصدور من الله سبحانه وتعالى، ولا ريب في هذا القرآن وفي ألفاظه ووصول القرآن الكريم إلينا بالتواتر القطعي، فكلّ حديث يروى عن رسول الله ويصل إلينا بأسانيد تفيد القطع واليقين يكون هذا الحديث بحكم الآية القرآنيّة وبمثابة القرآن الكريم.

إذن أصبح قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » بمثابة آية في القرآن الكريم من حيث أنّه مقطوع الصدور.

دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام :

حينئذ، لابدّ من بيان وجه الاستدلال بهذا الحديث المتواتر قطعاً على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام .

وجه الاستدلال بهذا الحديث يتلخّص في أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد أنْ

٢٨

أخذ منهم الإقرار وأشهدهم على أنّه أولى بهم من أنفسهم، مشيراً إلى قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (1) ، مقتضى هذه الآية المباركة كون النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم في كلّ مالهم الولاية عليه، فأخذ منهم الإقرار على هذا المعنى، ثمّ فرّع على ذلك بقوله: « فمن كنت وليّه » ويوجد في بعض الألفاظ « فمن كنت أميره » « فعليّ مولاه » « فعليّ وليّه » « فعليّ أميره » إلى آخره، فأثبت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي ما ثبت له من الأولويّة بالناس من الناس، أي من أنفسهم، ثمّ إنّهم جميعاً بايعوه على هذا وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، وهنّأوه، ونظمت فيه الأشعار.

ومحور الاستدلال بحديث الغدير كلمة « مولى »، ومجيء هذه الكلمة بمعنى « الأولى »، وذلك موجود في القرآن الكريم في سورة الحديد، موجود في الأحاديث النبوية المعتبرة حتّى في الصحيحين، موجود في الأشعار العربية والاستعمالات الفصيحة.

وحينئذ، يتمّ الاستدلال على ضوء الكتاب والسنّة والاستعمالات العربية الصحيحة الفصيحة.

__________________

(1) سورة الأحزاب: 6.

٢٩

وإذا كان أمير المؤمنين بمقتضى هذا الحديث أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فكلّ من عدا رسول الله، كلّ من كان مؤمناً عدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كان مؤمناً حقيقة أو ادّعي له الإيمان، فعليّ أولى به من نفسه، بما فيهم كبار الصحابة ومشايخ القوم و إلى آخره.

هذا وجه الاستدلال.

لكن في مقام الاستدلال لابدّ وأنْ ننتظر، ولننظر ماذا يقولون في مقابل هذا الاستدلال، وتلك هي الجهة الثانية.

فتلخص إلى هنا: إنّ حديث الغدير له جذور في القرآن الكريم، جذور في السنّة النبويّة المعتبرة القطعيّة المتفق عليها بين الفريقين، وجذور أيضاً في الاخبار والآثار.

وما أكثر المناشدات والاحتجاجات بحديث الغدير، من أمير المؤمنين أوّلاً، ومن الزهراء البتول بضعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن الأئمّة الأطهار، ومن كبار الصحابة، والعلماء، وأيضاً في الأشعار الكثيرة، من كبار شعراء الصحابة أنفسهم وحتّى القرون المتأخّرة، فلحديث الغدير هكذا جذور.

ولو أردنا أن ندخل في هذا الباب لطال بنا المجلس، لأنّ المناشدات وحدها تحتاج إلى أكثر من مجلس في نظري، واحتجاج الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها بحديث الغدير وهي

٣٠

بضعة رسول الله، وكونها بضعة رسول الله ليس بالشيء الهيّن.

قول رسول الله: « فاطمة بضعة منّي » هذا الحديث موجود في الصحاح، ولاجل هذا الحديث نصّ غير واحد من أعلام القوم على أفضليّة الزهراء حتّى من الشيخين، تعلمون أنّهم يؤخّرون عليّاً عن عثمان، وعثمان متأخّر عن الشيخين، ويجعلون الفضيلة والأفضليّة بترتيب الخلافة، هذا هو المشهور بينهم، لكنّ الزهراء سلام الله عليها يفضّلها بعضهم على الشيخين، بمقتضى حديث « فاطمة بضعة منّي » وعندما نصل إلى بحث الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها سأطرح لكم تلك الكلمات، لأنّها مهمّة للغاية.

فهي الاُخرى أيضاً احتجّت بحديث الغدير.

وهذا كلّه بغضّ النظر عن شواهد حديث الغدير، فلحديث الغدير شواهد كثيرة في السنّة القطعيّة، منها حديث الولاية الذي سنبحث عنه في ليلة وقد جعلناه موضوعاً مستقلاً، سنبحث عنه سنداً ودلالة إن شاء الله تعالى. فهذا هو الحديث.

٣١

الجهة الثانية:

الجهود التي بذلت في سبيل إبطال هذا الحديث

وفي الجهة الثانية: تعلمون بأنّ علماء القوم يحاولون تبرير الواقع التاريخي، يحاولون توجيه ما وقع، يقول الله سبحانه وتعالى: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) لكن القوم يحاولون أنّ يبرّروا ما فعلوا، فكانوا مصاديق لهذه الآية المباركة، فلننظر ماذا يقولون تجاه حديث الغدير:

مسألة أن علياً عليه‌السلام لم يكن في حجة الوداع :

ولعلّكم تتعجّبون أو تضحكون ممّن يقول - قبل كلّ شيء -: بأنّ عليّاً لم يكن في حجة الوداع، كان عليّ في اليمن في ذلك

٣٢

الوقت، فكلّ حديث ورد فيه أنّه أخذ بيد عليّ وجعل يعرّفه إلى الناس ويقول: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، هذه الأحاديث كلّها كاذبة، لأنّ عليّاً كان باليمن، تستغربون لو قلت لكم أنّ القائل بهذا القول هو الفخر الرازي.

لكن من حسن الحظ أنّ مثل ابن حجر المكّي صاحب الصواعق (1) يردّ هذا الكلام، وكذا شرّاح الحديث الذين نرجع إليهم دائماً في فهم الأحاديث.

وهذا ديدني في بحوثي، أرجعُ إلى مثل المنّاوي صاحب فيض القدير الشارح للجامع الصغير، أرجعُ إلى الشيخ علي القاري الشارح للشفاء للقاضي عياض، وصاحب المرقاة في شرح المشكاة، وهكذا أرجعُ إلى الشروح كشرح المواهب اللدنيّة وصاحبه الزرقاني المالكي، أرجعُ إلى هؤلاء لأنّهم شرّاح الحديث، وأهل فهم الحديث، وكلماتهم حجّة في شرح الحديث وبيان معاني الأحاديث النبويّة، أرجع إليهم إحتجاجاً بكلماتهم وإلزاماً للقوم بأقوال علمائهم.

__________________

(1) الصواعق المحرقة: 25.

٣٣

يقول علي القاري في المرقاة في شرح المشكاة (1) بأنّ هذا القول باطل، لثبوت أنّ عليّاً رجع من اليمن، وكان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجّة الوداع.

وفي الصحاح أيضاً حديث بقضيّة الخروج من الإحرام، كلّهم يروون هذا الحديث، أصحاب الصحاح الستّة وغيرهم، وفيه: إنّ عليّاً كان مع رسول الله في حجّة الوداع.

فقول الفخر الرازي بأنّ عليّاً كان في اليمن في ذلك الوقت، يدلّ من جهة أُخرى على صحّة هذا الحديث، وتماميّة دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين.

مسألة عدم التسليم بصحة حديث الغدير :

ثمّ هناك محاولة أُخرى لردّ حديث الغدير، يقول بعضهم: لا نسلّم صحّة هذا الحديث، ومن هؤلاء الفخر الرازي أيضاً.

وقد ذكرنا عدّة من أعلام القوم الذين ينصّون على تواتر حديث الغدير، ويذكرون حديث الغدير في كتبهم المختصة بالأحاديث المتواترة.

__________________

(1) المرقاة في شرح المشكاة 5 / 574.

٣٤

مسألة عدم تواتر حديث الغدير :

هناك مطلب ثالث، يقوله ابن حزم الأندلسي وبعض أتباعه، وترون الشيخ سليم البشري المالكي يقوله في مراجعته للسيّد شرف الدين، يقول: بأنّكم معاشر الإماميّة تذهبون إلى أنّ الإمامة من أُصول الدين، ولا ريب أنّ أُصول الدين لا تثبت إلاّ بالأخبار المتواترة أو الأدلّة القطعيّة، وحديث الغدير لا نوافق على تواتره، فإذن، لا تثبت بحديث الغدير إمامة علي.

ويتلخص هذا الإشكال في إنكار تواتر حديث الغدير، الإشكال السابق كان إنكار صحّة حديث الغدير، فيسلّم هؤلاء بصحّة حديث الغدير، إلاّ أنّهم يناقشون في تواتره، فإذا لم يتم تواتر حديث الغدير لم يتم الاستدلال به على إمامة علي، لأنّ الحديث الظنّي وإنْ كان صحيحاً، وإن كان معتبراً، لا يثبت لنا أصلاً من أُصول الدين، إذْ لابدّ في أُصول الدين من القطع واليقين، والحديث الظنّي لا يفيد القطع، إذن، لا يثبت به أمر قطعي.

وهذا الإشكال إشكال أساسي إن تمّ نفي تواتر حديث الغدير، لكنّنا نلزمهم بمثل تصريح الذهبي، وابن كثير، وابن الجزري،

٣٥

والسيوطي، والكتّاني، والزبيدي، والمتقي الهندي، والشيخ علي القاري، وغيرهم، بتواتر حديث الغدير.

أمّا ابن حزم فقد ذكروا في ترجمته إنّه كان من النواصب، وأيضاً: يذكرون بترجمته إنّ لسان ابن حزم وسيف الحجّاج شقيقان، والاشقى منه من يتّبعه فيما يقول ويستند إلى كلماته وإلى أباطيله، وليس المجال الآن يسع لأكثر من هذا، وإلاّ لذكرت لكم بعض أباطيل هذا الرجل، لذكرت لكم كلامه المقتضي للحكم بكفر هذا الشخص.

إذن، هذا الاشكال أيضاً يندفع باعتراف كبار أئمّة القوم بتواتر حديث الغدير.

مسألة مجيء « المولى » بمعنى « الأولى »

عمدة الاشكال: مسألة المولى ومجيء هذه الكلمة بمعنى « الأولى ».

يقول الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب كتاب التحفة الإثنا عشرية: بأنّ لفظة مولى لا تجيء بمعنى الأولى بإجماع أهل اللغة.

فهو ينفي مجي المولى بمعنى الأولى، ويدّعي إجماع أهل

٣٦

اللغة على هذا النفي.

نقول في الجواب:

أوّلاً: قد لا نستدلّ بالحديث المشتمل على لفظ المولى، ونستدلّ بالأحاديث الاُخرى التي جاءت بلفظ « الولي » و « الأمير » ونحو ذلك من الألفاظ.

وثانياً: نقول بأنّ الحديث يفسّر بعضه بعضاً، فالألفاظ الاُخرى رافعة للإبهام المدّعى وجوده في هذا اللفظ، ولا تبقى حينئذ مشكلة.

الجواب الثالث: الآية الكريمة الموجودة في سورة الحديد في القرآن الكريم، والاحاديث الصحيحة الموجودة حتّى في الصحيحين، الدالة على مجيء كلمة المولى بمعنى الأولى، لكنّ الورود في بحث مجيء المولى بمعنى الأولى على ضوء القرآن والحديث والأشعار العربية وغير ذلك يتطلّب وقتاً، ونحن لا يسعنا أن ندخل في ذلك البحث، غاية ما هناك نكتفي الآن بذكر أسامي عدّة من كبار علماء اللغة والتفسير والأدب - وهم من أهل السنّة - يصرّحون وينصّون على مجيء مولى بمعنى الأولى، فمنهم:

1 - أبو زيد الأنصاري، اللغوي المعروف.

٣٧

2 - أبو عبيدة البصري معمر بن المثنى.

3 - أبو الحسن الأخفش.

4 - أبو العباس ثعلب.

5 - أبو العباس المبرّد.

6 - أبو إسحاق الزجّاج.

7 - أبو بكر ابن الأنباري.

8 - أبو النصر الجوهري، صاحب كتاب صحاح اللغة.

9 - جار الله الزمخشري، صاحب الكشّاف.

10 - الحسين البغوي، صاحب التفسير وصاحب مصابيح السنّة.

11 - أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي.

12 - البيضاوي، صاحب التفسير المعروف.

13 - النسفي، صاحب التفسير المعروف.

14 - أبو السعود العمادي، صاحب التفسير المعروف.

وأيضاً، ممّن ينصّ على مجيء المولى بمعنى الأولى من العلماء الآخرين الذين سجّلت أسماءهم هنا:

15 - شهاب الدين الخفاجي، الذي ذكرته لكم.

٣٨

وأيضاً بعض المحشّين والمعلّقين من كبار العلماء والمدرّسين في تعاليقهم على تفسير البيضاوي.

ويكفي هذا المقدار للجواب عن هذه الشبهة.

إذن، يتلخص الجواب عن هذه الشبهة بالقرآن الكريم، فنفس كلمة المولى موجودة فيه وقد فسّرت بالأولى، في سورة الحديد قوله تعالى: ( هِيَ مَوْلاكُمْ ) أي النار ( وَبِئْسَ المَصِيرُ ) (1) يفسّرون الكلمة ب‍: هي أولى بكم وبئس المصير، والأحاديث أيضاً كثيرة، والأشعار العربيّة الفصيحة موجودة، وكلمات اللغويين أيضاً موجودة.

فارجعوا: إلى كتاب عبقات الأنوار، ونفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - في قسم حديث الغدير - وارجعوا إلى كتاب الغدير للشيخ الأميني رحمة الله عليه، التفاصيل موجودة هناك، ولا أعتقد أنّ من العسير عليكم الحصول على تلك المطالب.

مسألة دلالة حديث الغدير على إمامة علي عليه‌السلام بعد عثمان :

وإذ رأوا أنْ لا جدوى في هذه المزاعم وفي هذه المناقشات،

__________________

(1) سورة الحديد: 15.

٣٩

رأوا أنْ لا فائدة في إنكار وجود علي في يوم الغدير، رأوا أنْ لا فائدة في إنكار تواتر حديث الغدير، رأوا أنْ لا فائدة في إنكار مجيء المولى بمعنى الأولى، إذن، يضطرّون لانْ يسلّموا بدلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين وكونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم كالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لكنّهم لا يريدون أن يعترفوا، فقالوا: سلّمنا بأنّ الحديث يدلّ على الإمامة، لكنْ، لتكنْ الإمامة لعلي بعد عثمان كما هو الحال الواقع، فالحديث يدلّ على الإمامة، لكنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أراد إمامته بعد عثمان!! فهم يسلّمون بدلالة حديث الغدير على الإمامة، لكن يحملون الإمامة على المرتبة الرابعة، بأنْ يكون علي بعد عثمان، والشيخان أفضل من عثمان عندهم، وعثمان أفضل من علي أو لا؟ فعندهم خلاف، وبعضهم يفضّل عليّاً على عثمان.

ولكن عندي - وأعتقد بيني وبين ربّي بحسب أحاديثهم - إنّ عثمان أفضل من الشيخين، هذا ما أعتقده بحسب أحاديثهم، وهذه دعوى لابدّ من إثباتها في وقت وفي فرصة تسنح لطرح مثل هذا البحث، وله أثره، لأنّه في النتيجة، إذا كان عليّ أفضل من عثمان - كما هو قول عدّة كبيرة من أعلامهم - فيكون عليّ أفضل من الكلّ

٤٠